«القدس» هنا عاشت البتول وماتت.. منزلها بجوار كنيسة القيامة شهد اللحظات الأخيرة من حياتها
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
على بُعد أمتار قليلة من كنيسة القيامة، أقدم الكنائس المسيحية التى عرفتها البشرية، يقع مبنى بسيط مكون من دور واحد فقط يُعرف باسم بيت السيدة العذراء مريم الذى عاشت فيه مدة 15 عاماً بعد قيامة السيد المسيح، حسب الاعتقاد المسيحى، ويخضع لإشراف كنيسة الروم الأرثوذكس، وفق حديث أديب الحسينى، عميد الأسرة المسلمة حاملة مفاتيح كنيسة القيامة.
وقال «أديب»، لـ«الوطن»، إن المنزل الذى يقع مقابل كنيسة القيامة بالقرب من منطقة الجثمانية هو المنزل الحقيقى للسيدة العذراء الذى عاشت فيه تعبد الله مدة خمسة عشر عاماً، وهو المنزل الذى شهد اللحظات الأخيرة من حياة أطهر نساء الأرض، مؤكداً أن الغالبية من الطوائف المسيحية تحتفى بعيد رقاد السيدة مريم العذراء، وصعود جسدها إلى السماء بعد وفاتها بثلاثة أيام فى مدينة بيت المقدس، لذلك تتوالى الاحتفالات فى شهر أغسطس بإقامة الصلوات والنهضات والألحان والترانيم المسيحية الشهيرة التى يرددها المسيحيون من كافة بقاع العالم ومعهم المسلمون أيضاً.
وأضاف: «المنزل مكون من طابق واحد، ويوجد به بعض الآثار التى يُعتقد أن السيدة مريم العذراء استخدمتها فى حياتها اليومية، فضلاً عن وجود تابوت زجاجى يحتوى على واحدة من أقدم الأيقونات المسيحية والمصنوعة من الفضة والذهب يزينها مجموعة متنوعة من الصلبان من عصور زمنية مختلفة، وتمثل السيدة مريم العذراء وهى تحمل رضيعها السيد المسيح».
تُشعَل قناديل زيت الزيتون احتفالاً بصعود جسدها فى شهر أغسطس من كل عامكما يتضمن المنزل عدداً كبيراً من الأيقونات القبطية القديمة التى تمثل تلاميذ السيد المسيح الاثنى عشر، إضافة إلى الثريات والقناديل التى تضاء بالزيت. وفى كل عام، ومع اقتراب موعد الاحتفال بعيد رقاد السيدة مريم العذراء، تُفتح أبواب المنزل أمام الزائرين والراغبين فى الحصول على بركة المكان، وتبدأ العظات حول قصة رقود العذراء وصعود جثمانها إلى السماء.
وعلى سفح جبل الزيتون بالقدس، بالقرب من بستان الجثمانية مقابل المسجد الأقصى، تقع كنيسة الجثمانية المعروفة باسم كنيسة كل الأمم، التى بُنيت فى القرن الماضى على أنقاض كنيسة قديمة بُنيت وهُدمت أكثر مرة على مدى عصور طويلة ساحقة، ويُعتقد أنها بُنيت على الصخرة التى جلس عليها السيد المسيح وبداخلها يقع قبر السيدة العذراء مريم، ووالديها القديسة حنة ويواقيم، وقبر القديس يوسف النجار.
ومع بداية شهر أغسطس يتم تزيين قبر السيدة العذراء، وهو احتفال سنوى يشارك فيه معظم الطوائف المسيحية، إذ توضع الزهور والأيقونات والشموع على مقبرتها، وتنشط رحلات الحجاج إلى الكنيسة بالتزامن مع الاحتفالات بعيد صعود جسد السيدة العذراء، إذ تضاء سلالم الكنيسة بالشموع، وتُشعَل القناديل التى تعمل بزيت الزيتون، وهى رمزية للإيمان، ويمثل القنديل الإنسان، والزيت يمثل الإيمان المسيحى، وفق ما قال المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس ومطران القدس.
وتتجه الطوائف المسيحية للاحتفال بعيد صعود جسد السيدة العذراء إلى السماء بكنيسة كل الأمم، إذ تقام القداسات الإلهية والنهضات داخل منطقة قبر السيدة مريم العذراء، وتكثر الألحان والترانيم، ويتوجه بعدها المؤمنون لكتابة الطلبات والشكاوى التى يرغبون فى التعبير عنها ويتركونها للقديسة لحلها.
وخلال فترة الاحتفالات الخاصة بعيد صعود جسد السيدة العذراء يحرص المؤمنون على إضاءة الشمع على سلالم الكنيسة تبرُّكاً بالسيدة العذراء، وبعد انتهاء الاحتفالات يشارك عدد كبير من الراهبات والخدام والمتطوعين فى إزالة بقايا الشمع وتنظيف الكنيسة.
وبحسب المعتقد المسيحى فإن كلمة «جثمانية» هى آرامية وتعنى معصرة زيت الزيتون، وكانت حديقة جلس فيها السيد المسيح وتلاميذه يعلمهم أسراراً ودروساً سماوية، وعندما زارت الملكة هيلانا فى القرن الرابع الميلادى القدس أمرت ببناء كنيسة على مساحة 4 كيلومترات فى وادى قدرون وعلى مفترق الطرق بين القدس وسلون وباب الأسباط، لكن الكنيسة تعرضت مع مرور الوقت لاعتداءات وحشية على مدار العصور أدت إلى هدمها وإعادة بنائها أكثر من مرة، حتى مطلع القرن الماضى عندما شارك فى ترميمها أكثر من 16 دولة مختلفة، لذا باتت تُعرف باسم كنيسة كل الأمم، والتى أنشئت لتحيط بقبر السيدة العذراء مريم الفارغ الذى يقصده السائحون والحجاج من كافة بقاع الأرض ليتباركوا بالمكان الذى دُفنت فيه، وبها أكثر من 8 قباب مزينة بورق ذهبى وهى بديعة الصنع، لذلك تزار من قبَل الملايين سنوياً.
وتحتوى على الأيقونة العجائبية للسيدة العذراء والسيد المسيح، وفى حديقتها 8 من أقدم أشجار الزيتون فى العالم، وقد تم بناؤها عام 389 ميلادياً، إلا أنه تم تدميرها على يد الفرس عام 614، وبُنيت فى عهد الصليبيين فى القرن الثانى عشر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السيدة العذراء السيدة البتول كنيسة العذراء القدس السیدة مریم العذراء السیدة العذراء
إقرأ أيضاً:
“كأهوال القيامة”.. شهادات ناجين من مجزرة جباليا الأولى قبل عام
#سواليف
ضمن #حرب_الإبادة المتواصلة شمالي قطاع #غزة، يستحضر الفلسطينيون الذكرى السنوية الأولى للمجزرة المروعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق حي سكني كامل في #مخيم_جباليا، فيما يعرف بمجزرة جباليا الأولى.
ففي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان أهالي بلوك 6 وسط مخيم جباليا شمال قطاع #غزة على موعد مع #مجزرة_مروعة، حيث ألقت طائرات إسرائيلية 7 أطنان من #القنابل_المتفجرة، مما تسبب في إبادة حي سكني كامل يقطنه آلاف السكان و #النازحين #الفلسطينيين.
وخلفت المجزرة أكثر من 400 #شهيد ومئات الجرحى، بالإضافة إلى عشرات #المفقودين الذين لا تزال جثامينهم تحت الأنقاض، أو تبخرت بفعل القصف الشديد، وفق بيانات رسمية صدرت وقتها عن وزارتي الصحة والداخلية في غزة.
مقالات ذات صلة نتنياهو: نغيّر وجه الشرق الأوسط ولا موعد لنهاية الحرب 2024/11/01وشُطبت أسر عديدة من السجل المدني، ولم يجد أقاربهم بعد المجزرة ما يدل عليهم، فعشرات الجثامين التي تعود لعوائل: أبو نصر، وأبو القمصان، وحجازي، ومسعود، والبهنساوي، وعكاشة، لم يجد أقاربهم منها ما يواسون به أنفسهم.
وتحل الذكرى السنوية الأولى لتلك المجزرة، في حين بدأ الجيش الإسرائيلي في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة شمالي القطاع، قبل أن يجتاحها في اليوم التالي بذريعة منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة.
بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل تعمل على احتلال شمال غزة وتحويله إلى منطقة عازلة وتهجير المواطنين، تحت حصار مطبق يمنع دخول الغذاء والماء والأدوية وقصف مكثف قتل أكثر من ألف فلسطيني خلال أقل من شهر.
صدمة لا تنسى
وتقول الفتاة إسراء حجازي -التي انتُشلت مصابة من تحت الركام- إنها تستذكر يوم المأساة الأشد قسوة في حياتها، حين فقدت 11 فردا من عائلتها بعد انهيار منزلهم والبيوت المجاورة فوق رؤوسهم.
وتوضح حجازي، لمراسل الأناضول، أن ذلك اليوم ترك صدمة كبيرة في نفسها لم تتعاف منها بعد، ولا يبدو أنها ستتعافى قريبا، فالمصيبة كبيرة.
وتضيف الشابة العشرينية: في لحظات معدودة، فقدت أمي وشقيقاتي جميعهن ومعظم أهلي، وبيتنا الدافئ الذي كان يؤوينا.
وتتابع موضحة: كنت وقت المجزرة برفقة والدتي في المطبخ، فبيتنا كان مليئا بالنازحين من أقاربنا، وبناؤه قديم ومهترئ، وهو من طابق واحد وسقفه مصنوع من الصفيح والقرميد.
وتردف أن منزلهم تحول إلى مقبرة حين تساقطت القنابل الإسرائيلية على حارتنا، وانهارت البيوت المجاورة فوق رؤوسنا، ودُفنا جميعا تحت الركام.
وتؤكد الفتاة المنكوبة أنها عاشت لحظات مرعبة كأنها من الخيال، فقد تحول المشهد إلى ظلام دامس مع أننا في وضح النهار، وغطّت المنطقة سحب من الدخان.
وتكمل: بمجرد انقشاع الغمام بدأت معالم الصورة تتكشف، وبالكاد التقطت أنفاسي، ولم أستطع المناداة على أحد من هول الصدمة، ولم تمض لحظات حتى وصل الناس من الحارات المجاورة ليكتشفوا ما حل بنا.
وعن إنقاذها، تقول إسراء: دقائق معدودة مرت كأنها ساعات طويلة، حتى تمكن الناس من انتشالي من تحت الركام، ورأيت بعضا من جثث أهلي بين الركام، وبقيت صامتة حتى تم نقلي للمستشفى الإندونيسي.
وتتساءل الشابة الفلسطينية: ماذا تبقى لي؟ جروح جسدي ستندمل مع الأيام، أما جرح قلبي فلن تمحوه أعوام طويلة.
فكانت تأمل تلك الفتاة المنكوبة أن تكون ناشطة إعلامية ومجتمعية، وتساهم في انتشال أسرتها من الفقر المدقع، لكن عاما من حرب الإبادة الإسرائيلية كان كفيلا بوأد أحلامها، وقلب حياتها رأسا على عقب، وفق قولها.
كأنها أهوال القيامة
وبشأن أفراد عائلتها، تقول إسراء إن أسرتي تمزقت، فقدت أمي وأخواتي، واعتقل الاحتلال والدي وأخي الكبير في اجتياح جباليا الأول قبل قرابة عام، وها أنا نازحة مجددا برفقة أقاربي وأخي الأصغر، فقد عاود الاحتلال اجتياح مخيمنا من جديد ويعمل على تفريغه وتهجير كامل سكانه.
فقد الفلسطيني رامي التلمس عددا من أفراد عائلته -بينهم ابنه وشقيقه وابن شقيقه- وظل بجوار جثامينهم لعدة أيام، دون أن يتمكن من انتشالهم، بينما أصيب هو وباقي أفراد العائلة.
ويقول للأناضول إن مشهد مجزرة جباليا سيظل كابوسا لن يمحى من ذاكرتي، وكأني شهدت جانبا من أهوال يوم القيامة.
وبنبرة الألم والحزن العميق، يروي رامي تفاصيل ذلك اليوم، ويقول: كنا جالسين في منزلنا حينما تساقطت علينا القنابل الإسرائيلية، فخطفت أرواح عدد من أفراد أسرتي بينهم ابني الأكبر وشقيقي وابنه.
وأوضح رامي -الذي تمكن من الخروج من تحت الركام بكدمات وجروح دامية في رأسه- أنه ظل بجوار مكان دفن ابنه وأخيه، لعلّه يتمكن من انتشالهم.
ولفت إلى أنه بعد ساعات طويلة من الحفر اليدوي برفقة متطوعين من السكان استطاع العثور على أطراف من جثامين مفقوديه، لكنه لم يفلح في انتشالهم.
ويقول: نظرا لشح الآليات كنا عاجزين عن انتشالهم، وبقيت عدة أيام جالسا بجوارهم دون أن أستطيع فعل شيء، حتى تمكنا أخيرا من ذلك بشق الأنفس.
ويفصح، الرجل الأربعيني، عن حجم القهر والحسرة اللذين يختلجان صدر الأب حينما يفقد ابنه الأكبر، وهو صبي يافع لم يتجاوز 16 عاما.
ويضيف: سميته رامز تيمنا بأخي الذي استشهد بقذيفة دبابة إسرائيلية في اجتياح سابق لمخيم جباليا عام 2004، وكنت أرقب نموّه أمام ناظري بسرور وفخر كبيرين.
وفيما يتعلق بصفات رامز، يضيف الوالد المكلوم: واظب رامز الصغير على الرياضة واللياقة وكمال الأجسام، وكنت أرى فيه عمّه الشهيد بكل صفاته الرجولية وحبه للحياة.
وفي جانب آخر من الصورة، كان الشاب محمود أبو نصر يمنّي النفس بأن يعثر على رفات 20 من أفراد عائلته الذين تبخرت جثامينهم.
ويقول محمود للأناضول إنه كان جالسا في منزله بمشروع بيت لاهيا، حينما سمع بوقوع المجزرة في “حارة السنايدة” حيث يقع بيت جده المكون من طابق واحد.
ويوضح أنه هرع وشقيقه إلى المنطقة ليرى ما لا تطيقه العين أو يستوعبه العقل، بعدما قُلبت الحارة رأسا على عقب، ولم يجد أيا من معالمها، وتاه عن مكان البيت.
ومتحدثا عن حجم الدمار الهائل، يقول: وأنا أتنقل بين الركام، حدّقت النظر جيدا لعلّي أهتدي إلى مكان بيت جدي، فلم أستطع التمييز، وقد وجدت البيت كأنه تبخّر تماما، وحدثت مكانه حفرة كبيرة يتجاوز قطرها 10 أمتار.
ويتابع: بحثت فلم أعثر على أفراد عائلتي، وقررت الذهاب إلى المستشفى الإندونيسي، وهناك رأيت الجزء الآخر من المأساة، فعشرات الجثث ملقاة عند ثلاجة الموتى وأمام بوابات المستشفى.
ومحاولا تقريب الصورة، يقول محمود: رائحة الموت كانت منتشرة في كل مكان، ورأيت في عيون الناس الحيرة الحسرة والصدمة، وكأن زلزالا قد أصاب المنطقة برمتها.
ويشير محمود إلى ساعات طويلة من البحث حتى حل المساء دون جدوى، ومع ذلك فقد عاود البحث صباحا، واستمر على هذا الحال أياما.
وختم بقوله: ما زالت الحسرة والألم يعتصران قلبي، فكنت أود فقط أن أعثر على جثامين جدي وعمي وعماتي وأبنائهم لأودعهم، وأدفنهم، ولكن قنابل الحقد الإسرائيلية حالت بيني وبين ذلك.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أميركي مطلق حرب إبادة جماعية على غزة، أسفرت عن أكثر من 144 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.