التخابر مع العدو، مصنف عالميا، باعتباره جريمة. ولاتوجد أي اتفافية دولية أو قانون دولي تبيحها أو تمنع الدولة الوطنية من محاسبة من يرتكبها.

أما في حالة الحرب في السودان الان، هنالك أجسام، سودانية تتبنى هذه الجريمة علنا، و تروج لها بين أبناء المجتمع دون أن تستحي، و تضلل الراي العام بحيل مختلفة حتى تستغل ضعاف النفوس ببث المعلومات المضللة.

و يقومون بذلك من عدة أوجه. أقدم في هذا المقال تحليلا ليس بدافع انحياز سياسي ولا ترويج اعلامي، ولكن بدافع الوقوف الصلب مع مؤسسات الدولة والاعتراف لها بحقها وواجبها الدستوري. نبدأ أولا بالافعال الظاهرة والمعلنة التي يساندون بها المليشيا:

يعترضون أولا على تصنيف المليشيا بأنها عدو. وذلك إما بمساواتها مع مؤسسات الدولة (الجيش)، أو بمحاولة انتزاع الشرعية عن مؤسسات الدولة، وذلك بفركة الاتهامات ضد الجيش، أو بدعوة الجيش للإستسلام الى المليشيا، أو بتشجيع المليشيا على بالبقاء في منازل المواطنين، … الخ. القيام بهذه الأفعال مع العدو يعتبر جريمة أكبر من مجرد التعاون معه.
ومن أوجه التعاون المعلنة مع العدو، هي توقيع اتفاقات مع المليشيا، و عقد اجتماعات معها و تفاهمات، و تعيين إدارات مدنية لمساعدة المليشيا في مناطق سيطرتها، و دعوة المواطنين للتعايش معها.

إلا أن من أسوأ حالات التواطؤ مع العدو هي التخذيل ضد الجيش الوطني و اتهامه كحرب نفسية ضده، واتهام من يقفون معه من المواطنين حتى يمنعوهم أو يفصلونهم عن جيشهم، و قيادة حملات اعلامية على القنوات الفضائية و قنوات التواصل الاجتماعي للتخذيل والاتهامات و التشكيك و التضليل ضد الجيش… الخ.

كذلك من أسوا مظاهر تبادل الأدوار بين هؤلاء و العدو هو قيادة حملات سياسية و ديبلوماسية الى الدول العالمية، والتاثير عليها و تشجيعها لاستقبال قادة المليشيا و تبني مواففها و تسليحها و مساواتها مع الجيش.

كما أن استخدام بعض قادة الإدارات الأهلية لاستنفار أبناء القبائل للمشاركة في الحرب، ضمن صفوف المليشيا يعتبر مشاركة مباشرة في الحرب شارك فيه منسوبي أحزاب محددة، و محاربتهم للدولة والمجتمع بحمل السلاح أو المشاركة في ارتكازات العدو غيرها من الأفعال المثبتة صورة و صوت.

أما أفعالهم ومساندتهم السرية أو غير المعلنة للعدو، تتمثل في عدة نقاط منها:
أولا الإنتشار وسط المواطنين كمتعاونين مندسين و مختفين، يرسلون احداثيات المواقع والاسماء و المعلومات الى المليشيا، فيقوم جنودها باستهدافهم بالقصف العشوائي، أو بالقتل و السلب والنهب والاغتصاب و الاختطاف و الاعتقال وكل أنواع الجرائم والتعذيب.
أيضا يقومون بالتخذيل ونشر الهلع و الاشاعات بين المواطنين.

ثم انهم يقومون بأخذ المسروقات و تخزينها أو نقلها أو بيعها. و توزيع الأموال وتحويلها. هنالك قطاع كامل يعمل في اقتصاديات الحرب لصالح المليشيا.

كما أن هنالك قطاع كامل منهم يقوم بمساعدة العدو في الحصول على كل احتياجاته اليومية من ماكل و مشرب و وسائل حركة و بنزين و أموال و معلومات و أسماء و غيرها.

إن كثير من هؤلاء المتعاونين، وبسبب كثرة حركتهم، و جرأتهم و تهورهم و استقوائهم بالمليشيا، وطول المدة، قد صاروا معروفين لدى المواطنين لأنهم يتلذذون مباشرة بتعذيب وازلال و إهانة المواطنين و قد تحول الأمر الى تصفية الحسابات الشخصية . ايضا بسبب أن بعض هؤلاء المتعاونين قد ظل يسكن مع المواطنين في ذات الأحياء السكنية و يجاورهم بالسنين و يتداخل معهم و يعرف أسرارهم. لذلك كانت صدمة المواطنين فيهم كانت كبيرة. و جريمة التعاون عليهم مثبتة بما رآه المواطنون منهم مباشرة. بل بعضهم و مع مرور الوقت صار يعلنها صراحة إذ صعب عليه إخفائها كل هذه المدة. بل لاحقا صاروا يتفاخرون باظهار انتمائهم للمليشيا، الذي صار مصدر حظوة يتقربون بها الى قادة المليشيا زلفى. وبذلك صارت الجريمة ثابتة من كل النواحي.

ولكن، ماذا جرى بعد أن تبدل الحال وانتصر الجيش و حرر الأحياء السكنية؟. ما هو مصير هذه الشريحة الكبيرة من الناس و كيف سيتم التعامل معهم؟ أعدادهم كبيرة، جريمتهم ثابتة، ضررهم بالغ و كبير، وقد أصاب الناس منهم ما أصابهم من أذى و جرائم عامة و شخصية. إن استمرار وجودهم بين ضحاياهم فيه خطر كبير على المجتمع و عليهم أيضا.

للإجابة على هذه الأسئلة، فإن هنالك توصيف يشتركون فيه كلهم، تماما كما أن لكل حالة توصيفها الخاص و ظروفها المختلفة عن الحالات الأخرى.

توجد بقوانين القوات المسلحة مواد تحدد كيفية التعامل مع من تمرد عليها من منسوبيها، وقد تم تصنيف ما قام به حميدتي، رسميا باعتباره تمرد. كما أن القوانين السودانية بها المواد الكفيلة بمحاسبة المدنيين و العسكريين من تمرد، أو قاد الحرب على الدولة أو الحرابة ضد المواطنين العزل من المجتمع أو تخابر أو تواطأ أو تعاون.

و هنالك من المختصين من أهل القانون من يقومون بهذا التكييف لتحديد حالة كل من تثبت عليه التهمة.

و أما أثناء سير المعركة. فإن ظروف الميدان وحدها هي من تحدد لجنود القوات المسلحة كيفية التعامل اثناء سير المعركة. مثلا من بادر واستسلم وسلم نفسه تلقائيا، فذلك دخل في زمرة من يشملهم عفو القائد العام في ألحق العام. و أما من ظل ملازما للمليشيا مساندا لها رابطا مصيره بمصيرها، فهؤلاء فيهم من قاوم، وفيهم من حارب، وفيهم من قُبض عليه، و فيهم من هرب وفيهم من تخفى، و غير ذلك من الحالات. و الحقيقة أن كل حالة من هذه، تعتبر حالة ميدانية تحددها ظروف الميدان من حيث الفعل و رد الفعل و الغلبة و لحظات التصرف الجماعي أو الفردي، و غيرها من الظروف أثناء سير المعركة. هذه الفئة، بهذه التفاصيل، قبل أو بعد إنتهاء المعركة، و اكتمال سيطرة الجيش، يصير ملف من بقي منهم، ملفا جنائياً بحتا. يحدده القانون وفق مواد محددة، و يقضي فيه القاضي. لذا فالوصية لجنود الجيش أن يكونوا بالوعي و الحذر الكافي اثناء سير معركة التحرير و بعد اكتمالها. فأفعالهم محسوبة عليهم. و هم جنود مهنيون مدربون تدريبا مهنيا للتعامل مع المقاتل و المتعاون و المستسلم و المقبوض عليهم.

أختم مقالي بأن التهمة من حيث المبدأ مثبتة، و الجيش من حيث المشروعية يقوم بواجبه الدستوري و أما الكيفية، فتحددها ظروف الميدان التي حتى وإن صحبتها أخطاء، فهي أخطاء أثناء أداء الواجب ضد متمرد على الدولة يقود الحرابة ضد المجتمع. أما الذين يرفعون أصواتهم في الاعلام و يتهمون الجيش بقتل أو اعتقال هؤلاء و يعتبرونه عملا غير مشروع أو مخالف للقوانين الدولية. فهؤلاء لا يعترفون إبتداء بتهمة التخابر، و لا يعترفون إبتداءً بواجب الجيش و حقه في القيام بذلك، فكلامهم لا يأتي في اطار تجويد عمل الجيش و انما ادانته. وهؤلاء انما يدينون أنفسهم في المقام الاول. ادانة قد تستوجب تقديمهم الى المحاكم.

د. محمد عثمان عوض الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مع العدو کما أن

إقرأ أيضاً:

رحلة طويلة وشاقة تنتنظر كل من دعموا المليشيا المتمردة وأن السودان بدأ يتفرغ لهم

توقيت دعوى السودان ضد الأمارات في محكمة العدل الدولة له دلالات. فقد جاءت الدعوى في لحظة أصبحت فيها انتصارات الجيش السوداني حديث القنوات الأخبارية.
الجيش السوداني ينتصر!

لقد تم دحر وتحطيم المؤامرة، والسودان استعاد زمام الأمور. فالدعوة جاءت في سياق انتصار، في لحظة قوة، وهو ما يجعلها تبدو كخطوة متأنية غير انفعالية، مدروسة وذات طابع حسابي/عقابي من موقف القوي المنتصر. فنحن لا نريد من المحكمة أن تحرر لنا أرضنا أو توقف عنا هجوم المليشيات المدعومة أماراتيا. نحن قمنا ونقوم بذلك بالقوة العسكرية؛ لقد هزمنا المليشيا في الميدان؛ نحن نريد أن نحاسب الجهات الداعمة للمليشيا ونجعلها تدفع ثمن عدوانها على السودان.

فسياق الدعوى يقول بأن هناك رحلة طويلة وشاقة تنتنظر كل من دعموا المليشيا المتمردة وأن السودان بدأ يتفرغ لهم الآن بعد هزيمتهم عسكريا.
وهذه هي البداية.

السودان وضع الأمارات داخل قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية، والأخيرة أصدرت بيان منفعل وقالت ستفند الاتهامات.
أهم ما في شكوى السودان هو رد الفعل الأماراتي؛ لأنه يدل على الأثر الفوري للخطوة لدى الطرف الآخر.

ومن الجيد أن تسعى الأمارات لتبرئة نفسها أمام المحكمة. فلتذهب وتدافع عن نفسها كدولة في قفص الاتهام.
السودان يجرجر الأمارات مسار قانوني قائم على البينات والأدلة ويجردها بذلك من أدواتها السياسية والدبلوماسية؛ لقد نقل الصراع معها إلى ميدان لا تستطيع فيه استخدام نفوذها المالي. عليها أن تدافع عن نفسها بوسائل قانونية بحتة.

وفي النهاية الإحتكام إلى القضاء الدولي يدل على سلوك راقي متحضر وعلى ثقة في القضية. فلتذهب الأمارات وتدافع عن نفسها أمام المحكمة والعالم وأمام التاريخ.
الشعب السوداني لحمه مر.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • العدو الصهيوني يقر بارتفاع عدد الجرحى والمعوقين في “الجيش” إلى 78 ألفاً من جراء الحرب
  • إزالة 22 حالة غير مستوفية لضوابط التقنين ضمن الموجة 25 بالأقصر.. صور
  • في عز صيامهم.. انتصار أبطال الجيش المصري في العاشر من رمضان على العدو الإسرائيلي.. كواليس الانتصار العظيم
  • في كفركلا.. العدو إستهدف أحد المواطنين برصاصتين
  • إزالة 20 حالة تعدِ على أراضي زراعية وأملاك دولة بمركزي أسيوط وصدفا
  • والي الخرطوم يبشر باقتراب ساعة النصر وإكمال تطهير ولاية الخرطوم من المليشيا المتمردة
  • إزالة 181 حالة تعد على الأراضي الزراعية بالأقصر
  • بعد دخول إسرائيليين لزيارة مقام ديني في جنوب لبنان.. هذا ما أعلنه الجيش
  • رحلة طويلة وشاقة تنتنظر كل من دعموا المليشيا المتمردة وأن السودان بدأ يتفرغ لهم
  • الجيش يحذر من الخروقات الاسرائيلية وأوروبا تحذر من تداعيات التطورات السورية لبنانيا