لجريدة عمان:
2025-04-27@10:21:27 GMT

أَعدم الناس وفقا لهذا الكتاب

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

إحدى الأسئلة المهمة التي طرحت على رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع فـي الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام: ما الذي تقرأه وماذا تفضّل من الكتب؟ كان هذا بعد أن انتهى الاجتماع معه وأجاب عن كل الأسئلة التي تتعلق برؤيته لانتقال الحكم، وتعددية المجتمع السوري، والمشاركة فـي الحكم من قبل مؤسسات المجتمع المدني، لكن السائل كان يقصد الكشف عما هو محتجب فـي العادة، مؤمنًا أن ما نفضله من الكتب وما نصرح به حول تفضيلاتنا دون إعداد مسبق قد يكشف عنا شيئًا مهما حاولنا إخفاءه لن ننجح فـي ذلك.

يختلف الأمر عند ترامب وحاشيته، إذ إن تفضيلهم لكتاب «Unhumans: The Secret History of Communist Revolutions (and How to Crush Them)» معلن. هذا الكتاب الذي يعتمد فـيه الكاتب على نماذج أبرزها فرانثيسكو فرانكو وأوغستو بينوشيه اللذان سحقا شعبيهما وتعاملا بعنف مع المعارضين والمنشقين. يعتقد الكاتب أن على ترامب وحكومته أن يتعاملا بالمثل مع اليسار الأمريكي، أو المنشقين مهما كان اللواء الذين ينضوون تحته. لا يعني هذا قتل واستبعاد المعارضين بحسب أفعالهم بحسب، بل وحتى بسبب «الأيدلوجيات» التي يؤمنون بها.

يجد الكاتب الأمريكي حي ناثان روبنسون ذلك مثيرًا للقلق، فكيف لكتاب كهذا أن يكون شعبيًا ممن هم فـي السلطة التنفـيذية. ويجعلنا نتساءل معه عن الحدود التي يستطيع أن يتخذ فـيها ترامب قرارات بهذا الصدد، إذ إن حكم البلاد الجمهوري الذي يعتمد على الدستور يقلص من إمكانية أن يتصرف الرئيس من تلقاء نفسه. أنا نفسي مع كل ما يحدث فـي أمريكا الآن بحثت عن مذكرات دراستي الجامعية عندما درسنا فـي قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت نموذج الحكم الجمهوري والنموذج الأمريكي بشكل خاص، مع ذلك يبدو أن فهمنا للسياسية يجري الآن غربلته وإعادة موضعته إزاء كل ما يحدث.

قابل جي ناثان روبنسون كاتب هذا الكتاب وسأله عما يفكر فـيه، وإلى أي مدى ينبغي أن يكون ترامب ديكتاتوريًا ومن هم هؤلاء الأشرار الذين ينبغي عليه استبعادهم بل وقتلهم إن اقتضى الأمر. لكن إجاباته بحسب روبنسون كانت مبهمة ومع ذلك لا يمكن إلا أن تشعر بوقع الشؤم فـيها.

يستخدم الكتاب حجة أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، أي الغوغاء، وأن نماذج كتلك التي أسلفت بالإشارة إليها أعلاه رأت أن الديمقراطية لا تنجح فـي حماية الأبرياء، لقد سمحت الديمقراطية بحسب إيمان الكاتب لكثير من العصابات بنهب وتخريب البلاد فـي إسبانيا وباريس دون أن يكون ذلك خرقًا للقانون.

توقفتُ عند هذا التصريح كثيرًا، إذ إن السؤال المهم فـي هذه الحالة هو المساحة التي سيتحرك فـيها اليمين الشعبوي فـي العالم كله ما لم يكن النظام ديمقراطيًا، والحدود التي نادى بها اليسار بالمناسبة وفـي سياقات عديدة، بين ميوعة حرية التعبير والفهم الحقيقي لهذه الحرية وأخلاقيات التعبير التي لا ينبغي أن تُطبع مع خطابات الكراهية مثلًا، تساءلت ترى ما الذي سيحدث لو كان هنالك حرية تعبير لا على مقاس السوق الحرة وإنما وفقًا للأدبيات التي لطالما ناقشها اليسار العالمي، الذي ينبغي أن ننزع عنه اليوم الديمقراطية بحسب الكاتب متهمين إياها لا اللاعبين والفاعلين الذين استغلوها لوصول وتكريس أنفسهم. هل يا ترى يحمل هؤلاء بذرة موتهم؟

وهكذا وبدلًا من نقد الديمقراطية وحكم الأقلية فـيها حتى وإن ادعت العكس أي أنها تمثيل للغالبية، ينبغي وحصرًا بعد وصول اليمينين المتشددين أن تُلغى وأن نعتمد على مواقفهم للانطلاق منها فـي حكم البلاد. ألا يبدو هذا تهريجًا؟ لكنني بالمناسبة لا أنفر من هذا التهريج، إن أهم ما تقدمه لنا هذه الأطروحة ومن يقف وراءها أنها تشكل نموذجًا متناغمًا بشدة مع طبيعة العالم الوحشي الذي نعيش فـيه. هذا ما يليق بهذا العالم فـي هذه اللحظة التاريخية. إن عالمًا شهدنا فـيه القتل العلني وتبخير الجثث فـي غزة لا يمكن أن ينتج عنه إلا حكما «كاريكتوريًا» كهذا، وشخصيات «كرتونية» أفضل من هذه التي نراها.

ومع ذلك لا يكف الكاتب فـي لقائه مع روبنسون للتمييز بين موقفه ومن يسميهم «اليمين الرجعي» الواضح فـي عنصريته، حتى وإن لم يكن هنالك ما يشير بوضوح للفرق بين موقفه وموقفهم. مرة أخرى يستغل هؤلاء إذن انعدام «ردلكة/ جذرية» الفضاء العام الذي يتحرك فـي سماء السوق الحرة المفتوح بلا نهاية، لإيهامنا بشيء ما، والتصرف بعكسه.

لم يمض وقت طويل على صدور هذا الكتاب، تُرى هل سيترجم للعربية، وكم واحدًا من أولئك الذين نعرفهم سيحمله بين يديه، مستخدمًا إياه لمزيد من التسلط والعنف الذي تمارسه الدول بحق الشعب وأفكاره وروحه وما يتطلع إليه. لا شك بأنهم كثر أولئك الذي يقولون على غير استحياء فـي مجالسنا الخاصة «لسنا مستعدين للديمقراطية... ليس بعد». فالتنويعات على ترامب ومن يشبهونه قريبة بشكل قد لا نتخيله أحيانًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الکتاب

إقرأ أيضاً:

إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟

يتّفق المحللون الإسرائيليون على أنّ المذكرةَ التي قدّمها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى المحكمة العليا، (أعلى سلطة قضائية)، وما تضمّنته من اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستعمّق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتنعكس مباشرة على مسار مفاوضات وقف الحرب في قطاع غزّة.

لا جدال حول ما يعيشه نتنياهو اليوم من لحظة تقييم حقيقية، بعد أن حصل في السابق على تفويض غير مشروط لتصعيد الحرب من أجل استعادة الأسرى، وتحقيق أهداف عسكرية، دون أن ينجح فعليًا في أي منها.

لم تهدأ الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولم تستكن تلك الاحتجاجات الملونة في دعواتها، التي تبدأ بالدفع بالحكومة نحو إبرام صفقة الأسرى مع حركة حماس ووقف النار، ولا تنتهي عند حالات التمرّد داخل المؤسسات العسكرية، والتي شكّلت حالة "توترية" مستحدثة سببتها تلك الرسالة العلنية التي نشرها نحو ألف من أفراد سلاح الجو الإسرائيلي في 10 أبريل/ نيسان الجاري، والتي تدعو إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب.

لا شكّ أن الداخل الإسرائيلي يشهد على اهتزازات، لم تعهدها الدولة العبرية في تاريخها، حيث وصلت الحال بزعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، في تصريحات أطلقها، الأحد 20 أبريل/ نيسان الجاري، إلى حدّ التحذير من أن هناك كارثة ستبدأ من الداخل الإسرائيلي "نتيجة التحريض المستمر"، محملًا رئيسَ جهاز الأمن المسؤولية عن "الفشل في التعامل مع هذه التحديات".

إعلان

كما أضاف لبيد، أنه "وفقًا لمعلومات استخباراتية، نحن مقبلون على كارثة وهذه المرة ستكون من الداخل". ما دام أن جميع المعطيات تتقاطع حول موضوع الانهيار الداخلي الإسرائيلي، فلمَ لم يحصل إذًا؟

عقبات كثيرة تقف عائقًا أمام استمرارية حكومة نتنياهو، وإشكاليات تطرح عليها من الداخل والخارج، وهذا ما برزَ بعد استئناف حربه على قطاع غزة، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تصاعد الضغوط داخل الحكومة على رئيسها، لاتخاذ قرار باحتلال كامل قطاع غزة، في ظلّ مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة.

يشير أغلب التقارير إلى أن إطالة أمد الحرب في المنطقة، يصبّ في صالح توفير الحماية لنتنياهو، الذي تحيط به ملفات مشبوهة. هو الذي مثَلَ في مارس/ آذار الماضي أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، للردّ على اتهامه بالتورط في فساد وتلقّي رِشا.

كُشفت نوايا نتنياهو من خلال إفشال مسارات التفاوض، ومن الذهاب إلى الخيار العسكري، ولكن الذي ما يزال غامضًا، هو الموقف الأميركي (اللين) تجاه نتنياهو، ورفضه المقترحات التي قدّمها الأميركي لحلّ الأزمة في المنطقة.

هذا (التراخي) الأميركي تجاه نتنياهو، قابله صرامة وصلت إلى حدّ "البهدلة" بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عقب لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 فبراير/شباط الماضي.

لا يوفّر ترامب مناسبة إلا ويتهجم فيها على زيلينسكي، لا بل ذهب بعيدًا في مواقفه، عندما عرض عليه الأربعاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، ورقة "الذل" لإنهاء الحرب، طالبًا منه الموافقة على التخلي عن شبه جزيرة القرم، من خلال أخذ كييف إلى الاعتراف بملكيتها لروسيا. لا يتوقف الموضوع عند فرض الاستسلام على كييف، بل ذهب بعيدًا في المطالبة بالاستيلاء على الموارد النادرة في أوكرانيا. رغم أن ترامب أطلق في حملاته الانتخابية مواقف حاسمة تتعلق بإنهاء حالة الحرب في كل من القطاع وأوكرانيا.

إعلان

لا مصالح لأميركا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس هناك مكاسب لها تستطيع أن تستغلها لصالح سياساتها في الشرق الأوسط. يفتّش ترامب عن صادقات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كيف لا وهو يجد في أوكرانيا تسوية كبرى ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط.

إنّ جلّ ما يريده الرئيس الأميركي من روسيا ممارسة المزيد من الضغط على حليفتها إيران للتوصل إلى تسويات في المنطقة، بهدف إبعاد شبح الحرب معها.

أفصح نتنياهو عن "تهديد وجودي" يداهم إسرائيل من خطورة التسوية التي تقودها أميركا مع إيران، ورفع من مستوى خطابه تجاه إيران. فعبّر قائلًا الأربعاء 23 أبريل/ نيسان، إن "إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وخطرًا على مستقبلها"، مؤكدًا عزم حكومته على مواصلة التصدي لما وصفه بـ"الخطر الإيراني" حتى لو اضطرت إسرائيل للتحرك بمفردها".

هذا السقف العالي من التهديدات تحتاجه إدارة ترامب، كي تستغلّه لفرض شروطها في المفاوضات مع الجانب الإيراني. وبهذا يتبلور ما تخطط له واشنطن في المنطقة، بعيدًا عن التوجّسات الإسرائيلية، مستغلة تهديدات نتنياهو تجاه إيران.

إنّ زيارة وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى الرياض، السبت 19 أبريل/ نيسان الجاري، وإعلانه عن "طريق مشتركة" لاتفاق نووي مدني مع السعودية، دليل واضح على ما تراه الإدارة الأميركية للمرحلة القادمة في المنطقة، ودليل إضافي على أن النظرة الأميركية تختلف كل الاختلاف عن نظرة نتنياهو.

في السبعينيات، قام نيكسون ووزير خارجيته في حينها "هنري كيسنجر" ببلورة مبادئ ما سُمي "سياسة الركيزتين" ووقتها الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، ووفرة النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفياتي، بينما اليوم تتوجه ضد النفوذ الصيني.

وقعت المملكة مع الولايات المتحدة على اتفاقية المادة 123 التي تطرق إليها قانون الطاقة النووية الأميركية من العام 1954، والذي يسمح لواشنطن بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى. قد تهدف واشنطن من هذا الاتفاق إلى خلق تقاربات إقليمية تعتمد على ركائز متنافسة، بدل اللجوء إلى خيار الحروب المباشرة، التي يحتاجها نتنياهو.

إعلان

ليس صحيحًا أن يد نتنياهو مطلقة التصرف، بل الأصح هو أن لواشنطن حساباتها في المنطقة، وأن نتنياهو أصبح أداة تدار من قبل الإدارة الأميركية، التي تتصرف بما ينسجم مع مصالحها.

فنتنياهو يدمر غزة لأجل تحقيق الممر الاقتصادي الهندي، وبناء "ريفيرا الشرق"؛ تمهيدًا لفتح الاستثمارات الأميركية تحديدًا الخدماتية والسياحية.

لهذا لن يتخلَّى ترامب في المدى المنظور عن نتنياهو، ولن يُسمح للداخل الإسرائيلي بالتهور وأخذ الأمور نحو الانهيار، ما دام لم تُرسم المنطقة بحسب مع تريده واشنطن، ولم يزل النظام الدولي يرسم أطره العامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ما هي عقيدة القدر المتجلي الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟
  • ترامب ظاهرة الرئيس الصفيق الذي كشف وجه أمريكا القبيح !
  • ترامب: لهذا لم أقدم هدية لميلانيا في عيد ميلادها
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • عاجل - ترامب يفاجئ نتنياهو: "كونوا طيبين مع غزة.. الناس هناك يتألمون"
  • الرئيس ترامب: مستعد للقاء مرشد الثورة علي خامنئي أو الرئيس الإيراني .. لهذا السبب
  • السيسي: السلام العادل الخيار الذي ينبغي أن يسعى إليه الجميع
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • سلوى عثمان: أصريت على الظهور بمكياج في مسلسل حكيم باشا لهذا السبب
  • عاجل. ترامب: عدم السيطرة على كامل أراضي أوكرانيا هو التنازل الذي يمكن أن تقدم