ردم البحر في غزة.. هل تصلح التجربة اليابانية لإعادة الإعمار؟
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
قبل عدة أيام قدم الدكتور ممدوح حمزة، الاستشاري الهندسي المصري الشهير، عبر مقطع فيديو على حسابه بموقع "إكس"، اقتراحا هندسيا يتضمن استخدام الأنقاض الناتجة عن الحرب في قطاع غزة كمواد خام لإنتاج الطوب، مما يسرع عملية إعادة الإعمار ويقف عقبة أمام مخطط ترامب.
في المقابل، قدم مهندس وأكاديمي مصري يعمل في اليابان مقترحا بديلا نال الكثير من الاهتمام على وسائل التواصل مؤخرا، مستندا إلى التجربة اليابانية في ردم مياه البحر بالركام، حيث قال على صفحته بموقع فيسبوك إن "هذا الحل يمكن أن يوسع مساحة القطاع ويوفر حلا عمليا وسريعا في مواجهة خطة التهجير".
ولم تنفذ دولة مشروعات عملاقة لردم مياه البحر، مثلما فعلت اليابان، التي حفل تاريخها بالعديد من الكوارث سواء كانت طبيعية مثل الزلازل أو بسبب الإنسان مثل الحروب، وهو ما خلف أطنانا هائلة من الركام، تم استغلالها لهذا الغرض، حيث تقدر مساحة الأراضي الناتجة عن ردم البحر بنحو 0.5% من إجمالي مساحة اليابان، لذلك فإن المهندس والأكاديمي المصري باليابان الدكتور المهندس محمد سيد علي حسن، يرى أننا أمام تجربة عملية ومجربة يمكن استلهامها.
تبدأ الخطة بنقل المخلفات الخرسانية الكبيرة من مكانها بواسطة سيارات نقل إلى أكثر شواطئ القطاع ضحالة والأخفض أمواجا (الجزيرة) لماذا لا يبدو مقترح الطوب عمليا؟ويوضح حسن أنه في حالة القطاع توجد عشرات وربما مئات ملايين الأطنان من الأنقاض والركام التي خلفها العدوان الهمجي، سيحتاج اقتراح الدكتور حمزة إلى عدد هائل من الكسارات والطواحين وكميات طاقة ضخمة لتشغيلها، وبعد انتهاء تلك الكسارات والطواحين من مهمتها الشاقة ستصبح هي نفسها عالة، أي لا حاجة إليها في المستقبل القريب، وهذا يعني أموالا أخرى ضخمة مهدرة.
والبديل الذي قد يطرحه البعض، وهو تقليل عدد الكسارات والطواحين غير عملي، لأن الكم الرهيب من الأنقاض التي خلفتها الحرب سيحتاج التعامل معه لوقت طويل قد يبلغ ربما 10 سنوات، وهذا ليس في صالح أهل القطاع وسط دعوات التهجير، وأخيرا، فإنه بعد طحن الأنقاض لبودرة سيحتاج القطاع لعدد كبير من مصانع الطوب وطاقة كبيرة للتشغيل، أي تكلفة مادية أخرى ووقت إضافي لصناعة الطوب".
وخلص حسن من ذلك إلى طرح البديل، وهو الاستفادة من تجربة اليابان في "تحويل الدمار إلى فرصة للبناء والتمكين والتوسع وفي وقت أقصر"، وهو ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد زلزال كوبي المدمر في عام 1995.
إعلانوقال إن "الخطوات الأساسية لتنفيذ هذا المقترح، تبدأ بنقل المخلفات الخرسانية الكبيرة من مكانها بواسطة سيارات نقل إلى أكثر شواطئ القطاع ضحالة والأخفض أمواجا مثل الخلجان للبدء في ردم أجزاء من البحر، ثم نقل بقية الركام الأصغر في الحجم والناعم وتكويمه فوق الكتل الخرسانية الكبيرة، حتى يحين وقت دكه لإنشاء الأراضي الجديدة في مياه البحر".
ثم بعد التخطيط وإخلاء الأنقاض من أماكنها يتم إنشاء بنية تحتية ذكية، فعلى سبيل المثال يمكن إنشاء شبكات صرف صحي ومياه شرب وشبكات كهرباء وإنترنت لامركزية علوية على أبراج وأعمدة، وليس في باطن الأرض حتى يسهل صيانتها سريعا في حالة الكوارث، وتتم عملية إعمار المدن بمبان ذكية في مدن ذكية يسهل إدارتها أوقات الكوارث، والاعتماد على مصادر طاقة محلية بدلا من الاعتماد مرة أخرى على العدو ولتكن البداية إضافة ألواح شمسية فوق كل المباني.
وأوضح أن "هذه التجربة مجربة، وقد ردمت اليابان من البحر مساحة قدرها نحو ألفي كيلومتر مربع والتي تعادل مساحة القطاع 6 مرات بمخلفات الزلازل والحرب العالمية الثانية، ومن أشهر تلك الأماكن التي كانت نتاج هذا الردم منطقة أوديبا في خليج طوكيو ومطار كانساي الدولي في خليج أوساكا".
خبرات فنية واشتراطات هندسيةويتفق خبراء استطلعت "الجزيرة نت" آراءهم على أنه لا يوجد نظريا ما يمنع من تنفيذ هذا الاقتراح، لكنهم اتفقوا على أن تنفيذه مكلف ماديا، ويحتاج إلى خبرات فنية واشتراطات هندسية وجيولوجية وضوابط بيئية، هذا فضلا عن أن تمريره سياسيا سيكون أقرب إلى الاستحالة، إذ من غير المعقول أن يسمح الاحتلال بمقترح يزيد من مساحة القطاع.
وتحدث أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات في كلية الهندسة جامعة القاهرة د.عبد العزيز محمد عبد العزيز، عن بعض الاشتراطات الهندسية للتنفيذ، ومن بينها "تقييم خصائص الركام".
إعلانوقال: "يجب أن يكون الركام المستخدم بأحجام وأشكال مناسبة، فالركام الكبير جدا قد يتعرض لعدم الاستقرار في القاع، والنوع الصغير جدا قد يتم جرفه بواسطة التيارات المائية، وينصح بتكسير الركام إلى أحجام تختلف حسب طبيعة المشروع، كما يجب أن يكون كثيفا بما يكفي لكي يستقر في قاع البحر دون أن يتم حمله بواسطة التيارات، لذلك لن يصلح كل أنواع الركام، وبالتالي يجب التفكير في استخدامات للأنواع التي لن يتم استغلالها".
وكما يتم اختيار الركام، يجب أن تكون هناك خبرات فنية لاختيار مكان الردم، لأنه "إذا كانت المنطقة المخصصة للردم تتعرض لموجات قوية أو تيارات مائية شديدة، قد يكون من الضروري إنشاء مصدات للأمواج أو استخدام تقنيات حماية مثل الحواجز الصخرية لحماية الركام من التآكل أو الانجراف بفعل التيارات البحرية، وسيترتب على ذلك، أن المنطقة التي ستكون خلف المصدات، منطقة ترسيب، وبالتالي يجب رفع الرواسب منها بشكل دائم، وهو أمر يعني ضرورة المتابعة الدائمة والمستمرة".
كما سيحتاج الركام نفسه لمتابعة مستمرة عبر إجراء دراسة للهيدروديناميكا المائية، لتقييم تأثير تيارات المياه والأمواج على استقراره، ولتحديد السرعة القصوى للمياه التي قد تؤدي إلى انجرافه.
ويشير د.عبد العزيز إلى أنه يجب أيضا قبل بدء عمليات ردم، إجراء تحليل لتربة قاع البحر لضمان أنها قادرة على تحمل وزن الركام دون حدوث تسوية أو انهيارات، مضيفا أنه "في حالة وجود تربة رخوة أو غير مستقرة، قد يتطلب الأمر تحسينها باستخدام تقنيات هندسية مثل الدك المسبق أو تثبيتها بمواد مثل الأسمنت، وفي بعض الحالات، يمكن استخدام تقنيات مثل الحقن الجيوتقني لتثبيتها قبل البدء في الردم، وهذا يساعد في تحسين استقرارها وزيادة قدرتها على تحمل الأحمال الثقيلة".
وينتقل إلى مرحلة أخرى، وهي أنه "بعد وضع الركام، يجب ضغطه بشكل مناسب باستخدام تقنيات دمك هندسية مثل استخدام المعدات الثقيلة لضمان تقليل الفراغات وزيادة استقرار الطبقات، وإذا كانت المنطقة عرضة لتغيرات كبيرة في مستوى المياه نتيجة المد والجزر، فيجب تصميم الردم بطريقة تأخذ ذلك في الاعتبار، مثل استخدام طبقات أكثر ثباتا في الجزء السفلي وتحسين التهوية بين الطبقات لتفادي التشبع بالماء".
إعلان مقبول نظريا .. صعب عملياوبسبب هذه الاشتراطات التي تحدث عنها د.عبد العزيز، يرى أستاذ الهندسة الإنشائية بالجامعة الأميركية بالقاهرة د.محمد نجيب أبوزيد، أن هذا المقترح قد يكون مقبولا من الناحية النظرية، لكنه عمليا يواجه صعوبات في التنفيذ، بسبب تكلفة تنفيذ كل هذه الاشتراطات، فضلا عن الضوابط البيئية التي قد تحول دون التنفيذ.
ويقول أبوزيد إنه "من الضروري التأكد من أن الركام لا يحتوي على مواد سامة من نتاج الحرب، يكون لها تأثيرات سلبية على الحياة البحرية، هذا فضلا عن أنه وإن لم يتأثر بالحرب، قد يكون لمكوناته في الأساس تأثيرات سلبية، لذلك فإنه قبل التنفيذ يجب ضمان عدم حدوث تلوث للحياة البحرية، ويجب مراقبة ذلك بعد تنفيذ المشروع، وقد تشمل هذه المراقبة أخذ عينات مياه دورية، ودراسة الرواسب البحرية، وفحص التنوع البيولوجي".
ويضيف: "هذه المراقبة المستمرة تضيف عبئا ماديا على المشروع المكلف في الأساس، ومن أبرز عناصر تلك التكلفة، عمليات نقل الركام وضغطه بشكل مناسب، والتي يجب أخذها في الاعتبار".
وقبل كل هذه الاشتراطات والضوابط التي تعقد من التكلفة المادية للمشروع، لا يعتقد أبو زيد أنه من السهل تمريره سياسيا في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعله يقول في النهاية إنه لا يجب غلق أفق التفكير على مقترح واحد، ويجب أن تكون هناك العديد من الخيارات، مثل الخيار الذي تحدث عنه د.ممدوح حمزة.
والتقط د.محمود صقر الرئيس السابق لأكاديمية البحث العلمي المصرية، جانبا اقتصاديا ربما يكون داعما لمقترح د.حمزة، وقال في صفحته بموقع فيسبوك تعليقا على أسباب رفضه التي ذكرها الدكتور حسن: "أعتقد أنه في ضوء ندرة دخول مواد البناء، فإن القطاع في حاجة إلى تصنيع الطوب من المخلفات محليا، ويفضل استخدام كسارات صغيرة لامركزية، بحيث توفر فرص عمل وتستخدم في المستقبل كمشروعات متوسطة".
إعلانوعلى ذلك، فإن كلا المقترحين، سواء استخدام الركام لإنتاج الطوب أو استغلاله لردم البحر، يقدم حلولا فنية ممكنة، إلا أن اختيار أحدهما يتطلب نهجا متكاملا يشمل التنسيق بين الحلول الهندسية المتاحة والواقع السياسي والاقتصادي لضمان حل مستدام في ظل الضغوط الحالية المفروضة على قطاع غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس «الوعي»: جهود مصر لإعادة إعمار غزة يؤكد دورها الريادي تجاه المنطقة
قال المهندس عادل زيدان، نائب رئيس حزب الوعي، إنَّ مصر تواصل دورها المحوري في دعم القضية الفلسطينية، وهو دور راسخ ومتجذر في سياستها الخارجية التي تعتمد على مبدأ مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن إعلان الدولة المصرية عن نيتها استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة يأتي في سياق جهودها المستمرة لتخفيف معاناة سكان القطاع، الذين دفعوا ثمناً باهظاً جراء الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمرافق الحيوية بسبب العمليات العسكرية الأخيرة.
المبادرة المصرية تعكس إدراكاً عميقاً لحجم الكارثة الإنسانية في غزةوأكّد زيدان في بيان له أنَّ المبادرة المصرية تعكس إدراكاً عميقاً لحجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون في غزة، كما تؤكد التزام القاهرة بتقديم كل أشكال الدعم، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني، لافتًا إلى أنَّ التحرك المصري في ملف إعمار غزة، امتداد لدورها في إدارة الأزمات الفلسطينية، سواء من خلال الوساطات التي قادتها لوقف إطلاق النار أو عبر تقديم المساعدات العاجلة، سواء الغذائية أو الطبية، التي تدفقت عبر معبر رفح رغم كل التحديات، لافتا أن المؤتمر المزمع تنظيمه ليس مجرد فعالية دبلوماسية، بل خطوة عملية تهدف إلى حشد الدعم الدولي، وضمان التزام الدول المانحة بالمشاركة الفاعلة في عملية إعادة الإعمار، بحيث لا تقتصر المساعدات على وعود سياسية أو مبادرات محدودة التأثير.
القاهرة تعتمد في تحركاتها على رؤية شاملة لإعادة إعمار قطاع غزةوأضاف أنَّ القاهرة تعتمد في تحركاتها على رؤية شاملة لإعادة إعمار القطاع، تستند إلى خبراتها السابقة في هذا الملف، حيث سبق لمصر أن لعبت دوراً محورياً في إعادة إعمار غزة بعد جولات سابقة من العدوان، مشيرًا إلى أنَّ هذه الرؤية تأخذ بعين الاعتبار ضرورة بناء بنية تحتية متينة قادرة على الصمود أمام الأزمات، إلى جانب تأمين سبل العيش الكريم لسكان القطاع، من خلال إعادة تأهيل المرافق الصحية والتعليمية، وإطلاق مشروعات تنموية تساهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية.