تُراثي.. هُوِّيتي
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
علي بن سهيل المعشني (أبو زايد)
asa228222@gmail.com
سلطنة عُمان، تلك الأرض التي تمتد من محافظة مسندم شمالًا إلى محافظة ظفار جنوبًا، تحمل في طياتها تنوعًا تراثيًا وثقافيًا لا يُضاهى. كل قرية، كل وادٍ، وكل جبل يحمل في ذاكرته قصصًا ترويها الأجيال، ولهجاتٍ تختلف من منطقة إلى أخرى، وعاداتٍ وتقاليدَ تشكل نسيجًا اجتماعيًا غنيًا ومتنوعًا.
وفي ظل هذا التنوع التراثي الكبير، يبرز سؤالٌ مُهم: لماذا لا نُدخل هذا التراث إلى مناهجنا التعليمية؟ لماذا لا نُخصص مادةً دراسيةً تحت عنوان "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات العُمانية؟ إنها فكرةٌ تستحق أن تُناقش بجدية، خاصةً في عصر العولمة الذي نعيشه، حيث تهدد الثقافات الوافدة هوياتنا المحلية.
التراث: جذورٌ تمتد من الماضي الى الحاضر والمستقبل.
والتراث ليس مجرد مظاهر خارجية كالأزياء التقليدية أو الفنون الشعبية؛ بل هو نظامٌ قيميٌ يعكس طريقة تفكير المجتمع وسلوكه. في عُمان، نجد أنَّ كل منطقة لها طابعها الخاص، من لهجة "الشحوح" في مسندم إلى لهجة "الجبال" في ظفار، ومن فنون "الرزحة" و"العازي" إلى "التغرود" و"الهمبل"والبرعة والنانا. هذه المفردات التراثية ليست مجرد تعابير فنية؛ بل هي أدواتٌ تُعبر عن قيم المجتمع وتاريخه.
وإدخال التراث في المناهج التعليمية يعني الحفاظ على هذه القيم ونقلها إلى الأجيال القادمة؛ فمن خلال دراسة التراث، يتعلم الطلاب ليس فقط عن ماضيهم؛ بل أيضًا عن كيفية الحفاظ على هويتهم في عالمٍ سريع التغير. التراث يُعلمنا الانتماء، ويُعزز الفخر بالجذور، ويُسهم في بناء شخصيةٍ وطنيةٍ قوية.
التعليم: جسرٌ بين الماضي والمستقبل.
إن إدخال مادة "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات لن يكون مجرد إضافةٍ أكاديمية؛ بل سيكون خطوةً استراتيجيةً نحو تعزيز الهوية الوطنية. هذه المادة يمكن أن تشمل دراسة اللغات المحلية، والفنون التقليدية، والعادات الاجتماعية، وحتى المأكولات الشعبية. كما يمكن أن تتضمن زيارات ميدانية إلى المواقع التراثية، ومشاركة في المهرجانات الثقافية، وورش عملٍ حول الحرف التقليدية.
وفي الجامعات، يمكن أن تكون هذه المادة أكثر تخصصًا، حيث تُدرس التراث من منظورٍ أكاديميٍ وعلمي. يمكن أن تشمل أبحاثًا حول تأثير التراث على الهوية الوطنية، ودوره في تعزيز السياحة الثقافية، وكيفية توظيف التراث في التنمية المستدامة.
التحديات والفرص
بالطبع، هناك تحدياتٌ تواجه هذه الفكرة. أولها هو كيفية توحيد المنهج الدراسي ليشمل كل هذا التنوع التراثي في عُمان. فكل منطقة لها خصوصيتها، وقد يكون من الصعب إيجاد منهجٍ واحدٍ يلبي كل هذه الخصوصيات. الحل قد يكون في تصميم منهجٍ مرنٍ يسمح للمدارس في كل منطقة بإضافة ما يميزها من تراث.
والتحدي الآخر هو كيفية جعل هذه المادة جذابةً للطلاب. ففي عصر التكنولوجيا والإنترنت، قد يجد الطلاب صعوبةً في الاهتمام بمواضيع تراثية. هنا يأتي دور الإبداع في التدريس، حيث يمكن استخدام التكنولوجيا نفسها لتقديم التراث بشكلٍ حديثٍ ومشوق.
وأخيرًا.. تراثنا هو هويتنا، وهويتنا هي مستقبلنا. إدخال مادة "تراثي هويتي" في المدارس والجامعات ليس مجرد خطوةٍ تعليمية؛ بل هو استثمارٌ في مستقبل الأمة. من خلال هذه المادة، نستطيع أن نُعزز الانتماء الوطني، ونحافظ على تنوعنا الثقافي، ونبني جيلًا واعيًا بجذوره وقادرًا على مواجهة تحديات العصر.
ولقد حان الوقت لأن نُعطي تراثنا المكانة التي يستحقها في نظامنا التعليمي. فلنعمل معًا لجعل "تراثي هويتي" جزءًا أساسيًا من تعليم أبنائنا؛ لأن الحفاظ على التراث هو حفاظٌ على وجودنا كأمةٍ لها تاريخٌ وحضارة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عبر أنشطة وفعاليات ثقافية.. برامج رمضان في جدة التاريخية تعزز التراث والأصالة
البلاد – جدة
تحتضن منطقة جدة التاريخية فعاليات موسم رمضان 2025 الذي ينظمه برنامج جدة التاريخية التابع لوزارة الثقافة، ويهدف من خلاله إلى إحياء التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية عبر أنشطة وفعاليات ثقافية ومجتمعية متنوعة تحمل ملامح رمضانية عريقة، وتعكس روحانيات مستمدة من قيمنا وعاداتنا التي اكتسبها المجتمع السعودي وحافظ بها على الموروث الثقافي والاجتماعي رغم التطور المتسارع في كافة مجالات الحياة.
يحظى زوار جدة التاريخية بتجربة فريدة تمتد طوال الشهر الكريم، حيث يحتضن موسم رمضان 2025 أنشطة وفعاليات متنوعة تستمر حتى نهايته، موفرةً للزوار فرصة استكشاف أجواء رمضان التقليدية وقضاء أوقات مفعمة بالروحانيات ضمن بيئة تراثية غنية بالتاريخ والثقافة، تعزز قيمة منطقة جدة التاريخية كوجهة للزوار في ليالي رمضان، وموقعاً بارزاً ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.
يضم الموسم مجموعة متنوعة من الأنشطة المتميزة التي تنقل الزوار إلى أجواء رمضان الأصيلة، حيث تتاح لهم فرصة التجول في البيوت التاريخية والاستمتاع بجولات استكشافية في المباني التراثية بالمنطقة، إلى جانب الأسواق التقليدية التي تعكس أجواء الماضي بعرض المنتجات المحلية والمأكولات التراثية. كما تتوفر ورش عمل متخصصة لتعليم الحرف التقليدية مثل الخط العربي وصناعة الفخار، مما يسهم في تعزيز الوعي بالحرف اليدوية وإبراز قيمتها الثقافية.
كما يقدم الموسم فعاليات خاصة بالعائلات والأطفال، تشمل أنشطة ترفيهية تفاعلية تهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة بالثقافة السعودية وتعزيز ارتباطهم بالتراث، إلى جانب جولات تاريخية في الحارات القديمة لإبراز تقاليد الشهر الكريم في بيئة تعكس الأصالة والروحانية.
يأتي ذلك ضمن جهود برنامج جدة التاريخية الهادفة إلى الحفاظ على التراث المعماري والثقافي للمنطقة، حيث يعمل البرنامج على ترميم وتأهيل المباني التاريخية وإعادة إحيائها مع المحافظة على هويتها الأصلية، إضافةً إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة تعكس أصالة المنطقة، ودعم المواهب الشابة وتمكينها من خلال توفير منصات لعرض أعمالهم وتسويقها، وإشراكهم في الأنشطة الثقافية والفنية التي تبرز إمكاناتهم. وكذلك توفير تجربة مميزة للزوار، مما يسهم في جعل المنطقة وجهة ثقافية مهمة تماشيًا مع أهداف رؤية السعودية 2030.