من يوقف سطو ترامب على العالم؟
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
أُصيب العالم المُتحضِّر بالذهول من أقصاه إلى أقصاه، بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، وخاصة بعد الكشف عن النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية الجديدة التي ضمَّت مجموعة من الصقور الذين لا يُعيرون القانون الدولي أي احترام؛ فقانون الغاب هو الذي يسود عندما يُصبح رئيس أكبر دولة في العالم واحدًا من تُجَّار الصفقات وزعيم عصابة اللوبيات الاقتصادية، التي همّها جمع الأموال من أيِّ مكان وبأي طريقة كانت.
ويتجلى ذلك في غريزة حب المال الحرام والاستيلاء على اقتصاديات الدول ومواردها الطبيعية، والرغبة في احتلال دول ذات سيادة وحليفة ومُقربة من واشنطن مثل كندا وكذلك جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، ومُحاولة السيطرة على قناة بنما بالقوة، وفرض رسوم جمركية خيالية وغير منطقية على كثير من دول العالم، كل ذلك يكشف الوجه الحقيقي لهذه الإدارة الأمريكية رغم أنَّ أمريكا تستند إلى واحدٍ من أفضل الدساتير العالمية في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة، لكنَّ القليل من رؤساء أمريكا يلتفت لمضمون الدستور الأمريكي أو حتى العمل بنصوصه التي تُقدِّر الآخر وتحمي الأجناس البشرية من الظلم والاضطهاد. الشعب الأمريكي هو الذي انتخب الرئيس ترامب الذي سبق له أن أُدين من المُحلفين الأمريكيين، وكذلك في انتظاره حاليًا قائمة من التُهَم الكثيرة التي لم يَبُت فيها بعد القضاء الأمريكي، ومن أهمها التهرُّب من دفع الضرائب، وكذلك علاقته بالهجوم على مقر مجلسي الشيوخ والنواب في العاصمة الأمريكية قبيل مغادرته للبيت الأبيض في فترته الرئاسية الأولى.
من لا يعرف بلاد "العم سام" وتاريخ هذا البلد المُلطَّخ بدماء الأبرياء، وأن حُكَّامها على الدوام مصَّاصون لدماء الشعوب؛ فعلى الجميع أن يعرف عن قرب أنَّ الإرهاب مصدره الأساسي "أمريكا" التي تزعُم أنها حامية الحقوق وحافظة للسلم العالمي زورًا وبهتانًا؛ فالسطو المسلح واستباحة الإنسان والسيطرة على ممتلكاته هي القاعدة والمبدأ الذي قامت عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها، بدايةً بإبادة السكان الأصليين من الهنود الحُمر، وإقامة المستعمرات على أنقاض أكواخهم ومناطقهم السكنية، مرورًا بجلب وخطف الأفارقة واستعبادهم دون وجه حق للعمل في المزارع وبناء المدن الجديدة وتشييد الطرق وخاصة السكك الحديدية، مقابل إطعامهم فقط، وذلك لجعلهم على قيد الحياة؛ ووصولًا إلى دول العالم في الشرق والغرب التي استولت عليها القوات الأمريكية بقوة السلاح وبدون أي مُبرر قانوني.
وفي مقدمة جرائم أمريكا على مر التاريخ، استخدام السلاح النووي ضد السكان المدنيين في اليابان في منتصف القرن الماضي؛ إذ ألقت الطائرات الأمريكية القنابل الذرية المُحرَّمة دوليًا على مدينتيْ هيروشيما وناجازاكي؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 210 آلاف مواطن ياباني، فضلًا عن مئات الآلاف من الجرحى والمصابين، وكذلك تدمير المدينتين بالكامل، وهذه العملية البربرية كانت أول سابقة في التاريخ البشري، بينما قتل الجيش الأمريكي حوالي 900 ألف فيتنامي خلال حرب التحرير والمقاومة ضد الاستعمار الأمريكي القبيح الذي تكلل بالانتصار المطلق للمقاومة الفيتنامية بعد حرب دامية استمرت لعقد من الزمن.
أما على المستوى الشعوب الإسلامية، فقد اعتبر المحافظون الجُدُد الذين يأتي في مقدمتهم دونالد ترامب، أن الإسلام هو العدو الجديد البديل للشيوعية بنهاية الحرب الباردة، وتعمل الحكومات الأمريكية المتعاقبة على قتل المسلمين على الهوية وبدون تمييز بين المدنيين وغيرهم، ولعل حربي أفغانستان والعراق، وما نتج عنهما من الجرائم الممنهجة في سجني أبو غريب وجوانتانامو، والتي تقشعر لها الأبدان، خير مثال على ذلك؛ فالعالم يتذكَّر ما قاله جورج بوش الابن عشية غزو العراق بأنَّ هذه حرب دينية بين الإسلام والمسيحية.
ومن المفارقات العجيبة أن يدعو رئيس أكبر دولة عضو في الأمم المتحدة وتحتضن مقر مجلس الأمن، أعلى سلطة في المنظمة الدولية على أراضيها، إلى تهجير سكان غزة إلى دول الجوار مقابل صفقات مالية من اللوبي الصهيوني الذين خصهم جميعًا بأهم المناصب التنفيذية في إدارته. والأسوأ من ذلك كله الرد الخجول للعرب على ما ينوي الصهاينة تنفيذه من تطهير عرقي وقتل ثم تهجير من تبقى من الشعب الفلسطيني من أرضه. وإذا ما تحققت غايات ترامب وحكومة نتنياهو الإرهابية المُتطرِّفة بالتهجير، فسوف تشهد المنطقة العربية طوفانًا ثانيًا ومُزلزلًا، لكن هذه المرة من الشعوب، وقد يقضى نهائيًا على الكيان الصهيوني في فلسطين، والأهم من ذلك نهاية الخونة الذين قبضوا أثمانًا بخسة عبر العقود من المُستعمرين للتنازل عن المقدسات والأوطان. لكننا نؤكد أن عهد الخيانات قد ذهب بلا رجعة، خاصةً بعد أن أدرك المواطن العربي، المستور والمسكوت عنه من بعض العرب الموالين لأعداء الأمة.
وفي الختام.. هل بمقدور تجمع "بريكس" الذي يضم تسع دول من مختلف قارت العالم، وفي مقدمة هذه الدول الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، كبح جماح ترامب في المنطقة، ومنعه من السيطرة على مقدرات الشعوب ونهب ثروات المجتمعات الفقيرة؟
هذا ما سوف تكشفه الأيام المقبلة، خاصةً إذا عرفنا أنَّ الرئيس الفوضوي قد هدَّد هذا التجمُّع بالويلات والتدمير، إذا نفَّذ وعده بإيجاد عملة بديلة للدولار الأمريكي!
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هجوم إسرائيلي على وكالة USAID الأمريكية بزعم تعاطفها مع حماس
عقب القرار الأمريكي بوقف تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID" عن بعض الدول العربية والأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد زعمت محافل الاحتلال أن هذه الوكالة تضخ ملياراتها لدعم المنظمات العاملة ضده، من خلال تعاونها مع اليسار الإسرائيلي، ووصفها إيلون ماسك بأنها "منظمة إجرامية"، كونه يرأس إدارة كفاءة الحكومة (DOGE).
تسفي سادان المؤرخ والباحث في الحركة التقدمية، ذكر أن "الوكالة الأمريكية تسيطر على ميزانية قدرها 40 مليار دولار، ولديها عمليات في جميع أنحاء العالم، ورغم كونها مؤسسة حكومية، لكنها ترتبط بعشرات المؤسسات الخاصة والمنظمات غير الحكومية، وتدير سياسة مستقلة، وتدعم أساساً المنظمات اليسارية التقدمية حول العالم، مع أنها تأسست في الستينيات لمكافحة الشيوعية، التي لم تعد تشكل تهديدًا بعد سقوط جدار برلين في 1989، ومنذ التسعينيات، أصبح هدفها تعزيز الديمقراطيات حول العالم".
وزعم في مقال نشره موقع ميدا اليميني، وترجمته "عربي21"، أن "وثائق الوكالة تثبت أنها حوّلت مبالغ كبيرة لمنظمات يسارية فلسطينية وإسرائيلية، بعضها نشط في الاحتجاجات ضد الانقلاب القانوني وأثناء الحرب على غزة، بل ومنظمات مرتبطة بحماس والسلطة الفلسطينية، زاعما أنه منذ السابع من أكتوبر 2023 تلقى الفلسطينيون 2.7 مليار دولار من الإدارة الأمريكية ومنظمات التنمية الدولية، زاعماً أنها حوّلت قبل ستة أيام من الهجوم الشهير 900 ألف دولار لمنظمة غزية مقربة من حماس".
وتابع أن "المليارات التي تذهب للمنظمات اليسارية الإسرائيلية والفلسطينية ليست مخصصة فقط للاحتياجات الإنسانية، ولا لتعزيز الديمقراطية البرلمانية، بل تهدف هذه المليارات لتعزيز المشروع التقدمي، الذي يرى في دولة الاحتلال حجر عثرة يمنع العالم من أن يصبح مكانا أفضل، مؤسسة "زوخروت" لتعزيز حق العودة للفلسطينيين، ومنظمات تريد إقامة دولة فلسطين بدلاً من دولة الاحتلال، لأن الوكالة التي تؤيد حق العودة، فهي تنكر حق وجود الدولة اليهودية؛ وهذه إشارة أنها معادية للصهيونية ومعادية للسامية في الوقت نفسه".
واعتبر أن "الوكالة الأمريكية تدعم منظمات يسارية يترأس أحدها جوديث بيتلر، التي قالت في 2006 إن حماس وحزب الله حركتان اجتماعيتان تقدميتان، وجزء من اليسار العالمي، وبعد وقت قصير من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، قالت إن "الهجوم عمل من أعمال المقاومة . لم يكن إرهابياً، ولا معادياً للسامية، بل هجوم ضد الإسرائيليين، وشكّل انتفاضة من حالة عبودية ضد جهاز دولة عنيف".
ونقل عن "أكيلي مبيمبي أحد قادة المؤسسات الحاصلة على تمويل الوكالة الأمريكية أن "إسرائيل" نموذج لدولة تجمع في داخلها خصائص العنصرية القاتلة الانتحارية، والمثال الأكثر كمالاً لذلك هو احتلالها الاستعماري لفلسطين، ولهذا السبب فإن الشخص "الانتحاري" هو الجسد المحتل الذي يتحول لقطعة من المعدن وظيفتها ولادة الحياة الأبدية بالتضحية بالنفس، وفي الموت يتكاثر الجسد، ويتحرر حرفياً ومجازياً من الحصار والاحتلال، دون أن يذكر اليهود الذين قتلهم هذا الانتحاري، لأنهم شرّ مطلق، وليس لهم الحق في الوجود".
وأوضح أنه "لا يوجد فرق كبير بين هذه التصريحات وشعارات حماس التي انشغلت بالفعل بالتخطيط لعملية طوفان الأقصى، وأصحاب هذه المواقف يظهرون في المسيرات الحاشدة الداعية لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وتطالب بالإفراج عن المختطفين، وبأي ثمن، ويدعون لحرب أهلية ضد اليمين الإسرائيلي، باعتباره أسوأ من النازيين، وليس له الحق في الوجود".
وختم بالقول إن "المليارات المحوّلة من الولايات المتحدة وأوروبا للمنظمات اليسارية والمرتبطة بحماس والسلطة الفلسطينية لا تترك مجالاً للشك في أن كل هذا المبلغ الضخم من المال يتم تحويله لكيانات تعمل على القضاء على دولة الاحتلال".