عربي21:
2025-02-05@06:55:57 GMT

عصر الفاشية الجديدة وبما يتميّز

تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT

مع كل يوم يمرّ وبصورة متسارعة في السنوات الأخيرة، يتأكد أننا نشهد عصراً جديداً لصعود أقصى اليمين على النطاق العالمي، على غرار عصر صعود القوى الفاشية بين الحربين العالميتين في القرن العشرين. وقد درج إطلاق تسمية الفاشية الجديدة (نيوفاشية) على أقصى اليمين المعاصر نظراً لتكيّفه مع زمننا وإدراكه أن تكرار النمط الفاشي عينه الذي عرفه القرن المنصرم لم يعد ممكناً، بمعنى أنه لم يعد مقبولاً من غالبية الناس.



فإن الفاشية الجديدة تدّعي مراعاة شروط الديمقراطية بدل إقامة دكتاتورية عارية كما فعلت سالفتها، وإن كانت تُفرغ الديمقراطية من مضمونها بقضم الحريات السياسية الفعلية وذلك على درجات تختلف حسب مدى الشعبية الحقيقية لكل حاكم نيوفاشي (وبالتالي حاجته أم لا إلى تزوير الانتخابات) وموازين القوى بينه وأخصامه. فأمامنا اليوم مروحة عريضة من درجات الاستبداد النيوفاشي، من شبه المُطلَق في حالة فلاديمير بوتين إلى ما زال يحتفظ بحيّز من الليبرالية السياسية كما في حالتي دونالد ترامب وناريندرا مودي.

وتختلف الفاشية الجديدة عن الأنظمة الاستبدادية أو السلطوية التقليدية (على غرار الحكم الصيني أو معظم الأنظمة العربية) في أنها تستند، شأنها في ذلك شأن فاشية القرن المنصرم، إلى تعبئة كفاحية عدوانية لقاعدتها الشعبية على أسس أيديولوجية مماثلة لتلك التي ميّزت سالفتها، تشتمل على شتى مكوّنات فكر أقصى اليمين من تعصّب قومي وعرقي، وكراهية للأجانب، وعنصرية صريحة، وذكورية فاحشة، وعداء شديد لقيَم التنوير والقيَم التحررية.

أما الفروقات بين الفاشيتين القديمة والجديدة، فأهمها اثنان: الأول هو أن الجديدة لا تستند إلى الميليشيات المسلّحة التي ميّزت القديمة، ليس بمعنى أنها خالية منها، لكنّها تُبقيها في دور احتياطي خلف الستار عندما تتواجد، والفرق الثاني أن الفاشية الجديدة لا تدّعي الاشتراكية مثل سالفتها، ولا يقوم برنامجها على تضخيم جهاز الدولة ودورها الاقتصادي، بل تستوحي من الفكر النيوليبرالي في دعوتها إلى تقليص دور الدولة الاقتصادي لصالح الرأسمال الخاص، مع أن الضرورة قد تجعلها تسير في الاتجاه المعاكس كما هو شأن حكم بوتين تحت ضغط مستلزمات الحرب التي شنّها على أوكرانيا.


وإذ نمت فاشية القرن العشرين في سياق الأزمة الاقتصادية الحادة التي تبعت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها مع «الكساد الكبير» نمت الفاشية الجديدة في سياق أزمة النيوليبرالية المتفاقمة، لا سيما بعد «الركود الكبير» الذي نجم عن الأزمة المالية التي انفجرت في عامي 2007-2008. وإذ تلبّست فاشية القرن الماضي العداءات القومية والعرقية التي كانت سائدة في قلب القارة الأوروبية، على خلفية الممارسات العنصرية الشنيعة التي كانت تدور في البلدان المستعمَرة، ازدهرت الفاشية الجديدة على زبل السخط العنصري الكاره للأجانب الذي رافق تصاعد موجات الهجرة الملازمة للعولمة النيوليبرالية وللحروب التي وفّرت هذه الأخيرة وقودها بموازاة انهيار قواعد النظام الدولي، التي لعبت الولايات المتحدة الدور الرئيسي في إبطالها إثر انتهاء الحرب البادرة بما أدخل العالم سريعاً في حرب باردة جديدة.

وقد تبدو الفاشية الجديدة أقل خطورة من سالفتها لكونها لا تقوم على المظاهر العسكرية ولأن الردع النووي يجعل من حرب عالمية جديدة فرضية غير محتملة (لكنّها ليست مستحيلة، والحال أن حرب أوكرانيا قرّبت العالم إلى احتمال حرب عالمية جديدة أكثر من أي أحداث جرت منذ الحرب العالمية الثانية، حتى في ذروة الحرب الباردة أيام الاتحاد السوفييتي).

بيد أن الحقيقة هي أن الفاشية الجديدة أخطر في بعض جوانبها مما كانت القديمة، ذلك أن فاشية القرن العشرين قامت على مثلث من القوى (ألمانيا وإيطاليا واليابان) لم تكن لديها القدرة الموضوعية على تحقيق حلمها بالسيادة على العالم أجمع، تواجهها قوى تفوقها اقتصادياً (الولايات المتحدة وبريطانيا) علاوة على الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية العالمية (وقد لعبت هذه الأخيرة دوراً كبيراً في التصدّي للفاشية سياسياً وعسكرياً).

أما الفاشية الجديدة، فيتصاعد تسلّطها على العالم، مدفوعاً بعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في حلّة تتجانس أكثر بكثير مع الفاشية الجديدة مما كان عليه خلال ولايته الأولى.

أي أن القوة العالمية الأعظم اقتصادياً وعسكرياً هي اليوم رأس حربة الفاشية الجديدة، تلتقي معها حكومات شتى في روسيا والهند وإسرائيل والأرجنتين والمجر وسواها، بينما يلوح في الأفق احتمال وصول الأحزاب الفاشية الجديدة إلى السلطة في كبرى الدول الأوروبية (في فرنسا وألمانيا، بعد إيطاليا، بل حتى في بريطانيا) ناهيك من الدول الصغيرة في أوروبا الوسطى والشرقية على الأخص.

وإذا صحّ أن احتمال حرب عالمية جديدة يبقى محدوداً، فإن عالمنا يواجه ما لا يقل خطورة عن الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون، ألا وهو التغيّر المناخي الذي يهدّد مستقبل الكرة الأرضية والجنس البشري. والحال أن الفاشية الجديدة تدفع العالم نحو الهاوية بعداء معظم فصائلها السافر للإجراءات البيئوية الضرورية، بما يفاقم الخطر المناخي، لا سيما عندما تستلم الفاشية الجديدة مقاليد السلطة على أكثر شعوب العالم تلويثاً للكرة الأرضية بالنسبة إلى تعداده السكاني، ألا وهو الشعب الأمريكي.
عصر الفاشية الجديدة أخطر في بعض جوانبه مما كان عليه عصر القديمة
هذا وليس في عالم اليوم من مرادف لما كانت عليه الحركة العمّالية بجناحيها الاشتراكي والشيوعي بعد الحرب العالمية الأولى، بل إن قوى اليسار مصابة بالضمور في معظم البلدان، بعد أن اندمجت غالبيتها في بوتقة النيوليبرالية بحيث لم تعد تشكل بديلاً عن الوضع القائم في نظر المجتمع، أو هي عاجزة عن التكيّف مع مقتضيات العصر تعيد إنتاج عيوب يسار القرن العشرين التي أدّت إلى إفلاسه التاريخي.

كل ما سبق يجعلنا نقول إن عصر الفاشية الجديدة أخطر في بعض جوانبه مما كان عليه عصر القديمة. ويبقى الجيل الجديد محطّ أملنا الأكبر، وقد كشفت أقسام هامة منه عن رفضها للعنصرية، لا سيما العنصرية التي تجلّت في حرب الإبادة الصهيونية في غزة، ودفاعها عن المساواة في شتى أنواع الحقوق، وبالطبع دفاعها عن البيئة. هذا وإزاء الصعود العالمي للفاشية الجديدة، ثمة ضرورة قصوى وشديدة الإلحاح للتصدّي لها بالجمع بين أوسع التحالفات الموضعية، دفاعاً عن الديمقراطية والبيئة وحقوق النساء والمهاجرين، مع شتى القوى التي تتبنى هذه الأهداف، وبين العمل على إعادة بناء تيار عالمي مضاد للنيوليبرالية ومدافع عن المصلحة العامة في وجه سيادة المصالح الخاصة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفاشية العنصرية العنصرية اليمين المتطرف الفاشية مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفاشیة الجدیدة القرن العشرین

إقرأ أيضاً:

ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان

لا تختلف الحرب الأخيرة على غزة عن سابقاتها من حيث المدة الزمنية والخسائر البشرية والمادية المباشرة وحسب، ولكن كذلك من حيث نتائجها الكلية ودلالاتها العميقة وتداعياتها طويلة الأمد، والتي تضع المنطقة برمتها أمام مرحلة مختلفة تمامًا، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع مع الاحتلال.

النتائج

تشير التقارير الأولية لخسارة الاحتلال لأكثر من 900 من ضباطه وجنوده خلال الحرب، إضافة لمئات ممن يصنفهم كمدنيين، وهو الرقم الأعلى منذ حرب 1973، فضلًا عن تضرر الاقتصاد بشكل عميق استدعى عدة حزم من المساعدات المالية الكبيرة والمباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، إضافة لموجة الهجرة العكسية وفقدان الشعور بالأمان والذي يشمل الكثيرين في "إسرائيل". وعلى وجه التحديد مستوطنو غلاف غزة والشمال.

في المقابل، تشير التقديرات إلى أن عدد الشهداء في قطاع غزة تجاوز 60 ألف شهيد، زهاء 60% منهم من النساء والأطفال، وأنه ما زال ما يقرب من 11 ألف شهيد تحت الأنقاض حتى اللحظة.

وأما على صعيد البنيان، فيمكن القول إن الاحتلال دمر البنية التحتية لأكثر من نصف قطاع غزة، وفي مقدمة ذلك المؤسسات الحكومية والقطاع الصحي، فضلًا عن تدمير غالبية المنازل كليًا أو جزئيًا.

فيما يتعلق بالمقاومة، فقد نعت حماس بعد وقف إطلاق النار عددًا كبيرًا من قياداتها السياسية، على رأسهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، والرئيس اللاحق (رئيسها في غزة سابقًا) يحيى السنوار، ومعظم أعضاء مكتبها السياسي في غزة، إضافة لعدد من قياداتها في الضفة والخارج، فضلًا عن قيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى.

إعلان

وفي الشق العسكري، فقد نعى الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" قائد هيئة أركانها محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وقادة ثلاثة من الألوية، وعددًا من قادة الأركان، إضافة لتقديرات بارتقاء عدد كبير من القيادات الوسيطة ومئات/ آلاف المقاتلين في القسام وباقي فصائل المقاومة.

تحديات جسام

رغم خسائر غزة وتضحياتها، أوقف الاحتلال عدوانه دون تحقيق أهدافه العريضة المعلنة مثل القضاء على المقاومة، ومنع المخاطر التي تتسبب بها، واستعادة أسراه بالقوة، فضلًا عن النتائج الإستراتيجية بعيدة المدى للحرب، والمتعلقة بالردع والحسم والقدرات والتلاحم الداخلي وصورة "إسرائيل" أمام العالم، وتفوقها في المنطقة، وغير ذلك مما فصّلت فيه في المقال السابق.

ومع وضع كل ذلك في الحسبان، وخروج المقاومة الفلسطينية من الحرب قائمة على قدميها وقوية ومتماسكة ومسيطرة، وثبات الناس على أرضهم وإفشال مخططات التهجير رغم ما تعجز اللغة عن وصفه من تضحياتهم، إلا أن هناك تحديات ضخمة تنتظر غزة والمقاومة والقضية الفلسطينية عمومًا في المرحلة القادمة.

في مقدمة هذه التحديات إمكانية عودة الاحتلال للعدوان بعد إتمام صفقات تبادل الأسرى، بعد المرحلة الأولى أو بعدها جميعًا، وهو ما تواترت حوله تصريحات "إسرائيلية" وأخرى منسوبة للرئيس الأميركي الجديد، وهنا تبرز أهمية رسائل القوة والندية التي ترسلها المقاومة دون مبالغة.

أما على الصعيد العملي، فعلى رأس التحديات عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار، وعلاج الجرحى والمصابين والمرضى ودعم الناس، وغيرها من الملفات الملحّة في الجانب الإنساني، والتي بات مؤكدًا أن "إسرائيل" تسعى لإبطائها وتحجيمها؛ سعيًا لاستدامة المعاناة كأداة ضغط سياسية على المجتمع الغزّي ومقاومته، في المرحلة الحالية، وعلى المدى البعيد.

وهو تحدٍّ كبير وخطير لا تكفي معه قدرات الفلسطينيين الذاتية، بل ينبغي أن تنضم لهم أيدي العالمين العربي والإسلامي عمليًا وسريعًا، فضلًا عن الضغط المطلوب على الاحتلال للإيفاء بالتزاماته.

إعلان

وهناك مشروع تهجير أهل غزة للخارج، كليًا أو جزئيًا، والذي أفشله الغزّيون ومقاومتهم أكثر من مرة خلال الحرب، وتحديدًا صمودهم في شمال غزة المحاصر، ثم مشاهد العودة للبيوت المدمرة فيها.

بيد أن المشروع لم ينتهِ بالكامل ولا تخلى عنه الاحتلال بشكل نهائي، حيث يتردد ما يعضد ذلك على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يشير إلى ضرورة استضافة عدد من الدول في مقدمتها مصر والأردن سكان غزة. وغني عن الذكر أن إعاقة عمليات الإغاثة والدعم والإعمار جزء أساسي من محاولة جعل القطاع منطقة غير صالحة للحياة كأحد روافع مشروع التهجير.

سياسيًا، لم تنتهِ بعد مشاريع الاحتلال المدعومة غربيًا بخصوص اليوم التالي لغزة، أو غير ذلك، ولكن مشروع تطبيع علاقات "إسرائيل" بالمحيط العربي والإقليمي تحديدًا يحتاج اهتمامًا خاصًا. فقد جمدت عملية "طوفان الأقصى" مسار التطبيع مرحليًا، لكن الإدارة الأميركية تسعى لتفعيله كجزء من صفقة متكاملة.

وفي القلب من أهداف كل ما سبق وغيره، استمرار مساعي تجريف المقاومة وتجريمها وتحجيمها والقضاء على جدواها ودعمها بين الناس، ومحاولة ترسيخ سردية تجعلها هي – لا الاحتلال – المسؤولة عن خسائر غزة وتضحياتها ومعاناة أهلها.

ولا شك أنه رغم المكاسب الكبيرة للقضية الفلسطينية على المدى البعيد، فإن الاستمرار بالمقاومة بأشكال وأساليب مختلفة ومتنوعة وجديدة وصدى ذلك لدى الشارع الغزي تحديدًا سيكون تحديًا كبيرًا جدًا.

مرحلة جديدة

في مقدمة الدلالات العميقة لعملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تلاها، ثم وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، أن "إسرائيل" فقدت كل أركان إستراتيجيتها الأمنية من ردع وإنذار مبكر ودفاع وحسم وغير ذلك، وبالتالي تهاوت الأساطير التي كانت تروّج أن أحدًا لن يفكر في مهاجمتها، فضلًا عن هزيمتها.

في المقابل، فإن المقاومة – وحاضنتها وشعبها – قادرة على ترميم خسائرها والتعويض والبناء لاحقًا. ومع ذلك، فإنه مما لا يُختلف عليه أن غزة بحاجة لراحة طويلة الأمد تضمد فيها جراحها، وتتجاوز أزماتها وتبني نفسها، خصوصًا أن أي مواجهة قادمة قد تبدأ مباشرة مما انتهت إليه الحالية، على ما عوّدنا الاحتلال وشجعه على ذلك الدعم الغربي والصمت العربي والإقليمي.

إعلان

لكن ذلك لا يعني نهاية المواجهة ولا انتهاء القضية ولا الاكتفاء من غاية المقاومة، بمعناها الأعم والأوسع دلاليًا وجغرافيًا وإستراتيجيًا.

لقد أظهرت الحرب الوجه القبيح الحقيقي للاحتلال وما يخفيه للمنطقة ككل وليس فقط غزة، وفي مقدمة ذلك الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهو ما يُفترض أن يكفي لتُراجعَ مختلف الأنظمة في المنطقة موقفها منه ومن العلاقات معه الآن ومستقبلًا.

إن "إسرائيل" اليوم ورغم إخفاقها العسكري والأمني والسياسي في غزة، تسعى مرة أخرى لمشروع "إسرائيل الكبرى" وربما ما هو أبعد منه، من خلال مشاريع احتلال واستيطان في الضفة وجنوب لبنان وسوريا، ومهاجمة إيران واليمن والعراق، وكذلك مشروع تهجير الفلسطينيين نحو مصر والأردن، والتي تبدو مدعومة من ترامب.

في المقابل، وإن لم تستشعر الأنظمة بعدُ كامل ما أفرزه الطوفان من متغيرات، إلا أن تأثيراته على النخب والشعوب لا يمكن الاستهانة بها. لقد كان صمود غزة في عدوان 2008 وبسالة مقاومتها مع الموقف الرسمي العربي منه ضمن دوافع الثورات في 2010 – 2011، وهذه الحرب لا تقارن به لا من حيث بشاعة العدوان ولا صمود المقاومة ولا الخذلان الرسمي.

من أهم تبعات الطوفان مسألة الوعي؛ وعي الجميع بحقيقة "إسرائيل" وما تخبئه للمنطقة جميعها وليس فقط للفلسطينيين متى ما استطاعت، وهي الآن وتحديدًا مع ترامب تظن أنها تستطيع القيام بتغييرات جذرية.

وفي المحصلة وعلى المديين المتوسط والبعيد، سيشتبك الجميع مع الاحتلال، مختارًا أو مضطرًا، بتوقيته الخاص أو بتوقيت الاحتلال. إن الحقائق والوقائع والثغرات التي تكشفت مع الحرب تساهم في بناء وعي جديد في مجمل المنطقة وعلى جميع المستويات، كما أن الخطط التي أخرجت من الدرج "الإسرائيلي" تنبئ بتغييرات جذرية للمنطقة بأسرها، ما يستدعي من الجميع الوقوف أمام مسؤولياته.

إعلان

لقد نفذ الاحتلال جريمة إبادة بالمعنى الكامل لغزة، بشرًا وحجرًا وشجرًا وعلى جميع المستويات، لكنه لم يستطع كسر الإرادة الفلسطينية، فانتصرت المقاومة وترسخت فكرتها وثبت نموذجها، وهذا رآه وفهمه الفلسطينيون كما "الإسرائيليون" ومعهم الجميع في المنطقة والعالم.

وقد زخرت هذه الحرب بدروس كثيرة وعميقة، تكشف بعضها وسيتكشف مع الوقت بعضها الآخر، بما يساهم في التفاعل مع معطيات وحقائق أخرى لترسيخ تداعيات الطوفان طويلة الأمد على دولة الاحتلال والقضية الفلسطينية والمنطقة سواءً بسواء.

في الخلاصة، لم تستطع "إسرائيل" تهجيرَ الشعب ولا القضاء على المقاومة، وبالتالي فشلت في تصفية القضية، فأدخلتها وأدخلت المنطقة جميعها في مرحلة جديدة ومختلفة من الصراع معها، وهو ما ستتضح معالمه ومحاوره وديناميته أكثر فأكثر مع مرور الوقت وتكشّف الحقائق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
  • ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان
  • الإرهاب الأمريكي عبر التاريخ: وقائع وأحداث تاريخية
  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها
  • العالم في حالة حرب.. هذه بؤر التوتر التي يتجاهلها الغرب
  • الدفاع المدني السوري: مجزرة مروعة راح ضحيتها 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بعضها بليغة ما يرشح عدد الوفيات للارتفاع، وجميعهم من عمال الزراعة، في حصيلة أولية لانفجار السيارة المفخخة بجانب السيارة التي كانت تقلّ العمال المزارعين، على أطراف مدينة منبج
  • السودان يتعرض لأكبر عملية نهب وسرقة تتم في العالم في القرن الواحد والعشرين
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • بيرم: أهل الجنوب يصنعون المعادلة التي تحمي الوطن