يعد الرفاه والحماية الاجتماعية من الأولويات الوطنية لرؤية عمان (2040) حيث إن تكرار كلمة «الرفاه» اثنتا عشرة مرة في وثيقة الرؤية دلالة على الرغبة في أحداث نقلة نوعية في المنافع وفروع الحماية الاجتماعية لينعم أفراد المجتمع بمنافع تأمينية فاعلة ومستدامة تكتسب العدالة في التوزيع للفئات الأكثر إلحاحا.

ومما يدل على الاهتمام بمنظومة الحماية، بأنه مباشرة بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية كانت التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - بإجراء التقييم والمراجعة للمنافع الاجتماعية بشكل مستمر.

وبالتالي، التقييم والمراجعة التي يتم إجراؤها لمنظومة الحماية الاجتماعية هدفه معرفة درجة تأثير تلك المنافع على مستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين، كما لا ينظر إلى هذا التقييم من جانب المجالس واللجان المعنية بمنظومة الحماية فقط، وإنما يجب أن يتم أيضا عن طريق الإدارة التنفيذية المسؤولة عن تطبيق قانون الحماية الاجتماعية.

وللمقارنة، فإن أغلب دول مجلس التعاون الخليجي أجرت تعديلات في قوانين الحماية الاجتماعية وأنظمة المعاشات - على سبيل المثال - في دولة قطر تم رفع سن التقاعد المبكر وأيضا رفعت معدلات المساهمات بهدف استدامة برامج الضمان الاجتماعي. أيضا المملكة العربية السعودية مددت حساب المواطن لحماية الفئات والأسر الأكثر تأثيرا بالإصلاحات الاقتصادية.

ولعل التغيير الملحوظ كان في دولة الكويت حيث عُدلت مستحقات التقاعد وذلك بمنح راتب تقاعدي بنسبة (100%) للذين يكملون الحد الأقصى لسنوات الخدمة، كما أن دولة الإمارات أخذت التوجه نفسه . وبالتالي، إعادة هيكلة قوانين المعاشات والحماية الاجتماعية لم يحدث فقط في سلطنة عمان، وإنما كان توجها خليجيا الهدف منه إعادة التقييم والمراجعة للتأكد من استدامة المنافع والتأمينات الاجتماعية لفترات طويلة.

تتعدد المنافع بمنظومة الحماية الاجتماعية وكل منفعة لها إجراءاتها الخاصة حسب ما تحدده ضوابط الصرف والاستحقاق.

ومن المنافع التي تتسم إجراءاتها بالسهولة والانسيابية هي منفعة كبار السن ومنفعة الطفولة، وبالتالي، أدى ذلك إلى استمرار صرفها بسهولة دونما تأخير عن طريق الربط الإلكتروني برقم البطاقة الشخصية أو جواز السفر. في المقابل فإن منفعة الأشخاص ذوي الإعاقة ومنفعة دعم دخل الأسر من المنافع التي تتعدد بها إجراءات التحري والتقصي للبيانات التي يقدمها الأفراد لمعرفة استحقاقهم لها من عدمه. وقد تطول المدة الزمنية للبت في الطلبات نظرا لعدم وجود نظام معلومات مركزي لبيانات الأفراد. وبالتالي، حسب التجارب السابقة فإنه من ضمن أسباب منح المنافع - ومنها منفعة كبار السن ومنفعة الطفولة - بطريقة مباشرة دون الحاجة للتحقق والتقصي، لأنه وجد بأن إجراءات التقصي لا تفضي إلى الدقة كما أن نسبة الخطأ بها عالية وغالبا لا تحقق العدالة.

والمتأمل لقانون الحماية الاجتماعية الذي شمل ما يقرب من أربع عشرة من المنافع وفروع التأمين الاجتماعي بأنه جاء في (162) مادة، واللائحة التنفيذية والتي تعد مفسره للقانون جاءت في (117) مادة إلا إنه عادة تكون اللوائح أكثر - تفصيلا - من حيث الإجراءات، وبالتالي، لا تكون مواد القانون أكثر عددا من مواد اللائحة لسهولة التعديل ولكن يتضح بأنه في قانون الحماية الاجتماعية، حدث عكس ذلك.

وقد يكون لتبعات ذلك عدم الشفافية في التنفيذ وتسريع البت في طلبات بعض المنافع ومنها منفعة الأشخاص ذوي الإعاقة ومنفعة دعم دخل الأسر. لذا؛ فإنه من أسرع التعديلات التي تمت هو التعديل الذي حدث في بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون الحماية الاجتماعية الذي تم بعد عشرة أشهر تقريبا من اعتماد اللائحة. ذلك التعديل شمل منفعة الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد يكون السبب هو لزيادة عمليات الضبط والتحري وأيضا للحد من الطلبات بعدما وصلت لأرقام غير متوقعة.

كما إنه للمقارنة فإن منفعة كبار السن التي تمنح لكل عماني بلغ سن الستين فأكثر والتي استفاد منها الآلاف من المواطنين بصورة مباشرة ودون تقييد أو ضوابط، بمعنى أنها تصرف للجميع بغض النظر عن مستوى دخلهم الفردي. وإن كانت منفعة كبار السن تصرف بتلك الطريقة للجميع، إلا أن المستحقين لمنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة ومنفعة الأرامل لا يجوز لهم الجمع بينها وبين منفعة كبار السن، حيث يصرف لهم المبلغ الأعلى بينهما. هذا التقييد قد لا يحقق العدالة في الاستحقاق بين المواطنين لأن منفعة كبار السن تصرف للأفراد دون استثناءات بينما لا تصرف لكبار السن من الأشخاص ذوي الإعاقة والأرامل الذين هم في أمس الحاجة للدعم المادي والاجتماعي.

من الأمثلة التي تحتاج إلى إعادة نظر منفعة دعم دخل الأسر لأنها تعمل على تعزيز الرفاه الاجتماعي، وبالتالي، يفترض عدم استخدام معادلة - الجذر التربيعي - عند احتساب زيادة مبلغ المنفعة كلما زاد عدد أفراد الأسرة، وأيضا عدم خصم أية دخول يحصلون عليه بغض النظر عن قيمة تلك الدخول ثم منحهم فرق المبلغ. لأنه يتوقع عند صدور أنظمة جديدة تعنى بالحماية الاجتماعية، إما المحافظة على المبلغ الذي كان يحصل عليه الفرد أو تحسينه وليس تخفيضه. لهذا جاءت التوجيهات السامية بالاستمرار في صرف معاشات الضمان الاجتماعي التي كانت تصرفا - سابقا - لمدة عام كامل حتى الانتهاء من دراسة الحالات المستحقة من منفعة دعم دخل الأسر.

وعند تصفح الموقع الإلكتروني لصندوق الحماية الاجتماعية فإنه يتضمن معلومات جيدة تشمل جميع المنافع وفروع التأمين الاجتماعي وآليات استحقاقها، إلا أنه يلاحظ بأن الموقع لا زال بحاجة إلى مزيد من التطوير لتعزيز الفائدة التي يتطلع لها المستفيدون منه ليتمكنوا من متابعة المسار الزمني الذي وصلت إليه طلباتهم وذلك عن طريق تفعيل نظام (Tracing System) الأمر الذي من شأنه التقليل من الاستفسارات والمراجعات لموظفي صندوق الحماية الاجتماعية. كما أن دليل الخدمات من الجوانب التي تحتاج إلى السرعة في الانتهاء منه لأنه يساعد في إعطاء مزيد من الوضوح في الإجراءات التي تتطلبها الحصول على المنافع وخاصة التي تحتاج إلى أدلة مستندية. عليه ينبغي العمل على تحويل جميع الإجراءات المتعلقة بالمنافع وفروع التأمين الاجتماعي لتكون إلكترونية قدر الإمكان تماشيا وخطط التحول الرقمي الذي تنتهجه الحكومة.

منظومة الحماية الاجتماعية بسلطنة عمان قدمت نموذجا رائعا للمنافع وفروع التأمين الاجتماعي التي تتصف بالشمولية نظرا لوضعها في قانون موحد يشمل جميع جوانب الحماية الاجتماعية. هذا القانون أوجد منافع متعددة والنظرة المستقبلية بأن يتم التطبيق الكامل لتلك المنافع ومنها ما يتعلق بمنفعة الباحثين عن العمل ومنفعة الأمومة. عليه فإن عملية التقييم والمراجعة لتلك المنظومة بعد عام من تطبيقها خطوة متقدمة جدا، سوف تعطي الجهات المسؤولة عن تطبيق قانون الحماية الاجتماعية صورة للمدى الذي استطاعت معها المنظومة من رفع مستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين. لذا؛ يأتي اجتماع اللجنة الوزارية المعنية بمنظومة الحماية الاجتماعية الشهر الماضي لمتابعة أدائها من أجل أن تكون المنافع وفروع التأمين الاجتماعي تُسهم في تعزيز مستوى الرفاه الاجتماعي بصورة أكثر عدالة لجميع أفراد المجتمع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قانون الحمایة الاجتماعیة بمنظومة الحمایة

إقرأ أيضاً:

أين منفعة الباحثين عن عمل؟

 

راشد بن حميد الراشدي

مشهد مؤثر لشاب باحث عن عمل منذ 7 سنوات وهو يتمنى دخوله السجن ولا يكلف والده المتقاعد الذي ثقل بديون أسرته على راتب شهري بسيط لا يكفي قوت عياله وآلاف الحالات المماثلة التي ترزح تحت خط الفقر بسبب عدم عمل الأبناء ونسمع عنها كل يوم.

شباب في زهرة العمر على أبواب المؤسسات الحكومية والخاصة ينتظرون دورهم في وظيفة تعينهم وقد طال انتظارها والمحظوظ منهم من نال فرصته والبقية تتبخر أحلامهم سنة بعد أخرى فهم بلا عمل وبلا مصدر دخل ولو بسيط يكفيهم السؤال وذل الزمان وقسوته.

شاب في مقتبل العمر ليس لديه أجرة سيارة للبحث عن وظيفة وآخر ليس لديه تكلفة شهادة ICDL المطلوبة عليه لدخول المنافسة وغيرهم الكثير من الشباب الذين يعانون ضيق الحال.

التوظيف أولا لهؤلاء الشباب هو المنقذ الوحيد لآلاف الأسر التي تعيش على الكفاف والفاقة في حياتها اليومية في ظل ظروف صعبة جدًا؛ فرغم المناشدات اليومية في مختلف وسائل التواصل والصحف ورغم قسوة الظروف التي يعيشها الشباب لا زالت مشكلة الباحثين والمسرحين تراوح مكانها بلا حل يلمسه أبناء الوطن.

وأنا أقُلبُ صفحات هذا الملف الحساس الذي دخل كل بيت، تذكرتُ دور الحماية الاجتماعية في التخفيف عن كاهل تلك الفئة المستحقة من منفعة نظام الحماية الاجتماعية بكل أفقه وحجمه وما تم إقراره وتنفيذه خلال العام الماضي من قرارات، يدفعنا للتساؤل: أيهم أحق بنظام الحماية مع إقراري بأهمية رعاية فئة كبار السن وإصدار منفعة شهرية لهم سواء كان رجلًا أو امرأة كبيرة في العمر (أغنياء أو فقراء)، أم الشاب اليافع المقبل على الحياة وبدون عمل ولا دخل يذكر؟!

إنني أرى ذلك التناقض الغريب في نظام الحماية الاجتماعية ونسيانه إلى اليوم مآل وحال فئة الشباب الباحثين عن عمل وأهمية صرف منفعة شهرية تعينهم على متطلبات الحياة اليومية في ظل حاجتهم وغلاء الأسعار وضعف دخل الأسر وعجز بعض أولياء الأمور عن رعايتهم.

إنني أطالبُ اليوم القائمين على منظومة الحماية الاجتماعية وصندوقها بصرف علاوة شهرية لا تقل عن 200 ريال عُماني لكل باحث عن عمل لم يحصل على فرصة وظيفية لمجاراة أعباء الحياة، ولكي تُساعده في تلبية احتياجاته الشخصية حتى يمُن الله عليه بفرصة العمل المناسبة التي تعينه على الحياة.

إن الإحساس بمسؤوليتنا المجتمعية يحتم علينا طرح مثل هذه الموضوعات المهمة والتي ستفرج كرب الشباب وتعينهم في وجود مصدر رزق وتخفف على الأسر تكاليف الحياة الصعبة؛ حيث يجب الاهتمام بهذه الفئة من الشباب الخريجين والباحثين عن العمل وإصدار قرار بصرف بمنفعة شهرية فورا لهم، فلقد امتلأ كأس اليأس والألم والحسرة لدى كثير منهم؛ فهم يعيشون في كنف وطن مليء بالثروات والخيرات، فلا هم بعمل ومصدر رزق ولا هم بمنفعة تعينهم في حياتهم اليومية، وقد تخفف الكثير عن كاهل رب أسرة ينتظر بر أبنائه بعد تخرجهم وتعاضدهم معه وهم اليوم عالة عليه بلا عمل.

أتمنى على جميع الجهات المسؤولة والمعنية بحلحلة هذا الملف الوطني المهم والذي أصبح الشغل الشاغل للجميع وأحد أهم هموم المجتمع؛ فالوطن بحاجة إلى أبنائه؛ فهُم قوامه وعماده، فلا تتركوهم على قارعة الطريق.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وأدام عليهم نعم الخير.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • «QNB» مصر يعزز شراكته مع صندوق الإسكان الاجتماعي بشرائح تصل لـ 10 مليارات
  • الكيلاني: داعمون لأي مقترح يعزز العمل الاجتماعي ويبرز دور المرأة
  • مجلس الوزراء يعتمد قرارات بشأن منظومة الدعم والتمكين الاجتماعي
  • طارق زيدان يطالب بضرورة توسيع شبكة الحماية الاجتماعية وتحسين الإنتاجية في موازنة 2025-2026
  • “برنامج إعمار اليمن” يعزز التنقل الآمن وروابط الوصول الاجتماعية
  • برلماني: موازنة 2025-2026 تعزز الحماية الاجتماعية وتدعم الاستقرار المالي
  • تقليد يعزز الترابط الاجتماعي.. رجل الأعمال محمد بو خمسين يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل
  • أين منفعة الباحثين عن عمل؟
  • تخصيص الموارد لتمويل حزمة الحماية الاجتماعية.. تفاصيل اجتماع الرئيس السيسي مع وزير المالية| فيديو
  • «الحماية الاجتماعية»: قريبًا .. تصنيف للأمراض المستديمة وحاسبة إلكترونية لمعاشات التقاعد