ستبقى معركة طوفان الأقصى ملهمة لكل طالب حرية لوطنه، فقد شارك فيها ودعمها من أراد الله بهم خيرا وأبعد عنهم كل منافق من الحكام وتألفت معها قلوب الشعوب الحرة في كل أنحاء العالم.
في هذه المقالة أحاول أن أرصد أهم الدروس التي يمكن أن يتعلمها الإخوان المسلمون، بل وكل الطيف الوطني المصري من معركة غزة دون تفاصيل كثيرة في هذه المقالة.
وهذا يتضمن عدة جوانب استراتيجية وسياسية واجتماعية، استنادا إلى سياق الصراع وتجربة حركة حماس (التي انبثقت من الإخوان المسلمين) في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية أمام أشرس آلة عقيدية متطرفة وعسكرية لا تراعي فيمن تصارع إلا ولا ذمة.
1- الصمود والمقاومة كأداة للتفاوض
قد يُستخلص أن المقاومة، رغم تكلفتها البشرية والمادية، يمكن أن تفرض واقعا جديدا على الأرض وتزيد من القوة التفاوضية في المحافل الدولية، خاصة إذا اقترنت بحشد دعم شعبي داخلي وخارجي.
2- أهمية البناء الاجتماعي والدعوي
تجربة حماس في غزة تُظهر دور المؤسسات الاجتماعية (مستشفيات، مدارس، جمعيات خيرية) في كسب التأييد الشعبي، وهو نهج تاريخي للإخوان المسلمين. قد يعزز هذا إدراكهم أن الشرعية تُبنى عبر الخدمات اليومية، وليس فقط عبر الخطاب السياسي.
3- التحديات الجيوسياسية والتحالفات الإقليمية:
الصراع في غزة يسلط الضوء على تعقيد التحالفات الإقليمية (مثل العلاقة مع إيران أو تركيا أو دول الخليج) وتأثيرها على القضية الفلسطينية. قد يدعو هذا الإخوان إلى مراجعة تحالفاتهم لتحقيق توازن بين المبادئ والواقعية السياسية.
4- الضغوط الدولية والعزلة السياسية
الحصار المفروض على غزة منذ سنوات يُظهر مخاطر العزلة الدولية. قد يُستنتج هنا ضرورة العمل على كسب شرعية دولية عبر الانخراط في المسارات الدبلوماسية، والعلاقات السياسية مع الحفاظ على خطاب المقاومة ورفض الظلم وآمال الشعب في حياة حرة كريمة.
5- الوحدة الفلسطينية كعامل قوة
الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح غالبا ما يُضعف الموقف التفاوضي، وأهّل أوسلو التي لم يحترم أي طرف اتفاقها وكانت نتائجها مخزية حيث تقلصت في تعاون أمنى مع الاحتلال وانشاء مستعمرات جديدة في الضفة الغربية، لذا لا بد أن يدرك الإخوان أن الوحدة الداخلية شرط أساسي لمواجهة التحديات الخارجية، مما قد يدفعهم لتعزيز الحوار بين المختلفين وإنهاء الشقاق القائم بين الإخوان أنفسهم.
6- التكيف مع القمع الداخلي
في سياق ما واجهه الإخوان من قمع في دول مثل مصر، قد يرون في صمود غزة نموذجا للتكيف مع الحصار والقمع الواقع عليهم منذ أكثر من 17 عاما بعد أول انتخابات حرة تجرى في غزة، مع الحفاظ على البنية التنظيمية والقدرة على التجدد والإعداد للمستقبل.
7- دور الإعلام وصراع الروايات
نجاح حماس نسبيا في توظيف الإعلام ووسائل التواصل لنقل معاناة المدنيين وكسب التعاطف العالمي، خاصة في أثناء معركة الطوفان وبعدها عند تبادل الأسرى، قد يُؤكد للإخوان أهمية الإعلام في معركة الوعي وتغيير الصورة الذهنية و"حرب السرديات" في الصراعات الحديثة.
8- التناقض بين الحكم والمقاومة
تجربة حماس في إدارة غزة تحت الحصار تُظهر التحديات المزدوجة للحكم والمقاومة، مما قد يدفع الإخوان إلى إعادة تقييم أولوياتهم بين المشاركة السياسية مع الحفاظ على الهوية النضالية، والحرص على فصل الدعوي عن الحزبي المنافس على السلطة، فلكل منهم إعداد وتربية تناسب المجال والبيئة التي يمارس فيها العمل الدعوي أو الحزبي.
لقد كان لنصر غزة (الذي يشكك البعض فيه لحجم الخسائر البشرية والمادية) الذي لا يكابر فيه أحد، حيث خرجت عزيزة مرفوعة الرأس عصية على الترويض وعلى الإخضاع رغم ما واجهته من خيانات داخلية وعربية وتحالفات دولية جمعت ترسانة أسلحة غير مسبوقة وتكنولوجيا لم تستخدم من قبل في الحروب، أكبر الأثر، حيث كانت أدواتها:
- إيمان وعقيدة راسخة لا تخضع لمساومات، وإرث قيمي إسلامي كاد العالم يتناساه.
- وحدة صف متينة الأركان تزداد قوة أمام شراسة وإجرام العدو.
- عمل دؤوب وسعي دائم وحرص على اتخاذ الأسباب مع بذل الجهد اللازم.
- حاضنة شعبية قوية مؤمنة برسالتها ودورها وقدرها، فيعلمون أن غزة هي بوابة فلسطين الآن وآخر معاقل المقاومة فيها.
وصدق الله العظيم.. وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري المقاومة الفلسطينية مصر فلسطين مقاومة اخوان مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
شافعي صوفي يعادي داعش والقاعدة وقريب من الإخوان (بورتريه)
عالم وداعية سوري، وفقيه شافعي، يعد من الشخصيات الدينية البارزة في سوريا وبلاد الشام.
له تأثير واسع في الأوساط العلمية والدعوية، ويعرف بجهوده في نشر العلوم الشرعية وخطاب الاعتدال.
ورغم انخراطه في قضايا الأمة، لم يرتبط بأي تيار سياسي أو أيديولوجي معين، حيث عرف عنه تبنيه للمنهج الوسطي، ورفضه للجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة "داعش" و"القاعدة"، محذرا من انحرافها عن الإسلام الصحيح.
تعود أصول عائلة الشيخ أسامة الرفاعي المولود في دمشق عام 1944، إلى مدينة حماة التي تقع وسط سوريا. تلقى تعليمه في مدارس دمشق، وتخرج من كلية الآداب بجامعة دمشق، وحصل منها على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها عام 1971.
لازم والده العالم المربي المعروف عبد الكريم الرفاعي مؤسس "جماعة زيد" التي ظهرت في الأربعينيات من القرن الماضي، والتي أخذت أسمها من جامع زيد بن ثابت الأنصاري بدمشق، الذي كان يدرِّس فيه الشيخ عبد الكريم، وأقام فيه نهضة علمية ودعوية وتربوية.
تلقى عن والده العلوم العقلية والنقلية، وتتلمذ على أيدي عدد من كبار علماء دمشق، منهم: إبراهيم الغلاييني، وعبد الغني الدقر، وخالد الجباوي، وأحمد الشامي. واعتنى بدراسة علوم اللغة العربية، والفقه الشافعي.
بدأ العمل الدعوي في وقت مبكر من شبابه، ومارس التعليم والتوجيه في حلقات مسجد زيد بن ثابت، ثم في مسجد الشيخ عبد الكريم الرفاعي بعد إنشائه، وفي الجامع الأموي.
وتنقل بين عدد من العواصم الإسلامية في مسيرته الدعوية. وتولى الخطابة في مسجد الرفاعي في ساحة كفر سوسة. وكان له درس يومي دائم بعد صلاة الفجر، على مدار سنوات، في علم من العلوم.
اقتصر نشاط "جماعة زيد" على العمل العلمي والدعوي والتربوي، ولم يكن لها أي علاقة بالعمل السياسي، إلا أنها تعرضت كغيرها من الجماعات الدينية في سورية للملاحقة والإيذاء، ما عدا الجماعات الموالية للنظام بسبب الحملة التي شنها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حينئذ على الجماعات الإسلامية، بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وترافقت بمجازر واسعة في حماة وحمص وحلب.
واضطر أسامة الرفاعي وشقيقه سارية الرفاعي إلى مغادرة سورية، والهجرة إلى المملكة العربية السعودية عام 1981 هربا من الاعتقال وبطش النظام، ومعهما بعض رؤوس الجماعة. واستقر بهما المقام في المدينة المنورة أكثر من عشر سنين، ثم تمكنا من العودة إلى دمشق عام 1993 بعد تدخل شخصيات دمشقية، وسمح لهما باستقطاب الجماعة من جديد، وممارسة نشاطهم الدعوي.
في عام 2002 حضر الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إثر توليه السلطة، خطبة الجمعة لدى أسامة الرفاعي في مسجده، وزاره في غرفته بالمسجد بعد الخطبة بحضور عدد من المشايخ منهم سارية الرفاعي، وأحمد معاذ الخطيب الحسني، وعبد الله دك الباب. وظهرت رغبة النظام في التقرب من الجماعة لحضورها الشعبي الكبير، وأثرها الواضح في المجتمع. واستفادت الجماعة من هذا، فنهضت بمشاريع دعوية وخيرية متميزة. ثم ما لبث أن عاد النظام إلى التضييق على الجماعة بإتباعه نهج تأميم العمل الديني في إطار الدولة السورية عام 2008.
يعد أسامة الرفاعي مع شيخ القراء كريم راجح، وأخيه سارية الرفاعي، من أبرز العلماء والدعاة الذين أيدوا الثورة السورية عام 2011 ونصروها، من داخل سورية، فقد جهر على المنابر بانتقاد النظام وممارساته العنيفة تجاه المتظاهرين السلميين، والدعوة إلى ضرورة الإصلاح.
مما جعل النظام يشدد عليهم الخناق. وفي فجر ليلة السابع والعشرين من رمضان في عام الثورة، هجم عدد كبير من قوات الأمن السوري وشبيحة النظام على جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي في صلاة التهجد، وضربوا المصلين والمتظاهرين سلميا في ساحات المسجد، وتعرض الشيخ أسامة الرفاعي إلى ضرب شديد على رأسه ويده، ونقل إلى مستشفى الأندلس بدمشق.
وأعقب ذلك منعه من الخطابة، وتلقى تهديدات بالقتل، فاضطر إلى مغادرة البلاد، وسافر إلى القاهرة أولا، ثم انتقل إلى مدينة إسطنبول في تركيا واستقر بها. وهناك أعلن إحياء "رابطة علماء الشام" برئاسته، وفي عام 2014، أُعلن في إسطنبول تأسيس "المجلس الإسلامي السوري" برئاسته أيضا.
ودعم في بداية الثورة العمل العسكري المناهض للنظام المتمثل في كتائب الصحابة والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، وكان يشيد بالدعم التركي المقدم لفصائل "الجيش الحر".
ورد النظام في دمشق على مواقفه بالحجز على أمواله وممتلكاته في سورية، وبتغيير اسم "جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي" إلى "جامع تنظيم كفرسوسة الكبير" ثم غيره إلى اسم "جامع عابد الرحمن"، وعين النظام أحد أكثر المشايخ تأييدا له محمد حسان عوض.
الرفاعي اختلف مع تنظيمات الفكر التكفيري، وقال إنه لا مكان للفكر التكفيري في سوريا متهما "تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام" (داعش) بنشر هذا الفكر المنحرف. وأوضح أن المعارضة السورية ليست بحاجة إلى مقاتلين من الخارج، وطالب بمد الثورة السورية بجميع أنواع الدعم المادي والمعنوي، بدلا من المقاتلين، معتبرا أن مشاركة الأجانب بات عبئا على السوريين وذريعةً للنظام والمجتمع الدولي لاتهام المعارضة بـ"الإرهاب".
كما اعتبر في تصريحات صحفية عدة أن "تنظيم القاعدة جهة تكفيرية تستبيح دماء المسلمين"، ورأى أن الأجانب الذين قدموا إلى سوريا "وانضموا للتنظيمات المتطرفة شكلوا بلاء على السوريين أكثر من النظام نفسه".
وعرفت عنه أيضا مواقف اتهم فيها إيران بـ"تأجيج الفتنة الطائفية" و"تخريب التعايش" في المنطقة، خاصة في سوريا واليمن والعراق.
بعد ما شهدته الساحة السورية من تحديات وتحالفات تضر بتشكيلاتها الشرعية والقضائية، دعا أهل العلم إلى إنشاء مجلس علمي يضم العلماء والدعاة، ويضم نحو 40 هيئة ورابطة إسلامية من أهل السنة والجماعة في الداخل والخارج، والهيئات الشرعية لكبرى الفصائل الإسلامية في جميع أنحاء البلاد، والذي عرف باسم "المجلس الإسلامي السوري" ليكون مرجعية شرعية لتوجيه المجتمع السوري بأفراده وهيئاته ومؤسساته، ووضع الحلول الشرعية في القضايا الكبرى ذات الشأن العام.
وانعقد اللقاء التأسيسي لـ"المجلس الإسلامي السوري" في إستانبول عام 2014 وانتخب أسامة الرفاعي رئيسا له. كما انتحب الرفاعي فيما بعد مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية بالإجماع، وكان ذلك في عام 2021، بعد أيام من إلغاء بشار الأسد منصب المفتي، وتجريد المفتي أحمد بدر الدين حسون من مهامه، بمرسوم يقضي بأن مفتي الجمهورية لم يعد عضوا في المجلس العلمي الفقهي.
كما أعاد الرفاعي إحياء "رابطة علماء الشام" التي كانت قد تأسست من قبل في عام 1937 لكنها بقيت سرية وقتها.
وبعد سقوط النظام أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع قرارين، ينص الأول على تعيين أسامة الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية، وينص الثاني على تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى. ويضم المجلس 14 عضوا من جميع المحافظات السورية، ومهمته إصدار الفتاوى في المستجدات والنوازل والمسائل العامة، وتعيين لجان الإفتاء في المحافظات والإشراف عليها.
ولفت الشرع إلى أنه "ينبغي أن تتحول الفتوى إلى مسؤولية جماعية من خلال تشكيل مجلس أعلى للإفتاء، تصدر الفتوى من خلاله، بعد بذل الوسع في البحث والتحري، إذ الفتوى أمانة عظيمة وتوقيع عن الله عز وجل".
وأشار إلى أن "مجلس الإفتاء سيسعى إلى ضبط الخطاب الديني المعتدل، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع الحفاظ على الهوية ويحسم الخلاف المفضي إلى الفرقة، ويقطع باب الشر والاختلاف".
ألف أسامة الرفاعي عددا من الكتب والمقالات في مجالات الفقه، وتفسير القرآن، والتربية الروحية، حيث ركز على تقديم رؤية دينية تجمع بين التمسك بالشريعة والانفتاح على متغيرات العصر.
وقد لقي قرار تعيينه مفتيا لسوريا انتقادات من بعض الأوساط العلمانية التي رأت فيه محاولة "لإعادة إنتاج النسق الطائفي تحت غطاء ديني". كما عبر نشطاء من التيار السلفي عن تحفظهم تجاه الخلفية الصوفية للشيخ الرفاعي، رغم اعترافهم بدوره في الثورة، فيما ألمح البعض إلى علاقة الرفاعي بجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهي ليست علاقة تنظيمية بمقدار ما هي تعبير عن روح التسامح والاعتدال التي يبديها الرفاعي بانفتاحه على جميع المكونات السنية المعتدلة ومنها "الإخوان".