عن "عنفية الأصدقاء"
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
"عنفية الأصدقاء" يبدو مصطلحًا غريبًا وغير معتاد، لكني أدرجته هنا لشعوري أن الصداقة الجيدة لها تأثير كبير على حياة الناس وفي مختلف المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها، الصداقة مؤثرة في علاقات أهل البيت الواحد، ومؤثرة في علاقات الدول إيجابيًا وسلبيًا، ويمكن أن تبني حضارة أو تهدمها في أقل مجهود.
الصداقة بين اثنين هي واحدة من أسمى العلاقات الإنسانية، وأجدر أن تكون أكثر إنسانية بين ممارسيها.
أتحدث عن هذا الأمر لكثرة ما يصل إليّ من أفهام حول تغير الأصدقاء؛ فلم يعودوا يمارسون الصداقة كما يجب أو كما كانت في بداياتها. الأمر غير مرتبط بالانشغال عموما وإنما في التعامل الشفيف نفسه؛ فإذا لم يكن الصديق على ثقة واحترام لصديقه فكيف بالآخر الاستمرار بها، وإذا لم يكن تعاطي الصديق مع الآخر من باب التكافؤ والتساوي والإنصاف فإن الصداقة تتهددها الظنون وربما التراجع.
هذا الأمر يعتمد على الرسائل التي يتلقاها من صديقه، ولأنها، أي الصداقة، مبنية على الثقة فقد لا يتضح الضرر عنده وقتها للفت النظر أو محاولة تغيير السلوك فيكون غير معتاد عن ذي قبل كالاحترام والإجلال والتقدير.
من المهم لبقاء الصداقة قوية عدم إفشاء الأصدقاء لإخفاقاتهم إلى الآخرين، والنظر إلى السحاب على أنه يأتي وينقشع، لأن من تبوح له بإخفاق صديقك سيبدي رأيا قد يؤثر في أولويات تلك الصداقة، وقد تتحول العلاقة إلى مصدر للألم، وبدل تحكيم العقل والمنطق يجبر التفكير السلبي على بقاء الألم أو التخلص منه بصورة غير لائقة تاركا مساحة من العيش الجيد يملؤه الفراغ فيجلب لنفسه الضجر والسأم ويؤثر على طيب العيش وحسن المعشر.
وبالتالي فإن "عنفية الأصدقاء" تحتاج إلى الكثير من التفكير والتحليل العلمي المبني على الموضوعية، فما هو الشعور عندما تكتشف أن من تعتبرهم أصدقاءً أعزاء يرونك شخصًا غير مهم، يعيش على الهامش، ولا يستحق الاهتمام؟ هذا النوع من العلاقات الجامدة هي ما يمكن أن نطلق عليه بالعنفية سابقة الذكر، لأن الألم النفسي أكبر عن الألم الجسدي لعمقه، ولطول مدة التعافي منه على أي حال.
ليس عيبا استغلال الأصدقاء لبعضهم استغلالا حميدا يولد دفقا عاطفيا كبيرا ولكن في المقابل على كل واحد أن يعي ضرورة الاستماع للآخر حتى يحدث التوازن المطلوب. الصداقة الدائمة تحتاج إلى نفس عميق لا يستطيع البعض التعامل معها، فقبول الصديق كما هو وليس كما أريد مهارة وامتياز، أما الحصول على الدعم العاطفي وربما المادي دون تقديم أي شيء في المقابل أو الانتصار للنفس فهو دليل الفهم الناقص. والحقيقة أن علامات عنفية الأصدقاء تتمدد وتزداد مع العنصرية وبعد الصديق عن المبادئ الإنسانية السوية كعدم احترام حدوده.
تظهر عنفية الأصدقاء أيضا في السلوك غير المتكافئ والاستعلائي الذي قد يكون ظاهرًا أو خفيًا، لكنه في النهاية يؤدي إلى شعور أحد الأطراف بأنه أقل أهمية، أو أنه يعيش على هامش حياة الطرف الآخر. هذه العنفية قد تظهر في أشكال مختلفة، مثل فرض الرأي، والظن بصوابيته، وربما في تجاهل مشاعر الآخر أو التقليل منها.
وأعود قليلا إلى ضرورة تحكيم العقل والمنطق الذي أشرت إليهما مسبقا في حديثي عن أهمية بقاء الصداقة في إطار يحكمه معيار مختلف عن الذات لأن الذات لا تحكم إلا من خلال الأنانية والاستئثار وهما أمران لا يستثيران معيارا خارجيا، وبالتالي تكون النتيجة مؤلمة للجميع خصوصا إذا كانت الصداقة قديمة وشهدت مواقف جميلة بين الطرفين، ومع ذلك كما يقال دائما أن القرب سلاح ذو حدين إما أن يشكل علاقة أعمق وإما أن يدعي كل واحد أنه اكتشف سلبية الآخر وهو أمر محير.
لعل تأثير هذه العلامات بالصحة النفسية تكون قوية على علاقة الصداقة غير المتكافئة، ويمكن أن يكون لها تأثير سلبي كبير على الصحة النفسية. الشعور بعدم الأهمية أو القيمة يمكن أن يؤدي إلى تدني احترام الذات والاكتئاب والقلق، وقد يشعر الشخص بالعزلة الاجتماعية، خاصة إذا كان يعتمد بشكل كبير على هذه الصداقة للحصول على الدعم العاطفي.
والتصرف مع مثل هذه المعاملة من الاستعلاء تحتم التقييم الصادق للعلاقة، الخطوة الأولى هي تقييم العلاقة بشكل صادق. هل هذه الصداقة تجلب لك السعادة أم الألم؟ هل تشعر بالتقدير والاحترام أم بالاستغلال والتجاهل؟، بعد هذه الخطوة تأتي خطوة أخرى هي وضع الحدود إذا قررت الاستمرار في العلاقة، من المهم وضع حدود واضحة ومفهومة.
كذلك التواصل الفعال، ففي الوقت الذي تشعر فيه بسلوك صديقك السلبي قد يكون هو غير مدرك لتأثير سلوكه عليك؛ فيؤدي التواصل إلى تحسين العلاقة، أو الابتعاد إذا لزم الأمر إذا كان الاستمرار يؤدي إلى الألم أو لا يمكن إصلاح الأمر، أيضا يمكن البحث عن صداقات جديدة مع أشخاص يقدرونك ويحترمونك، فالصداقات الصحية يمكن أن تعيد لك الثقة بنفسك وتجلب لك السعادة.
"عنفية الأصدقاء" ظاهرة مؤلمة تؤثر بشكل كبير على حياتنا العاطفية والنفسية، أما الصداقة الحقيقية فيجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل والدعم والتقدير كما ذكرت، والتغاضي عن بعض الهفوات البسيطة، ومن المهم أن تجد صديقا صادقا لمئة عام وليس مئة صديق لعام واحد أو كما يقال.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم زواج المسلمة من غير المسلم.. الأزهر يحسم الأمر
حكم زواج المسلمة من غير المسلم.. خرج علينا فى الفترة الأخيرة فتيات مسلمات على السوشيال ميديا يدعين انهن متزوجات برجل غير مسلم.. وقد أثار هذا الأمر حالة جدل كبيرة بين الرواد، متساءلين عن حكم ومدى صحة هذا الزواج.
وقد أجاب عن هذا السؤال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية وقال: إن الإسلامُ عظَّم قِيمَ الرَّحمة والتَّعايش والتَّسامح مع جميع النَّاس، وأمر بها أتباعه.
كما دعا الإسلام الحنيف إلى البرِّ والإحسان في معاملة غير المسلمين، وأجاز البيع والشراء وجميع المعاملات معهم؛ إذا لم تشتمل على مُحرَّم أو معصية في الشَّريعة الإسلامية، وانضبطت بضوابطها التي تحفظ الأموال والقِيَم كافَّة.
اما فى الزواج فإن عَقْد الزواج في الإسلام عَقْد شرعيّ، قوامه الدِّين والمودَّة والرَّحمة، وتوثيقه المدنيّ يحفظ الحُقوق لأصحابها.
هل يحل زواج المسلمة بغير المسلم
وبين مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ان الإسلام حرم زواج المُسلِمة من غير المُسلم مُطلقًا بإجماع فقهاء المسلمين في سائر العصور؛ لما استندوا إليه من الأدلة، ومن المعلوم أن المسائل التي انعقد إجماع أهل الاجتهاد على حكم فيها؛ لا تكون محلًا للاجتهاد أصلًا، حتى ممن لهم القدرة على الاجتهاد، فضلًا عن فاقدي أهلية الاجتهاد.
الحكمة من تحريم الاسلام زواج المسلمة من غير المسلم
واوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ان تحريم شريعتنا لزواج المسلمة من غير المسلم يحقق مصلحة الأسرة، ويدعم استقرارها، فزواج المسلمة من غير المسلم لا يُتَوقع منه دوام العِشرة بين الزَّوجين، وهو ما يظهر من خلال بيان حِكمة إباحة زواج المُسلم من الكتابية مع عدم مشروعية العكس، وهذه الحِكمة يمكن تلخيصها في الآتي:
(1) أن المُسلم يؤمن بجميع الأنبياء ويُعظِّمهم، ويُعظِّم الكتب التي جاءوا بها من عند الله سُبحانه؛ بل لا يتم إيمانه إلا بهذا؛ وذلك لقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. [البقرة: 136]
(2) المُسلم مأمور بتمكين زوجته الكتابيَّة من إقامة شعائر دينها، والذهاب إلى دار عبادتها، ومُحرَّم عليه إهانة مُقدَّساتها.
(3) المُسلم مأمور شرعًا بحُسْن عِشرة زوجته، سواء أكانت مُسلمة أم كِتابيَّة، والمودّة والرّحمة والسَّكينة بهذا مرجوَّة في أسرة المُسلم والكتابيَّة.
(4) غير المُسلم لا يؤمن بالإسلام ولا نبيه ﷺ، ولا تُلزِمه شريعته بتمكين المُسلمة من أداء شعائر دينها، أو احترام مُقدَّساتها، الأمر الذي يُؤثر -ولا شك- على المَودَّة بينهما، وأداء حقوق بعضهما إلى بعض.
وشددت على ان التَّسليم والانقياد هما أساسا استقبال المُسلم لما جاءه من وَحْي الله سُبحانه، مع إعمال الفهم في حِكَم الشَّرع الشَّريف، والإيمان أن في الاستجابة لأوامر الإسلام حياة؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. [الأنفال: 24] وَصَلَّىٰ اللَّه وَسَلَّمَ وبارَكَ علىٰ سَيِّدِنَا ومَولَانَا مُحَمَّد، والحَمْدُ للَّه ربِّ العَالَمِينَ.
حكم الزواج بين المسلمة وغير المسلم
كشف الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عن حكم الزواج بين المسلمة وغير المسلم، مؤكدًا أن هذا الزواج يعد باطلًا شرعًا ويُعتبر "محض زنا".
وأضاف أن الشرع الحنيف حرم على المسلمات الزواج من المشركين كما حرم على المسلمين الزواج من المشركات، مستندًا إلى الآية الكريمة في سورة البقرة: "وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا".
وأشار الدكتور علي جمعة في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع "فيس بوك" إلى أن الزواج الذي يتم بين مسلمة وغير مسلم لا ينعقد شرعًا.
وأوضح أن هذا النوع من العلاقات ليس بزواج شرعي، بل يُعتبر شيئًا آخر، وقد يكون زنا في حال لم تتوافر الشروط الشرعية.
وأكد مفتي الجمهورية السابق أن هذا الحكم الفقهي يرتكز على التشريع الإسلامي وليس على الطبع البشري، موضحًا أن الشريعة الإسلامية لا تعترف بأي عقد زواج يتم بين طرفين لا يتوافقان مع الشروط الشرعية، معتبرًا أن الشرع هو المعيار الوحيد الذي يحكم صحة العقد.
وفي رده على سؤال حول إمكانية تصحيح عقد الزواج في هذه الحالات، قال الدكتور علي جمعة إنه يمكن تصحيح الأنكحة إذا كانت تتم وفقًا لكتاب الله وسنة رسوله. أما إذا كان الزواج بين مسلمة وغير مسلم، فهو "زنا" ويجب على الرجل إعادة عقد الزواج إذا أسلم، أما إذا أسلم الرجل والمرأة معًا، فلا يتطلب الأمر إعادة العقد.
وأردف أنه في حالة الزواج بين مشرك ومشركة أو بين غير مسلمين، فلا يُعتبر زنا بل عقدًا، استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه: "ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح".