التنمية وحوار بغداد الدولي
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
فبراير 4, 2025آخر تحديث: فبراير 4, 2025
د. محمد وليد صالح
كاتب عراقي
مشروع (طريق التنمية) الستراتيجي أعلنته الحكومة الرابط بين ميناء الفاو الكبير وتركيا، ليصبح العراق مركز نقل إقليمي بين أوروبا والخليج بواسطة خطة طموحة لتطوير بنيته التحتية للسكك الحديدية والطرق البرية البالغ طولها ألف ومئتين كيلو متر، على وفق رؤية بناء اقتصاد مستدام لا يعتمد على النفط ويساهم في التكامل بين الشرق الأوسط والقارة الأوربية بمشاركة دولة تركيا وقطر والإمارات والسعودية وإيران والأردن والكويت والبحرين.
يأتي مؤتمر حوار بغداد الدولي بنسخته السابعة لقاء بين نخبة من الباحثين والمفكرين وصنّاع الرأي والقرار لوضع الحلول المثلى والعملية والمناسبة للتواصل من أجل التنمية والاستقرار الإقليمي، وتقديم رؤية المعهد العراقي للحوار في تعزيز التعاون لمستقبل مزدهر.
فالبعد السياسي شمل على احتمالات التحالفات السياسية لطريق التنمية والحياد السياسي والنفوذ الإيجابي وتعزيز الحوار الديمقراطي والتنمية المستدامة بالمشاركة، والتكامل في تجارب الإدارة على المستوى المحلي، والبعد الاقتصادي تضمن النمو والتكامل الاقتصادي والتشاركية في تطوير القطاع الصناعي وأمن المياه والاستدامة الخضراء، فضلاً عن الهجرة المحتملة وإعادة البناء الديمغرافي بتحويل التهديدات إلى فرص، وحرية الحركة والمخاطر الاجتماعية الأمنية مثل الجريمة العابرة للحدود وتجارة الممنوعات والتهريب وآثار هذه المخاطر، وضمن البعد الاجتماعي تعزيز التلاقح الثقافي.
ان التغييرات الأساسية في شكل النظام الدولي ومفهوم الدول القائدة له، وأثر أمن الطاقة في مستقبل النظام الدولي، على وفق مسارات تحوّل العراق إذ يتطلب الحفاظ على استقلاليته كفاعل إقليمي صياغة استراتيجية فعّالة لتحقيق الاستقرار الداخلي وجعله قبلة للاستثمار الاقتصادي العالمي.
تكشف متابعة الشأن العراقي عن هذا التحوّل الفاعل في طبيعة واقعه الاقتصادي والسياسي والأمني والثقافي، عن طريق علاقاته الخارجية والتطلع إلى آفاق المستقبل، فضلاً عن التعرف على طبيعة العلاقات الثنائية بين القوى العالمية الصاعدة الجديدة ومواقفها تجاه أزمات دول منطقة الشرق الأوسط وصراعاتها، وتحليل سياسات واستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وأوربا مع بروز التحالفات، وبما يعزز توضيح الصورة الإجمالية للعلاقات العربية الإقليمية بهدف فهم ديناميكيات الأحداث وتأثيرها في النظام الدولي وانعكاساتها، وكذلك المشكلات الناجمة عن الصراع الدولي وأبعادها المختلفة وحيثياتها السياسية والأمنية والاقتصادية.
من ذلك يتوجب العمل على وضع اجراءات كفيلة وقادرة على إحداث التحوّل لإرساء دولة تنموية فاعلة ذات مسؤولية اجتماعية، والتحري عن خطط مواجهة هذه التحوّلات، بواسطة استراتيجيات أكثر فعّالية ترتكز على عناصر استقرار متعددة الجنسيات، والعراق الآن مقبل على استضافة أعمال القمة العربية في بغداد، هذه المبادأة تؤشر حجم التحديات التي تواجهها دول المنطقة في علاقاتها الثنائية لتكامل ملف الاقتصاد والاستثمار.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة.. التحدّي الاقتصادي قد يُخرج الأمور عن السيطرة
في عملية استثنائية في كل المقاييس، استطاعت المعارضة السورية الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي محقّقة انتصاراً مبهراً بأقل الخسائر الممكنة مع تفادي تدمير واسع وممنهج للبلاد أو إراقة للدماء او فتنة طائفية أو عرقية. تمّ التعامل مع الأحداث بمسؤولية عالية وحكمة فريدة غالبا ما تُفتقد في العالم العربي والإسلامي، وتمّ فتح الباب أمام عمليات تسوية أوضاع لأنصار نظام الأسد، ومد اليد للمصالحة مع من لم يتورطوا بسفك الدماء، ذلك من موقف القوّة وليس الضعف.
لكن الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.
خلال الأسبوع المنصرم، نصبت عصابة من فلول نظام الأسد المخلوع كمينا مسلّحاً في اللاذقية قتلت فيه 16 عنصرا من أفراد الأمن العام السوري، وذلك بالتزامن مع ازدياد التوترات الأمنيّة الملحوظة بعد إعلان الضابط السابق في جيش النظام المخلوع، غياث دلا، تأسيس ما سماه "المجلس العسكري لتحرير سوريا" الذي يضم عدد من قادة فلول عصابات النظام السابق مدعومة من إيران وأذرعها.
الوضع الحالي، وإن شهد تقدّماً سريعاً على أكثر من مستوى، لاسيما من الناحية السياسية، إلاّ أنّه يواجه تحدّيات متزايدة على أكثر من صعيد، حيث تتعاظم هذه التحديات بشكل متوازٍ في آن معاً، مهدّدة بإمكانية الخروج عن السيطرة. ولعل من أبرز هذه التحدّيات، الوضع الأمني الداخلي، والعامل الإسرائيلي، وإمكانية عودّة إيران من بوّابة عدم الاستقرار، وعودة الاستقطاب الدولي حول سوريا.عودة فلول النظام لاسيما من الأقلّية العلويّة لتنفيذ الكمائن في شمال شرق سوريا ضد قوات الأمن الرسمية، غالباً بتوظيف إيراني، ورفض ميليشيات "واي بي جي" الكردية حلّ نفسها واندماجها في الجيش الوطني السوري، ومواصلة تحدّي الحكومة السورية والسيطرة على جزء كبير من موارد البلاد الرئيسية يعدّ من التحديات الرئيسية في البلاد.
الاحتلال الإسرائيلي، وتحريض إسرائيل على الفتنة الداخلية من خلال ادعائها تبنّي بعض الأقليات في الجنوب والشمال كالدروز والأكراد يصّب في نفس الإطار ويخدم نفس الأهداف، لاسيما مع انفتاح بعض العناصر والجماعات التي تنتمي الى الأقليات المذكورة على الحصول على دعم من إسرائيل أو إيران أو أي طرف يريد أنّ يدعم، وهو امر لا يجب الاستهانة به.
وبموازاة ذلك، يفرض التحدّي الاقتصادي نفسه كأولوية على الحكومة السوريّة والسوريين جميعاً. بقاء العقوبات مع السماح ببعض الاستثناءات لا يغيّر الوضع بشكل كبير، وليس كافياً ليعطي سوريا الدفعة الاقتصادية التي تحتاجها في هذا التوقيت لإعادة لملمة البلاد. محاولة استثمار هذه العقوبات من قبل الدول الغربية كأداة للضغط او الابتزاز وإعادة رسم مسار سوريا المستقبلي من شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً، وان يعيد التنافس الدولي على سوريا الى الساحة مجدّداً مع ما يستتبع ذلك من حالة استقطاب وصراع عليها.
بعض الدول الخليجية التي كانت قد وعدت بارسال دعم اقتصادي الى سوريا الجديد تواجه أيضا مشكلة ان يتعارض ذلك مع العقوبات المفروضة من الجانب الأمريكي. عدم وصول الدعم سيشكّل عقبة كبيرة أمام جهود إستيعاب الوضع الاقتصادي والإجتماعي للسوريين. وإذا ما فشلت الحكومة من الناحية الاقتصادية، فلن ينفعها تحقيق أي تقدّم على المستوى السياسي والأمني، بل أنّ المتوقّع أنّه يؤدي التدهور الاقتصادي، إن حصل، الى تسريع وتيرة الإنهيار الأمني، الامر الذي قد يدفع الأمور للخروج عن السيطرة.
هناك جيوش من الموظفين في عدد من القطاعات الرئيسية في البلاد لن تكون قادرة على الاستمرار، وسيتسبب الوضع الاقتصادي في تململ شرائح واسعة من الشعب السوري، وهو ما سيزيد من زعزعة الوضع العام الذي لا يزال هشّاً، وقد ينعكس بالضرورة كذلك على الوضع السياسي والأمني في البلاد وسهّل للمجموعات الخارجة على القانون أو الانقلابين المحتملين إعادة ترتيب صفوفهم وكسب المزيد من الأتباع والأنصار لاسيما على خطوط الإنقسام الطائفية والإثنية التي يتم الاستثمار فيها من قبل المتضرّرين من سقوط نظام الأسد في شمال بلاد وجنوبها.
بينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة..
مثل هذا الوضع المحتمل قد يطرح علامات استفهام على مدى قدرة العناصر الأمنيّة على ضبط الوضع في مثل هذه الحالة في عموم البلاد، وقد تستغل القوى الخارجية التدهور الاقتصادي على الأرجح لتعزّز من تواجدها ونفوذها من خلال شراء الولاء أو نشر الفرقة. هذا السيناريو يعزّز من فرص زيادة النفوذ الإسرائيلي وعودة النفوذ الإيراني –وإن بشكل تعطيلي-، وسيكون هناك لائحة طويلة من الدول المتضررة على رأسها تركيا، وذلك الدول العربية التي سيكون لديها الكثير لتخسر.
وبينما من المهم أن يتم التقدّم في سوريا على جميع المستويات التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، من المهم كذلك إيلاء الوضع الاقتصادي والإجتماعي الأولوية في هذه المرحلة ذلك أنّه بغض النظر عن التقدّم الذي من الممكن إحرازه سياسياً وأمنيّاً خلال هذه المرحلة، فإنّه ما لم يتم التصدّي للوضع الاقتصادي بشكل عاجل وصحيح، فإنّه سيترك تأثيره المدمّر عاجلاً أم آجلا على باقي القطاعات والمستويات بما في ذلك المستوى السياسي والأمني في البلاد. ولذلك، فعلى الدول المستفيدة من التحوّل الذي حصل مع الإطاحة بنظام الأسد أن تدلو بدلوها، وأنّ تعزّز دورها في دعم سوريا مالياً وإقتصادياً لتحقيق الاستقرار المطلوب للدفع بالوضع السياسي والأمني قًدماً الى الامام.