إيران وأميركا في الولاية الثانية لترامب: عقوبات أم مسار جديد؟
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
تعتبر الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب -في ولايته الثانية – مع الأزمة النووية الإيرانية ذات أهمية حاسمة من حيث الديناميكيات الإقليمية.
خلال فترة الانتخابات الرئاسية، بعث ترامب برسائل إيجابية لكل من العالم وإيران. فكانت رسالته إلى العالم مفادها: "أنا من سيمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة"، بينما وجه إلى إيران رسالة قال فيها: "لا أريد أن أؤذيك".
وقد ردت إيران على هذه الرسائل الإيجابية بنفس الروح. حيث صرّح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، قائلًا: "نأمل أن يفي ترامب بوعده بشأن تجنب الحروب".
وفي حديثه خلال اجتماع، عقد في معهد IRAS يوم الأربعاء 29 يناير/ كانون الثاني 2025، تحت عنوان: "منظور التطورات الإقليمية والعالمية في عهد ترامب"، قيّم جواد ظريف موقف ترامب حتى الآن بأنه "ليس إيجابيًا جدًا، لكنه أيضًا ليس سلبيًا جدًا"، وقال: "قد لا يؤمن ترامب بأن إيران تتجه نحو امتلاك سلاح نووي، ويريد إبرام اتفاق مع إيران لمنع هذا الخطر"، وهو ما يشير إلى أن طهران تستعد لاستئناف المفاوضات النووية في عهد ترامب.
وفي حين أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وأعضاء حكومته يؤيدون بدء عملية تفاوض نووي جديدة مع الولايات المتحدة، فإن موقف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، والقادة المحافظين تجاه عملية التفاوض، كان باردًا بشكل ملحوظ.
إعلانفبعد انسحاب ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي في عام 2018، أدلى آية الله خامنئي بتصريح لافت، حيث رفض المفاوضات مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الحالية، قائلًا في خطابه في أغسطس/ آب 2018: "لقد ارتكبنا خطأ خلال مفاوضات الاتفاق النووي".
ففي تصريح نشرته وكالات الأنباء الإيرانية أولًا ثم حُذف لاحقًا من الأخبار، قال آية الله خامنئي: "مفاوضات الاتفاق النووي كانت خطأ. لقد ارتكبت أخطاء في المفاوضات، وبناءً على إصرار المسؤولين، سمحت بهذه المحاولة التي تجاوزت الخطوط الحمراء المحددة".
استمر آية الله خامنئي في تبني موقف صارم ضد المفاوضات النووية لفترة طويلة، لكنه بعد سنوات، في 11 يونيو/ حزيران 2023، استقبل وفدًا من العلماء النوويين الإيرانيين، ثم أبدى موقفًا أكثر ليونة تجاه المفاوضات النووية مقارنة بمواقفه السابقة.
ومع انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان، رئيسًا لإيران، بعد وفاة سلفه إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، وتعيين جواد ظريف -مهندس الاتفاق النووي السابق – نائبًا له، أدى ذلك إلى زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، رافائيل ماريانو غروسي، لإيران بعد سنوات من القطيعة.
وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2025، ألقى قائد الثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، خطابًا بمناسبة ذكرى بعثة النبي محمد، بحضور مسؤولي الحكومة والدولة وسفراء الدول الإسلامية.
وصرَّح خلال كلمته قائلًا: "خلف ابتسامات الدبلوماسية تختبئ دائمًا العداوات والضغائن الشيطانية. يجب أن نفتح أعيننا وننتبه إلى من نواجهه، ومع من نتعامل، ومع من نتحدث. عندما يعرف الشخص خصمه، يمكنه التفاوض، لكنه يعلم ما يجب فعله. وبالتالي يجب علينا أيضًا أن نعرف وندرك".
وفُسرت هذه التصريحات على أنها دعم مشروط من خامنئي لحكومة بزشكيان فيما يتعلق بالمفاوضات النووية المرتقبة مع إدارة ترامب.
إعلان سياسة الضغط الأقصى أم طريق جديد؟بدأت "سياسة الضغط الأقصى" في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، واستمرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذي لم يلغِ العقوبات، بل زادها في بعض المجالات، بما في ذلك العقوبات الفردية، وقد صرحت وزيرة الخزانة الأميركية في إدارة بايدن، جانيت يلين، بأن سياسة العقوبات تلك لم تُغير سلوك إيران المزعزع للاستقرار.
وبعد إعادة انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، صرّح المهندس الرئيسي لسياسة الضغط الأقصى، المبعوث الأميركي السابق الخاص لإيران برايان هوك، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بأن "سياسة الضغط الأقصى قد عادت، لكنها لا تهدف إلى تغيير النظام في إيران".
ورغم إعلان برايان هوك عن عودة هذه السياسة، فإن مواقف بقية أعضاء فريق الأمن القومي لترامب بشأن كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني لا تزال غير واضحة تمامًا.
وفي حين أن سياسة الضغط الأقصى، قد تدفع إيران إلى قبول اتفاق نووي جديد أو تقييد أنشطتها النووية، إلا أنها تحمل أيضًا عواقب خطيرة على أسواق النفط العالمية، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية على نطاق أوسع.
وحتى لو فضلت إدارة ترامب التفاوض مع إيران بدلًا من سياسة الضغط الأقصى، فلن يكون هذا المسار سهلًا. فعندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، الذي وقعه باراك أوباما، عام 2018، وصف الاتفاق بأنه "أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة"، وأعلن عزمه على التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران.
لكنه في حال قرر التفاوض مع إيران، فمن المرجح ألا تقتصر المفاوضات على البرنامج النووي فقط، بل قد تشمل أيضًا برنامج الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية لإيران.
وإيران من جانبها، ترفض منذ عام 2013 التفاوض على أي موضوع غير نووي، وأكدت مرارًا أنها لن تقبل بأن تكون سياساتها الإقليمية جزءًا من أي مفاوضات. لذلك، فإن إصرار الولايات المتحدة على إدراج هذه القضايا قد يُعرقل التوصل إلى اتفاق جديد.
إعلانفي مثل هذا السيناريو، قد تستخدم الولايات المتحدة سياسة الضغط الأقصى كأداة ضغط لإجبار إيران على قبول إدراج القضايا غير النووية ضمن المفاوضات. وإلا فإن ذلك الضغط الأقصى قد يثير موجة من الاحتجاجات الاقتصادية داخل إيران، مثل تلك التي اندلعت في 2018 و2019 بسبب التدهور الاقتصادي.
وبالتالي، فإن إدارة ترامب تملك خيارين أساسيين في تعاملها مع إيران؛ اتباع سياسة الضغط الأقصى لإجبار طهران على تقديم تنازلات في المفاوضات، أو استخدام ذلك الضغط الأقصى كورقة مساومة أثناء المفاوضات، لدفع إيران إلى قبول شروط أميركية أوسع تتجاوز الملف النووي.
أزمة الثقةأكبر عائق أمام استئناف المفاوضات النووية المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، هو أزمة الثقة العميقة بين الطرفين؛ فإيران لا تحمل ذكريات جيدة عن فترة ترامب الأولى. إذ لم يكتفِ بالانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما، بل أدرج في عام 2019 الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية، وأصدر في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 أمرًا باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني.
وردًا على هذه الخطوات، طلبت إيران، في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، قبل وقت قصير من انتهاء ولاية ترامب، إصدار نشرة حمراء من الإنتربول ضد ترامب و48 مسؤولًا أميركيًا بتهمة التورط في اغتيال سليماني.
واحدة من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في 2021-2022 بوساطة عمانية، كانت مخاوف إيران من أن أي اتفاق يُتَوَصَّل إليه خلال رئاسة بايدن قد يُتَخَلّى عنه إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن في الوضع الحالي، يُنظر إلى تأكيد ترامب بأنه لن ينسحب من أي اتفاق قد تعقده إدارته مع إيران على أنه عامل إيجابي يعزز موقف طهران تجاه المفاوضات.
إعلانكذلك كانت قضية الثقة بين طهران وواشنطن ضمن أولويات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي شدد على أهمية وجود ضمانات قوية لاستدامة أي اتفاق مستقبلي بين الطرفين.
وردًا على سؤال صحفي حول ما إذا كان ترامب قد أرسل رسالة إلى إيران بشأن المفاوضات، أجاب: "لقد توصلنا إلى اتفاق سابقًا، لكنهم أخلّوا به. الآن هناك حالة من انعدام الثقة، وهذه الثقة لا تُستعاد بالكلمات الطيبة فقط، بل يجب أن نرى الأداء على أرض الواقع".
بهذا التصريح، أوضح عراقجي مدى عمق أزمة الثقة بين الطرفين، مما يجعل استئناف المفاوضات أكثر تعقيدًا.
ورغم أن هناك عقبات كثيرة متعلقة بالماضي قد تؤثر سلبًا على استئناف المفاوضات النووية، فإن هناك أسبابًا إقليمية ودولية قد تدفع البلدين إلى العودة إلى طاولة التفاوض.
وربما يكون الحل لتخفيف أزمة الثقة بين البلدين هو اتخاذ خطوات جريئة متبادلة.
ووفقًا لمصدر مقرب من مكتب المرشد الأعلى آية الله خامنئي، فإن إيران تناقش اقتراحًا لتقديم عرض دبلوماسي إلى واشنطن، يتمثل في إقامة علاقات دبلوماسية محدودة تقتصر فقط على تقديم الخدمات القنصلية، كإشارة إلى جدية إيران ورغبتها الصادقة في حل الخلافات، وبدء المفاوضات النووية.
وبالنظر إلى أن أجندة ترامب السياسية مليئة بالمفاجآت وتركّز على مواجهة الصين، فإن وجود عروض مماثلة من جانبه لن يكون أمرًا مستبعدًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سیاسة الضغط الأقصى المفاوضات النوویة الولایات المتحدة آیة الله خامنئی الاتفاق النووی کانون الثانی أزمة الثقة مع إیران فی عهد
إقرأ أيضاً:
ترامب يعيد سياسة أقصى الضغوط على إيران.. مواجهة النفوذ وحرمانها من السلاح النووي
يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، وذلك بإعادة سياسة “أقصى الضغوط” التي انتهجها خلال ولايته السابقة.
وبحسب مسؤول أمريكي، فإن هذه القرارات تستهدف بشكل مباشر الحد من نفوذ إيران الإقليمي، ومنعها من امتلاك سلاح نووي، ومعاقبة الجهات التي تنتهك العقوبات المفروضة عليها.
وفقًا لتصريحات المسؤول الأمريكي، يرى ترامب أن إيران تمارس “نفوذًا خبيثًا” في الشرق الأوسط عبر دعمها لجماعات مسلحة في عدة دول، مما يهدد استقرار المنطقة. ومن هذا المنطلق، يهدف قراره إلى فرض قيود جديدة على الأنشطة الاقتصادية والعسكرية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحلفائها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة في العراق وسوريا.
الملف النووي الإيراني لا يزال في صلب الاهتمام الأمريكي، حيث يؤكد المسؤول أن هدف ترامب الأساسي هو منع طهران من تطوير سلاح نووي، معتبرًا أن الاتفاق النووي السابق لم يكن كافيًا لكبح طموحات إيران النووية.
ومن هذا المنطلق، يسعى ترامب إلى إعادة العقوبات القاسية التي تشمل القطاع المالي، وصادرات النفط، والتعاملات التجارية الدولية مع إيران، في محاولة لزيادة الضغط الاقتصادي عليها.
بحسب المصادر، يستعد ترامب لتوقيع أمر تنفيذي يعيد تطبيق سياسة “أقصى الضغوط”، والتي كانت أحد أبرز سياساته الخارجية خلال رئاسته الأولى. هذه السياسة تتضمن عقوبات اقتصادية مشددة تهدف إلى شل الاقتصاد الإيراني، وإجبار طهران على تقديم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها النووي وسياستها الخارجية.
لم يقتصر القرار الأمريكي على إيران فقط، بل يشمل أيضًا الجهات والأفراد الذين ينتهكون العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة ستلاحق الدول والشركات التي تتعامل مع إيران اقتصاديًا أو عسكريًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد دبلوماسي بين واشنطن وعدة دول، خاصة تلك التي لها علاقات تجارية قوية مع إيران مثل الصين وروسيا.
مع استعداد ترامب لاتخاذ هذه الإجراءات، يرى محللون أن العودة إلى سياسة الضغط القصوى قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، خاصة أن إيران قد ترد بخطوات أكثر عدائية، مثل تعزيز برنامجها النووي أو تصعيد التوترات العسكرية في الشرق الأوسط. كما أن هذه العقوبات قد تعمّق الأزمة الاقتصادية داخل إيران، ما قد يؤثر على الاستقرار الداخلي فيها.
ودخلت العلاقات بين واشنطن وطهران مرحلة جديدة من التوتر، بعد فوز ترامب مع احتمال انهيار أي جهود دبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي.
وبينما تؤكد إدارة ترامب أن الهدف من هذه السياسات هو تحقيق الأمن ومنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ليس واضحا ما اذا كانت إيران ستدفع نحو التصعيد، أم ستخضع للضغوط الأمريكية.