عندما يكون الألم.. مصدرا للالهام
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
في عدد جريدة البلاد الغراء الصادر يوم الأربعاء الماضي، كتب الأستاذ محمد علي حسن الجفري مقالاً جميلاً بعنوان (الدفاتر )، تحدث فيه عن ثلاثة من رجال الفكر والعلم والقلم في القرن الماضي، عايشوا السراج والدفاتر قبل الكهرباء والحاسوب، هم: الأساتذة الكرام الشيخ على الطنطاوي رحمه الله والمفكر الجزائري مالك بن نبي والمؤرخ اللبناني المعروف نيقولا زيادة، وقال إنهم مروا بأزمة مع دفاترهم وكتبهم التي فقدوها لأسباب مختلفة وكان حزنهم على ممالكهم الفكرية عظيم ولكنهم لم ييأسوا، وبداؤا من حيث انتهوا وأعادوا كتابة ما صنفوا من جديد، وقد أعادتني مقالة الأستاذ الجفري لقراءة شيئ عن حياة وسيرة العالم والمخترع الأمريكي الشهير توماس إديسون، المولود في مدينة ميلانو بولاية أوهايو الأمريكية في11فبراير 1847م،
ونشأ في أسرة متوسطة الحال، لكنه أبدى روحا ريادية استحوذت عليه منذ طفولته.
كتب يوماً يروي أغرب مرحل مرّ بها في حياته، عندما قال عنه أساتذته أنه صبي بليد، عاد إلى البيت وفي جيبه رسالة من معلمه مفادها: “ابنك تومي أغبى من أن يتعلم، أخرجيه من المدرسة”.عندما قرأت أمه الملحوظة أجابت قائلة :(ابني “تومي” ليس أغبى من أن يتعلم , ولسوف أعلِّمه أنا بنفسي )..يقول اديسون “والدتي هي من صنعتني لقد كانت واثقة بي. حينها شعرت بأن لحياتي هدف وشخص لا يمكنني خذلانه “، كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل. قررت الام أن تترك لابنها المجال في إشباع فضوله، فاستطاع أن يتعلم ذاتيا من أخطائه وتجاربه، وساعده على ذلك شغفه الكبير بالمطالعة والقراءة، كما أنه أظهر قدرات في الميكانيكا والتجارب الكيميائية والتكنولوجيا.
يقول أديسون :.”كنت قد بلغت الثالثة عشر من من العمر عندما بدأت أشعر بفراغ في حياتي، فلم تكن الدروس التي أتلقاها على يد أمي تستغرق كل وقتي، راحت أمي تبحث لي عن عمل، ولكن ماذا يمكن أن يصنع صبي مثلي في هذه السن المبكرة، وأخيراً هداها تفكيرها أن تهبني قطعة أرض صغيرة أمام الباب الخلفي لمنزلنا، ووقفت ترقب مااسافعله بهذه الأرض، ولم تطل حيرتي رحت أبحث عن بذور وشتلات الخضروات وازرعها، وكنت أجمع المحصول فأعطي نصفه لأمي، وأبيع النصف الآخر للجيران، وإن هي إلا مدة وجيزة حتى عرفت المدينة بأمر المزارع الصغير، فازداد الطلب على منتجات مزرعتي، وفكرت في البحث عن أسواق جديدة، فلم أجد غير مدينة “ديترويت”، أقرب المدن إلى بلدتنا، وكان هناك قطار يربط بين المدينتين بانتظام، وعندما لم أجد ثمن شراء تذكرة الذهاب والعودة في القطار، اتفقت مع ناظر المحطة على أن اقوم بتوزيع الصحف على المسافرين، ونجحت الخطة ورحت أتنقل أنا وخضرواتي بين المدينتين بدون مقابل، حتى بلغت أرباحي مبلغاً يزيد عن (ألف ) دولار، وبهذا المبلغ، استطعت أن أنشيء معملاً صغيراً، أقوم فيه بإجراء أول تجاربي الكيماوية.
وفي أوائل الستينات من عمره, كان أديسون يمتلك معملاً ضخماً بناه في ويست أورانج في نيوجيرسي، أصبح ذا شهرة عالمية، ونموذجاً لمعامل الأبحاث والتصنيع الحديث، وكان يطلق على ذلك المجمع المكون من أربعة عشر مبنى اسم (مصنع المخترعات).
لقد أحب إديسون هذا المكان وكان يقضي به كل لحظة ممكنة، بل إنه كان ينام هناك على إحدى موائد المعمل غالباً!، وفي عام 1914، اندلع حريق هائل في معامل إديسون، ودمر المختبر بالكامل وتجاوزت خسائره الـ 2 مليون دولار، كان الحريق أسوأ كارثة تحدث للرجل الذي كان يبلغ حينها 67 عامًا، وكان من الصعب عليه أن يرى عمله المتراكم ومختبراته التي حققت 1093 براءة اختراع؛ ويعمل بها 7 آلاف موظف تتحول إلى دخان.
جلس إديسون ينظر إلى المختبر والنيران تشتعل بداخلة، يراقب ويكلم بقايا الذكريات، ومشاعر الأسى تنتابه وهو يرى مشهداً مرعباً، لحصيلة ابتكارات أبدعها عقله، وفي خضم الكارثة والنيران تشتعل حضر إبنه تشارلز، وبعد بحث طويل، وجد أباه يجلس بهدوء وهو يراقب النيران وهي تشتعل.
يقول تشارلز:” كان قلبي ينفطر على والدي، لم يعد شاباً، وكل شيء ذهب مع الحريق، عندما رآني والدي، صاح بأعلى صوته: أين والدتك”؟ قلت له: لا أعرف، ردّ قائلاً : “عليك أن تجدها، وتحضرها هنا لترى شيئا لن يتكرر، ولن تستطيع أن تراه ثانية في حياتها”.
وفي صباح اليوم التالي، جئنا- أبي وأمي وأنا-، ورحنا نسير وسط حطام آمال وأحلام والدي، وفجأةً توقف عن السير، وقال: حقيقة أنها كارثة، ولكنها لاتخلو من نفع، لقد التهم الحريق جهدي ومالي، ولكنه خلصني من أخطائي، شكرا لله، فنحن نستطيع الان أن نبدأ من جديد بلا أخطاء، وأردف قائلا: « صحيح أنني في السابعة والستين من العمر الآن، لكني لم أشخ لدرجة تعجزني عن البدء من جديد ». لم تكن تلك كلمات عابرة، بل تبعها عمل وتصميم، بعد يومين من الحريق، قدم أديسون للعالم “مصباحا “يعمل بالبطارية، مستلهماً ذلك من ملاحظته أن رجال الإطفاء كانوا يواجهون صعوبة في الرؤية أثناء إطفاء الحريق، لقد حوّل أديسون المأساة إلى مصدر للإلهام ونقطة للانطلاق، وقام بإعادة بناء معامله، وواصل عمله فيها لمدة سبعة عشر عاماً، وتوفي بتاريخ 18 أكتوبر 1931م عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاماً.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي
إقرأ أيضاً:
حولت مأساتها إلى قصة أمل وإلهام.. رغدة تبدأ رحلتها المهنية في مستشفى لعلاج الحروق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على الرغم من أن الألم قد رسم تفاصيله على جسدها، إلا أن روحها لم تستسلم، بل حولت مأساتها إلى قصة أمل وإلهام، الشابة المصرية “رغدة عبد العزيز شحاتة” تبلغ من العمر 22 عامًا، تخرجت من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بتقدير جيد، لتبدأ رحلتها المهنية في مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، حيث تعمل ضمن الفريق القانوني، واضعة نصب عينيها تحقيق حلمها الأكبر بالعمل في النيابة الإدارية.
لكن الطريق الذي سارت فيه رغدة لم يكن مفروشًا بالورود، فقبل سنوات تعرضت لحادث مأساوي في مطبخ منزلها، حيث انفجرت أربع أسطوانات غاز بشكل مفاجئ، الحادث كان صادمًا لدرجة أن الهروب لم يكن خيارًا متاحًا، وعانت رغدة من حروق بالغة استلزمت خضوعها لعدد كبير من العمليات الجراحية، مع قضاء ثلاثة أشهر داخل المستشفى، حيث تعرفت على مؤسسة أهل مصر للتنمية.
في عام 2014، بدأت رغدة رحلة علاج جديدة بمساعدة المؤسسة، التي لم تقدم لها العلاج الطبي فقط، بل دعمًا نفسيًا ومجتمعيًا أيضًا، وكانت أصعب المعارك تلك التي خاضتها لاستعادة قدرتها على الكتابة بعد أن أثرت الحروق على حركة يدها اليمنى، حلمها آنذاك كان بسيطًا، أن تعود للكتابة لتكمل تعليمها، وبعد سلسلة من العمليات الجراحية الدقيقة، استعادت رغدة قدرتها على الكتابة، وعادت لتلاحق أحلامها بقوة.
لكن المصاعب لم تتوقف عند الحروق، فقد فقدت والدها، الذي كان أكبر داعم لها في رحلتها، لكنها لم تسمح لهذا الفقد بأن يُثنيها، واجهت رغدة المجتمع بكل شجاعة، حيث عانت من التنمر ونظرات الرفض من البعض بسبب آثار الحروق، إلا أن هذا الألم أشعل داخلها رغبة قوية للدفاع عن حقوق الناجين من الحروق، الذين يُحرمون غالبًا من فرص عادلة في التعليم والعمل وحتى الزواج.
من هنا اتخذت رغدة قرارًا جريئًا بالالتحاق بكلية الحقوق، لتصبح صوتًا قويًا يدافع عن هؤلاء الذين طالما تم تهميشهم. واليوم، لا تعتبر رغدة نفسها ناجية فقط، بل رمزًا للكفاح والقوة، تسعى إلى بناء مستقبل أفضل لها وللآخرين، مستندة إلى دعم مؤسسة أهل مصر، التي كانت بمثابة نقطة التحول في حياتها، وصنعت رغدة من الألم طاقة، ومن الضعف قوة، ومن التحدي انتصارًا، وقصتها ليست فقط شهادة على قدرتها الفريدة على تجاوز المحن، بل هي أيضًا دعوة للمجتمع لتقدير كل إنسان بغض النظر عن مظهره، وللعمل على بناء مجتمع أكثر إنسانية وعدالة.
IMG_6134 IMG_6133 IMG_6132