تشو شيوان **

 

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا عن فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على عدد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، بما في ذلك كندا والمكسيك والصين، ووفقًا للقرار الجديد، ستصل الرسوم الجمركية على السلع القادمة من كندا والمكسيك إلى 25%، بينما ستكون الرسوم على المنتجات الصينية 10%.

كما أشار ترامب إلى نية واشنطن فرض رسوم مماثلة على الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة؛ مما يعكس تصعيدًا في السياسة التجارية الأمريكية التي تهدف إلى حماية الصناعات المحلية كما هو مُعلن، وصحيح أن ترامب تراجع عن قراره بشأن كندا والمكسيك وتم تعليق الرسوم الجمركية لمدة شهر، ولكن هذا ما أجده مماطلة سياسية هدفها زيادة الضغط وجعل هاتين الدولتين تبادران لتقديم التنازلات لصالح الولايات المتحدة وهو ما تريده واشنطن من كل هذا.

لقد أثارت هذه التصرفات ردود فعل دولية عنيفة خصوصًا من الدول المُتضررة، فقد وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو القرار بأنه غير مقبول، مؤكدًا أن كندا ستتخذ إجراءات مقابلة هادفة وقوية لحماية مصالحها الاقتصادية. كما أعلنت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم أن بلادها لن تخضع للضغوط الأمريكية، مُشددةً على أن المكسيك لن تتراجع عن الدفاع عن مصالحها التجارية.

أما الصين، التي تُعد أحد أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فقد استنكرت القرار بشدة. ونقلت وزارة الخارجية الصينية عن متحدث رسمي قوله إن "حروب الرسوم الجمركية لا تنتج فائزين، بل ستؤدي إلى خسائر اقتصادية لكلا الطرفين". وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن هذه الإجراءات ليست في مصلحة أي من الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والدول الأخرى حول العالم. وأكدت الصين أنها ستلجأ إلى منظمة التجارة العالمية لتقديم شكوى رسمية ضد الولايات المتحدة، كما ستتخذ إجراءات مضادة مماثلة لحماية مصالحها الاقتصادية.

تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن هذه الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة تكاليف الواردات الأمريكية؛ مما قد ينعكس سلبًا على المستهلكين والشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد الخام والمنتجات الوسيطة من الدول المتضررة. كما أن هذه الإجراءات قد تزيد من حدة التوترات التجارية العالمية، مما قد يؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.

من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء أن هذه الخطوة قد تكون جزءًا من استراتيجية أمريكية أوسع لإعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية أكثر ملاءمة للولايات المتحدة، خاصة في ظل الانتقادات التي وجهها ترامب لاتفاقيات مثل "نافتا" مع كندا والمكسيك. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد تزيد من عزلة الولايات المتحدة في الساحة الدولية، خاصةً إذا استمرت الدول الأخرى في التضامن ضد السياسات التجارية الأمريكية.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن العالم مُقبل على فترة من عدم الاستقرار التجاري؛ فمثل هذه الإجراءات التصادمية لها تأثير كبير على مستقبل العلاقات التجارية الدولية؛ حيث قد تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة مفاوضات مكثفة واتصالات دبلوماسية لتخفيف حدة الأزمة، لكن في حال استمرار التصعيد، فقد تشهد الأسواق العالمية اضطرابات كبيرة تؤثر على سلاسل التوريد العالمية والاستثمارات الدولية.

يبقى السؤال الأكبر هو ما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤدي إلى تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة المتمثلة في حماية الصناعات المحلية، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم الخلافات التجارية وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي ككل؟ ورفض مثل هذه الإجرءات لم يكن من خارج الولايات المتحدة فحسب؛ بل جاء من داخلها أيضًا، فقد حذَّر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، من أن التعريفات الجمركية قد تزيد من التكاليف على المستهلكين الأمريكيين، إضافة إلى التوصل إلى الآراء المشترك من قبل الأوساط الاجتماعية الأمريكية بشأن نتيجة زيادة الرسوم الجمركية، والتي تعتقد أن المستهلكين سيدفعون أكثر لشراء البضائع اليومية؛ الأمر الذي يُضعف رغبة المستهلكين الأمريكيين وإعاقة جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للسيطرة على التضخم. ونحن قد شاهدنا تدفق المستهلكين الأمريكيين إلى شراء مزيد من البضائع والسلع منذ الشهر الماضي.

وفي الحقيقة، أعتقد أن الفرض الأحادي الجانب من الولايات المتحدة لرسوم إضافية ينتهك بشكل خطير قواعد منظمة التجارة العالمية، وهذه الخطوة لن تفشل فقط في حل مشاكلها الخاصة، ولكن أيضًا ستُعطل التعاون الاقتصادي والتجاري العادي بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. والولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، وتعزيز التعاون الاقتصادي بينها وبين الدول الأخرى يصالح جميع الأطراف.

نعترف أن هناك خلافات بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ومن الأفضل مواجهة الخلافات والمشاكل بشكل مباشر والانخراط في حوارات صريحة وتعزيز التعاون وإدارة الخلافات على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل، وهكذا يمكن للولايات المتحدة والصين وكندا والمكسيك وغيرها من الدول الأخرى أن تستفيد من بعضها البعض.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأسواق العالمية تهوي تحت ضغط الرسوم الجمركية الأمريكية


شهدت الأسواق المالية العالمية تراجعًا حادًا، اليوم الاثنين، متأثرة بموجة بيع واسعة عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من كندا والمكسيك والصين. وأثارت هذه الخطوة مخاوف المستثمرين من تصاعد التوترات التجارية، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأسواق الأوروبية والآسيوية، بينما كان الدولار الأمريكي المستفيد الوحيد من هذه التقلبات.  

تراجعات حادة في الأسواق الأوروبية  


افتتحت البورصات الأوروبية على انخفاض ملحوظ، حيث تراجع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنسبة 1.3%، مع تسجيل جميع القطاعات خسائر واسعة. وقادت أسهم قطاع السيارات الانخفاضات بهبوط تجاوز 4%، فيما شهدت أسهم التكنولوجيا والصناعة والتعدين تراجعًا بأكثر من 2%. كما انخفض مؤشر داكس الألماني بنسبة 1.7% خلال التعاملات الصباحية.  

ضغوط على الأسواق الآسيوية  
 

وفي آسيا، تكبدت أسواق الأسهم خسائر كبيرة، حيث تصدرت شركات صناعة السيارات مثل تويوتا، هوندا، كيا، وهيونداي قائمة التراجعات، نظرًا لتأثر صادراتها بالرسوم الجمركية الجديدة.  
- اليابان: فقد مؤشر نيكي 225 نحو 959.53 نقطة أو ما يعادل 2.42%، ليغلق عند 38,612.96 نقطة، بينما تراجع مؤشر توبكس الأوسع نطاقًا بنسبة 2.25% ليصل إلى 2,725.91 نقطة.  
- أستراليا: سجلت البورصة الأسترالية أكبر خسارة يومية منذ خمسة أشهر، حيث هبط مؤشرها بنسبة 1.8% ليغلق عند 8,379.4 نقطة.  
- كوريا الجنوبية وهونغ كونغ: شهد كل من مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية ومؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ تراجعات ملحوظة، وسط حالة من الحذر تجاه التداعيات الاقتصادية للرسوم الجديدة.  

الأسواق الأمريكية تتأثر بالتوترات التجارية  

امتدت موجة التراجعات إلى الأسواق الأمريكية، حيث انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 0.75% ليغلق عند 44,544.66 نقطة، بينما تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 0.5% ليصل إلى 6,040.53 نقطة.  

النفط يقفز وسط التوترات التجارية

 على الرغم من الخسائر في الأسواق المالية، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا بعد إعلان الرسوم الجمركية، نظرًا لتأثيرها المحتمل على تدفقات الطاقة. ومن المقرر أن تدخل التعريفات الأمريكية الجديدة، والتي تشمل 25% على الواردات من كندا والمكسيك و10% على المنتجات الصينية، حيز التنفيذ يوم الثلاثاء، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في سوق الطاقة العالمية.  

الدولار الأمريكي يحقق مكاسب وسط اضطرابات الأسواق  
 

في ظل التقلبات العنيفة، صعد مؤشر الدولار إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع، بينما تراجع الدولار الكندي إلى أدنى مستوى له منذ 22 عامًا أمام العملة الأمريكية. وجاء هذا الارتفاع نتيجة توقعات بأن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تعزيز الضغوط التضخمية، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.  

كما سجلت عملات الأسواق الناشئة، مثل الروبية الهندية والبيزو المكسيكي، خسائر كبيرة، في حين انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات وسط تزايد طلب المستثمرين على الأصول الآمنة.  

العملات المشفرة تتكبد خسائر فادحة  
 

لم تكن العملات الرقمية بمنأى عن تأثير الاضطرابات المالية، حيث تعرضت لضغوط بيع مكثفة بعد إعلان التعريفات الجديدة.  
- بيتكوين (BTC): تراجعت بنسبة 6.5% لتصل إلى 93,417.32 دولارًا، وهو أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع.  
- إيثر (ETH): هبطت بنسبة 20% إلى 2,483.69 دولارًا، وهو أدنى مستوى لها منذ سبتمبر الماضي.  
- إكس آر بي (XRP): انخفضت بنحو 23% إلى 2.2 دولار، فيما هوت دوجكوين (DOGE) بنسبة 24% إلى 0.23 دولار.  
- سولانا (SOL): تراجعت بنسبة 7.5% إلى 194.43 دولارًا، وفق بيانات موقع كوين ماركت.  

التوقعات المستقبلية: اضطرابات مستمرة في الأسواق

  يتأهب المستثمرون لمزيد من التقلبات في الأسواق المالية العالمية، في ظل تصاعد المخاوف بشأن تأثير السياسات الحمائية الأمريكية على الاقتصاد العالمي. ومع استمرار التوترات التجارية، يترقب المتداولون قرارات إضافية قد تصدر عن الإدارة الأمريكية، وسط توقعات بمزيد من الضغوط على الأسواق الناشئة والعملات الرقمية، في حين يظل الدولار الأمريكي المستفيد الأكبر من هذه الأزمة.
 

مقالات مشابهة

  • الذهب العالمي مستقر قرب مستوياته التاريخية متأثرا بالحرب التجارية الصينية الأمريكية
  • تفاصيل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • حزمة من الرسوم الجمركية.. الصين ترد على تحركات ترامب التجارية
  • الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية تدخل حيز التنفيذ
  • المكسيك: الولايات المتحدة وافقت على تجميد الرسوم الجمركية لمدة شهر
  • رئيسة المكسيك تعلن موافقة الولايات المتحدة على تجميد الرسوم الجمركية لمدة شهر
  • الأسواق العالمية تهوي تحت ضغط الرسوم الجمركية الأمريكية
  • بعد الصين وكندا والمكسيك.. الاتحاد الأوروبي في مرمى الرسوم الجمركية الأمريكية
  • ما تأثير رسوم «ترامب» الجمركية على صناعة السيارات الأمريكية؟