القاضي: إنقاذ كوكبنا يتطلب كهربة كل شيء
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
“إنقاذ كوكب الأرض يتطلب كهربة كل شيء من أجل الاستغناء عن الوقود الأحفوري”، هذا هو شعار العالم المصري في مجال التنقل الإلكتروني، ماهر القاضي، الذي تم تصنيفه ضمن “أكثر 10 قادة مؤثرين في مجال التنقل الكهربائي للعام 2025”.
جاء اختيار القاضي، وفق الإصدار الأخير من مجلة CIOLOOK الأميركيةالمتخصصة في مجال التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال، اعترافًا بـ”دورهالمؤثر في تحويل الأبحاث العلمية المتقدمة إلى تطبيقات عملية ملموسة، وتحديدا في تطوير تقنيات تخزين الطاقة وبطاريات الليثيوم أيون وتشكيل مستقبل التنقل الكهربائي”، الذي يشمل السيارات الكهربائية وغيرها.
كمهاجر عربي شاب في المجتمع الأميركي، استطاع الباحث ذو الأصول المصرية، أن “يُحدث ثورة في أنظمة الطاقة”، بحسب تعبير المجلة، التي قالت في تقديمها له إنها “تفتخر بإسهاماته وقيادته الثاقبة في الربط بين البحث العلمي المتقدم والتطبيقاتالعملية في تخزين الطاقة”.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه القاضي مع موقع قناة “الحرة” للحديث عن رحلته كباحث من مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ثم قيادته لفريق داخل شركته لتطوير الجيل القادم من بطاريات الليثيوم أيون، وكذلك عن مستقبل الطاقة النظيفة والتحول نحو البطاريات كبديل للوقود الأحفوري وتطوير تقنيات أكثر استدامة من أجل مناخ بيئي مستقر عالميا.
* تم اختيارك ضمن أكثر 10 قادة مؤثرين في مجال التنقل الكهربائي للعام 2025 في الإصدار الأخير لمجلة CIOLook، ما سبب هذا التكريم؟
-عملي يجمع بين جامعة كاليفورنيا حيث أعمل أستاذًا مساعدًا، وفي الوقت نفسه، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للتكنولوجيا في شركة “نانوتك إنيرجي” Nanotech Energy المتخصصة في تطوير وإنتاج البطاريات، ومقرها كالفورنيا.
وأسعى من خلال قيادتي لفريق كبير في الشركة إلى الربط بين الابتكار العلمي والتطبيقات العملية، أو بمعنى أدق ترجمة الأبحاث المتقدمة إلى حلول قابلة للتطبيق والتنفيذ لتخزين الطاقة، وهو الأمر الذي يحتاجه العالم بشدة حاليا من أجل مستقبل أكثر نظافة واستدامة، من خلال الاعتماد الكلي على إنتاج الطاقة الكهربية من المصادر المتجددة حتى نتجنب الكوارث البيئية الناتجة عن الاحتباس الحراريوتغير المناخ، وآخرها على سبيل المثال الحرائق التي شهدتها كاليفورنيا.
والإنجاز الذي حققته من خلال عملي يتمثل في إيجاد حلول تخزين أكبر للطاقة من خلال استخدام الابتكار لتحسين أداء بطاريات الليثيوم أيون مع توفير أكبر قدر من السلامة والاستدامة.
*كيف نجحت في تحسين أداء بطاريات الليثيوم أيون؟
– في الواقع، بدأت العمل في مجال تطوير البطاريات بشكل عام قبل 15 عاما، وركزت على الاستفادة من خصائص مواد طبيعية نظيفة مثل الغرافين، وهي مادة ذات خصائص غير عادية وواعدة للغاية لإحداث ثورة في البطاريات والمكثفات الفائقة وغير ذلك. ومن خلال تخصصي كباحث، أتولى الإشراف في “نانوتك إنيرجي” على فريق مختص بتطوير أحدث تقنيات تخزين الطاقة، وبالفعل أعدنا تعريف بطاريات الليثيوم أيون من خلال تحسين المكونات الأساسية مثل الأقطاب الكهربائية والإلكتروليتات والفواصل، ما يوفر كثافة طاقة لا مثيل لها وسلامة واستدامة.
ويتضمن دوري أيضا توجيه الفريق لاستكشاف مواد جديدة، وتحسين تصميمات البطاريات، وتسريع الانتقال من النماذج الأولية على نطاق المختبر إلى المنتجات القابلة للتطبيق تجاريًا وتسويقيا، لأن أحد الأهداف الرئيسية هو سد الفجوة بين البحث الأكاديمي والتطبيقات الصناعية وضمان أن الابتكارات ليست متقدمة من الناحية التكنولوجية فحسب، بل وقابلة للتطوير، وفعالة من حيث التكلفة، ومتوافقة مع احتياجات السوق.
ويعد عامل السلامة جانبا أساسيا من جوانب الابتكار التي نركز عليها في الشركة، حيث نعمل على دمج المواد غير القابلة للاشتعال والتصميمات القوية التي تعزز سلامة البطاريات في ظل الظروف الجوية والبيئية القاسية. وفي الوقت نفسه، نُركز على الاستدامة من خلال الاعتماد على المواد الصديقة للبيئة، وتطوير أساليب إعادة تدويرها لتصبح مستدامة، والحد من الاعتماد على المواد الخام الحيوية لمحدوديتها في النهاية.
ونحن نجحنا بالفعل في تطوير بطارية يمكنها العمل في درجات حرارة منخفضة مثل سالب ٤٠ أو ٥٠ فهرنهايت، حيث يعاني سكان المناطق القطبية من عدم تحمل البطاريات الكهربائية التقليدية المتوفرة حاليا للعمل في ظل هذا البرد القاسي.
*كيف سيؤثر تعزيز تكنولوجيا البطاريات الذي تركز عليه على مستقبل السيارات الكهربائية والشحن في العالم؟
– نمو التنقل الكهربائي يعتمد على الابتكارات العملية التي تتغلب على التحديات الحالية وتجعل المركبات الكهربائية سهلة وجذابة للأفراد والصناعات. ومن بين التطورات التكنولوجية الرئيسية للتحسين المستمر في تكنولوجيا البطاريات. ومن الضروري تطوير بطاريات ذات كثافة طاقية أعلى وقدرات شحن أسرع وخصائص أمان محسنة.
وكما أوضحت سابقا، فنحن في شركة “نانوتك إنيرجي”، ينصب تركيزنا على الابتكار في تصميم البطاريات لجعل تخزين الطاقة أكثر قوة وأماناً واستدامة. وستمنح هذه التحسينات السائقين الثقة التي يحتاجون إليها، سواء للتنقل اليومي أو السفر لمسافات طويلة، مع الحد من القلق الذي غالباً ما يصاحب القيود المفروضة على المدى المتاح لسير المركبات.
كما أن البنية الأساسية للشحن هي عامل آخر من العوامل التي سيكون لها تأثير تحويلي بارز. ولا يتعلق الأمر فقط بزيادة عدد محطات الشحن، بل أيضًا بجعلها أسرع وأذكى وأكثر سهولة في الوصول إليها. تخيل أنك بدلا من أن تشحن سيارتك لمدة 20 دقيقة، وهو الأسرع المتوفر حاليا، يمكنك شحن بطاريتك خلال 10 أو 5 دقائق. ومع التقدم في الشحن اللاسلكي والسريع للغاية، فإن دمج شبكات الشحن الذكية التي تعمل على تحسين توزيع الطاقة من شأنه أن يخلق نظامًا سلسًا للمستخدمين ويخفف الضغط على شبكات الطاقة.
اقرأ أيضاًتقاريراليوم العالمي للأراضي الرطبة يرصد الترابط التاريخي بين الأراضي الرطبة وحياة الناس
*كيف يساعد تعزيز تكنولوجيا البطاريات في تطوير قطاع الطاقة في الولايات المتحدة والعالم؟
– هدفنا هو تقديم تقنيات متطورة إلى السوق وتوسيع نطاق التصنيع المحلي في الولايات المتحدة، والحد من الاعتماد على الواردات وتعزيز استقلال الطاقة. والتقنيات التي نطورها ليست مجرد منتجات، بل حلول لبعض التحديات الأكثر إلحاحًا في العالم، من الحد من انبعاثات الغاز المسببة للانحباس الحراري العالمي إلى تعزيز استقلال الطاقة.
ومن خلال بناء منشأة إنتاج حديثة بقدرة 150 ميغاوات في الساعة في كاليفورنيا، تساعد الشركة في إنشاء سلسلة توريد محلية قوية لبطاريات الليثيوم أيون. وعن طريق تقديم تقنيات متقدمة وصديقة للبيئة، تواصل الشركة إحراز تقدم كبير في مجال التنقل الكهربائي والتخزين عال الكثافة بهدف توفير الطاقة لمستقبل كهربائي `ومستدام وتصميم المنتجات لتطبيقات متنوعة، سواء من البطاريات عالية الأداء للدراجات الإلكترونية والمركبات الكهربائية إلى حلول تخزين الطاقة على نطاق شبكات الكهرباء.
ولا تقتصر البنية الأساسية للتنقل الكهربائي على الشحن فقط، بل تمتد إلى منظومة التصنيع وسلسلة التوريد. وبناء قدرات تصنيع محلية قوية للبطاريات أمر ضروري، خاصة في الولايات المتحدة، حيث لا تزال حصة الإنتاج العالمي للبطاريات ضئيلة مقارنة بالصين. ومن خلال توسيع الإنتاج المحلي، يمكن تقليل الاعتماد على الواردات، وخفض التكاليف، وخلق فرص عمل مع ضمان بناء التكنولوجيا وفقًا لأعلى المعايير. ويدعم هذا الجهد نمو التنقل الإلكتروني والهدف الأوسع المتمثل في الاستقلال في مجال الطاقة.
*كيف ترى حجم تأثير التغيرات في الإدارة الأميركية على مستقبل الطاقة النظيفة وكذلك الشركات الناشئة في هذا المجال؟
– لاشك أن بعض السياسيين يقللون من خطورة التغير المناخي على مستقبل كوكب الأرض ويتخذون قرارات تضر بقدر ما بالتقدم في هذا المجال، لكن بشكل عام فما يحدث يمكن اعتباره جزءا من حرب اقتصادية. وفيما يخص إنتاج بطاريات الليثيوم تحديدا، فإن الاقتصاد الأميركي يعتبر في حاجة ملحة لها، لأنه رغم اكتشافها أو اختراعها في الولايات المتحدة، إلا أن الصين هي من تسيطر على سوق إنتاجهاعالميا بنسبة قد تصل إلى 70٪ وبأسعار أقل من الجميع، نظرا لقدرتها على توفير ومعالجة جميع المواد الخام التي تدخل في تصنيعها، مثل الليثيوم والذي يأتي في الأساس من 3 دول هي الأرجنتين وتشيلي وأستراليا. ولذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية، التي تسيطر على 7٪ فقط من سوق إنتاج البطاريات عالميا، تحتاج لقرارات عاجلة لتوفير الإمدادات الكافية من بطاريات الليثيوم أيون التي تعتبر جزءا أساسيا من الحل للتحويل للطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية والوقود الأحفوري، وبالتالي أصبحت قضية أمن قومي.
ما أسباب ضعف اهتمام دولة مثل مصر بدعم البحث العلمي الخاص بالمناخ والبيئة وكذلك الشركات الناشئة في هذا المجال رغم أهميته؟
من واقع خبرتي، نجد أنه في الأعوام الأخيرة تولي الولايات المتحدة اهتماما ملحوظا بالشركات الناشئة في مجال البيئة، وهذا على عكس ما يحدث في دول شمال أفريقيا ومنها مصر. وسلطت دراسة صادرة عن البنك الدولي الضوء على ظاهرة غريبة جدا وهي أن معظم الناس في الوطن العربي يعتبرون أن الكوارث الناتجة عن تغير المناخ بعيدة عنهم وتخص الغرب، وهذا ليس صحيحا بالتأكيد، حيث رصد التقرير أنه بحلول عام 2050، سيكون هناك 13 مليون نازح في شمال أفريقيا بسبب تغير المناخ، وسيبلغ هذا الرقم 70 مليون نازح على مستوى القارة. لذلك فإن الهدف العالمي بتقليل الانبعاثات الكربونية جهد يجب أن تشارك فيه الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.
*كيف يمكن لدولة مثل مصر أن تخلق لنفسها دورا وتستفيد من الفرص الواعدة التي تقدمها صناعة بطاريات الليثيوم أيون؟
– بشكل واقعي، من الصعب على مصر منافسة الصين في عملية تصنيع البطارية، لكن مصر لديها ميزة مهمة جدا يمكنها استغلالها، وهي توفر الفوسفات، أحد المواد الخام التي تدخل في تصنيع البطاريات. ومن خلال هذه الميزة، يمكن لمصر جذب الشركات الصينية للاستثمار في إنشاء وحدات لتصنيع البطاريات محليا، وهذا بدوره يخلق فرص عمل لدعم الاقتصاد المصري، كما ستوفر فرصة لتدريب العقول المصرية للاستفادة من خبرات الصينيين في هذا المجال، وكذلك الحصول على هذه البطاريات بأسعار معقولة وتوريدها للشركات المصرية التي تسعى لتصنيع سيارات كهربائية.
*بالتأكيد يعتبر الكثيرون قصة نجاحك مصدر إلهام لهم، فكيف بدأت رحلتك من مصر إلى الولايات المتحدة؟
– رحلتي باختصار بدأت بعدما تخرجت من قسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام 2004، ثم تم تعييني معيدا لأني كنت الأول على دفعتي، وبعدها حصلت على الماجيستير من الجامعة نفسها في علوم النانو عام 2008، ثم انطلقت إلى الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا، بلوس أنجيليس تحديدا.
*كأحد العقول المهاجرة العربية إلى أميركا، ما رأيك في الجدل الدائر على تأشيرة “أتش 1 بي”، والتي يطالب الكثيرون بإلغائها؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة؟
– دعينا نتفق على أن أحد أهم الأسباب في تقدم الولايات المتحدة هي كونها تضم أكبر 10 شركات في العالم، وجميعها شركات “هاي تيك”، مثل أبل وغوغل ومايكروسوفت وأمازون وغيرها، والتي تعتمد بشكل شبه كلي على العقول الوافدة من مختلف دول العالم، والذين يشكلون ركيزة أساسية في الاقتصاد الأميركي الذي يعتبر مبنيا على دعم مثل هذه الشركات التي توفر فرص عمل في السوق الأميركي. وعلى سبيل المثال، فإن شركتنا “نانوتك إنيرجي” والتي تعتبر ناشئة خلقت بمفردها أكثر من 70 فرصة عمل لأميركيين وغيرهم، فما بالك بباقي الشركات التي تعمل في سيليكون فالي.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية بطاریات اللیثیوم أیون فی الولایات المتحدة التنقل الکهربائی فی مجال التنقل فی هذا المجال الاعتماد على تخزین الطاقة فی تطویر ومن خلال من خلال عمل فی
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: روسيا تحاول إنقاذ قواعدها في سوريا
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفيين بول سون وكريستينا غولدباوم قالا فيه إن وقت الرضوخ للواقع كان قد حان، ولذلك وصل وفد من الدبلوماسيين الروس، الثلاثاء الماضي، في قافلة من سيارات الدفع الرباعي البيضاء لحضور قمة في دمشق ومهمة لا يحسدون عليها: وضع الأساسات لاحتفاظ روسيا بقواعدها العسكرية في سوريا، بعد أقل من شهرين من إطاحة الثوار بالرجل القوي المفضل لدى موسكو، بشار الأسد.
وللقيام بذلك، كان الوفد في احتياج إلى كسب ود شعب قصفته القوات العسكرية الروسية بلا رحمة، وساعدت الأسد لسنوات.
وكان في انتظارهم أحمد الشرع، الذي نجا من عقد من الغارات الجوية الروسية ليبرز كزعيم مؤقت جديد لسوريا. ووقف في القصر الرئاسي وواجه مبعوثي الكرملين في مواجهة طال انتظارها.
وانتهت المحادثات التي تلت ذلك، وهي الأولى بين موسكو ودمشق منذ نهاية الحرب التي دامت قرابة أربعة عشر عاما، دون حل. ولكن هذه الاجتماعات مثلت بداية مفاوضات مطولة محتملة حول الدور الذي قد تلعبه روسيا، إن وجد، في سوريا ما بعد الحرب، بعد أن خسرت محاولتها لإبقاء الأسد في السلطة.
وقد أظهر الاجتماع نوع المقايضة الجيوسياسية التي بدأت في أعقاب الحرب الأهلية في سوريا - مع إمكانية إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
تتنافس القوى العالمية على النفوذ، بينما تحاول القيادة السورية الناشئة كسب الشرعية والأمن والمساعدات من خلال سياسة واقعية منضبطة وباردة.
وقال تشارلز ليستر، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "أعتقد أن الجو العام في دمشق هو: نحن السوريون لسنا بحاجة إلى قتال مع أي شخص في هذه المرحلة، بما في ذلك أعداءنا السابقين. لذا فإن خفض التصعيد والبراغماتية هما سمتي اللعبة".
ومع ذلك، طلب من الروس تقديم التنازلات. وأكد الشرع أن أي علاقات جديدة مع موسكو "يجب أن تعالج أخطاء الماضي"، وطلب تعويضا عن الدمار الذي أحدثته روسيا، كما قالت حكومته في بيان.
كما طالب الشرع موسكو بتسليم الأسد وكبار مساعديه لمواجهة العدالة، وفقا لمسؤولين في الحكومة المؤقتة على علم بالاجتماع.
من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وهو جاسوس سابق يقدر الولاء، لن يوافق على ذلك. وعندما سئل المتحدث باسم بوتين في اليوم التالي للاجتماع عما إذا كان الشرع قد طلب تسليم الأسد، رفض التعليق.
ومن ناحية أخرى، بدا الشرع منفتحا بشكل مدهش على التعاون مع روسيا، على عكس إيران، الحليف الرئيسي الآخر للأسد، والذي قالت السلطات الجديدة في دمشق إنه لم يعد موضع ترحيب في سوريا.
في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في أواخر كانون الأول/ ديسمبر، استشهد الشرع بـ "العلاقات الاستراتيجية الطويلة الأمد" بين سوريا وموسكو وقال إنه "ليس في عجلة من أمره لإخراج روسيا من سوريا، كما يتصور البعض".
وأشار في مقابلة منفصلة مع التلفزيون السعودي الحكومي إلى أن روسيا زودت الجيش السوري بالأسلحة لعقود من الزمن وتوفر الخبراء الذين يديرون محطات الطاقة في سوريا. والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن دمشق قد تحتاج إلى روسيا في المستقبل.
وقال ليستر عن الزعماء الجدد في سوريا: "إنهم في احتياج شديد إلى الشرعية والدعم الدولي. والتسبب في أي تمزق دولي كبير سيكون أسوأ ما قد يفكرون في القيام به".
وتقول حنا نوتي، المحللة في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، إن ما يحتاجه الشرع، إلى جانب الإمدادات المحتملة من النفط والحبوب من روسيا، هو ألا تلعب موسكو دور المفسد في جهوده لإعادة بناء سوريا وبناء حكومة.
وتضيف: "إن هذا البلد يبنى الآن سياسيا من الرماد". وأشارت إلى أن الروس أعضاء دائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويمكنهم إعاقة الشرع بعدة طرق، إذا قرروا عدم "التعاطف السياسي".
وقد أشار الشرع نفسه إلى أن روسيا تعتبر ثاني أقوى جيش في العالم، وقال إن حكومته التي تشكلت حديثا ليست في وضع يسمح لها بمعارضة القوى الكبرى.
وفي الاجتماع، حيث مثل روسيا مبعوثها الأعلى إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، لم يبد أي من الجانبين في عجلة من أمره لاتخاذ أي قرارات كبيرة. إن ما يطلبه بقية العالم، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والسعودية، من القادة الجدد في سوريا قد يؤثر أيضا على مصير روسيا.
ففي الأسابيع الأخيرة، وصلت مجموعة من الدبلوماسيين من تلك الدول وغيرها إلى دمشق للقاء الشرع.
تريد روسيا الاحتفاظ بقاعدتها البحرية على البحر الأبيض المتوسط في طرطوس، والتي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفييتية. كما تسعى إلى الحفاظ على قاعدة حميميم الجوية خارج اللاذقية، والتي استخدمتها موسكو كمركز للإمداد والتوقف للعمليات الاستكشافية في أفريقيا. وحتى الآن، لم تقل السلطات السورية الجديدة لا، وبقيت روسيا على حالها، على الرغم من نقل المعدات العسكرية من القواعد.
وقد قوبل الخطاب البراغماتي السوري بالمثل في موسكو.
بعد سنوات من الدفاع عن نظام الأسد في ساحة المعركة وفي الأمم المتحدة، حول القادة الروس خسارة حليفهم القديم إلى انتصار ومدوا غصن الزيتون للسلطات الجديدة، التي طالما أدانتها موسكو باعتبارها إرهابية.
قالت نوتي: "أود أن أسميها انتهازية مرتجلة. إنه تحول ملحوظ للغاية".
قال بوتين، متحدثا في كانون الأول/ ديسمبر في مؤتمره الصحفي السنوي، إن روسيا فازت، بدلا من أن تخسر، في سوريا، لأن موسكو منعت البلاد من أن تصبح جيبا إرهابيا. وقال إنه لم ير الأسد حتى الآن، رغم أنه تعهد بلقائه في مرحلة ما. ومن غير الواضح ما إذا كانا قد التقيا منذ ذلك الحين.
وعرض الزعيم الروسي استخدام القواعد الروسية لتسليم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، الذي كان قبل أسابيع فقط يقاوم الضربات الجوية الروسية.
وقال إنه سيحتفظ بوجود روسيا هناك، فقط إذا كانت مصالح موسكو تتوافق مع مصالح القوى السياسية التي تولت السلطة.
في الأمم المتحدة، قال السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا في كانون الثاني/ يناير إن تلك القوى "تتصرف بكفاءة تامة". وأكد أن الصداقة بين روسيا وسوريا "ليست مرتبطة بأي نظام".
كانت البدلة الزرقاء وربطة العنق التي ارتداها الشرع في الاجتماع مع المبعوثين الروس تتناقض مع ماضيه كمقاتل في تنظيم القاعدة تحول إلى زعيم للثوار الإسلاميين. وكذلك كانت خطاباته غير المتحدية في الفترة التي سبقت المحادثات، واستعداده المعلن لتسوية الأمور مع أعدائه السابقين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
في كانون الأول/ ديسمبر، استقبل الشرع وفدا رفيع المستوى من وزارة الخارجية الأمريكية، على الرغم من أنه قضى ذات مرة فترة في العراق مسجونا لدى القوات الأمريكية، وتم تصنيفه كإرهابي من قبل الحكومة الأمريكية مع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار. (سحبت واشنطن المكافأة بعد المحادثات).
يحتاج الشرع إلى تخفيف العقوبات من الولايات المتحدة، فضلا عن دعم واشنطن في مجلس الأمن، حتى تتمكن سوريا من البدء في التعافي الاقتصادي والوصول إلى المساعدات الدولية.
ولا تزال الولايات المتحدة لديها قوات على الأرض، تدعم القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا والتي لا يسيطر عليها الشرع. وقد أعرب عن رغبته في الحفاظ على البلاد كاملة، والتي تشمل تلك المنطقة، حيث دعمت واشنطن القوات المحلية لتدمير تنظيم الدولة.
زار مسؤولون أوروبيون دمشق وعرضوا مسارا لتخفيف العقوبات، لكنهم أوضحوا أنهم لن يوافقوا على الاحتفاظ بوجود عسكري روسي في البلاد.
ومن غير الواضح كيف ستتعامل إدارة ترامب مع هذه المسألة. في كانون الأول/ ديسمبر، ومع سقوط نظام الأسد، قال ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي إن الحرب في سوريا "ليست معركتنا" وأن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن يكون لها أي علاقة بها.
إن مسألة مصير الأسد تزيد من الطبيعة الدقيقة للمفاوضات بين موسكو ودمشق.
لا يزال الشرع يحاول ترسيخ الشرعية بين الشعب السوري والمجموعات السورية المختلفة، وقد يقوض التوصل إلى اتفاق مع روسيا بينما تؤوي الرجل القوي الذي قتل العديد من السوريين مكانته. وهذا أحد الأسباب التي قد تجعل تأخير أي التزام تجاه موسكو أمرا منطقيا.
وصف ليستر طلب الأسد بأنه مطلب افتتاحي متطرف، وهو سمة من سمات المفاوضات في مرحلة مبكرة.
وقال ليستر: "إنه يضرب الهدف من حيث وضع المبدأ: 'قد نكون على استعداد لأن نكون عمليين اليوم، لكننا لم ننس التاريخ'. إن تواطؤ روسيا في جميع أشكال جرائم الحرب في سوريا ليس شيئا سوف ينساه السوريون في أي وقت قريب".
في داخل سوريا، لا يزال الشرع يلاحق فلول قوة نظام الأسد لتعزيز السيطرة. ومن الممكن أن تجعل موسكو هذه المهمة أكثر صعوبة.
ورغم أن خسارة القواعد في سوريا من شأنها أن تضعف قوة روسيا في المنطقة، فإن موسكو ربما لديها خيارات أخرى. فدعم الكرملين للزعيم العسكري في شرق ليبيا من الممكن أن يوفر موقعا بديلا لقاعدة بحرية روسية على البحر الأبيض المتوسط. وبالفعل، كانت روسيا تستخدم القواعد الجوية الليبية للرحلات الجوية.
وقد لا يتم حل وضع القواعد الروسية في سوريا قريبا.
وقال أنطون مارداسوف، الخبير الروسي في الشؤون العسكرية الذي يركز على سوريا: "أعتقد أن كلا الجانبين يستفيدان من تأخير المفاوضات بشأن مصير القواعد".
وبالتالي، تستطيع موسكو الحفاظ على صورتها، لأنها تمكنت بالفعل من الصمود لأطول فترة ممكنة وعدم المغادرة فور سقوط نظام الأسد، ويمكن لدمشق الآن التفاوض على رفع العقوبات".