«أم النور».. الاحتفالات بالسيدة البتول تستمر 48 ساعة
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
بعد 15 يوماً من الزهد والتقشف حباً فى العذراء مريم، ينهى الأقباط صومهم المقدس،غداً، بالاحتفال بعيد ذكرى صعود جسدها إلى السماء، حسب الاعتقاد المسيحى، الذى تحتفل به الكنيسة فى 16 مسرى، الذى يوافق 22 من أغسطس كل عام، حيث يعد آخر الأعياد فى التقويم القبطى، وعاشت السيدة العذراء حياتها فى طاعة ومحبة ولما أتمت الستين من عمرها توفيت فى 21 طوبة، وعلى أساسه وضعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تذكاراً للعذراء يوم 21 من كل شهر قبطى.
ويعد هذا العيد أقدم الأعياد المريمية، وتم إعلانه رسمياً من قداسة البابا بيوس الثانى عشر، عام 1950، وفيه تحتفل كل الكنائس بانتقال السيّدة العذراء مريم بنفسها وجسدها إلى السماء، فيما تختلف الليلة الختامية لصوم العذراء عند الكنيسة الكاثوليكية حيث ينتهى صوم العذراء لدى الكاثوليك يوم 15 أغسطس، حيث تكون القداسات كل يوم بعد الظهر وكل كنيسة حسب احتياجات المصلين لديها ويكون آخر قداس يوم 14 أغسطس مساء ويكون اسمه عيد انتقال مريم العذراء.
ويعد دير السيدة العذراء بدرنكة أشهر الأديرة القبطية الأرثوذكسية التى تقام بها احتفالات بمناسبة موسم صوم العذراء برئاسة الأنبا يؤانس، أسقف أسيوط وتوابعها، حيث يترأس الأسقف الاحتفالات الختامية لصوم العذراء لمدة 48 ساعة التى بدأت من ليلة الاثنين بالهتاف بمدائح العذراء وترانيم وصلاة عشية عيد العذراء، وتستمر الاحتفالات حتى صباح اليوم الثلاثاء وصلاة القداس الإلهى بمناسبة عيد صعود العذراء.
وتشهد كنيسة السيدة العذراء، بمسطرد بالقليوبية، الليلة الختامية من صوم العذراء احتفالات كبرى، حيث يتوافد على الكنيسة آلاف الأقباط طوال فترة الصوم للتبرك بالمغارة التى احتمت بها العائلة المقدسة لمدة شهرين أثناء رحلتها إلى مصر، حيث اتخذته العائلة المقدسة مأوى لها وكان يوجد بجوار «المغارة» بئر للماء.
وكهنة وأقباط قرية كفر داود بميت غمر يحتفلون فى الشوارع ويرددون التسابيح من خلال مكبرات الصوتويحتفل كهنة وأقباط قرية كفر داود فى ميت غمر بليلة العيد فى الشوارع عبر مواكب العذراء، مرددين الألحان والتسابيح والتماجيد من خلال مكبرات الصوت.
وترتفع أصوات زغاريد النساء والطبل والزمر والتصفيق احتفالاً بعيد أم النور التى يهيم فيها الأقباط حباً، فهى التى يقال فى تسبيحتها «علوت يا مريم فوق الشاروبيم.. وسموتِ يا مريم فوق السارافيم».
ويعد صيام السيدة مريم العذراء من أصوام الدرجة الثانية مثل «صوم الرسل وصوم الميلاد»، إذ يتاح فيه أكل الأسماك بجانب الأكل النباتى، لكنّ البعض ينذرون صوماً دون أكل السمك، وآخرين ينذرون صياماً أشد زهداً، فيكون صياماً بالماء والملح، أى دون زيت.
وأكد الأنبا ديمتريوس، أسقف ملوى للأقباط الأرثوذكس، بمحافظة المنيا، أن صوم السيدة العذراء صامه الرسل أنفسهم لما رجع توما الرسول من التبشير فى الهند.
وقال الأنبا ديمتريوس: «عندما عاد توما الرسول سأل الرسل عن السيدة العذراء، قالوا له إنّها قد ماتت، فقال لهم: (أريد أن أرى أين دفنتموها!)، وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك، فبدأ يحكى لهم أنَّه رأى الجسد صاعداً، فصاموا 15 يوماً من أول مسرى حتى 15 مسرى، فأصبح عيداً للعذراء يوم 16 مسرى من التقويم القبطى».
وحسب المراجع الكنسية، يُعد صوم العذراء هو الوحيد الذى فرضه الشعب على الكنيسة الأرثوذكسية، ومُعترفاً به أيضاً فى الكنائس الأخرى، وإن اختلفت التوقيتات والمدد.
وقال القس مكاريوس فهيم قلينى، الكاهن بالقاهرة، لـ«الوطن» إن هناك العديد من التقاليد التى تميز صوم السيدة العذراء عن باقى الأصوام، حيث يقوم الأقباط بعمل تسابيح وترانيم يومية منظومة بألحان كنسية خاصة لصوم السيدة العذراء مريم، كما يتم عمل نهضات يومية طوال فترة الصوم، وهى موعظة تلقى كل يوم، وهناك صلوات كل يوم طوال فترة الصوم، كما يتم عمل دورة للصليب بوضع الشموع على صورة السيدة العذراء مريم.
وأكد القس يوساب عزت، مدرس الكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية والقانون الكنسى بالمعاهد الدينية، كنيستنا القبطية تقدم للعذراء مريم تطوبياً وافراً وتمجيداً لائقاً بكرامتها السامية، ونتتبع صلوات التسبحة اليومية ومزامير السواعى والقداس الإلهى نجد تراثاً غنياً من التعبيرات والجمل التى تشرح طوباويتها وتذكر جميع الأوصاف التى خلعتها عليها الكنيسة، وهى مأخوذة عن أصالة لاهوتية، وكلها من وضع آباء قديسين ولاهوتيين، استوحوها من الله، ومن رموز ونبوات العهد القديم، التى تحققت فى شخصية العذراء.
وتابع: «يعد صوم العذراء الصوم الوحيد الذى فرضه الشعب على الكنيسة، إذ كان خاصاً بالعذارى فى الأديرة فقط، ولم يُمارَس بقانونٍ كنسى إلا فى القرن الـ١٣، وأعتقد أن الكل يَعرِف أن مُدتهُ حالياً تختلف باختلاف الطوائف ما بين يوم واحد عند الكلدان إلى ١٥ يوماً عند الأقباط الأرثوذكس والروم الأرثوذكس، وأن مُدته فى مصر قد تطورت عبر التاريخ من يوم واحد إلى ٣ أيام ثم إلى ٣ أسابيع ثم إلى أسبوعين، وتعد أقدم الكتابات الموجودة فى هذا الموضوع وهى كتابات أبوالمكارم وابن العسال فى القرن الـ١٣ وابن كِبر فى القرن الـ١٤».
وأشار «عزت» إلى أن عيد العذراء هو احتفال بذكرى صعود جسدها إلى السماء، موضحاً أن الكنائس القبطية الأرثوذكسية تحتفل فى هذا اليوم بعيد العذراء، وتحرص فيه على وضع برنامج متكامل فى تقويم الكنيسة «طقس ليلة عيد العذراء»، الذى يبدأ بصلاة عشية وتمجيد السيدة العذراء والترانيم الروحية، وتنتهى بالقداس الإلهى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السيدة العذراء السيدة البتول كنيسة العذراء القدس السیدة العذراء العذراء مریم صوم العذراء عید العذراء
إقرأ أيضاً:
جاء العقل الرعوي شخصياً وبطل التيمم الفكري (2-2)
كان النور حمد من ضمن من جاؤوا إلى نيروبي في منتصف فبراير (شباط) الماضي لتكوين حكومة موازية لـ"حكومة بورتسودان" في المناطق التي تحت سيطرة "الدعم السريع". والباعث من وراء وقفة حمد مع هذه الحكومة الحليفة لـ"الدعم السريع" المرتقبة هو استنقاذ ثورة ديسمبر 2018 من شرور الفلول ممن أشعلوا الحرب للقضاء عليها واستعادة سلطانهم. فظاهر حمد إعلان هذه لحكومة الموازية لأنها، في قوله، الفرصة الوحيدة الباقية لنزع زمام المبادرة من القوى الكيزانية. وبدا هنا على شيء كبير من اليأس من "تقدم"، فالحراك المدني الذي تقوم به لوقف الحرب وشل يد الكيزان لا شوكة له ولا أسنان، وسيبقى حراكها، في رأيه، حالماً إذا كانت كل عدتها الهتاف والمناشدة حيال قوة شرسة وديناميكية لا تبالي بشيء كقوة "الكيزان". فالمسرح السياسي تغير فلا مجال، في قوله، للحديث عن سلمية الثورة، بل شق طريقاً آخر يخرج فيه المدني الذي بلا شوكة ليتحد مع قوة عسكرية هي "الدعم السريع" كما يفعل الجيش والفلول.
لم تتفق للنور حمد في السابق فكرة الإطاحة بحكومة الإنقاذ (أيام الرئيس السابق عمر البشير) عن طريق ثورة منذ كان ينشر كتابه عن العقل الرعوي في حلقات نحو عام 2016، فقال إن حكومة "الإنقاذ" التي نخر العقل الرعوي تحت حكمها الدولة الحديثة ستسقط لا محالة ولن يجديها تمديد عمرها عن طريق الميليشيات القبلية، "الجنجويد" قبل اكتسابها صفة قوات "الدعم السريع" بقانون عام 2017 التي استنجدت بها غير مدركة أنها "أخطر عليها وعلى مستقبل وحدة القطر" من الحركات المسلحة في الهامش التي أرادت القضاء عليها، ولكنه تحسب من سقوط "الإنقاذ" بثورة. ولو حدث ذلك فيكون فيه "إعادة إنتاج للعقل الرعوي".
فالثورة المتعجلة تحت سياط الإحساس بالظلم من رعوية "الإنقاذ" تحجب عن رؤية الثوري إشكالات التغيير. والتعجيل بالتغيير هو ما ارتكب به الإسلاميون انقلابهم عام 1989 بإملاء من عقل رعوي "التصقوا في دوافع فعلتهم بالدين التصاقاً رعوياً فجاً"، فالهبة الرعوية قد تكون دينية وعلمانية لا فرق، فالتعجيل بالثورة هبة رعوية أيضاً.
الإسلاميون والدولة
ولم تتفق للنور حمد الثورة طريقاً للخلاص من الإنقاذ حتى الساعة الـ23 من عمر الإنقاذ. فكان استبعد في لقاء له بجريدة "التيار" (24 أكتوبر- تشرين الأول عام 2018)، قبل شهرين من ثورة ديسمبر 2018، قيام انتفاضة شعبية ضد نظام الإنقاذ، بل "استشأمها" وقال إنها "خيار مخيف". وقال لا بخطأ أي اتجاه لإقصاء الإسلاميين في أي معادلة مستقبلية فحسب، بل باستحالته أيضاً. فالإسلاميون لبسوا معهم "جسد الدولة وأي نَزع لهم سيكون ’نزعاً‘ للدولة". ودعا إلى "حل توليفي" والخروج من المطب بتصورات جديدة تنقلنا كلنا ومعنا الإسلاميين إلى وضع أفضل وإلا الضوضاء الفادحة التي ستقودنا إلى المهلكة ونفقد بها الدولة نفسها.
ولا مانع أن يحسن المرء الظن في ما ساء ظنه فيه من قبل، فللثورات هذه الدالة. ولكن يقتضي الاتساق من النور حمد هنا ألا يجازف لاستنقاذ ثورة، هي عنده بحسب ما رأينا "رعوية كاملة الدسم" بالتحالف مع جماعة هي هبة رعوية في حد ذاتها، وليس مثل استدراك ثورة كانت هي "الخيار المخيف" مخاطرة في المجهول.
وزكى النور حمد في السياق للمعارضين منازلة "المؤتمر الوطني" (الحزب الحاكم في عهد البشير) اقتراعياً في الانتخابات التي كان تقرر لها عام 2020. وجاء بالمتغيرات التي جعلت من الثورة على النظام استحالة ومن ذلك تضعضع الطبقة الوسطى التي كانت تنهض بالثورة بتنظيماتها في حين مكن النظام لنفسه بالخطاب الديني ونجح إلى حد بعيد في تقليل فرص قيام ثورة ضده. ولم يشقق النور حمد الكلام في عورة المعارضة، فقال إنها لم تستثمر مظالم النظام التي وقعت على الناس لأنها لا تملك وراءها اصطفافاً جماهيرياً يذكر، ولم تعدُ في قوله سوى ظاهرة صوتية غادرها الشارع ليدبر معاشه من دونها. فأكثرية الجمهور في قبضة "المؤتمر الوطني". فهو الذي زرع لجانه الشعبية في كل حيّ من أحياء مدن البلاد، بل في كل قرية، وهو الذي بقي على اتصال يومي وثيق بشؤون الناس اليومية وهو الذي يملك أدق المعلومات عنهم وعن أحوالهم وإن لم يقدم لهم شيئاً، فضلاً عن امتلاكه الشبكة الإدارية والأمنية المتغلغلة في كل أصقاع البلاد التي تعرف كيف تسوق الجمهور إلى صناديق الاقتراع. ويضاف إلى ذلك امتلاكه الآلة الإعلامية والخطاب الديني المخدر في المساجد وجمعيات التلاوة وكل ما يجعل عامة الناس واقعين في قبضته.
فما تقوم به المعارضة إزاء ما يقوم به "المؤتمر الوطني" مجرد انتظار غير منتج، فإن ما تمارسه المعارضة الآن ليس سوى انتظار قاتل لن يلبث أن يجعلها في وقت قريب جداً مجرد لافتة عليها بضع كلمات.
"إنها الحرب"
ليست للنور حمد كلمة طيبة واحدة عن العقل الرعوي. فحياة أهله في شعابه اقتضت "قوة البأس وشك السلاح، كما اقتضت ثقافة قتالية وقدرة عملية على وضع اليد على حيازات الأرض والدفاع عنها كلما اقتضى الأمر"، فيرى العقل الرعوي مغنماً حلالاً في انتهاب مال الآخر الذي ليس بينك وبينه حلف أو جوار بخلاف بيئة الحداثة التي يسبغ عدلها الجميع. ولا يحلو الغزو والاستحواذ للعقل الرعوي في مثل مجاورتهم بنية حضارية متقدمة يلمحون فيها علامات ضعف عسكري. وكانت "الدعم السريع" خلال حربها "يوماً مفتوحاً" لحيازات المال والعقار حتى جاء إخلاؤها للمباني في صلب اتفاق سلام جدة الأول (مايو 2023). إلا أن النور حمد لم يخضع هذه الانتهاكات لمفهومه عن العقل الرعوي بذريعة "إنها الحرب ومن غلب سلب" في قوله. فذكر في عبارة شهيرة أن مطلب خروج "الدعم السريع" من بيوت الناس شطط في التفكير، بل استحالة، وزاد أن الاحتكام إلى العقل في هذا الأمر أولى من الاحتكام إلى العاطفة. فاحتلال "الجنجويد" بيوت الناس أخرج الناس عن طورهم فركبتهم العاطفة في حين صح أن يركبهم العقل. فمثل ذلك الاحتلال مما يتوقعه المرء في حرب لأن "الحرب لا تدار بأخلاق"، ولذا يعمل أهل الحكمة ألا تندلع حرب، ومتى اندلعت اندلقت شرورها.
واعترف النور حمد أخيراً بارتكاب "الدعم السريع" لتجاوزات في حربها ضد القوات المسلحة وهي عنده موجبة للمساءلة، إلا أن الجيش هو الذي لم يرغب في عقد مثل هذا التحقيق. ومع ذلك فهذه الانتهاكات مما يقع في حرب تنتج أوضاعاً ينهار فيها حكم القانون. وبينما يصعب الدفاع، في قوله، عن "الدعم السريع" إلا أن من صحت مؤاخذته حقاً فهو القوات المسلحة التي أشعلت الحرب، فالأوْلى تحميل وزر التعديات لمن أشعل الحرب بدلاً من التمسك بتفاصيل التعديات التي لا سيطرة لمرتكبها عليها، فالحرب تؤدي إلى أوضاع ينهار فيها القانون وتلغي الدولة.
مفهوم العقل والانتهاكات
لم يعطل النور حمد هنا تطبيق مفهومه للعقل على انتهاكات "الدعم السريع" التي يصدق عليها ذلك العقل كما لا يصدق على الحركة الوطنية كما أراد النور حمد فحسب، بل جعل الحرب ساحة مثالية لممارسة العقل الرعوي كما شخصها "من غلب سلب" فيقول، "يقولوا ليك ’الدعم السريع‘ يطلع من البيوت. هو احتلها يطلع ليك كيف؟ ما بيطلع إلا بتفاوض. ما بيطلع ليك. في زول احتله ليهو محل في معركة طلع منها ساكت لأنك أنت قلت له اطلع. بيطلع لما أنت تكون عندك قوة تطلعه. تخليه يطلع. وعملياً أنت ما عندك هذه القوة". وهذا بالطبع بخلاف قانون الحرب الإنساني. ولا أعرف إن كان النور حمد اكترث ليراجع استباحته لحقوق المدنيين على ضوء ما كفله عهد جنيف الخاص بحماية المدنيين في الحرب (12 أغسطس 1949). وبالعدم فقد جعل النور حمد من حربنا "هبة رعوية" على ميثاق حداثي وصدق فيه قوله إن عقلنا الرعوي ابتلاء رعوي منذ وفود العرب إلى السودان لا نملك معه صرفاً ولا عدلاً.
كان لقاء النور حمد قائد ثاني "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو ومصافحتهما موضوع تعليق طريف في الوسائط. قالوا إن دقلو سأل حمد "لقيتنا كيف؟"، وهو السؤال التقليدي لمنسوبي "الدعم السريع" لأسراهم ليطروا معاملتهم وإنسانيتها.
ibrahima@missouri.edu