المساعدات الخارجية ليست صدقات
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
تعوّدت واشنطن أن تخلط بين أموال المساعدات الخارجية وأموال الجمعيات الخيرية، مستعملة الدولارات الأمريكية لدعم أجندات شخصية أو أيديولوجية، ولذلك تدارُ موارد دافعي الضرائب بعيدًا عن المشاريع التي تعزز أهداف الأمن القومي للولايات المتحدة بدءا من الإنفاق على قضية تغيّر المناخ وصولا إلى الإنفاق على عروض (دراج) التمثيلية.
إنّ سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب تعطي فرصة لإعادة تشكيل جهود المساعدات الخارجية، والتي تدار إلى حد كبير من قبل وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. يجب أن يكون هناك نهج محافظ لإنفاق المساعدات الخارجية، يضمن إنفاق كل دولار بحكمة، وتحقيق نتائج حقيقية للشعب الأمريكي، ولطالما وقع خطأ مفاده أنه كلما كانت مستويات الإنفاق عالية تحققت النتائج بشكل أفضل.
لقد تجاوز حجم ميزانية المساعدات الخارجية قدرة الحكومة على تحمّل تكاليفها، فموظفو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تحت ضغط متزايد، غير قادرين على دفع المليارات من الأموال التي سبق التعهد بها، مما أدى إلى انخفاض الروح المعنوية للعاملين هناك وبالتالي كثرت الاستقالات. أجبر النقص في الموظفين الوكالة على توجيه مليارات الدولارات إلى احتكار قلة من المنظمات متعددة الأطراف والمقاولين الكبار.
عند إجراء نزر يسير من الشفافية والمساءلة يتضح أن الكثير من هذه الأموال يهدر كل عام، بل قد يحول بعضها إلى أيدي الإرهابيين في أماكن مثل اليمن وسوريا. أخبر جون سوبكو الذي عيّنه أوباما مفتشا عاما لإعادة إعمار أفغانستان، أخبر الكونجرس في وقت سابق من هذا العام أنه لا يستطيع ضمان أن المساعدات الأمريكية «لا تمول طالبان حاليا». في إثيوبيا، علّقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية معونتها الغذائية لأديس أبابا بعد شهادة المديرة سامانثا باور أمام الكونجرس بأن شبكة إجرامية مكوّنة من «أطراف على جانبي الصراع» كانت تسرق المساعدات الغذائية الأمريكية.
لم نعد نتحمّل لعب دور الحمقى ويستغلنا الآخرون، فعلى الكونجرس تحسين طرق مراقبة المساعدات الخارجية، ويجب على المحافظين وضع الأموال في أيدي مؤسسات محلية أكثر فعالية من حيث الإنتاج، وأقل من حيث التكلفة، وطلب تقارير عن جميع الشركات العاملة من الباطن، على أن يتم التعاقد على أساس جودة الأداء.
لا يوجد تهديد على التنمية الاقتصادية العالمية والاستقرار السياسي أكبر من طموحات الغرب المناخية، فالمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي لم تعد تموّل مشاريع الوقود الأحفوري، بينما تضغط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على البلدان الفقيرة للتحول إلى الطاقة الخضراء. هذه سياسات عديمة الجدوى، فعائدات صناعات النفط والغاز تمول الخدمات الاجتماعية الحيوية وتولد فرص العمل وتجذب الاستثمار الأجنبي وتنشئ النمو الاقتصادي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. إن الإنفاق على كل هذه المشاريع عن طريق المساعدات سيتطلب تحويل تريليونات الدولارات من مانحين مثقلين بالديون، لذلك فليس من المقبول أن تطلب وكالات الإغاثة من الدول الأفريقية التخلي عن النمو الاقتصادي من أجل تخفيف مخاوف الغرب من كارثة المناخ. يجب أن تعطى الأولوية في سياسة إنفاق المعونة الخارجية للأشخاص المستحقين بدلا من إنفاقها على جنون الارتياب المناخي.
يجب أن تتبنّى مساعداتنا الخارجية أيضًا القيم الأمريكية المشتركة كما فعل الجمهوريون والديمقراطيون ذلك بنجاح لعقود، ففي عام 1973، صوت الكونجرس لمنع استخدام دولارات الضرائب الأمريكية لإجراء عمليات الإجهاض في البلدان التي تتلقى المساعدات، ولقد استمر هذا الإجماع لأن غالبية كبيرة من الأمريكيين -بغض النظر عن وجهة نظرهم بشأن الإجهاض في الداخل- عارضوا منذ فترة طويلة استخدام أموال دافعي الضرائب لدفع تكاليف عمليات الإجهاض في الخارج. بعد ذلك، أدّى إصرار إدارة بايدن على إدراج الإجهاض في جميع برامج المساعدات الخارجية إلى قلب دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لجولة أخرى من التمويل لبرنامج الرئيس الأمريكي الطارئ للإغاثة من الإيدز. لقد أنقذ هذا البرنامج الشعبي الذي يكلف الكثير من الدولارات والذي بدأه الرئيس جورج دبليو بوش ملايين الأفارقة من الموت بالوباء القاتل.
يجب على واشنطن تكريس مواردها المحدودة لبرامج يمكن لجميع الأمريكيين دعمها، وليس برامج الحيوانات الأليفة الحزبية، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام في بلد يعيش حالة من الاستقطاب، وسيؤدي إلى نتائج سيئة في جميع أنحاء العالم. فالدول الأفريقية، على سبيل المثال، تستاء من ربط المساعدات بما تعتبره استعمارًا أيديولوجيًا، وتشير دائما إلى أن الصين لا تفرض مثل هذه القيود على مساعدتها.
وهذا يثير نقطة مهمة أخرى، وهي أنّ المساعدات الخارجية الأمريكية يجب أن تكون أداة متكاملة للسياسة الخارجية لتعزيز المصلحة الوطنية. وعلى وجه التحديد، يجب أن تسهم في تعزيز مصالحنا الأمنية الوطنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومواجهة عدوان الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة. على الأقل، يجب أن ندعم الحلفاء، مثل تايوان وإسرائيل والأردن، بينما تحجب المساعدة عن الدول التي تتقرب من الديكتاتوريين الإقليميين.
تبنّت لجنة الاعتمادات في مجلس النواب العديد من هذه المقترحات، حيث بدأت في دراسة المساعدات الخارجية للعام المقبل وقوانين الإنفاق الأخرى. يجب على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض اتباع اللجنة والتعاون معها لصياغة رؤية جديدة للمساعدات الخارجية تعمل لصالح الشعب الأمريكي وتعزز الأمن القومي للولايات المتحدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة المساعدات الخارجیة الإجهاض فی یجب أن
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي عن أوامر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت: ليست لها سابقة تاريخية
قال عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، إن قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية باستدعاء وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سابقة تاريخية، حيث لأول مرة توضع إسرائيل في قفص الاتهام فيما يتعلق بجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف «مطاوع»، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية لما جبريل، على قناة إكسترا نيوز، أن تأخر صدور هذا القرار يرجع لممارسات أمريكية طوال الفترة الماضية، للدرجة التي أدت إلى استقالة القاضية التي كانت مسؤولة عن هذا الملف، وذلك في إضاعة المزيد من الوقت، لأن هناك أدلة كافية وكارثة لا يمكن التغاضي عنها، وكان لابد من خروج هذا القرار.
وتابع: «جزء من هذا الموضوع سياسي، رغم أنه إجراء قضائي بحت، لكن تنفيذه وتوقيته نتيجة ضغوطات سياسية، وكان هناك هدف لإعطاء نتنياهو مزيدا من الوقت حتى يحقق أهدافه الاستراتيجية، والتي أعلن عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن منذ أسابيع عندما قال إن إسرائيل حققت أهدافها الاستراتجية، كما أن الدول التي أعلنت بشكل واضح استجابت وأعلنت أنها ستنفذ هذا القرار في حال وصول نتنياهو أو جالانت لأراضيها، هي دول وازنة في الاتحاد الأوروبي».
اقرأ أيضاً«تنسيقية الأحزاب» ترحب بمذكرة المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق «نتنياهو» و«جالانت»
أمريكا تتحدى المجتمع الدولي.. مستشار الأمن القومي لـ«ترامب»: الجنائية الدولية لا تتمتع بأي مصداقية