جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-05@19:02:44 GMT

خريطة بلا بوصلة

تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT

خريطة بلا بوصلة

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

تخيل أنك بحّار متمرس، تمتلك خبرة واسعة تؤهلك لقيادة رحلة بحرية طويلة. لديك خريطة، لكنك تفتقر إلى بوصلة تُرشدك إلى وجهتك. في البداية، قد تعتمد على مهاراتك وخبرتك لتوجيه السفينة، لكن مع مرور الوقت، ستدرك أن الخريطة وحدها لا تكفي، وأن غياب البوصلة قد يجعلك تائهًا وسط أمواج متلاطمة ومسارات متداخلة.

وكما هو الحال في البحر، يحدث الأمر ذاته في الحياة والأعمال؛ فبدون رؤية واضحة وتوجيه دقيق، قد يصبح المسار ضبابيًا، وتتحول القرارات إلى مغامرات غير محسوبة، مما يؤدي إلى فقدان الوجهة والانحراف بعيدًا عن الأهداف المنشودة.

ينجم غياب البوصلة عن ضعف الرؤية الاستراتيجية، حيث يؤدي غياب الأهداف الواضحة أو التخطيط طويل الأمد إلى التخبط وفقدان الاتجاه. كما أن الاعتماد على معلومات غير دقيقة والتشبث بالماضي دون مواكبة التطورات يؤدي إلى الجمود، مما يحد من قدرة الأفراد والمؤسسات على التكيف والنجاح.

لا يمكن إغفال التأثيرات الخارجية، مثل الاضطرابات الاقتصادية والتغيرات في سوق العمل، فضلًا عن العوامل الاجتماعية والثقافية، التي قد تسهم في تشويش الرؤية وعرقلة اتخاذ قرارات مستنيرة. لا يقتصر تأثير فقدان البوصلة على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل المؤسسات والمجتمعات بأكملها. فعلى المستوى الفردي، يؤدي ذلك إلى التخبط في القرارات المهنية والشخصية، مما يسبب فقدان الدافع والطموح، ويزيد من الشعور بالإحباط والقلق. أما على الصعيد المؤسسي، فينعكس ذلك في ضعف الأداء الإداري، وفشل المشاريع، وخسارة القدرة التنافسية في السوق بسبب غياب التوجيه الاستراتيجي الفعّال.

على المستوى المحلي، يمكن ملاحظة أن بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عُمان التي امتلكت رؤية واضحة واستراتيجية مرنة قد نجحت في مُواجهة التحديات. على سبيل المثال، العديد من المتاجر العُمانية التقليدية التي تبنّت التحول الرقمي وأطلقت منصات إلكترونية لبيع منتجاتها تمكنت من التوسع واستقطاب قاعدة عملاء جديدة، بينما واجهت المتاجر التي اعتمدت فقط على الأساليب التقليدية صعوبات كبيرة في الاستمرار، خاصة مع التغيرات السريعة في أنماط الشراء وزيادة الاعتماد على التجارة الإلكترونية. كذلك، يمكن الإشارة إلى قطاع اللوجستيات والتوصيل؛ حيث استطاعت الشركات التي استثمرت في أنظمة ذكية لإدارة الطلبات وتعزيز خدمات التوصيل أن تحقق نجاحًا ملحوظًا، في حين أن الشركات التي لم تواكب هذه التغيرات وجدت نفسها متأخرة في السوق.

ولإعادة ضبط المسار، من الضروري مراجعة الرؤية والأهداف، وصياغة خطط مرنة قادرة على مواجهة التحديات. كما أن استخدام الأدوات المناسبة، مثل التحليل الاستراتيجي ومراجعة الأداء بشكل دوري، يعزز من فرص النجاح. إلى جانب ذلك، تنمية المهارات الأساسية، كالتفكير النقدي واتخاذ قرارات مبنية على تحليل دقيق، يساعد في بناء قدرة أكبر على التخطيط الاستراتيجي وحل المشكلات بفاعلية.

ومن الأمثلة البارزة على أهمية امتلاك بوصلة واضحة في عالم الأعمال، تجربة نوكيا؛ إذ فقدت نوكيا مكانتها الرائدة في صناعة الهواتف المحمولة عندما تمسكت باستراتيجياتها التقليدية ورفضت التكيف مع التحولات الرقمية؛ مما أدى إلى تراجعها أمام منافسين مثل أبل وسامسونج. لكنها استعادت موقعها بعد إعادة توجيه رؤيتها نحو قطاع الشبكات والاتصالات.

بالمثل، بدأت نتفليكس كخدمة تأجير أقراص DVD، لكنها سرعان ما أدركت أن مستقبل الترفيه يكمن في البث الرقمي. على عكس منافستها بلاكباستر، التي فشلت في مواكبة التطورات وانتهت بالإفلاس، نجحت نتفليكس في تحويل مسارها لتصبح إحدى أكبر منصات البث العالمية، مما يعكس أهمية التكيف السريع واتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن للأفراد تطبيق هذه المبادئ في حياتهم اليومية؟ وكيف يمكن للشركات تصحيح المسار وتحقيق النجاح المرجو رغم العثرات؟ الواقع أن امتلاك رؤية واضحة ومرنة أصبح ضرورة لا غنى عنها في عالم سريع التغير؛ فالبيانات الدقيقة والمعلومات الموثوقة تؤدي دورًا جوهريًا في اتخاذ القرارات الصحيحة. ومع ذلك، لا يكفي التخطيط وحده لضمان النجاح، فبدون بوصلة قيمية وتوجيهية، يظل المسار محفوفًا بالمخاطر. إن القدرة على التكيف والمرونة ليست مجرد مهارات إضافية؛ بل هي عوامل أساسية لضمان الاستمرارية وتحقيق التقدم في عالم مليء بالتحديات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: الإبادة الجماعية واضحة في ممارسات “إسرائيل” الإجرامية

أكدت المقررة الأممية المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، أن “نية الإبادة الجماعية واضحة في الطريقة التي تستهدف فيها “إسرائيل” الفلسطينيين”، عبر الممارسات “الإجرامية” في الضفة الغربية.

وأوضحت “ألبانيز” في تصريحات صحفية لها، الأحد، عبر منصة “إكس”، إلى أن عمليات التدمير “توسعت لتشمل جميع الأراضي المحتلة وليس غزة فحسب”، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لوقفها.

وقالت إن “تصرفات “إسرائيل” في الضفة الغربية إجرامية، إذ إنها توسّع نطاق الدمار ليشمل جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وأضافت أن “نية الإبادة الجماعية واضحة في الطريقة التي تستهدف بها “إسرائيل” الشعب الفلسطيني بأسره وكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تدعي “إسرائيل” أنها مخصصة حصريا لتقرير المصير اليهودي”.

وتابعت المقررة الأممية بقولها “لقد حان الوقت، بل تأخر، للتدخل لوقف ذلك”، مشيرة إلى أنها حذرت الجمعية العامة للأمم المتحدة من حدوث ذلك في تقريرها الأخير خلال أكتوبر 2024.

وتُواصل قوات الاحتلال، لليوم الـ 13 على التوالي، عدوانها العسكري على مدينة ومخيم جنين، بالإضافة لتوسيع العدوان، مؤخرًا، ليشمل محافظتي طولكرم وطوباس، تزامنًا مع عمليات هدم للمباني والمنشآت وتفجير المربعات السكنية، وتهجير المواطنين من منازلهم؛ لا سيما في جنين وطولكرم.

قوات العدو استخدمت قتل النساء كأداة للإبادة الجماعية

من جهتها، أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، أن قوات العدو الصهيوني استخدم قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية، كأدوات للإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وقالت السالم، في تصريح صحفي، الأحد، إن “اعتداءات “إسرائيل” على النساء الفلسطينيات هي جزء من إستراتيجية إبادة جماعية ممنهجة”.

وأضافت: “عند النظر إلى تصرفات إسرائيل نظرة عامة، فمن الواضح أن استهدافها القدرة الإنجابية للفلسطينيين على وجه الخصوص، يخدم هذا الغرض”.

وأكدت أن “قتل الفلسطينيات لمجرد كونهن نساء يُعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”، مشيرة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية تحظر أيضاً أعمال الإبادة الجماعية التي تهدف إلى منع الإنجاب داخل مجموعة ما.

وأضافت: “عندما نجمع كل القطع معا، نجد أن تدمير القطاع الصحي، وترك الأطفال حديثي الولادة لمصيرهم، وخلق ظروف مروعة للنساء الحوامل والمرضعات، كلها أدوات تم استخدامها للعنف الإبادي الإسرائيلي، الذي يستهدف التدمير الكلي أو الجزئي لاستمرارية تناسل الفلسطينيين”.

وأشارت السالم إلى التأثير المدمر للهجمات على النساء والأطفال، مستخدمة بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان، وقالت: “تم تهجير 800 ألف امرأة قسراً من منازلهن، وتعاني حوالي مليون امرأة وفتاة من انعدام أمن غذائي حاد”.

وقالت المقررة الأممية إن “الوضع في غزة بلغ أبعادا لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها”، مبينة أن معدلات الإجهاض ارتفعت بنسبة 300% بسبب الرعاية الطبية غير الكافية، والصدمات النفسية، والقصف، مؤكدة أن “الأمر لا يتعلق فقط بالإبادة الجماعية، بل يعني أيضا القتل العمد والتدمير الكامل لمفهوم الحدود القانونية في الحرب”.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تُطلق مساراً جديداً لـ«الملكية الفكرية الخضراء»
  • تعليم الأحساء وحفر الباطن يحققان مراكز متقدمة في "جسور التواصل"
  • خبير جيولوجيّ لبنانيّ ينشر خريطة للزلازل التي ضربت شرق المتوسط عبر التاريخ... هكذا علّق عليها
  • رئيس شعبة الذهب: تصريحات ترامب تغير بوصلة الأسعار العالمية
  • حماس: الاحتلال يواصل مرواغته في تنفيذ المسار الإنساني في اتفاق وقف إطلاق النار
  • حماس: إسرائيل تواصل المراوغة في تنفيذ المسار الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار
  • حماس: الاحتلال يواصل مراوغته في تنفيذ المسار الإنساني باتفاق وقف إطلاق النار
  • الأمم المتحدة: الإبادة الجماعية واضحة في ممارسات “إسرائيل” الإجرامية
  • مصر تقدم رؤية واضحة لإعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين