صلاح شعيب

من بين الرواد الأحياء من المغنين – أمد الله في أعمارهم – شرحبيل أحمد، والطيب عبدالله، وأبو عركي البخيت، وصلاح مصطفى، وعبد القادر سالم، والتاج مكي، وسمية حسن، والنور الجيلاني، والجيلاني الواثق، وصديق أحمد، وآخرون. ومع تفاوت التزام هؤلاء الفنانين جانب المصلحة الوطنية فقد تعلمنا منهم حب الحق، والخير، والجمال.

وعرفونا بقيمة الانتماء للوطن، والوفاء له، والزود عن حياضه بالحراك المدني. إنهم كانوا، وما يزالوا، مهذبين في مسلك حياتهم. معظمهم لم يهرول لإثبات وطنيته للوقوف المنافق مع مخططات الكيزان. بل إنهم كانوا يقدرون قيمة الفنان، والفن. ولذلك كانوا قمماً في الرهافة، والأناقة، والنبل، والإضافة الفنية.
فكل واحد من هؤلاء الفنانين ينعكس الوطن الجميل في شخصه، وغنائه، ومواقفه من المساهمة الثقافية في التجريب الغنائي، وتمثل روح البيئة إبداعياً. بالكاد يتمنون في قرارة أنفسهم الآن أن تتوقف الحرب، ويعودوا لبلادهم التي حلموا بأن يرونها شامخة، ومستقرة، ومتقدمة، وسط الأوطان. وليتذكروا تلك الأيام التي عاشوها حينما كان حبهم السودان، وغايتهم إسعاد مواطنينه، والرقي بالفن حلمهم، والوصول به إلى أعلى درجات التفنن همهم الأول. إنهم عباقرة للموسيقى، والكلمة الرقيقة، والأداء المتبتل. محترمون بهندامهم، وأخلاقهم الرفيعة، وحيائهم الملحوظ، وتواضعهم الجم. إنهم لم يتوقعوا بأن تسقط راية كرومة وسرور التي حملوها في غناء مبتذل، ولم يتوقعوا أن يتسلم الراية مغنو ومغنيات الثلاث بخرات الذين يتاجرون بالمنحط من الغناء، وهم من بعد أنصاف مواهب يقعون في حبائل الكيزان لإفساد الذوق الجمعي.
لم يتبرج فنانونا الافاضل في الخارج لشريف مكة، أو نيجيريا. وما عظموا خارج بلادهم إلا الصورة المشرقة للسوداني، وفنه الخماسي الذي يعرف بنا. ولهذا حازوا على قلوب مواطني الحزام السوداني، والقرن الأفريقي، وعربياً ودولياً أظهروا خصوصية النغم السوداني الذي هو جماع روح قومياته.
لقد قلبت الإنقاذ المعادلة فصار الفن مدخلاً لأنصاف المواهب الذين تدنوا بقيمة الكلمة، وشتروا اللحن، وصار المغني الذي يسترزق بأعمال من سبقوه أعلى قيمة من صاحب العمل الأصلي. فإعلام النظام الإسلاموي زاد الساحة الفنية ابتذالاً فوق ابتذال، فظهر الفرافير، والطراطير، والزرازير، كما قال لي وردي في حوار صحفي مطول. فقد رشت الحركة الإسلامية فناني الدرجة الثالثة، ورفعت أسهمهم في محاولة لضرب قيمة الغناء السوداني المتعدد، واستهداف الفن الأصيل الذي لا يتماشى مع برنامجها الضيق مواعينه. فقد أرادوا أن تكون قيمة الفنان بمدى قربه من التطبيل لنظامهم الخرب. ولذلك فشلت أغنية الأسلمة التي جاء بها شنان، ومحمد بخيت، وبقي الذوق السوداني عصياً على الاختراق بأنغام مكرورة، وشعر مصنوع لا قيمة له، وأصوات لا تثير طرباً.
في الوقت الذي يبحث فيه فنان قامة مثل شرحبيل احمد عن ملاذ آمن يأويه في غربته الآن يفرش جيش الكيزان البساط الأحمر في مطار بورتسودان لمغنين ومغنيات يفتقدون القيمة الإضافية للفن. وبينما يعض فنان مثل الطيب عبدالله بنان الندم على انحطاط إرث بلاده الفني لاحظنا أن نظام بورتيكيزان يحتفي بشخصيات فنية منحطة في سلوكها، وضعيفه في محتواها النغمي. وفي وقت يتمترس الفنان القامة أبو عركي البخيت في منزله صابراً على تآمر ضرب الثورة التي غنى لها، يخرج لنا فنان بلا قيمة ليغني بزمن فارق شعراً مكسراً، وألحاناً مسروقة، تمجد الجيش الذي عرد قادته، وجنوده، لخمس دول، وفضلوا عدم العودة.
يا لخيبة هؤلاء المغنين الذين بعضهم من الجواسيس الذين لا أرضاً قطعوا، ولا ظهرا أبقوا فهزمتهم موالات الثوار، وهي تشق عنان السماء في ميدان الاعتصام، وشارع الأربعين، وشارع الستين. إنهم استمروا في التجسس على زملائهم، واستقطابهم لموائد نظام الحركة الإسلامية بينما فضل البعض الآخر أن يغني لحملات المجرم صلاح قرش الذي قتل أمنه الشرفاء من أبناء الشعب المناضل الثائر.
لقد تدهور الغناء في بلادنا بعد دخولنا زمن الحركة الإسلامية المتسلطة، والتي لم تنجب من صلبها مفكراً أو فنانا، أو رساماً، أو ناقداً، أو مسرحياً، أو درامياً، أو روائياً بقيمة تتجاوز المطروح في الساحة الثقافية. والحقيقة أن فاقد الشيء لا يعطيه. فالتنظيم الذي يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، ويبقى كادره عبداً لمرشده، وأمرائه الدينيين، لن يستطيع أن يصنع الفنان، والذي من أهم سيمائه التغريد خارج السرب ليضيف المعرفة الإبداعية في المجالات التي يحترفها. ولا فن تليد بلا رؤية متمايزة عن السائد.
إن مغنيي الجيش الذين ينفخون في نيران الحرب، ويحمل بعضهم رشاشه لقتل الإنسان مجرد أشخاص عاجزين عن القيام بالمهنة العظيمة. فالفنان رقيق بطبعه، وشفاف في حسه، وأداته القلم، والفرشاة، والصوت، والحركة، ومتى عجز خياله في أن يستخدم هذه الملكات للتغيير، وصنع التقدم، والسلام، ويتظاهر مداهناً أمام الكاميرات بحمل السلاح أدرك أنه يريد أن يخلط فشله الفني بأدوار مهنيين آخرين حتى يكمل نقصه الإبداعي، والذي لم يحرك الطاقات نحو مواقع العمل، والفداء، والتضحية.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

الادعاء العام.. حماية للوطن وصون للحقوق

 

 

 

ناصر بن حمد العبري

شهد المؤتمر السنوي للادعاء العام في سلطنة عمان نقاشات معمقة حول دور الادعاء العام في ترسيخ العدالة وتعزيز سيادة القانون؛ حيث جرى تسليط الضوء على الجهود الكبيرة التي يبذلها هذا الجهاز في التصدي للتحديات القانونية وحماية الأمن المجتمعي.

وأكد المسؤولون في المؤتمر أن الادعاء العام يعمل بفاعلية على رصد وتحليل كل ما يُنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال فرق متخصصة، وذلك لضمان عدم المساس بأمن الوطن أو التأثير على وحدة النسيج الاجتماعي. كما شدد المسؤولون على أن أي محاولة للإساءة إلى منجزات السلطنة والتقليل من جهود مؤسساتها سيتم التعامل معها وفق الأطر القانونية المعمول بها.

وتأتي هذه الجهود في إطار حرص الادعاء العام على تحقيق العدالة وحماية الحقوق، مع ضمان حرية الرأي والتعبير ضمن الحدود القانونية التي تحافظ على استقرار المجتمع. وقد لاقت هذه الإجراءات إشادة واسعة من مختلف فئات المجتمع، التي ترى في الادعاء العام صمام أمان يحقق التوازن بين حماية الوطن وصون الحريات.

إنَّ ما يقوم به الادعاء العام يعكس التزام سلطنة عمان بسيادة القانون، ويؤكد أن العدالة ستظل الركيزة الأساسية لضمان الأمن والاستقرار، في ظل نهج يعزز الشفافية ويعكس رؤية عُمان نحو مستقبل أكثر أمانًا وعدالة، تحت الرعاية الكريمة السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- وجميع المؤسسات القضائية وأجهزتنا الأمنية المخلصة لهذا الوطن العزيز، بما يضمن صون مكتسباته وصون حقوق المواطن والمقيم على حدٍ سواء.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • فنانون يحاكون الطبيعة.. يسرا ومنى زكي في إطلالات جديدة |شاهد
  • الادعاء العام.. حماية للوطن وصون للحقوق
  • 461 من الحريديم ينضمون لجيش الاحتلال من أصل 3 آلاف
  • ذبح البراءيين الداعشي رسالة لاستئناف الاستبداد والإرهاب
  • ذبح البراءيين الداعشي رسالة لاستئناف الاستبداد والإرهاب 
  • قصة أسيرين التقيا أولادهما الذين أنجبوا بنطف مهربة
  • مستقبل الزخرفة الإسلامية بين الأصالة والتطور في ظل التكنولوجيا
  • شاهد بالفيديو.. الفنان السعودي الكبير محمد عبده يتغنى برائعة الشاعر السوداني إدريس جماع والفنان سيد خليفة (أعلى الجمال تغار منا)
  • شيخ العقل زار حاصبيا وقرى حدودية جنوبية: نثق بالجيش كقوة للوطن