خمس أوراق كفيلة بإحباط مخطط التهجير
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جادًا جدًا في طرحه مشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر.. وبدا أكثر ثقة وأشدّ يقينًا بأن هاتين الدولتين المجاورتين لفلسطين، ستتقبلان عرضه أو ستخضعان لضغوطه في نهاية المطاف، وكيف ترفضان، وهما المُدرجتان على لوائح المساعدات الخارجية الأميركية منذ زمن طويل، وقد حان الوقت لـ"رد الجميل"، والقيام بما يلزم لمساعدة رئيس الدولة العظمى على تحقيق مآرب ومرامي مشروعه المستلّ من قاموس الصهيونية – الدينية؛ رؤيتها وروايتها.
وإذ حار المراقبون في تفسير سرّ هذه الحماسة الفائضة التي اجتاحت الرئيس المكلل بغار نصرٍ انتخابي مؤزّر، أقرب لـ"التسونامي"، فقد ذهب فريق منهم للقول إن الرجل يعي ما يقول، وإنه يستكمل ما بدأته إدارة بايدن الديمقراطية على استحياء وتردد، وما بدأه هو زمن "صفقة القرن" الأولى قبل سنوات، وأنه، وهو الذي ينتمي إلى يمين شعبوي منسوج من قماشة اليمين الإسرائيلي المتطرف ذاتها، لا يجد غضاضة في تسويق وتسويغ "خطة الحسم والضم والتهجير" التي بدأت كوجهة نظر لتيار هامشي في إسرائيل قبل أن تصبح إستراتيجية عليا للدولة العبرية.
فريق ثانٍ قال، إن الرجل يعتمد تكتيكًا آخرَ بإثارة الخوف والرعب في صفوف خصومه وحلفائه، سواء بسواء، وإنه يفعل ذلك لرفع سعر بضاعته على أمل الحصول على بضاعة أخرى، في مكان آخر، ولكن بسعر أقل.. هنا يُقال إن مشروع التهجير سيجري التخلي عنه، عندما تبدأ أولى خطوات التطبيع الإسرائيلي – العربي، محور اهتمامات ترامب وتركيزه، وبدل أن تكون "الدولة" أو "الطريق الذي لا رجعة عنه لحل الدولتين"، هي ثمن التطبيع، يصبح التخلي عن مشروع مفتعل، قفز فجأة إلى السطح، هو الثمن المطلوب.
إعلانفريق ثالث، ذهب للقول إننا بإزاء بالون اختبار، فإن دبّ الرعب في قلوب الفلسطينيين والأردنيين والمصريين، كان به، وإلا فالباب سيبقى مفتوحًا لعروض وصفقات لاحقة، بسقوف وأسعار أكثر تواضعًا، هنا تتجه الأنظار إلى الضفة الغربية، التي يريد الإسرائيلي من ترامب أن يغرف من أرضها ومقدساتها، ثمنًا لقبولهم بوقف مستدام لوقف إطلاق النار في غزة، أو قبول مشروط ببقاء الغزيين فوق ترابهم الوطني.
أيًا كان ما يدور في ذهن ترامب، وما يخطط له ويسعى في تنفيذه، فإن إسقاط هذا المشروع يبدو مصلحة مشتركة لكل من فلسطين والأردن ومصر، بل والعالم العربي بعمومه، والفشل في مواجهته، ليس خيارًا أبدًا، لا سيما أن ثمة أوراق قوة إن أجيد استخدامها، أو بالأحرى، إن توفرت الإرادة لاستخدامها، ستكون كفيلة بدفنه في مهده، على الرغم مما لدى البيت الأبيض، من أوراق قوة وضغط يمكنه استخدامها أو التلويح بها.. وفي هذه العُجالة، يمكننا التفكير بخمسٍ منها على الأقل:
أولى هذه الأوراق؛ وأهمها على الإطلاق، رفض الفلسطينيين أنفسهم هذا المشروعَ، بالأفعال لا بالأقوال فحسب، وما جرى زمن "طوفان العودة" إلى غزة والشمال، بعد الجلاء الإسرائيلي عن جزء من ممر نتساريم، كان بمثابة استفتاء عفوي على رفض التهجير.. لم يحتشد نصف مليون فلسطيني على معبر رفح هربًا صوب سيناء، احتشدوا على ممر نتساريم في رحلة العودة إلى البيوت المدمرة، سيرًا على الأقدام، حتى وإن تطلب الأمر، البقاء ساعات ولياليَ على "درب الجلجلة" جرّاء المماطلة الإسرائيلية الفواحة بروائح الثأر والانتقام.
كافة القوى الفلسطينية أدلت بدلائها في رفض المشروع، ولم يقتصر الأمر على الفصائل، بل تخطاها إلى مختلف فعاليات الشعب الفلسطيني في كل مكان. "كعب أخيل" الموقف الفلسطيني الموحد في مواجهة التهجير، ما زال يتمثل في إصرار السلطة على رفض نداءات المصالحة، وترتيب البيت الفلسطيني واستعادة الوحدة، واستمرارها في رهاناتها السياسية البائسة، وسعيها الذي لا ينقطع لتقديم "أوراق الاعتماد" لإسرائيل ومن هم وراءها، على أمل الحصول على "مكانة تحت شمس الضفة" ابتداءً، وفي غزة إن استطاعت إليها سبيلًا.
إعلانثانية هذه الأوراق؛ الموقفان الأردني والمصري، حيث تشعر عمان والقاهرة بالتهديد على أمنهما واستقرارهما، وفي الحالة الأردنية على الهوية والكيان حال كُتِبَ لهذا المشروع إن يرى النور.. هنا لا نتحدث عن موقف متضامن أو مساند لـ"الأشقاء الفلسطينيين" بل عن سياسات دفاعية ووقائية؛ ذودًا عن صدقية الحكم والحكومات، وحفظًا للأمن والاستقرار، ودفاعًا عن الهوية والوجود.
هنا، يُنتظر أن تكون مواقف الدولتين، قاطعة في وضوحها، وخطوطها الحمراء ظاهرة كما لم يحدث من قبل، فالثمن المطلوب منهما تقديمه، لا يقدر بمال المساعدات الأميركية، بل يمكن القول إن الثمن المترتب على إغضاب واشنطن برفض التهجير، سيكون أقل بكثير من الثمن المطلوب لخطب ودّها وكسب رضاها.
ثالثة هذه الأوراق؛ مواقف الدول الأعضاء في "نادي الاعتدال العربي"، وقد بدأت تتظهّر في اجتماع القاهرة الأخير، فالفلسطينيون هذه المرة، قضية وحقوقًا ومقاومة، ليسوا هم وحدهم، من يتعرض للتهديد، بل عضوان أساسان ومؤسسان في هذا النادي.. وإن ترك هاتين الدولتين عرضة للضغط من دون شبكة أمان عربية، سيعرض كافة الدول الأعضاء فيها للخطر والتهديد، من دون وجود ضمانة من أي نوع، بأن سلاح الابتزاز لن يطارد الجميع إن نجح في تحقيق أهدافه في الحلقة الأضيق المحيطة بفلسطين.
في هذا السياق، يكفي أن تجتمع الدول الموقعة لمعاهدات السلام والاتفاقات الأبراهامية، لكي تخرج بصوت موحد: "جميع هذه الاتفاقات والمعاهدات في كفّة والتهجير في كفّة أخرى"، حتى يتم إسقاط هذا المشروع، بل وحتى يخرج العرب والفلسطينيون، من مولد ترامب ومرحلة ما بعد الحرب، بكثير من الحمص، وليس بسلال فارغة.
التلويح بهذه الورقة، هو الرد الأفعل على الرجل الطامح لنيل "نوبل للسلام"، حتى وهو يقترح مشروعًا لغزة، كفيلًا بتحويله إلى "لاهاي" بتهمة الدعوة لارتكاب جريمة حرب، والتهجير القسري بكل المقاييس، جريمة حرب مكتملة الأوصاف والأركان.
إعلانرابعة هذه الأوراق؛ العمل على "الداخل الأميركي"، فلكل دولة من دول الاعتدال العربي، شبكة علاقاتها مع شخصيات ومؤسسات ومراكز صنع قرار في الولايات المتحدة، وهي تشكل بمجموعها قوة ضغط هائلة، إن جرى توحيد الجهد وتنسيق التحرك.
ليست كل المؤسسات الأميركية تتبنى سياسات ترامب ومواقفه، فمنها من ترى فيه "فيلًا هائجًا يعبث في دكان الخزف".. وهذا هو الوقت المناسب لتجييش أوسع جبهة أميركية داخلية، ضد هذا الفلتان السياسي المفضي لتفلت من كل قيمة ومبدأ من قيم ومبادئ القانون الدولي، وعلى هذه الدول أن تنطلق من مُسلّمة مفادها أن لواشنطن مصالح في هذا الإقليم، ومع هذه الدول، لا تقل أهمية عن مصالح دولنا وأقطارنا مع الدولة العظمى في العالم.
خامسة هذه الأوراق؛ الموقفان الأوروبي والأممي، عبّرا عن الصدمة من المشروع، وتحدثت دوائرهما الرفيعة بصوت الرفض والاستهجان، وهي مواقف معطوفة على قلق عالمي من صعود ترامب.. لا الأمم المتحدة، تنسى للرجل سعيه لتهميشها وتجفيف مواردها، ولا أوروبا ستنسى له سعيه لتقزيمها، وضرب العلاقات بين شاطئي الأطلسي.. هنا يمكن البحث عن شبكة أمان أوروبية وأممية، مسيّجة بالشرعية الدولية، ومقررات الإجماع الدولي، ومرجعيات عملية السلام، لإبراز الوجوه القبيحة، الطافحة بالعنصرية لهذا المشروع.
فرص إنشاء جبهة عالمية، وليس عربية أو إقليمية، لمواجهة هذا المشروع، تبدو واعدة، إن جرى التحرك من دون إبطاء، لاستنقاذ حقوق الفلسطينيين أولًا، وصون أمن الدول العربية المستهدفة بالتهجير ثانيًا، فهذا المشروع ليس قدرًا لا رادّ له، وترامب ليس كُليّ القدرة، مهما استعرض وتطاول، والولايات المتحدة من قبل ومن بعد، لاعب كبير من ضمن لاعبين كبار آخرين، والانطلاق من الثقة بالقدرة على إلحاق الهزيمة بهذا المشروع، هو شرط هزيمته، وهزيمته ممكنة وغير مستحيلة.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات هذا المشروع هذه الأوراق
إقرأ أيضاً:
كيف استقبل اليمين الإسرائيلي والمعارضة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين؟
شكّل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة، "حبة النشوة" التي لم يكن اليمين الإسرائيلي يعرف أنه يحتاج إليها، والجرعة التي كان يريد أن يتناولها، وفيما ركض بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة لمدح صديقه الحقيقي في البيت الأبيض، فقد أعلن رئيس الكنيست أمير أوحانا أننا أمام "فجر يوم جديد"، أما إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش فسارعا لإحضار الشمبانيا والكؤوس لشرب نخب الانتصار.
وأكد دان بار-نير، المستشار السياسي السابق، والمتخصص بدراسات الشرق الأوسط، أن "ردود الفعل في صفوف المعارضة على خطة ترامب تراوحت بين التلعثم والصمت، وكتب زعيم المعارضة يائير لابيد على فيسبوك أن "هذا كان مؤتمرا صحفيا جيدا لإسرائيل"، أما وزير الحرب ورئيس الأركان الأسبق بيني غانتس فكتب أن الفكرة "ستصمد أمام اختبار الواقع".
وأضاف في مقال نشره موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "رئيس الحزب الديمقراطي يائير غولان أعلن أنه فهم من تصريحات ترامب أن "جميع المختطفين يجب أن يعودوا الآن، فيما غضبت زهافا غالئون رئيسة حزب ميرتس السابقة عندما سمعت أن معارضة الترحيل تنبع من حقيقة أنه غير عملي، وليس أنه غير أخلاقي".
وأوضح أنه "عندما ننظر للابتهاج بين الائتلاف وأنصاره مقابل التذبذب بين ممثلي المعارضة التي تدّعي خلق بديل للحكومة، فربما يكون هناك سبب وراء نشر أن 70% من الجمهور يؤيد فكرة ترامب، ودعم شبه توافقي له، صحيح أنه تم انتخاب الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة بأغلبية أصوات الأمريكيين، لكنه في واقع الأمر يتمتع بشعبية أكبر بكثير بين الإسرائيليين، وفي استطلاعات مختلفة أجريت بينهم، أعرب 60-70% منهم عن تأييدهم له، مقارنة بـ53% من الأمريكيين، ويشعرون بأنه "جيد لإسرائيل".
وأوضح أن "هذا التأييد الاسرائيلي الجارف لترامب يعود للدعم الشعبي الذي يقدمه لمصلحتهم، والخط العدواني الذي يتخذه ضد إيران ووكلائها، وفي عالم يشعرون فيه بأن دولتهم معزولة في الساحة الدولية، لا يُنظر لتصريحات ترامب على أنها منارة ضوء في نهاية النفق، بل قوس قزح في يوم شتوي كئيب ممطر".
واستدرك بالقول أنه "رغم كل ذلك، فإن فكرة ترامب بتفريق الفلسطينيين في دول العالم العربي ليست فكرة سيئة من الناحية النظرية فحسب، بل فاشلة تاريخياً، لأن الملايين منهم فرّوا بالفعل لبلدان أخرى بعد حرب النكبة، خاصة سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية الخاضعة آنذاك لسيطرة الاحتلال".
وأكد أنه "في ظل الفقر والإهمال والشعور بالانتقام من الاحتلال، أصبحت مخيمات اللاجئين حاضنة للمقاومة، وهو عانى منه الاحتلال على مدى عقود من الزمن بسبب هجماتها المنطلقة من لبنان والأردن".
وأشار أننا "اليوم نشهد التأثير المتطرف المناهض للاحتلال القادم من مسلمي أوروبا، كما أن المظاهرات الضخمة المؤيدة لغزة وحماس، والعنف المنظم ضد الإسرائيليين، ومطاردة الجنود المسرّحين في الخارج، كلها أسباب تثير تساؤلات حول جدوى خطة تهجير ملايين الفلسطينيين في الشرق الأوسط ودول العالم، حتى قبل المناقشة الوهمية حول قضية طردهم من ديارهم دون أن يتحول ذلك لمذبحة جماعية".
وخلص الى القول أن "أي زعيم إسرائيل مهتم بتشكيل الحكومة المقبلة يجب أن يفهم أمراً واحداً، أن كل ما يتصل بمستقبل غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، لن يناقش الجمهور الإسرائيلي القضايا الأخلاقية، لأنه غير مبالٍ بالمعاناة في غزة، لأنه يبحث عن الحلّ الأمني فقط، وسيتبع من يقدّمه، بغض النظر عن مدى أخلاقيته".