القدس المحتلة – أبدت مختلف الأوساط السياسية والحزبية بإسرائيل ترحيبها بنتائج القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورأت أن تصريحات ترامب بشأن تهجير سكان غزة والسيطرة على القطاع، تتناغم مع إستراتيجيات تل أبيب في كل ما يتعلق بالصراع مع الشعب الفلسطيني.

بدا المشهد الإسرائيلي ضبابيا بشأن كيفية تفسير تصريحات ترامب، التي تحمل في طياتها -بحسب قراءات محللين- رسائل متناقضة، سواء في تهديد وترهيب الفلسطينيين بالتهجير، والقضاء على حكم حماس، والانتهاء من صفقة التبادل، والإبقاء على سيناريو استئناف القتال بالقطاع، مع التوجه نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

رغم الضبابية التي تركتها تصريحات ترامب، فإن قراءات المحللين تتفق على أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن واللقاء بالرئيس الأميركي منحت حكومته شبكة أمان، وأعطته أيضا ضوءا أخضر لمواصلة سياسات إدارة الصراع مع الفلسطينيين في غزة والضفة دون الصدام مع إدارة ترامب.

وحيال ذلك، يرى المحللون أن نوايا حكومة نتنياهو التي رحبت بالتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض تجاه غزة والمرحلة الثانية من مباحثات اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، ستتناغم مع توجه ترامب الذي يدفع نحو إعادة جميع المختطفين، وكذلك إلى إبرام اتفاق إستراتيجي مع السعودية من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

 

يعتقد محللون في إسرائيل أن لقاء الرئيس الأميركي (يمين) ورئيس الوزراء الإسرائيلي زاد من ضبابية المشهد السياسي بإسرائيل (الفرنسية) مشهد ضبابي

رغم الترحيب الإسرائيلي، فإن مبعوثة صحيفة "هآرتس" إلى واشنطن ليزا روزوفسكي قللت من جدية تصريحات ترامب، واعتبرتها احتفالية ومجرد دعم لنتنياهو من أجل منح حكومته شبكة أمان، وليس إطلاق "مشروع تاريخي" لحسم الصراع مع الفلسطينيين لصالح إسرائيل.

إعلان

ومن المرجح أن يكون الإنجاز الكبير الذي حققه لقاء نتنياهو وترامب، بحسب تقديرات روزوفسكي، هو عدم نسف الأجواء الاحتفالية بين الزعيمين، مشيرة إلى أنه بعد الترحيب والبهجة من التصريحات وإسدال الستار على أداء الرئيس الأميركي، فإن الشيء الوحيد الذي سيظهر على الواقع هو صفقة التبادل والمرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة.

وأمام هذه الواقع، تقول مبعوثة هآرتس إلى واشنطن إن "الرئيس الأميركي تبنى هدف الحرب الذي حدده نتنياهو وهو أن غزة لن تشكل تهديدا لإسرائيل، وهو الهدف الذي تبناه ترامب ورفعه نيابة عن إسرائيل إلى مستوى أعلى بكثير، مما سيزيد المشهد ضبابية في ساحات الصراع مع الفلسطينيين سواء بالقطاع أو بالضفة".

وخلصت بالقول "لقد أخطأ أي شخص كان يأمل أن يضغط ترامب على نتنياهو لتنفيذ الاتفاق حتى النهاية ووقف الحرب. لقد تركت نتائج القمة في البيت الأبيض الإسرائيليين عند النقطة نفسها بالضبط، متمسكين بصفقة صعبة وقاسية دون أي ضمانات بأن نتنياهو لن يقوم بتخريبها واستئناف الحرب".

 

وقت للمناورة

من وجهة نظر المحلل السياسي عكيفا إلدار، فإن المهمة الرئيسية لنتنياهو من اللقاء بالرئيس الأميركي هي كسب الوقت، ومواصلة المرواغة بكل ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، وكذلك منع تفكك حكومته إذا مضى قدما في المرحلة الثانية من صفقة التبادل، حيث لا يوجد سبب يمنع ترامب من مساعدته في ذلك حتى إعادة جميع الرهائن.

واستعرض إلدار، للجزيرة نت، واقع الائتلاف الحكومي ومواقف أحزاب المعارضة الإسرائيلية في أعقاب اجتماع ترامب ونتنياهو، وقال إن "نتائج الاجتماع وتصريحات ترامب التي تحظى بإجماع إسرائيلي، تزيد المشهد الداخلي بإسرائيل تعقيدا، وهي تمنح نتنياهو مزيدا من الوقت للمناورة".

ولفت المحلل السياسي إلى أن الهدف الرئيسي لنتنياهو هو كسب المزيد من الوقت في محاولة للمناورة بطريقة ما داخل حركة الكماشة التي تضيق الخناق عليه داخل إسرائيل، وتحديدا في أوساط الائتلاف الحكومي الهش، بحيث إن استئناف القتال في غزة أو إنهاء الحرب سيكون قرارا أميركيا بامتياز.

إعلان

 

صفقات ترامب

وأوضح إلدار، في السياق ذاته، أن نتنياهو يتعرض إلى ابتزازات من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي لضمان استقراره، حيث يلجأ إلى التصعيد العسكري وتوسيع المشروع الاستيطاني بالضفة تمهيدا للضم لإرضاء تحالف "الصهيونية الدينية" أو الإمعان في تشريعات من أجل إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.

لكن من ناحية أخرى، يضيف إلدار، "هناك دونالد ترامب وإدارته التي تتجه لصالح استكمال الصفقة مع حماس وإنهاء الحرب في غزة كإجراء أولي لاتفاق إستراتيجي بين أميركا والسعودية، ومن ناحية أخرى، زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي تجاوز بالفعل الحد الائتماني للمستوطنين بالبقاء في الحكومة على الرغم من اتفاق الاستسلام مع حماس".

سواء كانت هذه رغبته الحقيقية أو كانت موجهة باعتبارات أخرى، يتابع المحلل السياسي "فمن الممكن أن نفترض أن نتنياهو أقرب كثيرا إلى مناخ عقد الصفقات لدى ترامب منها إلى خيالات أرض إسرائيل الكبرى التي يحلم بها سموتريتش وأوريت ستروك. لكن نتنياهو يعي أن الصدام مع اليمين الاستيطاني هو الطريق الأقصر لخسارة السلطة".

الوطن البديل

من جانبه، يرى الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات" والمختص بالشؤون الإسرائيلية أمير مخول أن تصريحات ترامب بشأن تهجير سكان غزة، والتي ختم بها الاجتماع مع نتنياهو، تتناغم مع طرح اليمين العقائدي الديني الصهيوني الإسرائيلي التي يرى فيها فرصة تاريخية تضاهي "وعد بلفور" من بريطانيا بإقامة "بيت قومي لليهود في فلسطين".

وأوضح مخول للجزيرة نت أن تصريحات ترامب بشأن تهجير سكان غزة والسيطرة على القطاع أحدثت تحولا في الخطاب السياسي العام بتل أبيب، مثلما تجلى ذلك في وسائل الإعلام، والذي عكس الرأي العام الإسرائيلي الذي يرى أن الحرب قد انتهت مع عودة النازحين إلى شمالي القطاع، لكن تصريحات ترامب شكلت تحولا للإسرائيليين بشأن إمكانية استئناف القتال مع إعادة جميع المختطفين.

إعلان

ولفت إلى أن حكومة نتنياهو التي أشادت ورحبت بطرح الرئيس الأميركي، تتجه نحو المرحلة الثانية من الصفقة لضمان إعادة جميع المختطفين، في حين تسعى أحزاب اليمين المتطرف إلى تحويل تصريحات ترامب إلى مشروع سياسي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، ويرى بالتهديد المبطن من الرئيس الأميركي للأردن توسيعا لفكرة "الوطن البديل".

ويعتقد الباحث بالشأن الإسرائيلي أن اليمين المتطرف يعي جيدا أن لقاء نتنياهو وترامب يأتي من أجل تحريك المسار السياسي وتطبيع العلاقات مع السعودية، فهو يطرح خطة تهجير الغزيين والاستيلاء على القطاع، إذ يؤكد اليمين العقائدي أنه "ما دام الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة، فماذا يمنع تهجيرهم من الضفة الغربية؟".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تصریحات ترامب بشأن الرئیس الأمیرکی مع الفلسطینیین الثانیة من إعادة جمیع من أجل

إقرأ أيضاً:

بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب

لم يكن بن صهيون نتنياهو مجرد اسم في تاريخ عائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل هو شخصية تحمل بين طياتها قرنًا من الزمان مملوءًا بالأفكار والمواقف التي لا تقل تطرفًا وإثارة عن سياسات ابنه الحالية.

ويبدو أن هذه الأفكار التي صاغتها تجربة حياة مفعمة بالمواقف الصدامية مع العالم العربي قد تسربت بوضوح إلى توجهات بنيامين نتنياهو، لتشارك في تشكيل مواقفه الحادة تجاه الفلسطينيين، والتي يتضح صداها في أفعاله وكلماته حتى اليوم.

فما الذي نعرفه عن بن صهيون نتنياهو؟ وكيف أثر على مسار الحركة الصهيونية؟ ولماذا كانت رؤيته للعرب دائمًا عدائية إلى هذا الحد؟

بن صهيون.. سيرة ذاتية

وُلِد بن صهيون ميليكوفسكي -الذي سيُعرف لاحقا باسم نتنياهو وتعني هبة الله- في وارسو عاصمة بولندا خلال فترة تقسيمها وخضوعها للسيطرة الروسية القيصرية في عام 1910.

وكان والده ناثان ميليكوفسكي كاتبا وناشطا صهيونيا من بيلاروسيا، وقد شغل ناثان منصب حاخام، وجاب أوروبا والولايات المتحدة لإلقاء خطب تدعم الحركة الصهيونية التي آمن بها حتى النخاع.

وفي عام 1920 قرر ناثان الهجرة إلى فلسطين مصطحبا معه عائلته ضمن الموجة الكبرى للهجرة اليهودية. وبعد تنقلها بين مدينة يافا وتل أبيب وصفد، استقرت الأسرة أخيرا في القدس حيث التحق بن صهيون بمعهد ديفيد يلين للمعلمين والجامعة العبرية في القدس.

إعلان

وكان من الشائع بين المهاجرين الصهاينة في تلك الفترة تبنّي أسماء عبرية، فبدأ ناثان ميليكوفسكي الأب بتوقيع بعض مقالاته باسم "نتنياهو"، وهو الصيغة العبرية لاسمه الأول، واعتمد ابنه هذا الاسم ليكون اسم العائلة.

وفي عام 1944، تزوج الابن بن صهيون نتنياهو من تسيلا سيغال التي سيصفها ابنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحقا بأنها "محور عائلتنا والسلطة النهائية فيها".

من اليسار إلى اليمين: بن صهيون نتنياهو وابناه بنيامين ويوناثان وزوجته تسيلا (الموقع الرسمي لبنيامين نتنياهو)

درس بن صهيون نتنياهو تاريخ العصور الوسطى في الجامعة العبرية بالقدس، وفي إبان دراسته انخرط في "حركة الصهيونية التصحيحية"، وهي حركة انفصلت عن التيار الصهيوني السائد، معتقدين أن هذا التيار الغالب كان أكثر تصالحية مع السلطات البريطانية الحاكمة لفلسطين آنئذ.

في المقابل، تبنّى التصحيحيون بزعامة زئيف جابتونسكي نهجا قوميا يهوديا أكثر تشددا، مخالفا للصهيونية العمالية اليسارية التي قادت إسرائيل في سنواتها الأولى، معتقدين أن حدود إسرائيل تمتد على كامل فلسطين التاريخية والأردن معا.

ولإيمانه بالعمل الصحفي والأكاديمي، شغل بن صهيون منصب محرر مشارك في المجلة العبرية المعروفة في ذلك الوقت "بيتار" بين عامي 1933 و1934، ثم أصبح رئيس تحرير صحيفة "ها ياردن" اليومية الصهيونية التصحيحية في القدس (1934-1935)، حتى أوقفت سلطات الانتداب البريطاني صدورها بين عامي 1935 و1940.

وفي عام 1939، قرر السفر إلى نيويورك للعمل سكرتيرا لزعيم الحركة الصهيونية التصحيحية جابوتنسكي الذي كان يسعى لحشد الدعم الأميركي لحركته الصهيونية القتالية الجديدة.

ومع وفاة جابوتنسكي في العام نفسه، تولّى بن صهيون نتنياهو منصب المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا التي كانت منافسا سياسيا أكثر تشددا للمنظمة الصهيونية الأميركية المعتدلة، واستمر في هذا الدور حتى عام 1948.

مع وفاة جابوتنسكي (يمين) تولّى بن صهيون نتنياهو منصب المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا (مواقع التواصل) سنوات التأرجح والنهاية

كان بن صهيون مؤمنا بفكرة "إسرائيل الكبرى"، وفي سبيلها عارض بشدة أي تنازلات إقليمية أو محلية، ولهذا السبب عندما أصدرت الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، كان من بين الموقعين على عريضة ترفض الخطة، وخلال تلك الفترة كان ناشطا سياسيا في واشنطن العاصمة حيث عمل على التواصل مع أعضاء الكونغرس لدعم رؤيته الصهيونية المتشددة.

إعلان

وفي عام 1949، عاد إلى إسرائيل محاولا دخول الحياة السياسية، لكنه لم يحقق نجاحًا يُذكر نتيجة سيطرة الحركة الصهيونية التقليدية على مقاليد البلاد بزعامة ديفيد بن غوريون ممن كانوا يرون عصابات شتيرن والمؤمنين بأيديولوجية جابتونسكي خطرا يهدد دولتهم في ذلك الحين.

في المقابل، واصل بن صهيون نتنياهو نشاطه الأكاديمي، لكنه لم يتمكن من الانضمام إلى هيئة التدريس في الجامعة العبرية، ورغم ذلك ساعده أستاذه جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري في الحصول على منصب محرر في "الموسوعة العبرية"، وبعد وفاة كلاوسنر تولّى بن صهيون رئاسة التحرير مع آخرين.

لاحقًا عاد إلى كلية دروبسي في فيلادلفيا حيث عمل أستاذًا للغة العبرية وآدابها ورئيسًا للقسم بين عامي 1957 و1966، ثم شغل منصب أستاذ التاريخ اليهودي في العصور الوسطى والأدب العبري من عام 1966 إلى 1968، ثم انتقل إلى جامعة دنفر ليعمل أستاذًا للدراسات العبرية (1968-1971)، قبل أن يعود إلى نيويورك لتولي تحرير موسوعة يهودية.

في النهاية، التحق بجامعة كورنيل حيث شغل منصب أستاذ الدراسات اليهودية ورئيس قسم اللغات السامية وآدابها من عام 1971 إلى 1975.

وعقب مقتل ابنه يوناتان خلال عملية عنتيبي لإنقاذ الرهائن عام 1976، قرر العودة مع عائلته إلى إسرائيل منخرطا في المجال الأكاديمي.

وعند وفاته عام 2012 عن عُمر ناهز 102 عاما، كان عضوًا في أكاديمية الفنون الجميلة وأستاذًا فخريًا في جامعة كورنيل.

جوزيف كلاوسنر كان بمنزلة مرشد لبن صهيون (الصندوق القومي اليهودي) بن صهيون وأستاذه جابوتنسكي

أُثر عن بن صهيون نتنياهو قوله في إحدى مقالاته إن "العرب واليهود مثل عنزتين التقتا على جسر ضيّق، إحداهما مضطرة إلى القفز في النهر، ولكنهما لا تريدان الموت. ولذلك فإنهما تنتطحان على الدوام، وتؤمنان بأن إحداهما ستُنهَك في نهاية المطاف وتستسلم، وعندئذ سيتقرر الأقوى الذي سيرغم الأضعف على القفز. إن القفز لليهود يعني ضياع الشعب اليهودي، أما بالنسبة إلى العرب فإن قفز عنزتهم يعني تضرر جزء يسير منهم".

إعلان

يكشف هذا الاقتباس عن تأثره الكبير بزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية زئيف جابتونسكي الذي آمن به من قبل والد بن صهيون الحاخام ناتان ميلوكوفسكي ورآه رائد الحركة الصهيونية وموجّه بوصلتها نحو التعامل الجذري مع العرب.

كان يرى أن الأغلبية العظمى من العرب داخل إسرائيل سيختارون إبادة اليهود إذا سنحت لهم الفرصة. وهذا الاعتقاد دفعه منذ شبابه إلى تأييد فكرة ترحيل السكان العرب من فلسطين، وهي الفكرة التي ظل متمسكًا بها حتى أواخر حياته، إذ واصل التعبير عنها في مناسبات مختلفة.

ففي مقابلة له عام 2009 مع صحيفة معاريف الإسرائيلية، عبّر عن آرائه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بقوله إن "النزعة إلى الصراع هي جوهر فكر العرب، إنهم أعداء بطبيعتهم، فشخصيتهم لن تسمح بالتنازل، وبغض النظر عن المقاومة التي سيواجهونها أو الثمن الذي سيدفعونه، فإن وجودهم يعني حربا دائمة".

وربما هذا الموقف الجذري من بن صهيون وآرائه المتطرفة تجاه العرب جعلت العديد من المحللين يتوقعون أن ابنه بنيامين نتنياهو كان غير قادر على التوقيع على اتفاق سلام شامل مع جيران إسرائيل العرب ما دام والده كان لا يزال على قيد الحياة.

ورغم أن نتنياهو نفسه نفى هذه الفرضية بشكل قاطع واصفًا إياها بأنها "هراء"، بحسب ما نقلته صحيفة هيرالد، فإن مواقفه وسياساته على الأرض، ولا سيما في غزة، تعكس تبنيًا واضحًا للنهج المتشدد ذاته الذي اشتهر به والده.

بن صهيون كان من المؤيدين المتحمسين لفكرة ترحيل السكان العرب من فلسطين (الفرنسية)

ولكن يجب أن نعود إلى جابتونسكي لنرى كيف أقنع الثلاثي الجد والأب والحفيد من عائلة نتنياهو بهذه الأفكار التي كانت تعكس سخطه الواضح على الحركة الصهيونية التقليدية وسعيها لخداع العرب في فلسطين عبر المفاوضات وإظهار نواياها كأنها بريئة من أي نية للاستيلاء على الأرض، وضرورة التعامل بصورة جذرية عنيفة.

فقد جاءت مقالاته وأفكاره لتوضح جوهر الصراع، وكشف الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للحركة الصهيونية، إذ كتب "يمكننا أن نقول للعرب ما نشاء عن براءة أهدافنا، ونتفنن في استخدام العبارات المنمقة، ونغلفها بالكلمات المعسولة لجعلها مستساغة، لكنهم يدركون تماما ما نريده، كما ندرك نحن ما لا يريدونه. إنهم يشعرون تجاه فلسطين بالحب الغريزي نفسه الذي شعر به الأزتيك القدامى تجاه المكسيك القديمة".

إعلان

كان جابوتنسكي يرى أن الحركة الصهيونية تهدُر وقتها في المفاوضات، بدلا من التركيز على بناء قوة عسكرية رادعة تحمي المستوطنين. فكتب "كل الشعوب الأصلية في العالم تقاوم المستعمرين طالما بقي لديهم أدنى أمل في التخلص منهم".

وأضاف "لا يهم كيف نصوغ أهدافنا الاستعمارية، سواء كانت بعبارات هرتزل أو السير هربرت صموئيل، فالاستعمار يحمل تفسيره الوحيد الممكن، الواضح كضوء النهار، لكل يهودي بسيط ولكل عربي بسيط. فالمستعمرات لا يمكن أن يكون لها إلا هدف واحد، ولا يمكن لعرب فلسطين أن يقبلوا بهذا الهدف".

وبناء على ذلك شدد جابوتنسكي على أن نجاح المشروع الصهيوني واستقراره لن يتحقق إلا عبر إنشاء "قوة مستقلة عن السكان الأصليين، خلف جدار حديدي لا يستطيعون اختراقه. هذه هي سياستنا العربية".

وأمام هذه الأيديولوجية آمن بن صهيون نتنياهو إيمانا مطلقا بما آمن به أستاذه جابوتنسكي حول الصراع مع العرب، إذ كان جابوتنسكي يرى أن موقف العرب متصلب للغاية، ولا يمكن تسويته أو التوصل إلى اتفاق معهم، خلافا لما اعتقده التيار الصهيوني السائد، ومن ثم لم يعتمد التيار التصحيحي الدبلوماسية إلا بالقدر الذي يسمح بتمرير عمليات التهجير والقتل بحق الفلسطينيين.

وقد صرّح جابوتنسكي بأن "90% من الصهيونية تقوم على أعمال الاستيطان العنيفة من قتل وتهجير، في حين أن 10% فقط منها تتعلق بالسياسة".

جابوتنسكي: نجاح المشروع الصهيوني لن يتحقق إلا عبر إنشاء "قوة مستقلة عن السكان الأصليين خلف جدار حديدي (غيتي)

وفي مقال نشرته صحيفة هآرتس العبرية عام 2018 بعنوان "كيف تبنى والد نتنياهو وجهة النظر القائلة بأن العرب همج؟" استعرض فيه الكاتب المسيرة الفكرية المتطرفة لبن صهيون تجاه العرب والفلسطينيين، إذ أشار المقال إلى أن بن صهيون استلهم هذه الأفكار من المؤرخ جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري والمحرر الرئيسي للموسوعة العبرية، الذي كان مرشده الفكري.

إعلان

وقد اعتنق بن صهيون بشكل كامل وجهة نظر كلاوسنر التي تصف العرب بأنهم "أمة من نصف الهمج" يجب التعامل معهم بالقوة والحسم، بحسب المقال الذي أشار إلى أن بن صهيون أعاد تبنّي هذه الأوصاف والسياسات وحولها إلى ركيزة أساسية لفكره، مما رسخ مواقفه العدائية تجاه العرب بشكل أكبر.

تتجلى هذه النظرة المتطرفة في مقالات بن صهيون التي نشرها بصحيفة ها ياردن التصحيحية التي كان يحررها حتى وفاة والده عام 1935، ففي مقال بتاريخ 6 أغسطس/آب 1934 وصف بن صهيون العرب بأنهم "همج شبه متوحشين"، قائلًا "كما كان همج جزيرة العرب يطاردون اللاجئين اليهود من إسبانيا على منحدرات الجزائر في القرن الخامس عشر، فهم الآن يطاردون اللاجئين من جحيم الشتات عند بوابات الوطن".

وفي مقال آخر بعنوان "الاستيطان الريفي والاستيطان الحضري" نُشر في ديسمبر/كانون الأول 1934، قارن بن صهيون أرض إسرائيل بأميركا، وشبّه اليهود بمواطني الولايات المتحدة، بينما قارن العرب بالهنود الحمر، وقال في مقاله "إن غزو الأرض هو أحد أول وأهم المشاريع في كل استعمار".

وأضاف بنزعة تطهير عرقي واضحة "يجب أن نعلم أن الدولة ليست مجرد مفهوم حسابي لعدد السكان، بل مفهوم جغرافي كذلك، ذلك أن أبناء العِرق الأنغلو-ساكسوني، الذي كان في صراع دائم مع الهنود الحمر، لم يكتفوا بتأسيس المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو على شواطئ المحيطين اللذين يحدان الولايات المتحدة. بل سعوا أيضا لضمان الطريق بين هاتين المدينتين.. لو تركَ غُزاة أميركا الأراضي في يد الهنود، لكان هناك الآن في أحسن الأحوال بعض المدن الأوروبية في الولايات المتحدة وكان البلد كله سيأهله ملايين من الهنود الحمر!".

يظهر تأثير بن صهيون نتنياهو في ابنه رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو واضحا لا ريبة فيه، ففي 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، وبعد ما يقارب 17 عامًا من توليه رئاسة الحكومة بشكل متقطع، سيقف بنيامين أمام الشعب الإسرائيلي متفاخرا بمواقفه المتشددة تجاه القضية الفلسطينية قائلا بكل وضوح "كنت أنا العقبة أمام إقامة دولة فلسطينية"، بينما كان اليسار الإسرائيلي يسعى، بشكل أو بآخر، إلى تقديم تنازلات قد تؤدي إلى حل سياسي وإنهاء النزاع".

إعلان

ذلك هو بن صهيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الحالي الذي يدعو علانية إلى تطهير غزة وتهجير أهلها، والتغيير العميق في الشرق الأوسط، لا يقول صراحة إنه يؤمن بمبادئ الحركة الصهيونية التصحيحية التي آمن بها والده من قبل، ولكنه على أرض الواقع يسعى لتحقيق هذه الأحلام!

مقالات مشابهة

  • بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب
  • إسرائيل: إنشاء إدارة للهجرة لتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة
  • نتنياهو يعتزم إرسال مفاوضين للدوحة بشأن وقف إطلاق النار بغزة
  • اتجاه بإسرائيل لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة
  • إعلام عبري: نتنياهو يقيم مفاوضات غزة أمنيا
  • زلزال هز إسرائيل .. أمريكا تفتح الأبواب السرية مع حماس وتُحرج نتنياهو وتساؤلات حول خطة ترامب الجديدة؟
  • كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون
  • دعوة إسرائيلية لـكيسنجر جديد لحماية الاحتلال من الغرور والتضخم الذي يعيشه
  • يديعوت: واشنطن تتهم إسرائيل بإفشال محادثاتها مع حماس
  • ترامب : أجرينا مناقشات مع حماس ونساعد إسرائيل