لمّا اقتربت فترة نهاية حكم دونالد جون ترامب في 20 يناير 2021م، في رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية في دورتها الرئاسية الخامسة والأربعين؛ لمّا اقتربت فترة نهاية رئاسته فرح العديد من قومنا، حيث اتّهموه بالغباء والجنون، واستبشروا خيرا بجوزيف بايدن، وأنّه من الحزب الديمقراطي، وصفّقوا له وابتهجوا بفوزه، وما هي إلّا أربع سنين فقط، وليست قرنا أو نصف قرن، إلّا ويتكرّر الحال، ليفرحوا بفوز ترامب في جولته الحاليّة في 20 يناير 2025م، وكأنّه المخلّص المنتظر هو وحزبه من جرائم الدّم بحقّ أبرياء في فلسطين ولبنان وغيرها، ونسوا أنّ الحزب الجمهوريّ ارتبط بدماء بريئة في عالمنا العربيّ خصوصا في عهدي بوش الأب والابن، ولسان حالنا: ذهب الرّئيس جاء الرّئيس.
المشكلة لمّا ندور مع الشخوص لا مع المبادئ والقيم، ولمّا نريد أن نجعل من أنفسنا عالة على الآخر، فنظل عالة على الأمم، تحرّكنا أمم أخرى كما شاءت، ونحن أسرى لها إن شرّقت وإن غرّبت، وحديثي هنا عن الكاتب والمثقف، فهو ليس سياسيّا يدور مع المصلحة، وليس إعلاميّا للسلطة أو طمعا للشهرة ليبرّر لهذا وذاك كان حسنا أم سيئا، وليس مقدّسا هائما في حبّ فقيه أو عالم دين يرى لا صواب بعد رأيه، وليس عالقا في الماضي يريد أن يجعل الحاضر مرهونا به، بل هو المثقف الّذي يعيش واقعه وفق المبادئ، يتجاوز الشّخوص إلى تحليل الأحداث وفق قيم الإنسان الكبرى، فلا يعلق في الشّخوص حبّا أو ذمّا ليفهم ويحرّك بها الأحداث والأفكار، بل يحاكمها بمنطق المبادئ والقيم، فليس عدوا للماضي أو السّلطة أو المجتمع، لكنّه راصد وناقد لها، وفي الوقت نفسه داعم لحسناتها، ومؤيد لإيجابياتها.
عندما يكون المثقف كذلك في عالمنا العربي، متحرّرا من الماضي والسلطة والمجتمع والمال والشّهرة، بمعنى لا يدور حولها، وإن أتته تبقى المبادئ لديه حاضرة؛ لن نجد هذه السّطحيّة اليوم في التّعامل مع الأحداث، والانقسامات الواضحة والّتي ليست انقسامات فكرية نقدية؛ بل انقسامات نتيجة تبريرات لسلطة أو مجتمع، أو لأجل شهرة ومنفعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ممّا سقط أثره على المثقف ذاته، وعلى المجتمع العربي ككل، فأمّا المثقف أصبح لا ثقل له إلّا ما رحم، ولم يعد له تأثيره في الرأي العام، وأمّا واقع المجتمع العربي فأصبح مشتتا مضطربا، لا زالت حروب تعصف بأجزاء مهمّة منه، ضحية سياسيين لا همّ لهم ذات الإنسان العربيّ، يتبعهم مثقف لا يدور مع الإنسان العربيّ العابر لحدود جغرافيّة دولة، بل أصبح سجينا في صندوق الدّول القطريّة، لا يتجاوز تبرير فعل سياساتها، وواقع مجتمعاتها، حسنا فعلت، أم سيئا اجترحت، فالأمر في تبريره سيّان.
هذا الحال نجده واضحا أمام فوز دونالد ترامب، فينقلب الفرح بذهابه إلى فرح برجوعه، ومن كونه سبب البلايا في واقعنا العربي، إلى كونه المخلّص المنتظر لإيقاف الحروب، وتحسين المسار، نعم، لا ينكر أحد ثقل الولايات المتحدّة الأمريكيّة، وهي أكبر من الرّئيس نفسه، ولها تأريخها وسياساتها، ولا ترضى أن يكون هناك ثقل أو قطب آخر يزاحمها، وكونها حامية لكلمة الرّب وفق التّصوّر البروتستانتيّ الكالفينيّ، فهي تدافع على بقاء إسرائيل كما هي تمهيدا للمجيء الثّاني للمسيح، فأمريكا معقدة سياسيّا ودينيّا، وليس فقط سياسيّا.
كما أنّها لا يهمّها العالم العربي، وواقع الإنسان فيه، بقدر ما يهمّها تحقّق مصالحها الاقتصاديّة والاستعماريّة في هذا الجزء من العالم المليء بالمنافع الاقتصادية من نفط وغاز ومياه وثروات معدنيّة وحيوانيّة وزراعيّة وبشريّة، وأنا أتحدّث هنا عن سياسات لا عن منظمات حقوقيّة وإنسانيّة في أمريكيا ذاتها لطالما دافعت عن أمم قصّر أهلوها في الدّفاع عنها، فالسياسة الأمريكية تنظر إلى ذاتها أنّها الواحد الأحد الّذي لا ثاني لها، ومن يقترب من ذلك لن يكون حاله بأفضل حالا ممّن سبق، كان مصيرهم الحصار أو الفوضى والدّمار، أو القتل والاغتيال والنّفيّ.
وترامب ليس خارجا عن هذه السياسات، بقدر ما لديه قدرة على استحمار أمّة لأجل كسب أكثر عدد من المنافع الماديّة، فيهدّد تارة بتخفيض أسعار النّفط، ويبتز ويغري في تارات أخرى، ولأسباب ضعف المثقف كما أسلفت، نجد فوضى إعلاميّة في الفرح والبغض معا، فنبقى نحن العرب رهين أمم أخرى، فلا ذات تجمعنا، ولا قوميّة نجد فيها ما يوحدنا، ولا ذات إنسانيّة واحدة نسعى لإحيائها، وندافع عن وجودها وكرامتها.
لا أقصد بهذا أن نشعل حروبا في المنطقة، أو نهدم بنيانا آمنة مطمئنة، لكن إذا أدركنا أنّ قوتنا في ذاتنا بإحيائها، وفي أقطارنا باستقرارها، وفي هويتنا بتنميتها والمحافظة على تعدّديّتها، وفي واقعنا المعاصر بتحقيق نهضتنا المعرفيّة والإبداعيّة والإنتاجيّة؛ هنا العالم سيحترمنا، وسيجعل لنا قيمة بين الأمم، يحترمنا باعتبار ذواتنا لا باعتبار ما يسلبه من خيراتنا، فإن كنّا أقوياء في ذواتنا، لا تفرقنا أقطار لها حدودها الجغرافيّة، ولا تعوقنا تعدّديّة لأسباب دينية أو مذهبية أو لغوية أو ثقافية، بل هذه التّعدّديّة حالة قوّة وثراء، حينها سنعيش واقعنا بعين الإحياء والبناء، والإبداع والاختراع، ممّا يجعل العالم ينظر إلينا بعين الرّهبة والاحترام والتّعظيم، وهذا يبدأ مع المثقف عندما يتحرّر من مصالح الواقع، وضغوط السّاسة، وسجن المجتمع، حينها لا يهمنا أجاء ترامب أم ذهب، بقدر ما يهمنا واقعنا ككل، هل يتقدّم إلى الأمام، أم يتراجع إلى الخلف؟!!
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رونالدو: أنا الأفضل على الإطلاق.. وليس هناك لاعب أفضل مني
أكد البرتغالي كريستيانو رونالدو، قائد نادي النصر السعودي، أنه يعتبر نفسه أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، مشددًا على أنه لم يكن هناك لاعب أكثر اكتمالًا منه.
وقال رونالدو في تصريحات مع الصحفي إيدو أجيري، عبر القناة السادسة الإسبانية: “أنا سريع، أنا قوي، وأسجل الأهداف بالرأس، وبالقدمين اليمنى واليسرى، لم يكن هناك أحد أكثر اكتمالًا مني”.
وأضاف النجم البرتغالي: “أحترم من يعتقد أن ميسي أو بيليه أو مارادونا هم الأفضل، وأتفهم وجهة نظرهم، لكنني أرى نفسي اللاعب الأفضل في التاريخ”.