سالم الكثيري

 

 

يرى الكثير من المحللين أنَّ إسرائيل فشلت عسكريًا وإستراتيجيًا في حربها الأخيرة ضد المقاومة الفلسطينية؛ فمن الناحية العسكرية لم تتمكن من تهجير سكان غزة أو السيطرة على شمالها كمنطقة عازلة، كما فشلت في إنشاء المستوطنات والإبقاء على محوري نتساريم وفيلاديلفيا، ومن الناحية الإستراتيجية لم تستطع تحقيق أي من أهدافها المُعلنة كاحتلال غزة أو فرض السيطرة الإدارية عليها أو استعادة الأسرى بالقوة أو التخلص من المقاومة واجتثاثها، كما كان يزعم نتنياهو بأنه لن تكون هناك حماس في اليوم التالي للحرب.

ومن الناحية الإعلامية، يُدرك المتابع- بما لا يدع مجالًا للشك- أنَّ إسرائيل قد خسرت هذه المعركة قطعًا؛ حيث اهتزت صورتها عالميًا منذ أحداث "طوفان الأقصى" لتظهر ولأول مرة على حقيقتها ككيان مجرم مُحتل، بعد أن كانت تعيش دور الضحية، كما كان يصورها ويُروِّج لها دائمًا الإعلام الأمريكي، الذي يُسيطر على آلة الإعلام على مستوى العالم. وفي سابقة تُعد الأولى من نوعها، شاهدنا جميعًا ما تعرضت له إسرائيل وجيشها من هجومٍ شرسٍ من كثير من القنوات والصحف العالمية، منذ أحداث السابع من أكتوبر، فيما لمسنا في نفس الوقت الطرح الإيجابي للرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام والمقاومة بشكل خاص؛ حيث تناولت الكثير من  وسائل الإعلام الغربية هذه القضية بشكل مختلف، عمَّا كانت عليه طيلة العقود الماضية من تعتيم وتضليل إعلامي؛ بل وصل الأمر بالكثير من وسائل التواصل الاجتماعي والنشطاء المستقلين إلى الوقوف في صف المُقاومة بشكل صريح وعلني مع ما واجهه هؤلاء من مضايقات سياسية وإعلامية؛ بل ومالية من قبل اللوبيات الاقتصادية والشركات العالمية الداعمة للصهيونية، بعدما اتضح أنَّ ما كان يُنشر في الإعلام الإسرائيلي والغربي ليس إلّا تزييفًا وقلبًا للحقائق.

تمكنت المقاومة من توظيف التقنيات الحديثة وأدوات التصوير كطائرات الدرون والهواتف الذكية وغيرها من برامج لتوثيق أحداث المعركة اليومية ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي باحترافية أذهلت حتى المختصين والخبراء قبل عامة الناس، بدايةً باللقطات الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي مثَّلت الصدمة الكبرى لإسرائيل وكل حلفائها، ثم بث الخطابات المتوالية لأبي عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام، والتي باتت محل اهتمام الإعلاميين والسياسيين عالميًا، لما تحمله من صدقٍ في المضمون، ودقة في الطرح، وأداء متفرد يستنهض فيه الأمتين العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، للوقوف في وجه الظلم والطغيان الصهيوني، ولتفاعل هذه الخطابات مع أحداث المعركة أولًا بأول؛ مما جعل من "فارس الإعلام المُلثَّم" أبو عبيدة، بصوته الندي وبلسانه الفصيح وبلغته القرآنية المبدعة والرصينة في الوقت نفسه، أيقونةً من أيقونات الإعلام، طيلة أحداث الحرب، ولم يزل كذلك.

ثم ما تعرضه فصائل المقاومة من مقاطع وصور بأساليب مبتكرة، كالسهم الأحمر الذي يتتبع رؤوس الجنود الصهاينة والآليات العسكرية، والذي أصبح رمزًا عالميًا لقنص الأعداء، بحيث توضح هذه المقاطع شجاعة المقاومين في التصدي لجحافل جنود الاحتلال المدججين بالسلاح والعتاد والمُحصَّنين بالمدرعات والدبابات من "المسافة الصفر" بملابس خفيفة رثة وبدون خوذات للرأس أو سُترات واقية من الرصاص، وذلك في سبيل الدفاع عن الوطن ضد محتل غاصب. أضف إلى ذلك إظهار مقاطع لقادة المقاومة من قلب المعركة وجهًا لوجه مع العدو؛ حيث استُشهد الكثير منهم وأياديهم على الزناد، من أجل نصرة قضيتهم، وليس من المكاتب الفاخرة والابراج المحصنة، كما هو حال قادة جيش الاحتلال. وخاتمة المسك في المشاهد الأخيرة لسيناريو وإخراج عملية تسليم الأسرى برمزياتها المُعبِّرة وتفاصيلها الدقيقة في الصمود والتحدي، بداية من ميدان  فلسطين والسرايا والتي تعد من أكبر ميادين غزة، ومخيم جباليا الذي دمره جيش الاحتلال بقصفه على مدار 100 يوم متتالية، ومن ثم من أمام بيت قائد المقاومة الشهيد يحيى السنوار ومهندس الطوفان الشهيد محمد الضيف في خان يونس في ميناء غزة؛ حيث أعلنت حماس عن تواجد قائد كتيبة الشاطئ أبو عمر الحواجري في مراسم التسليم، بعد أن زعم جيش الاحتلال قتله سابقًا، لتكون هذه اللقطات بمثابة الضربة القاضية والدليل الداحض لكل ادعاءات إسرائيل الكاذبة بأن أسراها يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة، بينما ظهر الأسرى والأسيرات بحالة صحية جيدة ونفسية عالية وبملابس وتسريحات شعر أنيقة وابتسامات عريضة.

واستثمرت المقاومة منصة وساحات التسليم كلوحة إعلانات مُتنقلة لعرض رسائلها المباشرة كصور الشهداء والعبارات الموجهة للرأي العام الإسرائيلي والعالمي والحاضنة الشعبية والحضور الكثيف لرجال المقاومة بمختلف وحداتهم، بمن فيهم "وحدة الظل"، وكذلك الرسائل الضمنية التي تؤكد سيطرتها التامة على القطاع؛ كمراسم تواقيع تسليم الأسرى مع ممثلي الصليب الأحمر بندية تامة، بكل تفاصيلها الدقيقة، إضافة إلى ظهور بعض المقاومين على متن سيارة كبيرة سوداء كانوا قد استولوا عليها من "فرقة غزة" الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، وامتشاق احدهم السلاح الإسرائيلي "تافور"، في استعراضٍ يحمل دلالات ورسائل إعلامية واضحة؛ الامر الذي أزعج الحكومة الإسرائيلية كثيرًا؛ حيث ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن في كل نقطة يتم فيها تسليم المحتجزين، يتم نقل رسالة محددة من حماس. وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن اختيار جباليا ومنزل السنوار ومخيم الشاطئ والميناء مواقع لتسليم المحتجزين لم يكن عشوائيًا، موضحة أن اختيار مواقع التسليم يؤكد قدرة حماس على السيطرة على هذه المناطق، رغم الضربات التي تلقتها.

ومن هنا يُمكنُنا القول إنَّه بالقدر الذي صمدت فيه المقاومة بالقليل من السلاح أمام جيش مُنظَّم مُزوَّد بأعتى الأسلحة وأحدث التقنيات على ما أصابها من ضربات موجعة، فقد كسبت المعركة الإعلامية التي لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية؛ وذلك أن إيصال عدالة القضية الفلسطينية للرأي العام العالمي، هو الذي سيدفع بها إلى الأمام، وسيُرجِّح كفتها مع الأيام، لما لقوة الإعلام من تأثير كسلاح مستقبلي فعَّال بلا منازع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحوثيون يفرجون عن الإعلامية اليمنية سحر الخولاني بعد أشهر من اختطافها

يمن مونيتور/ قسم الأخبار

أفرجت جماعة الحوثي المسلحة، يوم الأربعاء، عن الإعلامية اليمنية سحر الخولاني بعد خمسة أشهر من اختطافها من منزلها بصنعاء.

وقدمت الخولاني الشكر لوالديها الذين كانوا سندا لها خلال فترة اختطافها في سجون الجماعة، كما ثمنت كل من وقف وتضامن مع مظلوميتها خلال فترة اعتقالها.

ونشرت، الخولاني على صفحتها في فيسبوك تسجيل جدد قالت فيه “أنا بخير وبصحة جيدة، وأحب أن أشكر أصدقائي وكل من نشر عن قضيتي وظلمي؛ أنتم لستم مجرد أصدقاء، بل إخوة. شكرًا لكل من سأل عني وعن أطفالي، وأتمنى دعواتكم لي.”

في 10 سبتمبر/أيلول المنصرم، اختطفت جماعة الحوثي الخولاني بعد اقتحام منزلها على خلفية انتقادها للأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • الحوثيون يفرجون عن الإعلامية اليمنية سحر الخولاني بعد أشهر من اختطافها
  • بدء المعركة القانونية بين جاستن بالدوني وبليك ليفلي
  • الرئيس أردوغان: الشعب السوري الذي ألهم المنطقة بعزيمته على المقاومة قادر على إعادة إحياء بلده 
  • إعلام إسرائيلي: حماس حققت هدفها بغزة وإمكاناتها الإعلامية فائقة
  • برلماني يمني: المعركة مع الحوثيين صراع وجود وليس خلافًا سياسيًا
  • السجن عام لخادمة الإعلامية بسمة وهبة لسرقتها
  • ما الذي حدث لـ”القبة الحديدية في السابع من أكتوبر.. الإعلام العبري يجيب 
  • مسؤول حزب الله في البقاع: انتصرنا في هذه المعركة
  • الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الدكتور سامي عبد العزيز