الرسوم الجمركية الأمريكية.. سياسة لا تصالح أحدا!
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
تشو شيوان **
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا عن فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على عدد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، بما في ذلك كندا والمكسيك والصين، ووفقًا للقرار الجديد، ستصل الرسوم الجمركية على السلع القادمة من كندا والمكسيك إلى 25%، بينما ستكون الرسوم على المنتجات الصينية 10%.
كما أشار ترامب إلى نية واشنطن فرض رسوم مماثلة على الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة؛ مما يعكس تصعيدًا في السياسة التجارية الأمريكية التي تهدف إلى حماية الصناعات المحلية كما هو مُعلن، وصحيح أن ترامب تراجع عن قراره بشأن كندا والمكسيك وتم تعليق الرسوم الجمركية لمدة شهر، ولكن هذا ما أجده مماطلة سياسية هدفها زيادة الضغط وجعل هاتين الدولتين تبادران لتقديم التنازلات لصالح الولايات المتحدة وهو ما تريده واشنطن من كل هذا.
لقد أثارت هذه التصرفات ردود فعل دولية عنيفة خصوصًا من الدول المُتضررة، فقد وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو القرار بأنه غير مقبول، مؤكدًا أن كندا ستتخذ إجراءات مقابلة هادفة وقوية لحماية مصالحها الاقتصادية. كما أعلنت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم أن بلادها لن تخضع للضغوط الأمريكية، مُشددةً على أن المكسيك لن تتراجع عن الدفاع عن مصالحها التجارية.
أما الصين، التي تُعد أحد أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فقد استنكرت القرار بشدة. ونقلت وزارة الخارجية الصينية عن متحدث رسمي قوله إن "حروب الرسوم الجمركية لا تنتج فائزين، بل ستؤدي إلى خسائر اقتصادية لكلا الطرفين". وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن هذه الإجراءات ليست في مصلحة أي من الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والدول الأخرى حول العالم. وأكدت الصين أنها ستلجأ إلى منظمة التجارة العالمية لتقديم شكوى رسمية ضد الولايات المتحدة، كما ستتخذ إجراءات مضادة مماثلة لحماية مصالحها الاقتصادية.
تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن هذه الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى زيادة تكاليف الواردات الأمريكية؛ مما قد ينعكس سلبًا على المستهلكين والشركات الأمريكية التي تعتمد على المواد الخام والمنتجات الوسيطة من الدول المتضررة. كما أن هذه الإجراءات قد تزيد من حدة التوترات التجارية العالمية، مما قد يؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.
من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء أن هذه الخطوة قد تكون جزءًا من استراتيجية أمريكية أوسع لإعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية أكثر ملاءمة للولايات المتحدة، خاصة في ظل الانتقادات التي وجهها ترامب لاتفاقيات مثل "نافتا" مع كندا والمكسيك. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد تزيد من عزلة الولايات المتحدة في الساحة الدولية، خاصةً إذا استمرت الدول الأخرى في التضامن ضد السياسات التجارية الأمريكية.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن العالم مُقبل على فترة من عدم الاستقرار التجاري؛ فمثل هذه الإجراءات التصادمية لها تأثير كبير على مستقبل العلاقات التجارية الدولية؛ حيث قد تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة مفاوضات مكثفة واتصالات دبلوماسية لتخفيف حدة الأزمة، لكن في حال استمرار التصعيد، فقد تشهد الأسواق العالمية اضطرابات كبيرة تؤثر على سلاسل التوريد العالمية والاستثمارات الدولية.
يبقى السؤال الأكبر هو ما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤدي إلى تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة المتمثلة في حماية الصناعات المحلية، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم الخلافات التجارية وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي ككل؟ ورفض مثل هذه الإجرءات لم يكن من خارج الولايات المتحدة فحسب؛ بل جاء من داخلها أيضًا، فقد حذَّر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، من أن التعريفات الجمركية قد تزيد من التكاليف على المستهلكين الأمريكيين، إضافة إلى التوصل إلى الآراء المشترك من قبل الأوساط الاجتماعية الأمريكية بشأن نتيجة زيادة الرسوم الجمركية، والتي تعتقد أن المستهلكين سيدفعون أكثر لشراء البضائع اليومية؛ الأمر الذي يُضعف رغبة المستهلكين الأمريكيين وإعاقة جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للسيطرة على التضخم. ونحن قد شاهدنا تدفق المستهلكين الأمريكيين إلى شراء مزيد من البضائع والسلع منذ الشهر الماضي.
وفي الحقيقة، أعتقد أن الفرض الأحادي الجانب من الولايات المتحدة لرسوم إضافية ينتهك بشكل خطير قواعد منظمة التجارة العالمية، وهذه الخطوة لن تفشل فقط في حل مشاكلها الخاصة، ولكن أيضًا ستُعطل التعاون الاقتصادي والتجاري العادي بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. والولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، وتعزيز التعاون الاقتصادي بينها وبين الدول الأخرى يصالح جميع الأطراف.
نعترف أن هناك خلافات بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ومن الأفضل مواجهة الخلافات والمشاكل بشكل مباشر والانخراط في حوارات صريحة وتعزيز التعاون وإدارة الخلافات على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل، وهكذا يمكن للولايات المتحدة والصين وكندا والمكسيك وغيرها من الدول الأخرى أن تستفيد من بعضها البعض.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرسوم الجمركية الأمريكية تدخل حيز التنفيذ على 57 دولة
الولايات المتحدة – دخلت الرسوم الجمركية الفردية التي فرضتها الولايات المتحدة حيز التنفيذ على الدول التي سجلت معها السلطات الأمريكية أكبر العجوزات التجارية.
ويشمل ذلك السلع القادمة من 57 دولة، في رسوم ستتراوح نسبتها بين 11 و50 بالمئة. وقد شملت هذه الإجراءات، على وجه الخصوص، اليابان (بنسبة رسوم إجمالية قدرها 24%)، والاتحاد الأوروبي (20%)، وكذلك شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة مثل فيتنام (46%)، والهند (27 %)، وكوريا الجنوبية (25 %).
أما بالنسبة للصين، فقد تم في البداية تحديد الرسوم بنسبة 34%، إلا أن بكين فرضت لاحقا رسوما مماثلة على واشنطن، وردا على ذلك هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة النسبة أكثر.
وفي وقت لاحق، أفادت وسائل الإعلام بأن الولايات المتحدة تعتزم رفع الرسوم على السلع الصينية إلى مستوى 104%. وقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت هذه المعلومات يوم الثلاثاء، موضحة أن الرسوم المشددة ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من صباح الأربعاء بالتوقيت المحلي. وفيما يتعلق بتايوان، فستبلغ نسبة الرسوم 32%.
وفي مساء الثاني من أبريل الجاري، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية متبادلة على الواردات من دول أخرى. وصرح بأن النسبة الأساسية الدنيا ستبلغ عشرة%، إلا أن الرسوم ستتم معايرتها لكل دولة لتشكل نصف ما تفرضه هي على الشركات التي تستورد البضائع الأمريكية.
وبحسب ترامب، فإن فرض هذه الرسوم سيكون بمثابة إعلان لاستقلال الولايات المتحدة اقتصاديا، وسيساعد على استخدام الأموال المحصلة منها لسداد الدين العام.
ومن جانبه، حذر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الدول الأخرى من اتخاذ إجراءات مضادة، مؤكدا أن ذلك قد يؤدي فقط إلى تصعيد التوترات في المجال التجاري.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت سابقا رسوما جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا. وتم استخدام الأدوات نفسها ضد المنتجات الصينية، حيث رُفعت الرسوم عليها إلى 20%. وبررت واشنطن هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وتوريد الفنتانيل.
المصدر: RT