قال تشارلي غاميل، مؤرخ ودبلوماسي بريطاني سابق عمل في مكتب إيران بوزارة الخارجية، إن ثمة جدلاً ساخناً بين السياسيين في إيران – سواء كانوا من المتشددين أو الإصلاحيين – يدور حول سؤال مصيري مفاده: هل يجب على طهران أن تدخل في مفاوضات مع دونالد ترامب؟
ترامب يسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي تاريخي
وأضاف الكاتب في مقاله بموقع مجلة "سبكتيتور" البريطانية: لم يُخفِ ترامب رغبته في إبرام اتفاق جديد يُجبر إيران على التخلي عن برنامجها النووي، إذ يرى أن مثل هذا الاتفاق قد يقلل من احتمالية قيام إسرائيل بشن هجوم عسكري ضد إيران.
لكن على عكس إدارته الأولى، التي ضمت شخصيات متشددة مثل مايك بومبيو وجون بولتون وبريان هوك، تحيط بترامب اليوم مجموعة من المستشارين الذين تتراوح آراؤهم بين الحمائم والصقور.
وتشير هذه التشكيلة المتنوعة إلى أن ترامب يُبقي جميع الخيارات مفتوحة، لكنه يميل إلى التفاوض كخطوة أولى. ومع ذلك، فإن أي اتفاق لن يكون ممكناً دون الأخذ في الاعتبار موقف إسرائيل.
معارضة نتانياهو للمفاوضاتوأشار الكاتب إلى أن أول زعيم أجنبي زار البيت الأبيض بعد فوز ترامب هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتناياهو، مرجحاً أن تكون إيران القضية الأهم على جدول الأعمال.
Trita Parsi: "Trump is keeping the door wide open for a major deal with Iran. That door won’t be open forever.
And Trump should take note: No deal he makes in the Middle East will make up for the disaster of getting the U.S. military bogged down in Gaza.https://t.co/jwiCuZMdVX
وكان نتانياهو دائماً العقبة الكبرى أمام أي محاولات أمريكية للتفاوض مع طهران، إذ استخدم على مدى سنوات في الأمم المتحدة رسوم القنابل والوثائق المسروقة من طهران لإقناع العالم بضرورة التصدي لإيران.
وتابع الكاتب: سيحاول نتانياهو إقناع ترامب بأن النظام الإيراني اليوم أضعف من أي وقت مضى، وأن هناك صراعات داخل الحرس الثوري الإيراني وضبابية حول مسألة خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي.
ومن هذا المنطلق، سيضغط نتانياهو على ترامب لزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران بدلاً من تقديم عروض دبلوماسية.
في المقابل، يبدو أن ترامب يسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي تاريخي، كما فعل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة عام 2018.
لكن المشكلة تكمن، برأي الكاتب، في أن أي عرض متشدد قد يدفع خامنئي إلى الزاوية، مما يجعل من المستحيل على إيران التفاوض دون التعرض لهزة داخلية خطيرة. وبالتالي، فإن مسار العلاقة بين طهران وواشنطن في 2025 سيكون حاسماً لمستقبل الشرق الأوسط.
هل يمكن لطهران الصمود؟ولفت الكاتب النظر إلى أن الاقتصاد الإيراني يواجه كارثة حقيقية. فالتضخم والبطالة في ارتفاع مستمر، بينما تنهار قيمة الريال الإيراني، وترتفع مستويات الفقر بشكل غير مسبوق. وتعاني البلاد من أزمة طاقة خانقة، حيث تجد إيران – رغم ثرواتها النفطية والغازية الهائلة – صعوبة في توفير التدفئة للمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية.
Iran’s Donald Trump dilemma https://t.co/dBjyaPDDJ8
— R.g.holms (@HolmsR26652) February 3, 2025وفي ظل هذه الظروف، بدأت بعض الأصوات داخل النظام تطالب بإيجاد مخرج من العزلة الدولية. وهناك مخاوف حقيقية لدى بعض المسؤولين من أن استمرار هذا الوضع قد يهدد بقاء إيران نفسها. ويعتقد هؤلاء أن رفع العقوبات وجذب الاستثمارات الأجنبية قد يكون السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المنهار.
لكن المشكلة، حسب الكاتب، أن هذا الحل قد لا يكون مرحباً به من قبل حلفاء إيران الأساسيين، روسيا والصين.
وفي حال رفعت واشنطن العقوبات عن إيران، فسيؤدي ذلك إلى إخراج طهران من دائرة النفوذ الروسي والصيني، مما قد يغير المشهد الاستراتيجي في المنطقة.
لكن هناك خطر آخر يهدد النظام الإيراني من الداخل، وفق الكاتب. فرفع العقوبات قد يغضب شريحة كبيرة من الشباب الإيراني الغاضب والرافض لوجود النظام الديني برمّته. هؤلاء الشباب يرون أن أي اتفاق مع واشنطن من شأنه أن يطيل عمر النظام، وهو ما يتعارض مع تطلعاتهم إلى التغيير.
وإذا قرر خامنئي التفاوض مع ترامب، فقد تُفسَّر هذه الخطوة على أنها علامة ضعف، مما قد يؤدي إلى موجة احتجاجات جديدة تهدد بقاء النظام. الحرس الثوري والفساد الداخلي وعلى مر السنوات، تحوّلت إيران إلى دولة تعاني من استشراء الفساد، حيث يتم تهريب المليارات إلى حسابات مصرفية في جنيف ولندن. وإذا تدفقت الأموال بفعل تخفيف العقوبات، فهناك احتمال كبير أن ينتهي بها المطاف في جيوب النخبة الحاكمة بدلاً من تحسين حياة المواطنين العاديين.
وبالتالي، قد يكون ما يُفترض أن يكون "إنقاذاً" للنظام هو في الحقيقة تسريعاً لانهياره من الداخل. إيران وأمريكا: صراع عقائدي أم ضرورة سياسية؟ وبالنسبة للمتشددين في طهران، فإن ترامب ليس مجرد رئيس أمريكي، بل هو التجسيد الصارخ لما يكرهه النظام: الغطرسة الأمريكية، والسياسات غير المتوقعة، والقوة العسكرية الطاغية. فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وهو من أمر باغتيال قاسم سليماني، القائد الأبرز للحرس الثوري.
لكن المفارقة، حسب الكاتب، أن النظام الإيراني اليوم قد يجد نفسه مضطراً للرهان على هذا الرجل نفسه لإنقاذ اقتصاده المتداعي. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: هل يمكن لإيران أن تثق بترامب، أم أنها ستكون مجرد ضحية أخرى لبراغماتيته السياسية؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران برنامجها النووي إسرائيل نتانياهو عودة ترامب ترامب أسلحة نووية إيران إسرائيل إيران وإسرائيل نتانياهو
إقرأ أيضاً:
ترامب يعيد سياسة أقصى الضغوط على إيران.. مواجهة النفوذ وحرمانها من السلاح النووي
يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، وذلك بإعادة سياسة “أقصى الضغوط” التي انتهجها خلال ولايته السابقة.
وبحسب مسؤول أمريكي، فإن هذه القرارات تستهدف بشكل مباشر الحد من نفوذ إيران الإقليمي، ومنعها من امتلاك سلاح نووي، ومعاقبة الجهات التي تنتهك العقوبات المفروضة عليها.
وفقًا لتصريحات المسؤول الأمريكي، يرى ترامب أن إيران تمارس “نفوذًا خبيثًا” في الشرق الأوسط عبر دعمها لجماعات مسلحة في عدة دول، مما يهدد استقرار المنطقة. ومن هذا المنطلق، يهدف قراره إلى فرض قيود جديدة على الأنشطة الاقتصادية والعسكرية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحلفائها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة في العراق وسوريا.
الملف النووي الإيراني لا يزال في صلب الاهتمام الأمريكي، حيث يؤكد المسؤول أن هدف ترامب الأساسي هو منع طهران من تطوير سلاح نووي، معتبرًا أن الاتفاق النووي السابق لم يكن كافيًا لكبح طموحات إيران النووية.
ومن هذا المنطلق، يسعى ترامب إلى إعادة العقوبات القاسية التي تشمل القطاع المالي، وصادرات النفط، والتعاملات التجارية الدولية مع إيران، في محاولة لزيادة الضغط الاقتصادي عليها.
بحسب المصادر، يستعد ترامب لتوقيع أمر تنفيذي يعيد تطبيق سياسة “أقصى الضغوط”، والتي كانت أحد أبرز سياساته الخارجية خلال رئاسته الأولى. هذه السياسة تتضمن عقوبات اقتصادية مشددة تهدف إلى شل الاقتصاد الإيراني، وإجبار طهران على تقديم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها النووي وسياستها الخارجية.
لم يقتصر القرار الأمريكي على إيران فقط، بل يشمل أيضًا الجهات والأفراد الذين ينتهكون العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة ستلاحق الدول والشركات التي تتعامل مع إيران اقتصاديًا أو عسكريًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد دبلوماسي بين واشنطن وعدة دول، خاصة تلك التي لها علاقات تجارية قوية مع إيران مثل الصين وروسيا.
مع استعداد ترامب لاتخاذ هذه الإجراءات، يرى محللون أن العودة إلى سياسة الضغط القصوى قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، خاصة أن إيران قد ترد بخطوات أكثر عدائية، مثل تعزيز برنامجها النووي أو تصعيد التوترات العسكرية في الشرق الأوسط. كما أن هذه العقوبات قد تعمّق الأزمة الاقتصادية داخل إيران، ما قد يؤثر على الاستقرار الداخلي فيها.
ودخلت العلاقات بين واشنطن وطهران مرحلة جديدة من التوتر، بعد فوز ترامب مع احتمال انهيار أي جهود دبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي.
وبينما تؤكد إدارة ترامب أن الهدف من هذه السياسات هو تحقيق الأمن ومنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ليس واضحا ما اذا كانت إيران ستدفع نحو التصعيد، أم ستخضع للضغوط الأمريكية.