شهد جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الثلاثاء، ندوة مهمة ناقشت ظاهرةً شائكة، وذلك تحت عنوان "الفتوى والمقامرة الإلكترونية"، وذلك بمشاركة فضيلة الأستاذ الدكتور محمود حامد عثمان -عضو مجمع البحوث الإسلامية- واللواء راضي عبد المعطي -عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة، رئيس جهاز حماية المستهلك السابق- وقد شهدت الندوة تفاعلًا كبيرًا من حضور الندوة وروَّاد المعرض.

التسامح والمحبة في جناح الأزهر.. شاب مسيحي يوزع كٌتيب لمفتي الجمهورية (فيديو) لوحات وأعمال فنية متميزة لطلاب ومعلمي المعاهد تخطف أنظار رواد جناح الأزهر


وفي مستهلِّ الندوة تحدَّث الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية -مدير الندوة- قائلًا: "نحن أمام قضية خطيرة ومهمة، ترتَّب على انتشارها بعض حوادث القتل والانتحار، ووصلت إلى حدِّ الظاهرة التي تدفع الأفراد إلى الاستدانة بمبالغ كبيرة، وتسببت في تفكُّك العديد من الأُسَر وتصدعات اجتماعية، ومع أن الفتاوى تؤكد تحريم هذه المقامرات، نجد بعض الأشخاص يبررون المشاركة فيها بحجة حرية التصرف في أموالهم، وقد بلغ حجم الأموال المهدرة في هذا المجال نحو مليار دولار."
وأوصى د. عمرو الورداني بضرورة تحريم المقامرة الإلكترونية وتجريمها، ليس على مستوى مصر فقط، ولكن في جميع الدول؛ حفاظًا على الشباب والأُسَر من التفكك والانهيار.
من جهته أشاد فضيلة الأستاذ الدكتور محمود حامد عثمان -عضو مجمع البحوث الإسلامية- بدَور فضيلة الدكتور نظير عيَّاد ودار الإفتاء المصرية، وأشاد باختيار موضوع الندوة، مشيرًا إلى أن المال يُعد من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، حيث اهتمت الشريعة بالمحافظة عليه من جوانب متعددة.
وأكَّد أنَّ الشريعة الإسلامية حرَّمت كل ما يؤدي إلى هلاك المال، مثل الغش والربا والميسر، باعتبار أن الميسر "رجس من عمل الشيطان"، كما ورد في القرآن الكريم. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر مجرد الدعوة إلى المقامرة ذنبًا يستوجب الكفَّارة بالصدقة.
وأوضح عثمان أن المقامرة الإلكترونية تعد ظاهرة حديثة تحتاج إلى اجتهاد فقهي يتناول تفاصيلها. وأكد أن دار الإفتاء المصرية تمتلك القدرة العلمية على إصدار الأحكام الشرعية المناسبة، حيث أفتت بتحريم هذه المقامرات بشكل قطعي؛ لكونها تجرُّ إلى العديد من الكبائر، مثل: القتل، والانتحار، والسرقة.
وفي سياق الندوة، أشار د. حامد إلى أن العلماء القدامى تناولوا مصطلح "النوازل" منذ بداية تدوين الفقه الإسلامي، موضحًا أن العبرة في دراسة النوازل ليست بمسمياتها، وإنما بالأثر المترتب عليها. وأضاف أن المقامرة الإلكترونية، رغم ممارستها في بيئة آمنة ظاهريًّا، إلا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة. وأكد أنه لو عُرضت هذه المسألة على الفقهاء الظاهرية في عصرهم، لكانوا على الأرجح قد أفتَوا بتحريمها.
وأشار د. حامد إلى أهمية تضافر الجهود بين الجهات الدينية، وعلماء النفس، والجهات الأمنية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة. كما تطرَّق إلى منصة "Zen Accept" التي تشترط أن يكون المشترك أكبر من 18 عامًا، معتبرًا أن ذلك يعكس اهتمام بعض الدول الأجنبية بتجريم بعض الممارسات ليس من منطلق ديني، بل من باب تحقيق المصلحة العامة. وضرب مثالًا بتحريم استنساخ البشر في تلك الدول نظرًا للمخاطر والمشكلات الكبيرة المترتبة عليه.
في ذات السياق، قال د. محمود حامد عثمان: إن النفس البشرية مجبولة على حب المال، وإن جميع الديانات السماوية تتفق على تحريم هذه الممارسات وتجريمها، استنادًا إلى القيم والمبادئ الإنسانية التي تتجاوز الاختلافات الدينية. وأوضح أن المقامرة وما شابهها قد تحقق بعض المصالح الوقتية، لكنها سرعان ما تتلاشى، تاركة وراءها أضرارًا ومفاسد تعود بالسوء على الأفراد والمجتمعات كافة.
وأشار د. عثمان إلى ضرورة التحالف والتعاون بين مختلف المؤسسات، مشيدًا بالدور الذي تقوم به دار الإفتاء في مواجهة هذه الظواهر السلبية. كما أوصى بضرورة تعزيز دَور وسائل الإعلام في توعية المجتمع بمخاطر هذه الممارسات، لتضافر الجهود في حماية القيم الإنسانية والاجتماعية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذه الظاهرة ليست مجرد معصية صغيرة، بل تصل إلى مرتبة الكبائر بالنظر إلى ما تجره من أضرار جسيمة على الأفراد والمجتمع.
من جانبه شكر اللواء راضي عبد المعطي -عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة، رئيس جهاز حماية المستهلك السابق- فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- على موضوع الندوة الذي يؤكد على التفاعل مع قضايا المجتمع، مشيرًا إلى أنَّ دار الإفتاء تأخذ خطواتٍ مؤثرةً في التفاعل مع كل الظواهر السلبية المؤثرة على المجتمع.

كما أوضح أنَّ ظاهرة المقامرة محرَّمة شرعًا بكل الأدلة، وهي ظاهرة مدمِّرة للعقل والمال والنفس، وتؤدي إلى انتشار الجرائم بكل أنواعها، خاصة أنها تتمُّ بشكل منظَّم وتستخدم التقنيات الحديثة في ارتكاب جرائم من الصعوبة اكتشافها، مشيرًا إلى أنه إذا كان المجرم خفيًّا، والتقنيات حديثةً، ويستخدم تقنيات غير تقليدية، فقد كان واجبًا على أجهزة وزارة الداخلية والشرطة ومباحث الإنترنت متابعة كل هذه الجرائم، سواء من ناحية الإجراءات الوقائية أو تتبُّع المنصات المحظورة وضبط مرتكبي هذه الجرائم واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، مؤكدًا أنها تمثِّل تحديًا أمنيًّا كبيرًا أمام رجال الأمن.
وأضاف اللواء راضي عبد المعطي أنَّ هناك مقامرة واقعية والقانون يجرِّمها، لكنَّ الخطورة تكمن في المقامرة الإلكترونية مُثمِّنًا تقديم بعض أعضاء مجلس النواب تشريعات لتجريم المقامرة الإلكترونية وتشديد العقوبة عليها.
وقال إن المقامرة تخلِّف وراءها جرائم أخرى، مثل القتل والسرقة والانتحار، موضحًا أن لها أضرارًا اقتصادية واجتماعية وأمنية، وكل الظواهر السلبية الناتجة عن المقامرة ضارة بالمجتمع وثقافته وتقاليده وقِيَمه، وأن الشريعة الإسلامية تجرم هذا الأمر تجريمًا واضحًا، خاصة أن مصر دولة رائدة لها قِيَمها وتقاليدها المجتمعية ولا بدَّ أن نواجه الظاهرة بتشريع مستقلٍّ يضع العقوبات الرادعة التي تحدُّ من تفشِّي هذه الظاهرة.
وحول أهم الأساليب المستخدمة لجذب الشباب لمسألة المقامرة قال إن الجناة يستخدمون بعض الأشخاص التابعين لهم لجذب الأشخاص من خلال تأكيدهم على ربح مبالغ كبيرة، ثم يطلبون تحويل مبالغ أكبر، ثم يختفون تمامًا ويتم غلق المواقع والأرقام التي يتواصلون من خلالها، مشيرًا إلى أشخاص ارتكبوا جرائم لسداد ديونهم من المقامرة.
وأضاف: علينا أن نستغلَّ هذه الندوة لنطلق حملة توعية من خلال منصة دار الإفتاء المصرية، مطالبًا فضيلة مفتي الجمهورية بإطلاق حملة للتوعية بمخاطر المقامرة الإلكترونية وأضرارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المجتمع.
كما أشار إلى أنَّ الجرائم المعلوماتية جرائم صعب اكتشافها، ولدينا تعاون مؤسَّسي بين كلِّ مؤسسات الدولة لمحاولة تتبُّع هذه الظاهرة، مطالبًا بضرورة التوعية والتنبُّه لخطر هذه الظاهرة؛ لكونها ظاهرة غير تقليدية مدمرة تستحقُّ التكاتف لوضع ضوابط بدءًا من التشريع إلى المواجهة الرسمية إلى تأسيس منظومة متكاملة لرفع الوعي بهذا الأمر.
وفي ختام حديثه أكَّد اللواء راضي عبد المعطي أن وزارة الداخلية تنسِّق مع كافة القطاعات الأمنية لمتابعة كل المواقع التي يتم التعامل عليها بشكل غير قانوني؛ لأن الظاهرة صعبة ولا بد أن يرتبط الدَّور التوعوي مع دَور المواجهة، مشيرًا إلى أنَّ هناك دَوْرًا مؤسسيًّا مطلوبًا من كافة مؤسسات الدولة من خلال منصة موحدة لرفع الوعي المجتمعي بكل الظواهر المجتمعية السلبية المؤثرة، وفي مقدمتها المقامرة الإلكترونية.
وفي مداخلة له أشار الدكتور حسن الصغير -الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية - إلى ضرورة تدخل مؤسسات الدولة لمواجهة ظاهرة السعي وراء الربح السريع وغير المشروع، وأكد أن هذه الظاهرة تعتمد على استغلال الثقة بين الأفراد من خلال أنماط استثمار وهمية تتخذ أشكالًا متعددة، منها جمع أموال بحجة استثمارها في الذهب أو مشاريع رقمية مربحة.
وأضاف الصغير أنَّ هذه العمليات الاحتيالية امتدَّت إلى الأرياف، حيث يدفع البعض مبالغ مالية شهرية؛ طمعًا في تحقيق أرباح سريعة، لكنهم يُفاجَئون بعد فترة باعتذار المسؤولين عن الاستثمار بحجج واهية، قبل أن يختفوا تمامًا، تاركين الضحايا في مواجهة خسائر مالية فادحة.
وشدَّد الصغير على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي، إلى جانب تفعيل الرقابة القانونية والتشريعية لمكافحة هذه الممارسات، التي تشكل نوعًا من "المقامرة الاقتصادية" المستترة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإفتاء معرض القاهرة الدولي للكتاب دار الإفتاء القاهرة دار الإفتاء المصریة راضی عبد المعطی مشیر ا إلى أن هذه الظاهرة من خلال

إقرأ أيضاً:

"الحكومة" توافق على مسودة مشروع قانون مقدم من "الأوقاف" لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

وافق مجلس الوزراء، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، خلال اجتماعه اليوم، على مسودة مشروع قانون مقدم من وزارة الأوقاف لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية، إذ يهدف مشروع القانون إلى ضبط عملية الإفتاء الشرعي، وتحديد الجهات المختصة به، مع ضمان عدم الإخلال بالإرشاد الديني والاجتهادات الفقهية في البحوث والدراسات الشرعية.

 

وينص مشروع القانون على أن تختص هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية بإصدار الفتاوى الشرعية العامة المتعلقة بالقضايا المجتمعية، فيما تتولى هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية، ولجان الفتوى بوزارة الأوقاف إصدار الفتاوى الخاصة بالأفراد، كما نص القانون على إنشاء لجان فتوى شرعية خاصة داخل وزارة الأوقاف بقرار من الوزير المختص، مع تحديد شروط وضوابط عملها، على أن يُرجح رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في حال تعارض الفتاوى.

 

ويؤكد مشروع القانون حق الأئمة والوعاظ بالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في أداء مهام الإرشاد الديني وبيان الأحكام الشرعية للمسلمين، دون أن يُعد ذلك تعرضًا للفتوى الشرعية، مع الالتزام بأحكام قانون تنظيم الخطابة والدروس الدينية.

 

كما يُلزم القانون المؤسسات الإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي بعدم نشر أو بث الفتاوى الشرعية إلا من الجهات المختصة وفقًا للقانون، وكذلك عند استضافة متخصصين للفتوى في البرامج الإعلامية، أن يكون الضيوف من المعتمدين وفقًا للقانون، مع فرض عقوبات على من يخالف أحكامه، لضمان صدور الفتاوى من مصادرها الرسمية، وتحقيق الاستقرار الفكري والمجتمعي.

 

وقد حدد مشروع القانون عقوبات صارمة لكل من يخالف أحكامه، سواء بإصدار الفتاوى الشرعية دون اختصاص، أو بنشرها في وسائل الإعلام دون التحقق من صدورها عن الجهات المعتمدة. كما يضمن تنسيقًا بين وزارة الأوقاف، والأزهر الشريف، والجهات التنفيذية المعنية لضمان تطبيقه على الوجه الأمثل.

 

وأشاد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، بموافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون، مؤكدًا أنه يمثل خطوة مهمة في تنظيم الإفتاء الشرعي وضبط الخطاب الديني، بما يحفظ مكانة الفتوى ويمنع استغلالها لأغراض غير علمية.

 

جدير بالذكر أن هذا القانون يأتي في إطار جهود الدولة لضبط مجال الفتوى الشرعية، ومنع الفوضى في إصدارها عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، بما يضمن الحفاظ على ثوابت الدين الإسلامي ومنع استغلال الفتوى لأغراض غير شرعية.

 

مقالات مشابهة

  • جامعة قناة السويس تنظم ندوة توعوية حول التنكر الإلكتروني
  • غدا.. "رمضان منذ 1000 عام" ندوة بمكتبة القاهرة الكبرى
  • الصيام تربية نفسية..ندوة بجامعة عين شمس بالتعاون مع وزارة الأوقاف
  • «وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقتها بغرس قيمة الانتماء لدى الشباب» في ندوة بمركز إعلام زفتى
  • جامعة عين شمس تنظّم ندوة "الصيام تربية نفسية" بالتعاون مع وزارة الأوقاف
  • خرافات وحقائق عن الأكل الصحي.. ندوة بكلية الألسن جامعة عين شمس
  • مجلس الوزراء يقر مشروع قانون من الأوقاف لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية
  • "الحكومة" توافق على مسودة مشروع قانون مقدم من "الأوقاف" لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية
  • الموافقة على مسودة مشروع قانون مقدم من وزارة الأوقاف لتنظيم إصدار الفتوى الشرعية
  • حكم صلاة الشفع والوتر 3 ركعات بتشهد واحد.. أمين الإفتاء يوضح