عربي21:
2025-04-09@12:17:06 GMT

مداخل تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

أصبح مطروحا بقوة موضوع "العدالة الانتقالية" في سيرورة إعادة بناء سوريا الجديدة، ولئن كان النقاش حول هذا الموضوع في أولى مراحله، ويحتاج إلى وقت وجهود من أجل إنضاج فكرة العدالة الانتقالية، وتوفير متطلبات إنجاحها، فإن الإرث السياسي والاجتماعي والمناخ النفسي العام الثقيل والمعقد في مؤسسات الدولة ونسيج المجتمع، والثقافة السياسية التي حكمت النظام السياسي السوري، وجعلته متكورا حول نفسه، بل حولته إلى سياج سميك في علاقته بالسوريين أفرادا وجماعات، وكلها اعتبارات موضوعية تجعل من العدالة الانتقالية ليس مطلبا فحسب، بل ضرورة لا مندوحة عنها، لإعادة الثقة في السياسة وممارسيها، وفي مكونات المجتمع وروافده اللغوية، والإثنية، والثقافية.



تُنبه التجارب المقارنة إلى أن ليس ثمة مقاربة واحدة لفهم العدالة الانتقالية، ومسالك تحقيقها، بل هناك تنوع في الفهم، وتعدد في طرق الإنجاز. والحال أن السياقات العامة السياسية والمجتمعية والثقافية هي المتحكمة بدرّة أساسية في صياغة رؤية فكرية لروح العدالة الانتقالية، ورسم طرق وآليات الوصول إليها. فبعض تجارب العدالة الانتقالية تحققت في ظل استمرار نفس النظام السياسي، بل إن النظام نفسه كان طرفا مشاركا في بناء خطوات إنجاز العدالة الانتقالية.

تمثل التجربة المغربية مثالا بارزا عن تحقيق العدالة الانتقالية في ظل استمرار النظام السياسي وبمشاركته، إلى جانب مكونات المجتمع السياسي والحقوقي والمدني. فهكذا، استطاع المغاربة، نظاما سياسيا ومجتمعا مدنيا، من القبض على العصى من الوسط
وتمثل التجربة المغربية مثالا بارزا عن تحقيق العدالة الانتقالية في ظل استمرار النظام السياسي وبمشاركته، إلى جانب مكونات المجتمع السياسي والحقوقي والمدني. فهكذا، استطاع المغاربة، نظاما سياسيا ومجتمعا مدنيا، من القبض على العصى من الوسط. فمن جهة، تمت المحافظة على ثوابت النظام السياسي، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين 1956 و1999، وفي الآن معا تضميد الجراحات الناجمة عن هذه الانتهاكات من خلال آليات التعويض المادي، وجبر الأضرار المعنوية، والالتزام بعدم تكرار التجربة موضوع المساءلة، عبر تقديم مجموعة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والمؤسساتية، وتضمينها في الوثيقة الدستورية لعام 2011.

فإلى جانب التجربة المغربية، وهي الوحيدة والنادرة في البلاد العربية، هناك تجارب تحققت في مناطق كثيرة من العالم، نشير، على سبيل المثال، إلى حالة جنوب أفريقيا، حيث عاش هذا البلد لعقود انتهاكات جسيمة من قبل أقلية البيض، استحوذت على السلطة والثروة، وقامت بأشكال متنوعة من التنكيل من السكان الأصليين، وكادت أن تقضي عليهم واجتثاث جذورهم عنوة وبالقوة. فالمقاربة المعتمدة في جنوب أفريقيا، اعتمدت هي الأخرى حلا توافقيا وسطا بين "الحاجة الملحة على تحقيق استقرار سياسي بناء سلم مدني، وواجب الكشف عن "حقيقة" تضمن هدوء الذاكرة"، متلمسة بذلك طريقا وسطا بين "العدالة العقابية والعفو الشامل".

لذلك، يُنتظر من القادة السوريين الجديد ومن يدعمهم بصدق أن يُعملوا العقل، ويرجحوا الاجتهاد الخلاق في صياغة رؤيتهم الخاصة لمقاربة ممكنات تحقيق العدالة الانتقالية في بلدهم. فطريق الانتقام، والعقاب القاسي، وربما القصاص، كما يروج له البعض، ليس خيارا سالكا، بل هو، بكل المقاييس، سيفتح البلاد على آفاق غير واضحة المعالم، وربما سيدفع سوريا دفعا نحو الخراب المدني والانتكاس السياسي. ثم إن التفكير في الحلول الجاهزة من قبيل التنكيل بفلول النظام، وتقتيلهم دون محاكمات عادلة، سيعقّد إمكانيات بناء سوريا الجديدة. فالمدخل الكفيل بإنجاح سيرورة العدالة الانتقالية، لا يمكن أن يكون إلا مدخلا مبنيا على عدالة القانون، ووسطية العقل، وروح إعادة بناء الثقة، والبحث عن المشترك داخل سوريا الجديدة التي لا يمكن أن تكون إلا متعددة، متنوعة، ومتصالحة مع ذاتها، ومتسامحة مع كل مكوناتها.

الانتقال في هذه الخطوات ليس عملية سهلة، ولن تكون بالضرورة سلسة، بل هي مسار معقد بطبيعته، ينطوي على الصعود والنزول، ويحتمل النجاح كما الكبوة والإخفاق.. لكن الأساسي في هذه العملية برمتها يكمن في وعي كل مكونات الشعب السوري دقة اللحظة التاريخية التي توجد في قلبها بلادهم، والاستعداد غير المشروط من لدن الجميع على التكاتف من أجل إنجاح العدالة الانتقالية بكل مراحلها
لذلك، كما أشرنا في مقال الشهر الماضي، تحتاج سوريا الجديدة أولا وقبل كل شيء إلى الإفصاح الصريح عن هويتها، من حيث طبيعة نخبتها القائدة، ونمط تفكيرهم ونوع تصوراتهم، لإقناع السوريين في الداخل والعالم من حولهم بأنهم على الطريق السالك لإعادة بناء الثقة في السياسة والمؤسسات والمجتمع، وأن أولوية أولوياتهم استرجاع مناخ الاستقرار والسلم إلى بلدهم، وفتح المجال واسعا أمام كل السوريين للمساهمة في إنجاح عودة الحياة المدنية إلى وطنهم.

وفي هذا الاتجاه يبدو مهما وضروريا ترتيب شروط حوار وطني مفتوح في سوريا حول سبل إعادة بناء سوريا الجديدة، يكون مؤسسا على رؤية واقعية، وواضحة، وقابلة للتطبيق، يستطيع الجميع الاهتداء بها، والسير على نهجها. والحال أن لسوريا الكفاءات والطاقات الجديرة والكفيلة بصياغة مثل هذه الرؤية، التي سنضيء الطريق للبناء الجديد.

ثم إن مخرجات المؤتمر الوطني، إن توفرت شروط انعقاده ونجاحه، سترسم صورة إعادة بناء سوريا الجديدة، من حيث القوانين اللازمة، وفي مقدمتها إعداد دستور ديمقراطي، يضمن بناء دولة مدنية تحتضن الجميع على قاعدة المواطنة، وتكرس توزيعا متوازنا للسلطات، وتكفل الحقوق والحريات بكافة أجيالها، وتاليا تقود البلاد إلى تكريس قواعد ومبادئ المشاركة المواطنة الواسعة والمفتوحة، المبنية فقط على مبدأ التكافؤ في الحقوق والفرص.

غير أن ما يجب التنبيه إليه أن الانتقال في هذه الخطوات ليس عملية سهلة، ولن تكون بالضرورة سلسة، بل هي مسار معقد بطبيعته، ينطوي على الصعود والنزول، ويحتمل النجاح كما الكبوة والإخفاق.. لكن الأساسي في هذه العملية برمتها يكمن في وعي كل مكونات الشعب السوري دقة اللحظة التاريخية التي توجد في قلبها بلادهم، والاستعداد غير المشروط من لدن الجميع على التكاتف من أجل إنجاح العدالة الانتقالية بكل مراحلها، لبناء سوريا جديدة تجب الماضي وحقبة طغيانه الذي ضغط بكلكله على صدور السوريين من انقلاب عام 1963 وحتى هروب بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدالة الانتقالية سوريا المجتمع التجارب آليات سوريا مجتمع العدالة الانتقالية تجارب آليات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بناء سوریا الجدیدة النظام السیاسی إعادة بناء فی هذه

إقرأ أيضاً:

"الأطباء" تستضيف اليوم لجنة من الضرائب لشرح التسهيلات الضريبية الجديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تستضيف النقابة العامة للأطباء، اليوم الأربعاء، من الساعة 10 صباحًا وحتى 3 عصرًا، لجنة من مصلحة الضرائب المصرية، لشرح كيفية الاستفادة من بنود حزمة التسهيلات الضريبية وتقديم الدعم الفني، والمساعدة فى تقديم نماذج التسهيلات على موقع مصلحة الضرائب المصرية.

وقال أمين عام مساعد نقابة الأطباء الدكتور خالد أمين زارع، إن مصلحة الضرائب المصرية أطلقت نظامًا ضريبيًا مبسطًا يقدم تسهيلات غير مسبوقة سواء للمولين المسجلين الحاليين أو الجدد، يستهدف تيسير الإجراءات وتخفيف الأعباء المالية على أصحاب المهن الحرة، سواء أطباء بشريين أو أطباء أسنان أو بيطريين، وغيرهم.
وأوضح أن النظام الجديد يشمل جميع من لا يتجاوز حجم أعمالهم السنوي 20 مليون جنيه، وذلك من خلال فرض ضريبة دخل نسبية وفقاً لحجم الأعمال السنوي.

وأضاف أنه على سبيل المثال: إذا كان دخل الطبيب السنوي 400 ألف جنيه، فبقيده في النظام المبسط سيدفع فقط 1600 جنيه سنويًا.. أما في حالة عدم الانضمام للنظام، فستصل الضريبة إلى ما يقرب من 65 ألف جنيه لنفس الدخل.

وأشار إلى أن الاستفادة تزداد كلما ارتفع الدخل وعلى سبيل المثال: طبيب بدخل سنوي 15 مليون جنيه، إذا كان مسجلاً بالنظام المبسط، لن تتجاوز الضريبة المستحقة 200 ألف جنيه.. بينما في النظام التقليدي، قد تصل الضريبة إلى 3.5 مليون جنيه.

وقال عضو مجلس نقابة الأطباء د. كريم سالم، أن هناك مميزات أخرى هامة للنظام المبسط وهي كالتالي:

- تقديم إقرار القيمة المضافة كل 3 شهور بدلًا من كل شهر.

- إلغاء الخصم تحت حساب الضريبة بنسبة 5% التي كانت تخصم من المنبع.

وأوضح د. كريم سالم أن شرط الاستفادة من النظام الجديد، هو الانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية أو الإيصال الإلكتروني.

يذكر أن وفد من نقابة الأطباء ضم أمين عام النقابة د. محمد فريد حمدي، والأمين العام المساعد د. خالد أمين، وعضو مجلس النقابة العامة للأطباء د. كريم سالم، اجتمع مؤخرا مع رئيس مصلحة الضرائب.

وترحب النقابة العامة للأطباء بتلقي شكاوى ومقترحات الأطباء المتعلقة بالملف الضريبي، لعرضها على اللجنة والوصول لأفضل الحلول التي تيسر على الأطباء وأصحاب المنشآت الطبية.

مقالات مشابهة

  • وكيل خطة النواب: الموازنة العامة الجديدة تركز على محور بناء الإنسان المصري
  • "الأطباء" تستضيف اليوم لجنة من الضرائب لشرح التسهيلات الضريبية الجديدة
  • الخارجية الأمريكية: نأمل أن يمثل تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة إيجابيّة نحو سوريا شاملة
  • أهالي منطقة الحولة بريف حمص يعيدون بناء وترميم منازلهم التي دمرها النظام البائد
  • الإطار التنسيقي: الانتخابات تعيد بناء المشهد السياسي وتعزز الاستقرار
  • أحمد حمدي: تحقيق السلام في فلسطين يتطلب تحقيق العدالة والاعتراف بالشرعية
  • لماذا اختفى الدعم السياسي والشعبي لإضراب غزة العالمي من مصر؟
  • ولد الرشيد يؤكد انخراط البرلمان في تحقيق العدالة الإجتماعية ويرد على إقحام "قضية الصحراء" في منتدى برلماني دولي
  • بالتفاصيل.. ماليزيا تعرض المساعدة في إعادة بناء سوريا
  • ماليزيا تعرض المساعدة في إعادة بناء سوريا وتدعو الشرع لزيارتها