سام برس:
2024-12-19@13:38:34 GMT

الأسرى ينتفضون إمَّا حياةً بعزٍ أو شهادةً بشرفٍ

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

الأسرى ينتفضون إمَّا حياةً بعزٍ أو شهادةً بشرفٍ

بقلم/ د. مصطفى يوسف اللداوي
تعهد اليميني المتطرف إيتمار بن غفير منذ اليوم الأول الذي استلم فيه وزارة الأمن الوطني الإسرائيلية، أن يضيق على الأسرى الفلسطينيين، وأن يتشدد في التعامل معهم، وأن يسحب الامتيازات منهم، ويحرمهم أبسط حقوقهم الإنسانية، ويصادر ممتلكاتهم وحاجاتهم الشخصية ، وأن يشتتهم ويرهقهم بعمليات النقل المفاجئة، وحملات القمع والتفتيش القاسية، وأن يتم اعتماد عقوبة العزل الانفرادي بصورة دائمة، وألا يتساهل معهم في زيارة الأهل ومقابلة المحامين، وأن يقلص الخدمات التي يحصلون عليها من "كانتينة" السجن، وأن يفرض عليهم عقوباتٍ مالية تستنزف مدخراتهم التي يستخدمونها في شراء ما يلزمهم من "الكانتينة".



وكان بن غفير قد قام في أول يومِ عملٍ له بزيارة سجن نفحة الصحراوي، وهو المعتقل الأقسى بين السجون الإسرائيلية، ليطمئن إلى التزام إدارة السجون بتنفيذ تعاليمه، والتقيد بالضوابط الجديدة التي وضعها لهم، وألا تكون هناك أي تجاوزاتٍ من شأنها التخفيف عن الأسرى، وقد بدا وكأنه قد جاء للانتقام من الأسرى والتنكيل بهم، وهو الذي كان يسعى عندما كان نائباً في المعارضة لتشريع قانون يجيز إعدام الأسرى الفلسطينيين، وكان ولا يزال يصر على حرمان الأسرى من أي رعاية صحية أو توفير أدوية لهم، أو إجراء عملياتٍ جراحية لإنقاذ حياتهم.

إلا أن الأسرى الفلسطينيين في مختلف السجون الإسرائيلية الذين أدركوا سياسة الحكومة اليمينية الإسرائيلي، ولمسوا نوايا وزير الأمن الوطني، وشعروا بأنه يحاول أن يحرمهم كل ما تمكنوا من الحصول عليه بصبرهم وثباتهم ونضالهم وتضحياتهم وإضراباتهم المستمرة، قد قرروا مواجهته والتصدي له، وعدم الخضوع لشروطه والقبول بسياسته، والوقوف في وجهه وإحباط محاولاته، فالسكوت على إجراءاته القمعية وممارساته العنصرية سيغريه نحو المزيد والأسوأ منها، والصمت عليه جريمة في حق أفواج الأسرى الذين يزداد عددهم يوماً بعد آخر، ضمن سياسة سلطات الاحتلال الماضية قدماً في اعتقال عشرات المواطنين الفلسطينيين بصورةٍ يومية.

ليس لدى الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين وطنوا أنفسهم على الشهادة، شيئاً يخسرونه في معركتهم ضد سلطات السجون الإسرائيلية، وضد وزير أمنهم الوطني الغٍر الأهوج، الذي ظن أنه يستطيع أن يركعهم وأن يضعف روحهم المعنوية، وأن ينال من صمودهم وثباتهم، وأن يحد بسياسته الرعناء التي ظن أنها جديدة، رغم أن كل من سبقه قد لجأ إليها واستخدمها واعتاد عليها، من عمليات المقاومة خوفاً مما قد يلقونه من عذابٍ وهوانٍ في السجون، إلا أن هذه السياسات لم تؤت الثمار المرجوة منها، ولم تحقق الأهداف التي تطلعوا إليها، فلا الأسرى خضعوا واستكانوا، ورضوا بحياة الذل والهوان، ولا المقاومة توقفت ولا العمليات تراجعت، بل استمر الفلسطينيون في مقاومتهم، ومضى الأسرى في صمودهم.

يؤمن الأسرى والمعتقلون دائماً أن عندهم ما يكسبونه، وينتظرهم المزيد بنضالهم ليحققوه، فهم لن يقبلوا بحياة الذل والهوان، ولن يمكنوا العدو من رقابهم، ولن يخضعوا لسياساته، ولن يهابوا تهديداته، ولن يفرطوا في مكتسباتهم، ولن يتنازلوا عن حقوقهم، فإما حياةً عزيزةً يصنعونها، أو شهادةً شريفةً ينالونها، وهم إلى الخيارين أقرب وعن هدف العدو اللعين أبعد، والإضرابات التي خاضوها والامتيازات التي حققوها تؤكد للاحتلال وغيره أنهم لا يقيمون على الضيم، ولا يرضون الذل، ولا يخضعون للقيد، ولا يجبنون على المواجهة.

وقد علمت سلطات السجون يقيناً وخبرت طويلاً أن إرادة الأسرى أصلب، وأن عزيمتهم أقوى، وأن صبرهم على المواجهة أكبر، وأنهم لا يترددون في خوض إضرابٍ عن الطعام ولو كان طويلاً ومجهداً، ولو أدى إلى استشهاد بعضهم وتردي صحة كثيرٍ منهم، إلا أن يحققوا أهدافهم، ويجبروا سلطات السجون على التراجع عن استفزازاتهم، والتوقف عن محاولات إذلالهم وإهانتهم، والكف عن التضييق عليهم والتشدد في التعامل معهم.

لكن الأسرى والمعتقلين لا يستطيعون مواجهة سلطات الاحتلال وحدهم، فصوتهم مهما كان عالياً فإنه دون أهلهم لا يصل، ومعاناتهم مهما بلغت فإن أحداً لن يعلم بها ما لم يقف شعبهم معهم، يساندهم ويؤيدهم، ويسلط الأضواء على قضيتهم، ويشرح للعالم كله معاناتهم، فهم الذين ضحوا بزهرة أعمارهم نيابة عن شعبهم ومن أجل وطنهم، يستحقون من شعبهم كل رعايةٍ واهتمامٍ، ويلزم لتبقى قضيتهم حاضرة، ولتشكل عبئاً على الاحتلال ثقيلاً، أن ينظم الفلسطينيون في الوطن وحيث ينتشرون، والعرب والمسلمون والأحرار المؤيدون لهم ولعدالة قضيتهم، مظاهراتٍ واعتصاماتٍ، وأن يقوموا بأنشطة وفعاليات مختلفة تسلط الضوء على قضيتهم، وتلفت أنظار العالم إليهم، وتدفع المؤسسات الدولية لتحريك قضيتهم والدفاع عنهم.

حياة الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية في ظل أفضل الامتيازات وأحسن الشروط لا تطاق ولا تحتمل، فهي حياةٌ قاسية ومريرةٌ جداً، لا يقوى على احتمالها إلا أصحاب المبادئ والمثل، والمؤمنون بقضاياهم والمضحون بحياتهم من أجل شعوبهم ومستقبل أجيالهم، ولولا الإيمان في قلوبهم، والعقيدة التي تحفظهم، والوطن الذي يجمعهم، والأمل الذي يتطلعون إليه، ما كانوا ليصبروا على الأذى الذي يتعرضون له، والعذاب الذي يقاسون ألوانه وصنوفه على أيدي جلاوزة الاحتلال وإدارات السجون القمعية، وها هم بصبرهم وإصرارهم، ووحدتهم واتفاقهم، يحققون نصراً ويستعيدون حقاً، ويرغمون بن غفير غصباً ويفرضون على حكومته تراجعاً، فألف تحيةٍ لكم أسرانا البواسل، حفظكم الله أعزةً كراماً، وأعادكم إلينا أبطالاً أحراراً.

المصدر: سام برس

كلمات دلالية: الأسرى الفلسطینیین

إقرأ أيضاً:

كيف تحولت السجون بالدولة الحديثة من وسيلة إلى عقاب؟

وحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع إسماعيل الناشف لبرنامج "العمارة والإنسان" الذي تناول "عمارة السجون"، فإن مفهوم العقاب قديما كان مشهدا يراه الجميع من خلال إحضار المجرم إلى ساحة مركزية وتعذيبه جسديا أمام الجميع.

لكن هذه الفكرة تغيرت مع سيطرة النظام الرأسمالي، الذي يحاول -كما يقول الناشف- إعداد أشخاص يمكنهم الانخراط في سوق العمل بشكل منضبط، واعتمد بشكل أساسي على تطوير ثلاث منظومات أساسية هي: العائلة، والعمل، والسجن.

وقد تحدث للبرنامج عن فكرة السجن التي قال إنها نبعت من رغبة الدولة أو النظام في تعزيز فكرة الرقابة من خلال السيطرة.

رقابة الجدران

لذلك، فقد تطور تصميم السجون بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من العقوبة بنفسية المجرم من خلال الجدران، كما قال المفكر والمصلح الاجتماعي الإنجليزي جيرمي بنثام (1748-1832).

اللافت أن هذا المصلح الاجتماعي بنثام كان صاحب واحدة من أكثر أفكار دهاء في فلسفة السجون، حيث صمم سجن بانوبتيكون الذي تحوّل لاحقا إلى متحف.

ففي سجن بانوبتيكون الذي صمم بشكل دائري، كانت غرف المساجين كلها تطل على ساحة مركزية، وضع بنثام وسطها برج مراقبة مضاءً طيلة الوقت بحيث لا يتمكن السجناء من رؤية الحارس الموجود بداخله.

إعلان

وبهذه الطريقة، تحولت الرقابة إلى فعل ذاتي يقوم به المسجون نفسه لأن خشيته من الحارس -غير الموجود أساسا في برج المراقبة- منعته من التفكير في القيام بأي عمل مخالف.

وبحسب الناشف، فقد كان البناء هو البطل في هذا السجن الذي صممه بنثام، لأن برج المراقبة كان هو الشيء الذي تم إخضاع السجناء به، وجعلهم يراقبون أنفسهم بأنفسهم.

تغيّر معنى العقاب

ويعتبر سجن بنثام هذا دليلا على التحوّل من فكرة التعذيب العلني للمجرم الذي كان سائدا في العصور الوسطى، إلى فكرة العزل وتنفيذ العقاب بعيدا عن أعين الجماهير والتي اعتمدتها الدولة الحديثة، كما يقول الناشف.

وبناء على ذلك، فقد تغير شكل الرقابة داخل السجون عما كان عليه في السابق، وهو ما طبقته الدولة في مختلف المؤسسات بما فيها المدارس التي يتم تصميمها على نحو يعزز فكرة المراقبة لدى الطلاب.

فمع عجز الدول عن مراقبة كافة مواطنيها وحاجتها الماسة لمراقبة الناس من أجل إخضاعهم، كان لزاما عليها أن تجد فلسفة تتجاوز من خلال هذه العقبة، وكانت فكرة الإيهام التي ابتكرها بنثام في سجنه هي الحل السحري بالنسبة لها.

وقد تجاوز بانوبتيكون كونه سجنا إلى كونه فكرة تم تكرارها بطرق مختلفة منها على سبيل المثال ترسيخ فكرة أن مكالمات الهاتف مراقبة لحظة بلحظة رغم أنها قد لا تكون كذلك، كما يقول البرنامج.

مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (غيتي) الحبس الانفرادي

لكن السجون بشكلها المجرد كمبانٍ وجدران ومعاملة ظلت واحدة من أكثر العلامات تعبيرا عن شكل الدولة، وقد قال الكاتب والفيلسوف الروسي الكبير فيودور ديستويفسكي في روايته الشهيرة "مذكرات من بيت الموتى" إن درجة تحضر أي مجتمع يمكن معرفتها بمجرد الدخول إلى سجونها.

ولم يكن حديث ديستويفسكي مجرد خيال كاتب، لكنه كان نتاج تجرية حقيقية عاشها الرجل عندما تم وضعه لمدة 8 أشهر في أحد سجون سيبيريا الباردة بتهمة الانتماء لجماعة فكرية مخالفة للدولة، وهناك كتب روايته سالفة الذكر.

إعلان

وداخل هذ السجن، عاش الكاتب الروسي الكبير تجربة الحبس الانفرادي التي ابتكرها الإصلاحيون المتدينون بحجة منح السجين فترة للاختلاء بنفسه والاعتراف بذنبه، لكن هذا النوع من الحبس لا يعدو كونه درجة أكثر قسوة من التعذيب.

ففي هذا الحبس، يمارس السجانون ما يسمى بالصمت العقابي ضد السجين الذي لا يجد من يتحدث معه حتى إنهم يحاولون ارتداء أحذية لا تصدر صوتا خلال الحركة حتى يمنعوه من أي نوع من أنواع الاستئناس.

وعندما أراد ديستويفسكي وصف هذا الشعور، قال إنها مرحلة تتحطم فيها الروح بين الجدران انتظارا للإعدام أو للعفو، وإن السجون تمتص الإنسان وتخذله.

ولم يكن ديستويفسكي وحده الذي تحدث عن السجون، فقد وصف الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش الحبس الانفرادي بأنه "محدودية في المكان وفائض في الزمان". وهي حالة قد تصل بالإنسان إلى مرحلة الهلاوس والانفصام عن الواقع، كما يؤكد الطبيب النفسي همام يحيى.

16/12/2024

مقالات مشابهة

  • قائمة بأسماء معتقلين من غزة في السجون الإسرائيلية
  • السيسي يحذر من استمرار الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وامتداد الصراع واشتعال المنطقة
  • الاحتلال يبني معسكرات جديدة للاحتجاز في ظل ارتفاع عدد الأسرى الفلسطينيين
  • تطبيق نظام الدفع الإلكتروني للنزلاء في السجون العراقية
  • مفاوضات غزة – تفاصيل الاتفاق الذي سينفذ على 3 مراحل
  • السجون وذاتيّة الإنسان
  • بلدية دبي تحصل على 3 شهادات مواصفات دولية جديدة منها شهادة معالجة الحمأة التي تمنح لأول مرة على مستوى العالم في 2024
  • باحث: اغتيال الشيخ بهان ضمن جرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
  • حملة تغريدات لإبراز جرائم أمريكا وإسرائيل بحق السجناء
  • كيف تحولت السجون بالدولة الحديثة من وسيلة إلى عقاب؟