يجب أن تموت المجر لكى تعيش أوكرانيا
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
«يجب أن تموت المجر لكى تعيش أوكرانيا «هذه هى خلاصة مقال منشور بتاريخ 18 أغسطس 2023 فى مجلة «غلوباليستGlobalist-» ن وهى لسان حال الحكومة العالمية وقطع الشطرنج التى تدور فى فلكها من أمثال حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، وصندوق النقد الدولى وغيرهما.
وشارك فى كتابة المقال الذى يحمل عنوان «الناتو وخروج أوربان،(والمقصود هنا هو فيكتور اوربان رئيس وزراء المجر)، اثنان من كبار الكتاب السياسيين ومحللى مراكز الابحاث المقربين من دوائر صنع القرار فى واشنطن هما اليكسى باير وستيفان ريختر، أنه طالما أن جولات المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والتى استضافت المملكة العربية السعودية أحدث جولاتها انتهت إلى طريق مسدود، لأن شروط السلام التى وضعتها روسيا مرفوضة جملة وتفصيلًا من جانب اوكرانيا التى ترى أن الاستجابة لمثل هذه الشروط يعنى فعليا إعادة أوكرانيا إلى ما كانت عليه ابان الحكم الشيوعى للاتحاد السوفيتى قبل سقوطه عام 1991 وتحويلها إلى مستعمرة روسية.
وحتى يمكن التغلب على هذا الجمود وإطفاء أتون الحرب التى تقود العالم تدريجيا إلى حرب عالمية ثالثة يكون فيها استخدام السلاح النووى أمر شبه مؤكد، يقترح المقال ضرورة اتقاء شر الرئيس الروسى فلاديمير بوتن، والذى كان قد طالب حلف الناتو فى بداية الأزمة بالانسحاب إلى الحدود التى كان عليها الحلف عام 1997، أى بعبارة أدق قبل انضمام دول اوروبا الشرقية إلى الحلف.
وحتى ينفخ الحلف نسمة الحياة فى الفكرة المسمومة، يقترح الكاتبان أن يضحى حلف الناتو بدولة أو اثنتين من دول اوروبا الشرقية لتقديمهما إلى الرئيس الروسى على طبق من ذهب ويا حبذا لو كانت المجر فى مقدمة هذه الدول!
ولكن لماذا المجر تحديدا؟ فهذه الدولة التى لعبت أدورا هامة عبر التاريخ، لم تبدأ الحرب فى أوكرانيا، ولم تكن طرفا فيها، ولم تقم باحتلال أو غزو اراضى دولة أخرى، ولا حتى تساند الموقف الروسى.
والإجابة ببساطة هو أن التضحية بالمجر ليس لها علاقة بموقف المجر من الحرب ولا بكراهية مستحكمة بين المجريين وبقية الشعوب ألأوربية وإنما لأن رئيس الوزراء المجرى فيكتور اوربان الذى يغضب اليهود وأنصار المثلية الجنسية ليس على مقاس المذاق الغربى.
وبالطبع فان الناتو لا يهدف فقط من وراء تقديم المجر قربانا على مذبح الشيوعية استعادة الأمن والسلم الدوليين أو أرضاء الدب الروسى الغاضب، وإنما أيضا فرض التغيير السياسى بالقوة على المجر لإزاحة رئيس وزرائها المنتحب عن السلطة، لأنه يقف حجر عثرة أمام المغامرات الغربية التى تقودها الولايات المتحدة ويقول لا عندما تتعارض هذه المغامرات مع مصالح بلاده وأمنها القومى. وهذه المغامرات التى صنعت فى امريكا تذكرنا بثورات الربيع العربى التى ألقت العديد من الدول العربية فى براثن الفوضى.
وبحسب المقال فأن مجرد طرح فكرة تقديم المجر قربانا على مذبح بوتن سيعيد اشباح وكوابيس الحكم الشيوعى فى المجر الذى سحق مئات الالاف من خيرة شباب الثورة المجرية عام 1956، وسلم مئات الآلاف منهم إلى زبانية التعذيب، تحت قيادة يورى اندربوف الذى يسميه المجريون «سفاح بودابست»، والى أصبح لاحقا السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفيتى.
ومن خلال إثارة هذه الكوابيس والأشباح يأمل الناتو فى أن يثور المعسكر المجرى المعارض لحكم اوربان فى المجر ويطيح به للحيلولة دون تنفيذ هذه الخطة الشيطانية، وبالتالى إعادة المجر إلى بيت الطاعة الأوروبى والالتزام بقواعد التهذيب والإصلاح الغربية.
وهذه الافكار الغبية تذكرنا بما حدث فى العراق، فمن ناحية الأخذ بها يعنى العودة إلى عصر تدبير الانقلابات وافتعال الثورات والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول.
ومن ناحية اخرى فإن الآخذ بهذه الأفكار التى عفا عليها الزمن لا يعنى فقط أن حلف الناتو يرسل برسالة خاطئة فى وقت حرج مفادها أنه على استعداد للتضحية بأمن اعضائه بدلا من الوقوف صفا واحدا للدفاع عنهم، وان فصائل وأجنحة الحلف فى حالة حرب مع بعضها.
وأخير وليس أخرا فان السير وراء هذه الافكار المسموعة يعنى أن الغرب لم يتعلم من أخطاء الحرب العالمية الثانية عندما ظن بسذاجة أن تقديم النمسا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما من دول أوروبا الشرقية إلى الزعيم النازى ادولف هتلر سوف يشبع نهمه ويلهيه عن ابتلاع بقية دول القارة الأوربية ليكتشف لاحقا أن ما فعله كان هو السبب الحقيقى وراء إشعال جنون هتلر ليحرق العالم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحكومة العالمية المملكة العربية السعودية الرئيس الروسى
إقرأ أيضاً:
مشيرة عيسى.. صاحبة الطلة المبهجة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صُدمت بخبر وفاة السيدة الجميلة الرقيقة المهذبة د. مشيرة عيسى صوليست البيانو، ابنة الكونسرفتوار والأستاذة بمعهد الموسيقى العربية.. كانت كالفراشة الهائمة، فى رقة الزهور أو كالأميرة الحالمة فى قصص الأطفال، هى صاحبة الطلة المبهجة، والتى بظهورها على المسرح تمنح الجميع الطاقة والحيوية، هى عملة نادرة مهذبة النفس، وتحيا بروح الله النقية والتى جعلت ابتسامتها لا تفارقها فى أحلك الظروف، هاجرت حين حاوطها الظلم، ولم تهاجر خارج حدود بيتها الذى عشقته “أكاديمية الفنون” فلم تكن هجرتها للحصول على عائد! ولكن لتقدم مزيدًا من العطاء، ورد جميل هذا المكان المقدس فى عيون أبنائه.. ولم يسرق ابتسامتها المرض حين هاجمها وتصدرت له بالجسارة والصمود، والرضا والتفاؤل بعطاء الله.. منذ أيام كنت أتحاور معها عن د. جمال سلامة، كى أضيف شهادتها فى الكتاب الذى أعده عنه “جلينكا العرب.. جمال سلامة” واستمتعت بحديثها الجميل ووفائها الجم لأستاذها وصديق عمرها د. جمال حسب ما وصفته، والتى ذكرت أنه بجانب العلاقة الفنية والإنسانية التى ربطتهما لن تنس له أنه كان سببا فى تعارفها على زوجها د. محمد حلمى هلال، والذى بدا من حديثها كم كانت تحبه وزاد حبها لدكتور جمال بسببه.. بدأت دكتورة مشيرة عيسى رحلتها مع البيانو مبكرا، فقد ورثت حبه من والدتها السيدة آمال السبنجى (الحاصلة على دبلوم الكلية الملكية فى الموسيقى فى لندن)، فكانت تستمع لعزف والدتها على البيانو وهى لا تزال جنينا، وبعد أن بدأت تحبو كانت والدتها تحملها على ساقيها وهى تتدرب على العزف، وبالتالى كان البيانو لعبتها الأولى، وبدأت تتعلم قواعد عزفه وهى فى الرابعة من عمرها.. أما الأب د. صلاح عيسى طبيب النساء والتوليد الشهير، فقد كان شغوفا بالموسيقى أيضا، لذلك عندما لاحظت عائلتها تعلقها بالبيانو، اصطحبتها أمها الى أستاذها المؤلف البولندى اجناز تيجرمان،
Ignaz Tiegerman
والذى أشاد بموهبتها وقام بتدريبها حتى التحقت بالكونسرفتوار ونجحت بتفوق.. وتخرجت من كونسرفتوار القاهرة، وكانت الأولى على دفعتها، إلا أنها عُينت معيدة فى معهد الموسيقى العربية عقب تخرجها، بعد أن وجدت تعنتا من بعض المسؤولين فى الكونسرفتوار آنذاك.. وظلت د. مشيرة على مدار عمرها تقدم حفلاتها فى دار الأوبرا، وتتفانى فى تعليم طلابها حتى أواخر أنفاسها.. ماتت مشيرة واقفة كالأشجار، لم تنحن إلا لله، وستظل روحها المرحة فرحة بالرحمات.
رحم الله د. مشيرة الإنسانة النبيلة الرائعة التى عرفت مدى رقتها وانسانيتها منذ طفولتى، فقد جمعنى بها موقف عصيب لا ينس، عندما كنت طالبة فى المرحلة الإعدادية، فقد كنا ندرس مادة بيانو إضافى، واستعرت كتاب بيانو لتصوير بعض الأجزاء فيه من شقيقة أقرب صديقاتى فى الفصل، وكانت شقيقتها طالبة فى معهد الموسيقى العربية فى فصل د. مشيرة التى أعارتها هذا الكتاب لتصويره.. وتلك الكتب لمن لا يعرف لا تباع فى مصر، ويتم شراؤها من الخارج بمبالغ لا يستهان بها، وفى ذلك الوقت لم يكن متاحا كما هو الآن تحميل كتب من خلال الإنترنت، أو شراؤها من خلال مواقع إلكترونية، وبالتالى كان الحصول على النوت الموسيقية عزيزا، ولا يتاح سوى الكتب الموجودة فى المكتبة أو ما يجود به الأساتذة الكبار على تلاميذهم.. ولسوء حظى ضاع الكتاب الذى فى عهدتى أثناء تركه للتصوير! وكانت كارثة بالنسبة لى، فهو كتاب أعارته د. مشيرة لطالبتها! وإستعارته صديقتى لى من شقيقتها! وأصبحت فى موقف لا أحسد عليه، بين البكاء ومحاولات البحث التى لا تنته دون جدوى! والحرج الشديد من مواجهة هذا الموقف الذى فرض على!
وللأسف لم تكن فكرة شراء كتاب بديل ممكنة حينها، فلا يمكن أن أسافر للخارج كى أشترى كتابا آخر! ولا يمكن أن أنتظر لشهور حتى أحاول البحث عن شخص ربما يسافر للخارج ويمكنه شراء الكتاب إذا وجده؟! ضاقت الدنيا فى وجهى ولم أكن أعرف كيف أتصرف؟! وكيف أعتذر؟! وماذا أفعل لشقيقة صديقتى التى ستضار وتتعرض لهذا الموقف المحرج والسئ مع أستاذتها بسبب (جدعنتها) معى؟!
لم يكن أمامى سوى المواجهة وتحمل عواقب الموقف، والاعتذار بكل ما يحمله كيانى من شعور بالحزن والخذلان، وابلاغهم بمسئوليتى عن دفع قيمة الكتاب أيا كانت (على نفقة عائلتى بالطبع).. وكنت على استعداد لتحمل اللوم وربما التوبيخ عن الإهمال وعدم المسئولية.. الخ.
لم تكن كل كلمات الاعتذار تكفى أو تحل الأزمة مع شقيقة صديقتى التى صدمت هى الأخرى، فالموقف أكبر منها ومنى! وبعد كل كلمات الاعتذار والشعور الحقيقى بالأسف والحزن طلبت من شقيقة صديقتى مقابلة د. مشيرة لابلاغها والاعتذار لها حتى أعفيها من الحرج وأتحمل خطأى.. ذهبت للدكتورة مشيرة وأنا أتمنى أن تنشق الأرض وتبلعنى قبل أن أصل إليها من شدة الخجل والضيق! ولكن فوجئت باستقبال د. مشيرة لى بكل المرح والبشاشة والرقة، وهى تسألنى بكل ود (إنت اللى ضيعتى الكتاب وعاملة كل القلق ده علشان كده؟! ولا يهمك حصل خير وفداكى ومتزعليش نفسك) ورفضت بحسم وبشكل قاطع فكرة دفع قيمة الكتاب، أو محاولة شراء كتاب بديل بعد فترة من خلال أى قريب أو صديق يسافر للخارج، وغمرتني بمحبتها وبساطتها ورقتها وحديثها المرح، ودار حوار بيننا لدقائق عن الكونسرفتوار الذى تركته بسبب اضطهادها وتعنت بعض مسئوليه معها..ومنذ ذلك الوقت صرت أحبها من كل قلبى، وقابلتها كثيرًا بعد ذلك أثناء عملى فى أوركسترا القاهرة السيمفونى عندما كانت تعزف كصوليست مع الأوركسترا.. ومنذ فترة طويلة لم ألتق د. مشيرة لا مصادفة ولا فى عمل، وكان آخر حوار معها عن د. جمال، وآخر كلمة كتبتها لى عنه “كان جميل جمال ملوش مثال”.. والحق يقال كانت هى أيضا بقلبها ورقتها وعذوبتها وروحها جميلة جمال.. وليس لجمالها مثال..خالص العزاء لأسرتها ولزوجها المحترم د. محمد حلمى هلال..ورحم الله د. مشيرة عيسى ود. جمال سلامة وكل من فارقونا وسبقونا إلى دار البقاء، وستظل سيرتهما وأرواحهما المرحة ونس وابتسامة ومصدر طاقة وعطاء.