الخلايا الجذعية.. ثورة في الطب التجميلي وعلاج الأمراض المزمنة
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
تعتبر الخلايا الجذعية من أبرز محاور التطور الطبي، حيث تمثل ركيزة أساسية في مختلف مجالات الطب، إذ يمكن استخراجها من جسم الإنسان واستخدامها بشكل يعود بالفائدة على نفس الشخص، مما يفتح آفاقًا واسعة لتطبيقاتها في علاج العديد من الأمراض المزمنة، كما تسهم بشكل كبير في التقدم الطبي التجميلي والعلاجي.
"عمان" أجرت حوارًا مع الدكتورة فخرية بنت خميس الشبلية، أخصائية الجلدية والتجميل والليزر، التي أوضحت في حديثها عن الخلايا الجذعية أن هذا المجال يعد من أبرز التطورات الطبية ويُعد جزءًا أساسيًا من العلاج في العديد من الأمراض، مثل الأمراض المزمنة والتجميلية، حيث يعزز من قدرة الجسم على تجديد الأنسجة وعلاج العديد من الحالات الصحية.
وتقول الدكتورة فخرية: إن إنشاء بنك الخلايا الجذعية في سلطنة عمان يسهم في تجنب استخدام الأدوية الكيميائية الضارة، إضافة إلى أن إنشاءه سيضعنا في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال الطبي المتطور، مما سيسهم في تحقيق تقدم كبير في معالجة الأمراض المزمنة والمشاكل التجميلية من خلال حلول طبيعية وآمنة، مؤكدة أهمية تعزيز الابتكار في استخدام الخلايا الجذعية من أجل مستقبل طبي أفضل.
وتعد مقاومة الشيخوخة من أبرز أهداف العديد من الأشخاص الذين يسعون للحفاظ على شبابهم وجمالهم، ووفق الدكتورة الشبلية فإن هذه الرحلة لا تقتصر على خطوة واحدة، بل هي مسار طويل يتطلب التزامًا بنمط حياة صحي متكامل، موضحة أن رحلة الجمال تبدأ من الداخل من خلال ممارسة الرياضة والاهتمام بالتغذية السليمة، وصولًا إلى استخدام المنتجات المناسبة للعناية بالبشرة. وأضافت: "الجمال ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو ناتج عن مزيج من العوامل الصحية الداخلية والعناية الخارجية، وإذا تم الحفاظ على هذا التوازن، يمكن للمرء أن يواجه علامات الشيخوخة بشكل طبيعي".
كما أشارت إلى أنه من الضروري بث مفهوم "الجمال الطبيعي" في المجتمع، بعيدًا عن الإكثار من استخدام الحقن والمواد الكيميائية بشكل مبالغ فيه، مؤكدة أهمية أن يكون الجمال مستخلصًا من أجسادنا بشكل طبيعي وآمن. وقالت: "كلما كانت المواد المستخدمة مستخلصة من أجسادنا، كانت أكثر أمانًا للبشرة ولا تغير ملامح الوجه الطبيعية".
وتشير الدكتورة فخرية إلى أن الخلايا الجذعية المستخلصة من المشيمة تعد من أهم المصادر الطبية والتجميلية في العصر الحديث. وتُستخدم في علاج عدد من الأمراض المزمنة، مثل أمراض المناعة الذاتية (كالتهاب المفاصل الروماتويدي)، بالإضافة إلى ترميم الأنسجة التالفة الناتجة عن الإصابات أو العمليات الجراحية. كما تُسهم في تحسين وظائف الأعضاء مثل الكلى والقلب في حالات الأمراض المزمنة.
وفيما يخص الاستخدامات التجميلية، تُستعمل الخلايا المستخلصة من المشيمة في علاج التصبغات الجلدية، والترهلات، والتجاعيد، مما يعزز مظهر البشرة ويعيد لها شبابها.
أما عن الخلايا المستخلصة من النخاع الشوكي، فهي تلعب دورًا محوريًا في الطب، حيث يمكن استخدامها في إعادة بناء الأنسجة التالفة في حالات إصابات العمود الفقري. كما تُسهم في علاج بعض الأمراض العصبية مثل مرض باركنسون والتصلب الجانبي الضموري، إضافة إلى دعم الجهاز المناعي وتحسين وظائف الدم.
وفي جانب التجميل، تُستخدم خلايا النخاع الشوكي لتعزيز تجديد خلايا البشرة وتحفيز نمو الشعر، كما تُساعد في علاج الندوب العميقة وآثار الجروح.
وفيما يخص الخلايا الجذعية المستخلصة من دهون جسم الإنسان، تقول الدكتورة فخرية: إنها تُستخدم في تجميل الوجه والجسم بشكل واسع، حيث تساعد في استعادة نضارة الوجه، علاج التجاعيد، وتحديد معالم الوجه مثل الخدود والشفاه. كما تُستخدم هذه الخلايا في علاج تساقط الشعر وزيادة كثافته، كما توجد لها استخدامات طبية مهمة، مثل علاج الجروح المزمنة والقروح الناتجة عن مرض السكري، وتحسين التئام الجروح بعد العمليات الجراحية، وكذلك دعم العلاج في حالات إصابات الأوتار والعضلات.
كما تعتبر الخلايا الجذعية المستخلصة من البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP) من أحدث التطورات في مجال العلاج والتجميل، حيث يُستخدم هذا النوع في علاج التهاب الأوتار المزمن، وتحسين التئام الجروح بعد الإصابات أو العمليات الجراحية. كما تسهم في تقليل الألم وتحسين حركة المفاصل في حالات التهاب المفاصل. ومن الناحية التجميلية، تساعد خلايا البلازما في تعزيز تجديد خلايا البشرة وتحفيز إنتاج الكولاجين، مما يحسن مظهر البشرة ويقلل من الهالات السوداء تحت العينين.
وشرحت الدكتورة فخرية أن عملية استخراج الخلايا الجذعية تتم عبر مجموعة من الوسائل المتقدمة، مثل استخلاص مادة الكولاجين التي تسهم في شد البشرة، وإزالة آثار الحروق، وتخفيف ندبات الجلد، وهذه التقنيات تتيح الاستغناء عن عمليات ترقيع الجلد التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم في علاج الأمراض المزمنة مثل السكري، حيث يمكن الاستغناء عن الأنسولين، كما تسهم في علاج الأورام السرطانية، والتهابات العظام والمفاصل، وأمراض القلب.
كما أشارت إلى أن الخلايا الجذعية المستخلصة من لب الأسنان اللبنية تلعب دورًا مهمًا في العلاج الطبي والتجميل، كما تُستخدم في صنع المكملات الغذائية ومنتجات العناية بالبشرة. ووصفت المشيمة بأنها "كنز ثمين" من الخلايا الجذعية، كونها تسهم في علاج بعض الأمراض الجينية، مما يعزز من فرص تطبيقها في علاج مجموعة من الأمراض النادرة والمعقدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأمراض المزمنة من الأمراض ت ستخدم فی العدید من فی حالات تسهم فی فی علاج إلى أن
إقرأ أيضاً:
صناعة السفن الخشبية العمانية إرث بحري وجذور تاريخية تعود إلى آلاف السنين
لقد شكّل الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان وامتداد سواحلها البحرية التي يبلغ طولها حوالي 3165 كيلومترًا، واطلالتها على بحر العرب جنوبًا، وبحر عُمان شمالًا، ثراءً تاريخيًا بحريًا، شكّل أساسًا ودافعًا لصناعة السفن التقليدية والصناعات المرتبطة باستثمار الصيد البحري، وتعود صناعة السفن في سلطنة عُمان إلى آلاف السنين، إذ كانت تتميّز صناعة السفن باستخدام الألياف عوضًا عن المسامير لربط أجزاء السفن والمراكب ببعضها البعض، ولمعرفة جانب من تاريخ صناعة السفن وأنواعها والمراكز الرئيسية لصناعتها والتحديات التي تواجهها وجهود الحفاظ عليها والرؤية المستقبلية لتطويرها، التقت "عُمان" بمختصين بالتراث البحري وتصنيع السفن.
في البداية، قال حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، مؤرخ مختص بالتاريخ البحري العُماني: إن علاقة الإنسان العُماني بالملاحة البحرية علاقة ممتدة منذ آلاف السنين، والعُمانيون، أُسوة ببقية الشعوب والأمم في تلك الفترة التاريخية، لم يستعينوا في صنع سفنهم بالمخططات والرسومات، بل كان اعتمادهم على الفطرة والذاكرة والمخيّلة الراقية لبناء السفن، ويذكر دونالد هولي "أن مقدمات السفن ومؤخراتها كانت تُحفَر حفرًا جميلًا ودقيقًا ماهرًا".
وأضاف: تفوّق العُمانيون في صناعة السفن منذ أزمان بعيدة، وكانوا يُصدّرون القوارب المخيطة المعروفة باسم "مدراتا" المدرعة إلى بلاد العرب، كما ورد ذلك في العديد من المصادر، ومنها كتاب "تاريخ الخليج والجزيرة العربية القديم"، ويؤكد الباحث الروسي (ميخين فيكتور ليوتوفيتش) شهرة سكان سلطنة عُمان في القرن الحادي عشر الميلادي ببناء السفن، وقد كانوا مهرة في ذلك، وتعد سلطنة عُمان من أهم مقومات الحياة التجارية للشرق، ويذهب إلى التأكيد أن العُمانيين هم أول من استخدم المسامير المعدنية بين عرب الخليج في صنع سفنهم.
وأشار إلى أن صناعة السفن الشراعية في سلطنة عُمان مرّت بمراحل متعددة لتصل إلى ما وصلت إليه حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، فبدءًا من السفن المصنوعة من جذوع النخيل أو سعفه أو البوص، إلى القوارب المحفورة حفرًا كالهوري، فالسفن المخيطة، حتى وصلت السفينة إلى صورتها الحالية كسفن البغلة والغنجة والسنبوق والبوم، وهي ما تُسمى بالمرحلة الثالثة من التصنيع، وكانت في القرن السادس عشر الميلادي، إذ استوحى الصانع العُماني النماذج الأوروبية كالبرتغالية أولًا، ومن ثم الهولندية والإنجليزية والفرنسية، فظهرت السفينة العُمانية ذات المؤخرة المربعة والمعروفة محليًا باسم "الرُّقعة" أو "التفر"، التي استوحاها من السفينتين البرتغاليتين "نوا" و"كارفيلا" في صناعة السفينتين البغلة ومن ثم الغنجة، وليس كما ذهب البعض من أن سفينة الغنجة مستوحاة من سفينة كويتية هندية، ويتضح ذلك من خلال شكل مقدمة ومؤخرة سفن البغلة والغنجة.
أنواع السفن العُمانية
عرفت سلطنة عُمان عبر تاريخها البحري الممتد إلى أعماق التاريخ الإنساني وحتى الألف الخامسة قبل الميلاد العديد من السفن، يصل إلى 41 نوعًا من أنواع السفن والقوارب، ومن أنواعها سفن البوص، وصُنعت من نباتات ما يُعرف باسم "الرسل" والمعروف باسم "البوص" التي تنبت على ضفاف الأودية، ومن السفن أيضًا سفينة "ترانكي"، وهي سفينة صغيرة للسفر، يبلغ طولها نحو 12 مترًا وأقصى اتساع لها 3.60 متر، وسفينة "القطمران" وهي من أقدم أنواع السفن التي صنعها العُمانيون، و"المدرعة" أو كما أشار إليها مؤلف كتاب الطواف باسم "ماداراتي"، وكانت تُستخدم للتجارة، ومن السفن "الغراب"، وكانت تُستخدم حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي، وهي من السفن المخيطة بحبال تُصنع من أشجار النارجيل التي يكثر وجودها في محافظة ظفار، و"الشذاة" من سفن نقل البضائع والمسافرين وفي الحملات العسكرية، ومن السفن "البتيل" وتنتشر في صور والباطنة ومسندم، وكذلك سفن "البقارة" وتُستخدم في الإبحار الخارجي، وسفن "غرفة" وتُستخدم للتجارة والأسفار، وللحملات العسكرية، وسفن "بركة" وتُستعمل للنقل والأسفار، وسفن "البرشة"، وكانت تُستخدم للنقل الداخلي والخارجي، وسفينة "العكيري" وهي سفينة حربية خالصة، وسفن "الطراد" وهي سفينة عسكرية، وسفن "بانوش" وتُستخدم للصيد، ومن السفن أيضًا "بوصي" وتُستخدم للإبحار والتجارة، وفي الحملات العسكرية، وسفن "الزاروقة وجهاز والبغلة"، وكانت تُصنع في مدينة صور في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، واستخدمها العُمانيون للإبحار للمسافات الطويلة، ومن السفن "الغنجة"، وهي سفينة عُمانية خالصة لا تُصنع إلا في سلطنة عُمان، وفي مدينة صور على وجه الخصوص، ومن السفن "السنبوق"، كما توجد سفن "السنبوق المخيط" وتُعرف أيضًا باسم "الكمباري" وتنتشر صناعتها في محافظة ظفار، وسفن "البدن" حيث يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، كما توجد سفن "العويسية" وتُستخدم للإبحار عبر المحيطات والبحار، بالإضافة إلى سفن "البوم"، التي يعود تاريخ صناعتها إلى ما قبل القرن 12 الميلادي، إلا أنها كانت أصغر حجمًا عمّا عُرف بعد صناعتها في القرن العشرين الميلادي، وصُنعت أول سفينة من هذا النوع في مدينة صور على يد الصانع العُماني ياقوت بن سليم الغيلاني، ومن السفن "الشوعي" وتُصنع في مدينة صور، وسفن "الشويعي" وتُستخدم للصيد البحري والنقل الداخلي بين موانئ مسقط وصور وصحار وظفار، وسفن "الجالبوت"، وهي من سفن النقل الداخلي، كما تُستخدم الأكبر حجمًا منها للسفر إلى دول الخليج العربي واليمن، وسفن "بديني" أو "أبو بوز"، وسفن "الدنجيّة"، وسفينة "الرمث"، وسفن "الدا"، وهي سفينة هندية استحسن عدد من ملاك السفن العُمانيين صلابتها واستوردوها من الهند، ثم تم تصنيعها في سلطنة عُمان، وخصوصًا في مدينة صور، كما توجد سفن "الصمعا" وتُستخدم للنقل التجاري والعسكري، وسفن "الساعية" التي تُصنع في مدينة صور وتُستخدم لنقل البضائع، وسفن "الزعيمة" وتُستخدم للتجارة والنقل البحري، وسفن "التيرماهية"، وقارب "تشالة"، وهي من القوارب الكبيرة التي تُستخدم في الإنزال البحري للبضائع من السفن الكبيرة إلى الميناء، و"الشاحوف"، وهي سفن توجد بكثرة في الباطنة ومسندم، وقارب "الماشوة"، ويُستخدم في نقل وتنزيل الركاب أو حمل البضائع من الموانئ ضحلة المياه إلى السفن الكبيرة، وقارب "الشاشة"، وهو قارب صغير يُستخدم للصيد ويُصنع من سعف النخيل، وتنتشر صناعته واستخدامه في الباطنة، و"هوري الصيد"، وهو قارب هوري الصيد أكبر حجمًا من هوري العبرة، وله سارية وشراع، بالإضافة إلى قارب "الهوري" أو "هوري العبرة"، وهو قارب صغير يُستخدم للنقل وصيد الأسماك بالقرب من الشواطئ، ولا يتسع لأكثر من أربعة أفراد، وهو عبارة عن جذع شجرة محفور، ثم استُخدمت الألواح لصناعته.
الأخشاب المستخدمة في الصناعة
لقد استخدم "الوساتيد"، وهم نجارو صناعة السفن في مدينة صور، عدة أنواع من الأخشاب في صناعتهم للسفن، وتنوعت استخدامات هذه الأخشاب، فهناك أخشاب استُخدمت كألواح، وأخشاب كـ"شلمانات أو فرمات أو حلاقيم"، أو لصنع الصواري وأنواع الفرمال، واختلفت مصادر هذه الأخشاب، فهناك الأخشاب العُمانية، وأخرى هندية، وثالثة إفريقية، ومن الأخشاب العُمانية خشب السدر، وأخشابها صلبة وتُستخدم في "الشلمانات أو الفرمات أو الحلاقيم"، وخشب القِرْط، وأخشابها صلبة وقوية وتُستخدم أيضًا كـ"شلمانات أو حلاقيم أو فرمات أو جواري"، وهناك أنواع أخرى من الأخشاب مثل الغاف والسمر، ولكن استخدامهما في صناعة السفن قليل جدًا، ومن الأخشاب العُمانية التي كانت تُستخدم قديمًا في صناعة السفن خشب الخالوب، الذي كان يوجد في سهول الجبل الأخضر.
أما بالنسبة للأخشاب الإفريقية المستوردة، فمنها خشب الميط، وخشب الأنفولة، وخشب المسمباتي، والأخشاب الهندية وخشب الساي "الساج"، وبنطيج، وفيني، وينقلي، وخشب الفن، وخشب فن أصل، وفن إبراهيم، ودوب، كما يُستخدم خشب ماليزي، وخشب "اللمبا أو الهمبا" وهو المانجو.
مراكز صناعتها
وحول المراكز الرئيسية لصناعة السفن في سلطنة عُمان، قال الباحث حمود الغيلاني: عرفت العديد من المدن والقرى العُمانية صناعة السفن الشراعية، إلا أن أهم تلك المدن والقرى هي مدينة صور، ومسقط، ومطرح، وقريات، والمصنعة، والسويق، والخابورة، وصحم، وصحار، وشناص، ومرباط، وطاقة، وصلالة، ومصيرة، والسويح، وأصيلة، والأشخرة، ومحوت، وغيرها.
دور اقتصادي وسياحي
وعن الدور الاقتصادي والسياحي لصناعة السفن، قال الغيلاني: تعد صناعة السفن هي الركيزة الأساسية للنشاط البحري العُماني، فوجود السفن شجّع العُمانيين على ارتياد البحار، مما دفع الكثير من المؤرخين إلى اعتبار ريادة العُمانيين في البحار تسبق الجوار الإقليمي بمسافات زمنية وفنية كبيرة، حيث تواصل العُماني مع كافة الحضارات القديمة عندما أبحر العُمانيون بسفنهم نحو الشرق والجنوب الآسيوي حتى الصين، كما اتجهوا نحو إفريقيا، ووصلوا إلى جنوب إفريقيا، وتحديدًا إلى مدينة كيب تاون (Cape Town)، وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان أبحرت السفن العُمانية إلى مدينة نيويورك الأمريكية، وليفربول، ومرسيليا في أوروبا، حيث نتج عنه نشاط اقتصادي بارز، فأصبحت مدينة مسقط محورًا ومركزًا للنشاط التجاري في شبه الجزيرة العربية وما يحيط بها من بحار.
وفيما يتعلق بالجانب السياحي، أدت السفن الشراعية العُمانية دورًا مهمًّا في التواصل مع مختلف البلدان والشعوب، مما أدى إلى التواصل معهم واكتشاف تلك البلدان ومكوناتها الطبيعية، ووصف أبو عبيدالله الخضوري الصوري نفسه: "صحيح أن الرغبة في التجارة كانت دافعًا أساسيًا في توجهه إلى اكتشاف الكونغو في وسط وغرب إفريقيا، إلا أن الرغبة في معرفة تلك البلاد ونشاطاتها ومعالمها دفعته لاحقًا إلى الاستقرار فترة طويلة من الزمن، ليعود بعدها إلى وطنه عُمان ومدينته صور".
التحديات التي تواجه الصناعة
وحول التحديات التي تواجه صناعة السفن في سلطنة عُمان، كما يراها كباحث، قال: تواجه مهنة صناعة السفن الخشبية في صور وعموم المدن العُمانية الأخرى عددًا من التحديات، لذلك انخفض عدد الورش المصنِّعة، ومن أبرز التحديات توفر الأعمال المريحة وبرواتب أفضل وحياة سهلة ومستقرة للعاملين في النشاط البحري، مما أدى إلى ترك مهنة العمل في السفن، فقلّ الإقبال على صناعة السفن، ومن التحديات أيضًا اللوائح البيئية الصارمة محليًا في سلطنة عُمان أو في الدول المصدِّرة للأخشاب، مما أسهم في ركود صناعة السفن، إلى جانب ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب تكلفة الوقود وأجور الطاقم والصيانة، وارتفاع تكاليف صناعة السفن الخشبية، ومحدودية تشغيلها في غير مهنة الصيد البحري، وأسهم في التأثير على الجوانب الأخرى كالنشاط الاقتصادي أو السياحي، بالإضافة إلى ضعف التسويق لصناعة السفن في سلطنة عُمان، الأمر الذي أسهم في وجود التحديات وعدم الإقبال على صناعة السفن بمختلف أحجامها.
جهود الحفاظ وإعادة الإحياء
وحول جهود سلطنة عُمان للحفاظ على صناعة السفن، قال: هناك جهودًا تتبناها وزارة التراث والسياحة في تنشيط صناعة السفن، تتمثل في وجود ورشة على مستوى عالٍ من التقنية، يتم فيها تدريب عدد من الشباب العُماني على صناعة نماذج السفن بأنواعها المختلفة، ونأمل الانتقال بالتصنيع من النماذج المصغّرة إلى مستوى أعلى من الحجم والسعة، وفق متطلبات السوق، وللترويج للتراث البحري العُماني، تسعى وزارة التراث والسياحة إلى تنشيط الفعاليات والبرامج الخاصة بالتراث البحري، حيث تقوم بتنفيذ مهرجان صور للتراث البحري سنويًا، الذي يستمر لمدة أسبوع كامل، كما تنفّذ عددًا من الفعاليات والأنشطة الأخرى في عدد من الولايات الساحلية، إلا أن الترويج يحتاج إلى كمٍّ أكبر من التسويق، خلال مختلف وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، مما سيسهم في التعريف به، ويشجع السياحة المحلية والخارجية.
نقطة جذب سياحية
من جانبه، قال علي بن جمعة حسون، صاحب مصنع السفن التقليدية بولاية صور: نحن عائلة ورثنا صناعة السفن أبًا عن جد، وبدأت علاقة العائلة بصناعة السفن منذ حوالي عام 1730م، ومنذ ذلك الحين استمرت العائلة في صناعة السفن، ولا نزال نُعلّمها للجيل القادم، لكي تستمر هذه الصناعة التي نتطلع لتطويرها حتى تتواكب مع متطلبات العصر من السفن الحديثة، موضحًا أن صور كانت المركز الرئيسي لصناعة السفن في سلطنة عُمان والخليج، وكان بها أكثر من 14 موقعًا لصناعة السفن من بداية الكورنيش إلى نهايته، وفي الوقت الحالي لا يوجد في الولاية سوى مصنعنا، وهو الوحيد الذي استمر في صناعة السفن الشراعية.
وأضاف: مصنع السفن الشراعية الحالي أصبح نقطة جذب سياحية في ولاية صور، ويزور المصنع أعداد كبيرة من السياح من داخل سلطنة عُمان وخارجها، حيث إن المصنع يتيح لهم فرصًا لمشاهدة حيّة لعمليات صناعة السفن، حيث نصنع الكثير من السفن التقليدية الشراعية، ومنها البغلة، والغنجة، والسنبوق، والبوم، والبدن، والجانبوت، والبكارة، والبتين، وهي سفن شراعية تُستخدم للسفر والترحال.
نظرة مستقبلية
وحول أهم التحديات التي تواجه صناعة السفن كما يراها، قال: من أهم التحديات التي تواجه صناعة السفن التقليدية في الوقت الحالي هي قلّة الطلب على السفن الخشبية، وتأثير الصناعات الحديثة على الصناعات التقليدية، حيث أصبح الناس يشترون سفن "الفايبرجلاس"، مما أثّر كثيرًا على صناعة السفن التقليدية، إلى جانب عزوف الشباب عن الانخراط في هذه المهنة، وهي من أهم التحديات، مؤكدًا أن هناك جهودًا كبيرة للحفاظ على هذه المهنة التقليدية من الاندثار، ولكن لا بد من تضافر جهود الحرفيين مع الحكومة من خلال إيجاد معاهد لتدريب الشباب على هذه الحرفة، وتحفيزهم للاستمرار في صناعة السفن، وترويج التراث البحري، مؤكدًا الحفاظ على هذا الموروث من خلال إحياء رحلات السفر بالسفن الشراعية في الطرق البحرية القديمة.
وحول النظرة المستقبلية لصناعة السفن، قال: "إن فكرة تطوير صناعة السفن الخشبية وتحويلها إلى صناعة اليخوت فكرة موجودة لدينا، ونتطلع إلى أن تسير الأمور بشكل جيد، وأن نستطيع أن نصل إلى هذه الصناعات وتلبي احتياجات السوق المحلي والتصدير مستقبلًا".