تشير تقارير صحفية إلى إمكانية نشوب معركة تجارية جديدة بين أكبر اقتصادين في العالم على خلفية الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين.

وتشهد العلاقات الأمريكية الصينية توترا جديدا مع إعلان الرئيس الأمريكي فرض رسوم إضافية 10 بالمئة على السلع المستوردة من الصين، ما دفع صحيفة "إل باييس" لتوقع نشوب معركة تجارية ثانية بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد المعركة التجارية التي بدأت خلال ولاية ترامب الأولى في عام 2018.



تلك التقارير دفعت مراقبين لطرح التساؤل حول موقف بكين من خطة ترامب التي أعلنها 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، بتهجير 1.5 مليون فلسطينيي لمصر والأردن، ومدى تعارض أهداف الجانب الاقتصادي لخطط التهجير وإحياء مشروع قناة "بن غوريون"، مع خطط الصين التجارية عبر "طريق الحرير"، وحجم قدرة بكين على عرقلة ملف إخلاء غزة.

"الجانب الخفي من خطة ترامب"
وقدمت الخبيرة المصرية بالشئون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنى سويف الدكتورة نادية حلمي، تحليلا نُشر الاثنين، بموقع "Modern Diplomacy"،  حمل عنوان: "كيف يمكن لخطة تهجير غزة أن تهز مبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس عبر ميناء بن جوريون الإسرائيلي".

وأشار التحليل إلى أن جانب من خطة ترامب يهدف إلى نهب ثروات قطاع غزة، وللتمهيد "لإقامة ميناء (بن غوريون) عبر ضم ميناء غزة إليه بعد تفريغ سكانه، وربطه بالهند وأوروبا، لإفشال المشروع الصيني للحزام والطريق، ولعمل تفريعة أخرى موازية لقناة السويس المصرية، وجعل إسرائيل تتحكم في كافة خطوط الملاحة البحرية العالمية والنقل البحرى، عبر ميناء بن غوريون".

وأضاف: "ولعل هذا هو السبب الرئيسي والحقيقي الذي أدركته الصين"، مشيرا إلى أنه "بحسب الدوائر الصينية، فإن هذا المشروع الإسرائيلي البديل بدعم سخي من أمريكا خلال قمة مجموعة السبعة الاقتصادية الكبرى، وبمشاركة ومباركة الهند والدول الأوروبية الكبرى؛ كان هو من أبرز توتر العلاقات بين بكين، وتل أبيب".

وقالت الأكاديمية المصرية: "هكذا تحارب الصين وبشدة خطة تهجير الفلسطينيين، لإبطال (مشروع بن غوريون)، باعتباره المخطط السرى الأخطر الذي تحاول الصين فضح أساليبه المقنعة بذريعة الحرب أو خلق مكان آمن لمعيشة المدنيين وفق ادعاء ترامب".

وأكدت أن "الحقيقة الاستخباراتية الوحيدة فى تلك اللعبة الاستراتيجية والدولية الخطيرة، وفقا لإدراك المؤسسات الاستخباراتية الصينية، المخطط الخطير، بإشراف أمريكي للاستيلاء على ميناء غزة بالكامل وربطه بميناء بن غوريون".

ويرى التحليل أن سبب إندلاع حرب غزة، "استخباراتي واقتصادي بحت"، وسبب عدم إدانة الصين وروسيا لحركة حماس دوليا وأمميا، وإبطالهما محاولات أمريكا وإسرائيل والغرب، إدراج الحركة كمنظمة إرهابية دوليا؛ "نظرا لإدراك الصين وروسيا التام، بأن حماس ورقة الضغط واللعبة الهامة معهم لعرقلة مشروع إسرائيل وأمريكا".

وأوضح أنه "لذلك جاء الرفض الصيني التام لكافة محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة منعا لاستحواذ إسرائيل بالكامل على ميناء غزة"، مشيرا لإستضافة بكين عدة مرات فصائل المقاومة الفلسطينية وبينهم قادة حركة الجهاد الإسلامي، التى تصنفها واشنطن كجماعة إرهابية.

وألمح إلى تصدي مؤسسات الدولة الصينية ومراكزها الفكرية والإعلامية لمخطط ترامب، ووصفها بأنها "جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب"، بجانب إدانة إسرائيل بالمحافل الدولية والقانونية".

وكشف أن "بكين وضعت عدة خطط بديلة وطويلة الأمد منعا وضمانا لعدم إستيلاء إسرائيل على ميناء غزة بالكامل بعد طرد سكانه"، ولذلك، أشار إلى "أهمية توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكومة واحدة، كخطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، "مع التحذير الصيني من خطورة تمدد الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ولفت إلى الرفض الصيني التام للمقترح الإسرائيلي بالتهجير لسكان غزة إلى سيناء المصرية، نهاية 2023،  ومساندة بكين بقوة موقف "فيليب لازارينى" المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وحول قراءتهم لتحليل الأكاديمية المصرية، وتقديرهم لاحتمالات أن تكون بكين المطرقة التي تحطم خطط ترامب بالتهجير، ورؤيتهم لما بيد الصين من أوراق واحتمالات أن تنضم لها روسيا، تحدث أكاديميون وخبراء ومحللون مصريون.

"دراما مصطنعة"
وقال الخبير الاقتصادي المصري والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار: "حقيقة لا أعرف مصدر هذا الكلام"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أن "مشروع ممر الشمال؛ وافقت عليه قمة الدول السبع الكبرى في طوكيو العام الماضي، وهو في جوهره مشروع إسرائيلي وليس أمريكي".

وأكد أن "ميناء بن غوريون المقترح لنقل التجارة من الهند عبر الخليج وغزة إلى أوروبا مشروع قديم؛ الهدف منه دمج إسرائيل في الشرق الأوسط، وخلق ممر جديد للتجارة بين الشرق والغرب".

وتابع: "بالطبع أحد النتائج الجانبية لذلك هو تقليل الأمد لقناة السويس"، مستدركا: "لكن يجب أن نلاحظ هنا أن إيران يمكن لها أن تعطل هذا المشروع وتصيبه بالشلل، بصرف النظر عن مدى نجاح برنامجها النووي".

وواصل نوار، قراءته، قائلا: "لاحظ أيضا وجود ممر آخر للتجارة في الشمال بين شرق آسيا وأوروبا عن طريق القطب الشمالي، وهو ممر بدأ استخدامه بالفعل".

ولفت إلى أنه "هناك بالفعل مشروعات كثيرة منافسة لقناة السويس، منها المشروع الإسرائيلي، بعيدا عن هذه الدراما المصطنعة".

ومضى يؤكد أن "الأمر يتوقف على قدرة الأطراف المختلفة، ومنها الصين وروسيا وإيران (ممر الشمال- الجنوب) على تطوير مشروعها وجذب نسبة أكبر من حركة النقل العالمية".


"لا يعدو كونه دور خطابي"
وقال الباحث والأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، إن "الواقع يشير إلى أن الدور الصيني في العلاقات الدولية لا يزال هامشيا ولا يُرى أي أثر له حتى فيما يتعلق باستخدامها لـ(الفيتو) داخل مجلس الأمن، فضلا عن شبكة تحالفاتها المحدودة".

المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أكد لـ"عربي21"، أن "الصين تُعرف نفسها كقوة تجارية أكثر من كونها دولة قائدة في النظام الدولي أو حتى من القوى العظمى عسكريا، بالرغم من قدراتها المتصاعدة، ومن ثم فإن دورها في التأثير على عملية تهجير الفلسطينيين لا يعدو كونه دور خطابي أكثر من كونه دور مؤثر"، وفق قوله.

ومن وجهة نظر الزواوي، فإن "الدور الأكثر تأثيرا سيكون هو الدور الفلسطيني ذاته، برفض الشعب أية قرارات تهجير له، ومن ثم تستطيع مصر والأردن دعم والبناء على ذلك الدور وكافة الدول العربية الأخرى، فتهجير شعب بأكمله من أرضه هو جريمة ضد الإنسانية، وهو تفكير بالتمني أكثر من كونه تفكير عقلاني".

ولفت إلى أن "ترامب يريد أن يُحدث فرقعات إعلامية فور جلوسه في البيت الأبيض ليعزز صورة الرجل القوي، باتخاذ قرارات نارية في مختلف الاتجاهات حتى مع أقرب حلفائه وجيرانه".

وأكد أنه "على مصر والأردن البناء على القضية القانونية والحقوقية والإنسانية التي يجب أن يقودها الشعب الفلسطيني ذاته، فهو صاحب المصلحة والقرار النهائي، ويمكن في تلك الحالة الاستعانة بالدول الداعمة مثل الصين لتعزيز الزخم الإعلامي والرفض الدولي لتلك الجريمة ضد المدنيين".

"الصين وتواؤمات الشرق الأوسط"
وطالما أعلنت الصين عن رفضها لجرائم الإبادة الدموية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، يوميا، والتي أودت بحياة 47 ألفا و540 شهيدا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بحسب "صحة غزة".

وبعد أسبوع من "طوفان الأقصى"، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لنظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، على ضرورة وضع حد لـ"الكوارث الإنسانية في غزة"، ليعود وانغ يي، في شباط/ فبراير 2024، للتأكيد على رفض التهجير.

وقال إن "تشريد أجيال من الشعب الفلسطيني وعدم تمكينهم من العودة إلى ديارهم حتى يومنا هذا، هو الظلم الأطول أمدا في العالم"، فيما قال مندوب الصين بالأمم المتحدة فو جونغ، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن مجلس الأمن لم يتمكن من أداء واجباته بفعالية تجاه القضية الفلسطينية".

وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، طرح موقع "بي بي سي"، سؤالا حول أدوار الصين وروسيا في الملف الفلسطيني، مشيرا إلى أنهما لا يعتبران حماس منظمة إرهابية، لكن مراقبين أكدوا أن هناك هدفان رئيسيان لبكين وموسكو، من أي دور لها بالملف وهو "اكتساب النفوذ الدولي، ومواجهة القوة الأمريكية والغربية".

ونقلت عن الباحث في معهد "تشاتام هاوس" الأمريكي أحمد أبودوح، قوله أنه منذ تولي الرئيس شي جين بينغ عام 2012، يراعي أن يجسد الموقف الصيني من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "خدمة المصالح العملية للصين".

ويشكل الشرق الأوسط أهمية كبيرة لمشروع مبادرة الحزام والطريق، خاصة وأن الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، ونحو نصف وارداتها من الشرق الأوسط والخليج العربي.

ووفق ما تؤكده الكاتبة الباكستانية مهويش كاياني، في تقرير بموقع "موديرن ديبلوماسي" الأميركي، فإن بكين تسعى عبر مشروع الحرير للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين سلاسل التوريد العالمية، مشيرة لزيادة الصين من مشاركتها بالشرق الأوسط بالأعوام القليلة الماضية.

وقالت الباحثة إن الشرق الأوسط من أكثر المناطق أهمية بالنسبة للصين، لأنه يقع على مفترق طرق 3 قارات مهمة، أوروبا وأفريقيا وآسيا، وكل هذه القارات مرتبطة بمشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني، بجانب بحار المتوسط، والأحمر، والعرب، وقزوين، والبحر الأسود، ومضائق باب المندب، وهرمز، والبوسفور والدردنيل.

أشارت لوجود علاقات صينية إسرائيلية وشراكات تجارية واسعة، قائلة: "هناك أداة دبلوماسية تبنتها الصين لتسهيل الوقوف على الحياد وهي استخدام دبلوماسية الشراكة، وليس دبلوماسية التحالفات"، في إشارة إلى عدم تورطها في النزاعات الإقليمية في المنطقة.


هل يراجع السيسي وضعه مع الصين؟
وتميزت علاقات مصر والصين خلال عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، بالتعاون اللافت في مجالات التجارة والاقتصاد والتسليح العسكري والاستثمار والشراكة في مشروعات عملاقة في مصر بمجالات البناء والإنشاءات وإنتاج الطاقة والتصنيع.

وتعد الصين أكبر شريك تجاري لمصر على مدار 12 عاما متتالية، وتشهد استثماراتها في مصر نموا متزايدا، فيما يصف البعض السنوات من (2014- 2024)، العقد الذهبي في علاقات البلدين.

وتمثل قناة السويس أهمية كبيرة في نقل البضائع الصينية إلى أوروبا، كما أن موقع مصر الاستراتيجي يضعها في قلب مبادرة الحزام والطريق.

لكنه مؤخرا وفي 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، كشف موقع "الشرق مع بلومبيرغ"، عزم مصر إعادة طرح مشروع صيني كبير في مصر على مستثمرينآخرين، وذلك بعد سحبه من شركة صينية لعدم تدبير التمويل اللازم والبالغ استثماراته الأولية 2.3 مليار دولار.

وربط نشطاء مصريون بين سحب مصر مشروع إنشاء محطة توليد كهرباء بنظام "الضخ والتخزين" في جبل عتاقة بمدينة السويس من شركة "ساينو هايدرو" الصينية رغم تعاقدها عليه عام 2015، وبين تقديم حكومة السيسي، تنازلات لإرضاء الرئيس الأمريكي، بالتزامن مع طرحه ملف التهجير، وفرضه عقوبات اقتصادية على الصين.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال الناشط المصري أشرف أيوب: "سبق الإعلان عن الاتصال بين السيسي وترامب، السبت الماضي، نشرت وكالة (بلومبيرغ)، خبرا يؤكد أن "مصر تسحب مشروعا من شركة صينية".

وأكد أيوب لـ"عربي21"، أن الحكومة المصرية لكي تقلل من ضغوط ترامب عليها قررت إنهاء تعاقد الشركة الصينية في ملف الكهرباء بالبحر الأحمر رغم أنه اتفاق موقع منذ 10 سنوات".

وأشار إلى أنه "كما تفعل مصر فعلت بنما بإلغاء بعض تعاملاتها مع الصين نتيجة لضغوط ترامب عليها"، مبينا أننا "في مصر أيضا نبتعد خطوة للوراء عن بكين، مع خفض صوت الإعلام المصري في الحديث عن ملف التهجير".

وتساءل عن الذي سيتم "التنازل عنه من قبل مصر أيضا، بعد الانسحاب من بعض علاقاتها مع الصين".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ترامب الصين غزة الولايات المتحدة غزة الصين ترامب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مبادرة الحزام والطریق تهجیر الفلسطینیین الشرق الأوسط الصین وروسیا فی العالم میناء غزة بن غوریون خطة ترامب میناء بن إلى أنه إلى أن فی مصر

إقرأ أيضاً:

ريهام العادلي تكتب: مصر القوية لن تسمح بتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية

كان الاتصال الذي تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء السبت، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشهد حواراً ايجابياً بين الرئيسين، بما في ذلك حول أهمية الاستمرار في تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية قطرية وأمريكية، وضرورة تكثيف إيصال المساعدات لسكان غزة ، علامة ايجابية علي صلابة وعدالة الموقف المصري الرافض للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية.

وأكدالرئيس عبدالفتاح السيسي  أهمية التوصل الى سلام دائم في المنطقة، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يعول على قدرة الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقة منذ عقود، خاصة مع انحياز الرئيس ترامب إلى السلام، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس ترامب في خطاب تنصيبه بكونه رجل السلام، وشدد السيد الرئيس على ضرورة تدشين عملية سلام تفضي إلى حل دائم في المنطقة.


وفي نهاية الاتصال التليفوني، اتفق الزعيمان على أهمية استمرار التواصل بينهما، والتنسيق والتعاون بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتأكيد على ضرورة تكثيف الاجتماعات بين المسؤولين المعنيين من الجانبين لمواصلة دفع العلاقات الثنائية في كافة المجالات، ودراسة سبل المضي قدماً في معالجة الموضوعات المختلفة، مما يعكس قوة وعمق العلاقات الاستراتيجية المصرية الأمريكية.

ويأتي هذا الاتصال والحديث الهام فيه ، في وقت تجددت فيه دعوات  عن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وخاصة من قطاع غزة، إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر. هذا الطرح، الذي تردد في بعض الدوائر السياسية والإعلامية الغربية، أثار موجة من الغضب والرفض الواسع، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. فالقضية ليست مجرد مسألة نقل سكان من منطقة إلى أخرى، بل تتعلق بجذور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وحقوق الفلسطينيين التاريخية، والأمن القومي للدول المجاورة، وعلى رأسها مصر.

وهو ما ردت عليه  الخارجية المصرية مؤكدة تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية ، ومشددة  على أهمية عدم المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض أي محاولات لنقلهم أو تهجيرهم خارج أراضيهم ، كما أكدت على ضرورة احترام صمود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره.  

ورد عليه  الرئيس السيسي بحسم مكرراً  موقفه الثابت بأن مصر لن تشارك في أي خطط تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ، وأشار إلى أن تهجير الشعب الفلسطيني يُعد ظلماً تاريخياً لا يمكن لمصر أن تكون جزءاً منه ، كما طمأن الشعب المصري بأن مصر لن تسمح أبداً بالمساس بأمنها القومي، وأنها ستعمل مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتحقيق السلام القائم على حل الدولتين ، منذ اللحظة الأولى لطرح فكرة التهجير، جاء الموقف المصري واضحًا وحاسمًا: لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو أي جزء من الأراضي المصرية.

وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن “هذا ظلم تاريخي لا يمكن لمصر أن تكون طرفًا فيه”، مشددًا على أن مصر لن تسمح بأي إجراءات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية على حساب أمنها القومي.

هذا الموقف ليس جديدًا، فقد أكدت مصر مرارًا وتكرارًا رفضها لأي مشاريع تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها. فالتاريخ يعيد نفسه، حيث سبق أن طُرحت مثل هذه الأفكار في العقود الماضية، لكن مصر ظلت ثابتة على موقفها الداعم للحقوق الفلسطينية، والمطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

لم يكن الموقف الرسمي المصري الوحيد في رفض هذه الفكرة، بل امتد ليشمل الأوساط الشعبية  بحشود سلمية علي معبر رفح، والقطاعات الإعلامية، كما  شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات واسعة تندد بأي محاولات لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين

ويرى المصريون أن قبول مثل هذه المخططات سيؤدي إلى عواقب خطيرة على أمن واستقرار البلاد ،كما أن المصريين يدركون أن تهجير الفلسطينيين لن يكون حلاً للقضية، بل محاولة لدفنها، وهو أمر غير مقبول شعبيًا ولا على الجانب الفلسطيني ، قوبل أي حديث عن التهجير برفض قاطع من جميع الفصائل والقوى السياسية ، فاللاجئون الفلسطينيون الذين هُجروا في نكبة 1948 ونكسة 1967 لا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم وأمل العودة إلى أراضيهم.

الفلسطينيون يدركون جيدًا أن أي محاولة لتهجير سكان غزة لن تكون إلا خطوة في اتجاه تصفية قضيتهم وإنهاء حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة لذا، كانت الرسالة واضحة: “نحن باقون في أرضنا، ولن نقبل بأن نكون ضحايا لمشاريع التهجير الجديدة”.

المثير للدهشة في هذا السياق هو تعامل بعض القوى الدولية مع القضية الفلسطينية وكأنها أزمة إنسانية وليست قضية سياسية وحقوقية ، فبدلاً من الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات على الفلسطينيين، يتم البحث عن “حلول” قائمة على التهجير وإعادة التوزيع السكاني، وكأن المشكلة تكمن في وجود الفلسطينيين أنفسهم وليس في الاحتلال الذي يفرض عليهم حياة غير إنسانية.

هذا النهج يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية، حيث يتم التغاضي عن حقوق الفلسطينيين، بينما يتم الحديث عن حلول لا تعالج أصل المشكلة.

وعلي كل فإن مصر، التي دفعت ثمناً غالياً دفاعًا عن القضية الفلسطينية عبر عقود من الصراع والتضحيات، لن تكون أبدًا طرفًا في أي مشروع يهدف إلى تصفية هذه القضية. وستظل تدافع عن حقوق الفلسطينيين، رافضةً أي محاولات لفرض حلول غير عادلة على حساب الأمن القومي المصري والاستقرار الإقليمي  برئيس عظيم وشعب واعي وجيش مستعد دائماً للدفاع عن الوطن ومقدراته.

مقالات مشابهة

  • ترامب في تصريح صادم: يمكن للعالم كله أن يعيش في غزة
  • ترامب خلال لقائه نتنياهو: على مصر والأردن استقبال الفلسطينيين.. ليس أمامهم سوى مغادرة غزة
  • ترامب خلال لفائه نتنياهو: على مصر والأردن استقبال الفلسطينيين.. ليس أمامهم سوى مغادرة غزة
  • وزير الكهرباء يبحث مع سفير مصر الجديد لدى بكين تعزيز التعاون مع الشركات الصينية
  • إيران تحذر من اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة
  • إيران: اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة "تطهير عرقي"
  • مانيلا تعرض على بكين صفقة لتهدئة التوتر في بحر الصين الجنوبي
  • ريهام العادلي تكتب: مصر القوية لن تسمح بتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية
  • السفير نبيل فهمي: يجب أن يكون هناك خطط لمواجهة مقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين