محمود محمد طه بين التجديد والاتهام- قراءة موضوعية في الجدل الفكري السوداني
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
لم يعرف المجتمع السوداني طيلة تاريخه الحديث طرحًا فكريًا وإصلاحياً تجاوز رؤية الإمام المهدي، الذي أعاد صياغة الواقع الديني والاجتماعي في السودان وفق تصوره الإسلامي القائم على المهدوية. لكن في القرن العشرين، برزت محاولات فكرية عديدة حاولت تقديم قراءات جديدة للإسلام، مثل أفكار محمود محمد طه، التي أثارت جدلاً واسعاً بين من يعتبرها تجديداً ومن يراها هدماً للثوابت الإسلامية.
جاءني أحدهم بمجموعة من التساؤلات حول فكر محمود محمد طه، ومن بينها:
هل يمكن اعتبار فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم أنه فكر هدمي؟
هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز الأحكام الفقهية أم تجاوز كلام الله سبحانه وتعالى؟
ما هي الأخلاق التي دعا إليها محمود محمد طه، وهل كانت مجرد ارتهان للثقافة الغربية؟
على مستوى العالم الإسلامي، شهدت الحركات الفكرية الإسلامية تنوعًا في الطرح الإصلاحي، بدءًا من محمد عبده ورشيد رضا، مرورًا بأبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ووصولاً إلى مالك بن نبي، وعبد الله دراز، وفضل الرحمن، وعلال الفاسي. كل هؤلاء المفكرين قدموا اجتهادات متنوعة في فهم الإسلام وتطبيقه في الواقع الحديث، لكن بدرجات متفاوتة من القبول والرفض. في السودان، بقي الجدل محصورًا حول طرح محمود محمد طه، الذي حاول تجاوز الأحكام الفقهية التقليدية نحو ما أسماه "الرسالة الثانية من الإسلام"، وهو طرح واجه معارضة حادة، سواء من المؤسسة الدينية الرسمية أو التيارات الإسلامية المختلفة.
هل كان فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم هدماً؟
إن تصنيف الفكر الإصلاحي يختلف باختلاف زاوية النظر إليه. يرى أنصاره أنه قدم اجتهادًا يتماشى مع متطلبات العصر، بينما يراه معارضوه خروجًا صريحًا عن تعاليم الإسلام. لقد قام طه بتقسيم الإسلام إلى "رسالة أولى" تتجسد في الأحكام الفقهية التي نزلت في المدينة، و"رسالة ثانية" تعود إلى المبادئ الأخلاقية والروحية للإسلام المكي. من هذا المنطلق، دعا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية وفقاً لمقاصد الشريعة الكبرى وليس وفق الأحكام الفقهية التقليدية.
لكن المشكلة الأساسية في طروحاته أنه لم يتوقف عند نقد اجتهادات الفقهاء، بل تجاوز ذلك إلى رفض بعض الأحكام القطعية، مما جعله عرضة لاتهامات بالخروج عن الإسلام. إن طرحه يختلف جذريًا عن الاجتهادات الإصلاحية التي قدمها مفكرون آخرون، مثل محمد عبده أو مالك بن نبي، الذين سعوا إلى التوفيق بين النصوص الدينية ومتطلبات العصر دون التخلي عن الأصول القطعية.
هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز كلام الله؟
يُتهم محمود محمد طه بأنه تجاوز كلام الله واستبدله بتفسيرات بشرية خاضعة للظروف الاجتماعية. لكن من وجهة نظر أنصاره، لم يكن يدعو إلى تجاوز النصوص بقدر ما كان يسعى إلى إعادة تأويلها وفق رؤيته، مستندًا إلى فكرة أن الأحكام الفقهية هي اجتهادات بشرية تتغير بتغير الزمان والمكان.
غير أن هذا التفسير واجه اعتراضات قوية، لأن بعض ما دعا إليه محمود محمد طه كان يتعلق بأحكام قطعية، مثل الحدود، التي اعتبرها صالحة لعصر معين وليست جزءًا ثابتًا من الشريعة. وهذا ما جعل الكثيرين يرون في فكره خروجًا عن الثوابت الإسلامية، في حين يرى آخرون أنه اجتهاد يمكن مناقشته من داخل المنظومة الإسلامية وليس بالضرورة رفضه كليًا.
هل كان محمود محمد طه مرتهنًا إلى الثقافة الغربية؟
من الانتقادات الموجهة إلى طه أنه تأثر بالطرح الليبرالي الغربي أكثر من تأثره بالفكر الإسلامي التقليدي. فقد ركز على مفاهيم الحرية والمساواة بأسلوب يجعله أقرب إلى الفكر الغربي الحداثي منه إلى الرؤية الإسلامية الكلاسيكية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مشروعه نشأ في سياق سوداني محض، وكان يهدف إلى التعامل مع الإشكالات التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان طه أول من تأثر بهذه الأفكار؟ بالطبع لا، فقد سبقه العديد من المفكرين الإسلاميين الذين سعوا إلى إعادة تفسير الإسلام بطرق تتماشى مع العصر، مثل محمد إقبال في الهند، وفضل الرحمن في باكستان، وعلال الفاسي في المغرب. الفرق أن طه ذهب إلى مدى أبعد في رؤيته، مما جعله عرضة للنقد العنيف.
سواء اتفقنا مع محمود محمد طه أم اختلفنا معه، لا يمكن إنكار أنه يمثل تيارًا فكريًا حاول إعادة قراءة النصوص الإسلامية وفق رؤية جديدة. المشكلة لم تكن في طرح الأسئلة، بل في طبيعة الأجوبة التي قدمها، والتي جعلته في صدام مع المؤسسة الدينية التقليدية. لكن هذا لا يعني أن النقد الفكري له يجب أن يكون من باب الاتهام المطلق، بل يجب أن يكون مبنيًا على التحليل الموضوعي، تمامًا كما تعامل الفكر الإسلامي مع العديد من المفكرين السابقين الذين أثاروا الجدل قبل أن يتم تقييمهم لاحقًا في سياقاتهم التاريخية والفكرية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأحکام الفقهیة محمود محمد طه هل کان
إقرأ أيضاً:
عضو الأزهر العالمي للفتوى: الأحكام الشرعية للحفاظ على العلاقات الأسرية
أكدت الدكتورة إيمان أبو قورة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن هناك أحكام متعلقة بالتحريم بسبب المصاهرة، تعد جزءًا من قوانين الشريعة التي تحرص على حماية العلاقات الأسرية.
وقالت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، خلال حوار مع الإسلامية سالي سالم، بحلقة برنامج «حواء»، المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد: «المحارم بسبب المصاهرة تشمل جميع من يرتبطون بالزواج، مثل والدي الزوج ووالدي الزوجة، والأبناء من الزوجين، سواء كان هؤلاء الأبناء من نفس الزوج أو من زواج آخر».
وأضافت: «التحريم هنا يكون دائمًا، أي أنه حتى في حالة الطلاق بين الزوجين، لا يجوز للوالد من جهة الزوج أو الزوجة أن يتزوج من حليلة الابن أو الابنة، وهذا يشمل أيضًا أبناء الزوج من زواج آخر، وهذا التحريم قائم على التأبيد، أي أنه مستمر وغير قابل للزوال بمجرد الطلاق».
علاقة المصاهرة بالزواجوتابعت: «السبب في هذا التحريم هو علاقة المصاهرة التي تتشكل بالزواج، فكما تكون العلاقة بين الزوجين ذات حقوق وواجبات، فإن العلاقة مع الأقارب تكون محكومة أيضًا بآداب معينة لضمان الاستقرار الأسري».
كما أكدت أنه رغم هذا التحريم، فإن تعامل الزوجة مع والد زوجها أو مع أبنائه في حال عدم العيش معهم يجب أن يظل قائمًا على البر والصلة، موضحة: «حتى إذا لم يعيشوا معًا في نفس المنزل، فإن البر بالوالدين وأبناء الزوج يبقى واجبًا، ومن الجميل بين الزوجين أن يعين كل طرف الآخر على بر الوالدين».
الأحكام الشرعية تهدف إلى الحفاظ على العلاقات الأسرية السليمةوشددت الدكتورة إيمان أبو قورة، على أن هذه الأحكام الشرعية تهدف إلى الحفاظ على العلاقات الأسرية السليمة وضمان التوازن في التعامل مع كل طرف من الأطراف المرتبطة بالعلاقة الزوجية.