في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة العربية خلال العقود الأخيرة، برزت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كنموذج فريد من نوعه لحركة مقاومة ضد الاحتلال تجمع بين الجوانب العسكرية والسياسية والاجتماعية، بينما فشلت فروع الحركة الإسلامية في دول الربيع العربي، مثل مصر واليمن والمغرب وتونس، في الحفاظ على مكتسباتها السياسية بعد وصولها إلى الحكم، استطاعت حماس أن تحقق إنجازات عسكرية واستخباراتية كبيرة، أبرزها عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي أذهلت العالم وأظهرت قدرة الحركة على تنظيم وإدارة عمليات معقدة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.



لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نجحت حماس في تحقيق هذا التفوق، بينما فشلت الحركة الإسلامية في دول مختلفة؟ وهل يمكننا النظر إلى حماس كنموذج مختلف يستحق الدراسة؟

الجزء الأول: البيئة السياسية والظروف التاريخية

1- الفرق بين حماس والحركات الإسلامية الأخرى

منذ تأسيس حماس عام 1987، كانت حماس جزءا من صراع وجودي مع الاحتلال الإسرائيلي. لم يكن هدفها مجرد الوصول إلى السلطة السياسية، بل كان هدفها الأساسي تحرير الأرض الفلسطينية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. هذه الرؤية الواضحة جعلت الحركة أكثر تركيزا على بناء قواعدها الشعبية والعسكرية.

في المقابل، الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي، مثل الإخوان المسلمين في مصر، واجهت تحديات مختلفة. كانت هذه الحركات تسعى للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، لكنها وجدت نفسها غير مستعدة لإدارة دولة بأكملها، خاصة في ظل ضغوط داخلية وخارجية هائلة. كما أن هذه الحركات كانت تفتقر إلى رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع المؤسسات التقليدية، مثل الجيش والقضاء.

2- الاعتماد على الذات:

اعتمدت حماس، منذ بدايتها بشكل كبير على نفسها وعلى دعم الشعب الفلسطيني، لم تعتمد بشكل كامل على الدعم الخارجي، مما سمح لها بالحفاظ على استقلاليتها. أما الحركات الإسلامية الأخرى، فنعم اعتمدت بشكل كبير على الدعم الداخلي، ولكن سيطرة رأس المال في يد أفراد وليس مؤسسات خلق لديها دولة عميقة في داخلها، وسوء إدارة الموارد أدى إلى إفشال المشاريع الداخلية لها، وبالتالي تم إهدار الموارد وإهدار المال العام للفروع مع غياب المحاسبة وفشل في استمرار المشاريع التي تخدم الأهداف.

الجزء الثاني: التفوق العسكري

1- بناء جناح عسكري قوي:

أحد أهم الأسباب التي ساهمت في نجاح حماس هو وجود جناح عسكري قوي ومتطور، وهو كتائب القسام. فمنذ تأسيسه في التسعينيات، عملت كتائب القسام على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مستمر، من تصنيع الصواريخ البسيطة إلى تطوير صواريخ متقدمة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة في الكيان الصهيوني.

عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر كانت خير دليل على هذا التطور. فالعملية بدأت بتجهيز مخابراتي يدل على خبرة عالية الطراز وتخطيط عسكري متقدم، أظهرت مدى التنظيم والتخطيط الذي تتمتع به كتائب القسام. هذه العملية لم تكن نتيجة صدفة، بل كانت نتيجة سنوات طويلة من التدريب والاستعداد.

2- الاستخبارات والتكنولوجيا:

استثمرت حماس بشكل كبير في تطوير قدراتها الاستخباراتية، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، تمكنت الحركة من جمع المعلومات عن العدو الإسرائيلي وتحديد نقاط الضعف لديه. كما استخدمت الحركة الأنفاق كوسيلة استراتيجية لنقل الأسلحة والمقاتلين، مما جعل من الصعب على الاحتلال السيطرة عليها.

الجزء الثالث: التفوق الاجتماعي

1- بناء قاعدة شعبية قوية:

نجحت حماس في بناء قاعدة شعبية قوية في قطاع غزة من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية للمواطنين. وفي الوقت الذي كانت فيه السلطة الفلسطينية تواجه اتهامات بالفساد والإهمال، كانت حماس تحاول أن تحسن حياة المواطنين وتوفير الأمن والاستقرار رغم الحصار المفروض عليها داخليا وخارجيا لمدة تزيد عن 20 عاما.

2- التركيز على الشباب:

وضعت حماس الشباب في قلب استراتيجيتها، من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية، تمكنت الحركة من جذب آلاف الشباب إلى صفوفها. هذا التركيز على الشباب ساعد الحركة في الحفاظ على ديناميكيتها وتحديثها المستمر.

أما فروع الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر فقد أهملت الشباب بعد الانقلاب عليها وعلى مشروعها وبالأخص في الخارج، وهشمت التنازعات الداخلية العلاقة مع الشباب فأصبح من ينتقد القيادة المتربعة منذ عقود في مكان القيادة يصبح خارج الصف، وتفلت الكثير من الشباب إلى خارج صفوف الحركة بسبب جمود القيادات وعدم التطور الملح حسب الزمان والعقول.

الجزء الرابع: الفرق بين حماس والحركات الإسلامية الأخرى

1- الرؤية الاستراتيجية:

كانت حماس دائما لديها رؤية استراتيجية واضحة، وهي مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض، هذه الرؤية جعلت الحركة أكثر تركيزا وتنظيما. في المقابل، الحركات الإسلامية الأخرى كانت تفتقر إلى رؤية واضحة، مما أدى إلى فقدانها للمصداقية لدى الشعوب في العقد الاخير.

2- القدرة على التكيف:

أثبتت حماس مرارا وتكرارا قدرتها على التكيف مع التحديات الجديدة، سواء كان ذلك من خلال تطوير أسلحتها أو إعادة بناء قطاع غزة بعد كل حرب، كانت الحركة قادرة على الوقوف مرة أخرى. في المقابل، الحركات الإسلامية الأخرى فشلت في التكيف مع التغيرات السريعة التي شهدتها المنطقة، ولم تحمل رؤى مختلفة للمستقبل أو بمعنى أدق وأوضح عدم استشراف المستقبل بأي حال من الأحوال.

3- العلاقة مع المجتمع الدولي:

بنت حماس رغم عزلتها الدولية على بناء علاقات مع بعض الدول، مثل تركيا وقطر وإيران. هذه العلاقات ساعدتها في الحصول على الدعم المالي والسياسي اللازم لاستمرار مقاومتها. في المقابل، الحركات الإسلامية الأخرى واجهت عزلة دولية بسبب عدم الوضوح في السياسات الداخلية والخارجية والتعامل مع المشكلات حتى استقرار الأمور لها والأخص أن يكون لها أفرادها النافذون داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى بناء علاقات مع دول لها طابع قريب منك ألا وهي دول أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول.

الجزء الخامس: دروس يمكن تعلمها من حماس.

1- أهمية الرؤية الواضحة:

من أهم الدروس التي يمكن تعلمها من حماس هي أهمية وجود رؤية واضحة ومستدامة، فأي حركة سياسية أو مجتمعية يجب أن تكون واضحة بشأن أهدافها وأولوياتها.

2- الاستثمار في الشباب:

الشباب هم المستقبل، وحماس أثبتت ذلك من خلال استثمارها في الشباب. يجب على أي حركة أو نظام سياسي أن يجعل الشباب في قلب استراتيجياته.

3- الاعتماد على الذات:

الاعتماد على الذات هو مفتاح النجاح. حماس أثبتت أن الاعتماد على النفس يمكن أن يؤدي إلى تحقيق إنجازات كبيرة، حتى في ظل ظروف صعبة، فأنشأت الاكاديميات العسكرية التي تحتاج لها، دعمت المحاضن التربوية لها، انتشرت مجتمعيا عبر معسكرات طلائع التحرير فتقربت إلى كافة الشرائح العمرية فلا يخلو بيت من وجود مقاوم داخل صفوف المقاومة.

إن نجاح حماس في التفوق العسكري والاجتماعي والاستخباراتي على الاحتلال الإسرائيلي يعود إلى مجموعة من العوامل، منها الرؤية الواضحة، والاعتماد على الذات، والاستثمار في الشباب. فبينما فشلت الحركات الإسلامية الأخرى في الحفاظ على مكتسباتها السياسية، استطاعت حماس أن تصبح نموذجا يُحتذى به في مجال المقاومة والتنظيم.

في النهاية، يمكننا القول إن حماس ليست مجرد حركة مقاومة، بل هي مشروع شامل يهدف إلى تحرير الأرض وإعادة الكرامة للشعب الفلسطيني.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات حماس تحديات حماس تحديات اخوان اسلامي مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاعتماد على الذات الإسلامیة فی دول فی المقابل من خلال

إقرأ أيضاً:

تطور الحركات النسوية: من الحقوق السياسية إلى الحرية الجنسية .. فيديو

الرياض

انطلقت أفكار الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار حول قضايا المرأة والجندر عندما نشرت كتابها الشهير “الجنس الآخر” عام 1949،حيث قدمت فيه رؤية جديدة تعتبر أن الفروقات بين الذكر والأنثى ليست طبيعية بالكامل، بل هي نتاج بناء اجتماعي وثقافي فرض أدوارًا محددة على النساء.

ورأت دي بوفوار أن المجتمع يصنع التصنيفات بين الجنسين، مما يؤدي إلى تقييد المرأة وإخضاعها، ودافعت عن الحرية الجنسية الكاملة للمرأة، مؤكدة أن لها الحق في تقرير مصيرها بعيدًا عن القيود الأخلاقية والاجتماعية التقليدية، كما طالبت بمنح المرأة الحق في الإجهاض باعتباره جزءًا أساسيًا من سيادتها على جسدها واستقلاليتها.

وفي هذا السياق، قدم الدكتور عبدالعزيز المزيني قراءة معمقة لهذا الكتاب، مستعرضًا أفكاره الجوهرية ودوره في إرساء الفكر النسوي الحديث.

ورأى المزيني خلال حديثه في برنامج “في الصورة”، أن الكتاب شكَّل نقطة تحول رئيسية في دراسة حقوق المرأة، حيث طرح لأول مرة تساؤلات جوهرية حول الأنوثة، الحرية، والعدالة الاجتماعية، واعتبره نقطة التحول الأساسية في الفكر النسوي، الذي انطلق من فرنسا، منتقلًا بعد ذلك إلى أمريكا.

وشهدت الولايات المتحدة تاريخًا طويلًا من العبودية والتمييز العنصري، بدأ مع وصول العبيد الأفارقة الأوائل إلى أمريكا في القرن السابع عشر، واستمر الرق لقرون حتى إلغائه رسميًا عام 1865 بعد الحرب الأهلية الأمريكية، لكن التمييز العنصري لم ينتهِ، بل استمر من خلال قوانين الفصل العنصري والحرمان من الحقوق الأساسية.

وفي منتصف القرن العشرين، برزت شخصيتان قادتا النضال ضد العنصرية: مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج الابن، حيث اتخذ مالكوم إكس نهجًا أكثر راديكالية، حيث دعا إلى الدفاع عن النفس ومقاومة الظلم العنصري “بأي وسيلة ضرورية”.

ورأى أن النظام الأمريكي غير قابل للإصلاح، وطالب السود بالانفصال عن هيمنة البيض وبناء مجتمعاتهم المستقلة، وعلى الجانب الآخر، تبنى مارتن لوثر كينج نهج المقاومة السلمية، وقاد مظاهرات سلمية للمطالبة بالمساواة، أبرزها مسيرة واشنطن عام 1963، حيث ألقى خطابه الشهير “لدي حلم”.

ورغم اختلاف أساليبهما، ساهم الاثنان في إنهاء الفصل العنصري، وتحقيق تشريعات جديدة منحت الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، كما دعما قضايا النساء، حيث رأى كينج أن نضال المرأة جزء لا يتجزأ من معركة العدالة الاجتماعية، بينما دافع مالكوم إكس عن المرأة السوداء، معتبرًا أنها أكثر الفئات تضررًا من العنصرية والتمييز.

وبدأت حركة حقوق المرأة في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر، والتي اعتبرها الدكتور المزيني، بداية النسوية الفعلية، حيث ركزت على حق المرأة في التصويت، وانتهت بالتصديق على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي عام 1920، الذي منح النساء حق الاقتراع.

ومع ظهور الموجة النسوية الثانية في الستينيات، توسعت المطالب لتشمل المساواة في الأجور، الحقوق الإنجابية، وإنهاء التمييز الجنسي، وقادت هذه المرحلة إلى إصدار قوانين تحظر التمييز في أماكن العمل وتضمن للنساء حقوقًا أكبر.

وفي التسعينيات، جاءت الموجة النسوية الثالثة، التي ركزت على التنوع والهوية الجنسية، وطرحت قضايا جديدة مثل التحرر الجنسي، وتمكين النساء من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة.

أما الموجة الرابعة، التي بدأت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فقد اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية للنضال ضد التحرش الجنسي والتمييز.

وعبر هذه الموجات المتعاقبة، انتقلت النسوية الأمريكية من المطالبة بالحقوق السياسية الأساسية إلى الحرية الجنسية الكاملة والمساواة في جميع مجالات الحياة، مما غيَّر المشهد الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة بشكل جذري.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614592034.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614084391.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614213563.mp4

مقالات مشابهة

  • لتعزيز فرص التوظيف.. شراكة بين وزارة العمل ومعاهد أمجاد
  • تطور الحركات النسوية: من الحقوق السياسية إلى الحرية الجنسية .. فيديو
  • جناح «الأوقاف والأعلى للشؤون الإسلامية» بمعرض الكتاب.. صالونات ثقافية ولقاءات مع الدعاة
  • التعليم العالي تسمح باستضافة طلاب المعاهد التقانية في المعاهد الأخرى ‏بالمحافظات ‏
  • محاضرةحول أسس بناء الأسرة في الإسلام لخريجي الأزهر بالغربية
  • «أسس بناء الأسرة في الإسلام».. ندوة لقافلة خريجي الأزهر بالأقصر
  • الحركات الإسلامية واضطراب المناهج.. من الدعوي إلى السياسي (2)
  • مستقبل وطن بأبوقرقاص بالمنيا ينظم مؤتمرا لريادة الأعمال والابتكار
  • طالب عماني يفوز بجائزة أفضل باحث شاب في الطب