حماة- 5 عقود، وقصص وحكايات مروعة كانت طيّ الكتمان في مدينة حماة، آلاف الضحايا قتلوا على يد قوات الأسد في عهد الرئيس الراحل حافظ وشقيقه رفعت عام 1982، في عشرات المجازر التي لم يشهد لها العالم في التاريخ الحديث مثيلا، حسب وصف الأهالي.

وبعد التحرير وسقوط حكم عائلة الأسد، بدأت ذكريات المجازر وما عاشه أهالي حماة تُروى بشكل علني وبدون خوف، للمرة الأولى.

فمنهم من نجا من مجزرة، ومنهم من شاهد مجازر، ومن قتلت كل عائلته، شهود يروون للجزيرة نت حكايات مجازر قوات الأسد في مدينة حماة، ويتذكرون تفاصيلها بأسى من قتل بالرصاص الحي وحرق للجثث واللحى في الوجوه، والدفن أحياء في الخنادق.

بعض شهداء مجزرة حماة 1982 (ناشطون-أرشيف) صراع قديم

عبد الجبار جزماتي، ناشط إعلامي في حماة، قال إن تاريخ معارضة حماة لحكم الأسد ليس وليد الثورة عام 2011، وإن مجازر نظام الأسد لم تتركز فيها فقط عام 1982، وإنما بدأ صراع معارضة حماة للأسد منذ إعلان الراحل حافظ لتعديل الدستور عام 1973، وخروج كل أهالي حماة حينها ضدّه، بمن فيهم طلبة المدارس الإعدادية.

ومع تصاعد وتيرة الصراع في حماة ضد الأسد الأب ومع حركات الاغتيالات عام 1979، بدأت عائلة الأسد فرض طوق أمني، إلى بداية المجازر عام 1981 التي راح ضحيتها أكثر من 200 مواطن خلال 3 أيام، كما يقول الناشط.

ويروي جزماتي كيف غابت المجازر عن أعين الإعلام حينها ولم تُوثق إلى الآن، وصولا إلى المجزرة الشهيرة عام 1982 التي قامت بها "قوات سرايا الدفاع" وقوات من الجيش بأوامر من رفعت الأسد، حيث قتلت رجالها وشبّانها وأطفالها، ودمرت المدينة وغيرت معالمها، ومسحت حيي الكيلانية والزنبقي بالكامل، وما زالت معالم القصف والدمار حيّة إلى اليوم.

إعلان

ناج من المجزرة

الجزيرة نت رافقت المواطن الستيني حيان عبد القادر القرن، من حماة مواليد 1962، إلى الحي الذي حصلت فيه مجزرة عام 1981 وهو حي بستان السعادة قرب قلعة حماة الأثرية، والذي شهد 3 مجازر متتالية على أيدي قوات حافظ الأسد عامين متتاليين، إحداها نجا منها حيّان بأعجوبة وكان الناجي الوحيد من هذه المجزرة من بين 16 شخصا من أهالي الحي.

وفي المكان ذاته وبعد 44 عاما، يقف حيّان في الموقع ذاته للمجزرة التي نجا منها، ليروي للجزيرة نت تفاصيلها وما حصل حينها.

فيقول "في 24 أبريل/نيسان 1981 يوم الجمعة، حصل إطلاق رصاص كثيف من طرف واحد من قبل قوات الأسد، دون أن نعرف السبب، وبقي الناس في منازلهم، وبعد ساعة تقريبا دُقّ باب المنزل، لتفتح والدتي وطلب منها عنصر من عناصر الجيش إخراج الشباب الموجودين".

ويتابع حيان "خرجت مع أخي عمار (مواليد 1964) وكان العنصر الأمني يريد أن يأخذ أخي الأصغر تمّام، ولكن أمي رفضت بسبب صغر سنّه فتركه في المنزل، بعدها تم إخراج جميع أبناء الحي والجيران وصفّهم على شكل رتل، وكان عمّار الشخص الأخير الموجود في الرتل، وضربه أحد عناصر الأسد بالبندقية على ظهره، فتألم بشكل كبير وهو صغير لم يتجاوز عمره 16 عاما، فطلب منّي مبادلته لأقف مكانه نهاية الرتل من الجهة اليسرى".

قتل بالرصاص الحي

تم أخذهم هؤلاء جميعا إلى جانب معمل "بلاط" كان على أطراف قلعة حماة الأثرية قرب الحي، وتم إيقافهم على حائط المعمل، ليبدأ بعدها إمطارهم بالرصاص بشكل مباشر من عناصر الأسد على المدنيين برشاش ثقيل من الجهة اليمنى إلى اليسرى، كما يروي حيان.

ويضيف الشاهد على المجزرة "قُتل أخي على كتفي، وأصبت أنا في فخذي الأيسر، وبقيت على قيد الحياة. لكن من هول المنظر، فقدت الوعي، واستيقظت من غيبوبتي عند شعوري بالنيران التي أشعلتها عناصر الجيش بالجثث لإحراقنا، وعند محاولتي الهرب من النار المشتعلة، انتبه أحد العناصر الأمنية الموجودين، وعند محاولته قتلي سألته سؤالا واحدا قبل أن يقتلني: نحن ماذا فعلنا، نحن مع مين؟ فأنزل بندقيته وطلب مني بشكل خفي واضعا يده أمام بطنه بالسماح لي بالزحف والهرب". 

إعلان

ويقول "بعد استطاعتي الزحف إلى داخل معمل البلاط، والدماء تسيل من قدمي، اختبأت بين الأكياس، مدّة ساعتين تقريبا، ولم يعد بقدرتي الحركة بشكل نهائي بسبب نزفي المستمر، لكنّ نساء شاهدن المجزرة من خلف ستارات شرفاتهن، وقد شاهدن دخولي إلى المعمل سرّا، فطلبن أن يساعدنني، وتم إسعافي على باب خشبي إلى منزلي، وبقيت حتى صلاة المغرب دون إسعاف للمشفى لعدم قدرتهن على الخروج خوفا من الجيش".

وتحدّث حيان عن مجازر أخرى حصلت عام 1981 أيضا لـ4 مواطنين من عائلة الشامي، فقد قتلوا قرب جامع النوري في حي بستان السعادة، بالرصاص الحي عند حائط منزلهم. كما تحدث شاهد العيان عن مجازر أخرى متفرقة باليوم نفسه.

حرق اللحى

أما بسام محمد خميس وناجِ آخر من مجازر الأسد في حي بستان السعادة، من مواليد 1957، فقد قال "نادت الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع في الحي على جميع الشبّان للخروج من منازلهم مصطحبين بطاقاتهم الشخصية، وكان لي أخ ملتحِ، وكان كل شخص له لحية تقوم عناصر الأسد بحرق لحيته حيّا، ثم ذبحه بشكل مباشر، كما حصل أيضا مع شخص من عائلة المصدّر من الحي ذاته".

وحكى خميس عن سماعه عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي ما دار بين عناصر الأسد والضبّاط، وحديثهم عن مقتل 75 شخصا في 24 أبريل/نيسان عام 1981، في حي بستان السعادة، وطلب الضابط حينها الانسحاب وترك من تبقى فيه، في تأكيد من المواطن على علم قيادة نظام حافظ والمسؤولين حينها عن المجازر وأعداد الضحايا بشكل تام.

وشاهد خميس يوم 2 فبراير/شباط 1982 القصف العشوائي على حي الكيلانية التي هدمته المدافع الميدانية لقوات رفعت بشكل كامل. وروى مشاهدته لانتشار القتلى على الأرض، وجرحى من النساء. وقال إنه بعد 3 أيام بدأ الجيش بتمشيط المناطق، وتم أخذه مع آخرين يقدّر عددهم بـ29 شخصا من الحي باتجاه وسط المدينة "ساحة العاصي" من أجل إعدامهم ميدانيا، لكنّه نجا بسبب أن ضابطا كان موجودا هناك قال لهم "لدي ولد مريض، لن أقوم بقتلكم، عسى أن يشفي الله ولدي بحسنتكم" ثم خبّأهم جميعهم داخل دكّان صغير لمدة 3 أيام.

إعلان

مجازر في كل مكان

وحكى خميس للجزيرة نت أنه عمل موظفا في شركة الطرق والجسور، وأن المحافظة طلبت منهم -بعد انتهاء مجازر 82 في 30 فبراير/شباط- تنظيف الطرق وعلامات القتل، حيث شاهد حينها بشكل مباشر 4 مجازر، ويقول إنه لن ينساها أبدا:

إحداها مجزرة قرب الفرن الآلي في شارع صلاح الدين، وكانت منجرة خشب بداخلها نحو 30 شخصا محروقا بعد قتلهم. وأخرى في سوق النجارين وجد بداخلها 15 شخصا تم قتلهم وحرقهم أيضا لإخفاء معالم الجثث. وعلى أطراف نهر العاصي وجدوا ما يقارب 10 جثث تم إلقاؤها بعد قتلها وحرقها. والمشهد الأكبر هو ما وجدوه في حمام الشيخ الذي كان بمثابة مشفى ميداني للجرحى من القصف، حيث وضعت متفجرات من قبل عناصر الجيش داخل المشفى وفجّروه بمن فيه من الجرحى، وهدموا الحمّام على رؤوس من فيه، متحدثا عن مقتل أكثر من 20 قتيلا من النساء والأطفال، بخلاف مقتل جميع الرجال في حي الكيلانية بعد تفجيره بشكل كامل فوق رؤوس أهله.

الاغتصاب وقتل الأجنة

سامر المدني من أهالي حماة مواليد 1968، شاهد آخر على مجازر الأسد عام 1982، تحدّث للجزيرة نت وهو يقف على أنقاض حي الزنبقي الذي دمرته مدافع الجيش ذلك العام، وهدمتّه بشكل كامل.

وأكّد شاهد العيان أن عدد ضحايا مجزرة 82 أكبر بكثير من الأرقام والأسماء الموثقة لدى الشبكات الحقوقية، وأعداد المفقودين وصلت إلى 100 ألف مفقود لم يعرف مصيرهم إلى الآن. وأضاف "المجازر لم تخلف طفلا أو امرأة في حماة، فقد قاموا ببقر البطون، وقتل الأجنّة بعد إخراجها من بطون أمهاتها، واغتصاب النساء بشكل مريع، ولم يشهد التاريخ الحديث مجزرة كالتي حدثت في حماة.

وعما رآه وهو ابن 13 عاما، قال المدني إن أحياء الشيخ عنبر والعجزة ووادي الحوارنة شهدت اجتياحا لقوات الأسد في 25 فبراير/شباط 1982، وخلف مدرسة المرأة العربية تم إخراج الأهالي من الكبار والصغار وإعدامهم جميعا على أبواب المنازل، كما شوهد حينها قتلى من أبناء الديانة المسيحية لعدم تفرقة النظام بالقتل بين المدنيين.

إعلان

وفي السياق ذاته، قال الشاهد "علمنا حينها عن حملات اعتقال قامت بها قوات أفرع المخابرات حينها من أحياء مختلفة، وتم أخذهم إلى مدرسة الصناعة الواقعة بداية طريق حماة حمص الدولي، ووضع رؤوس المعتقلين على ملازم الحديد والضغط عليها حتى فسخها نصفين، وقد ثقبت الأيادي والرؤوس والعيون والأرجل بمثاقب حديدية، وتم إعدام الناس البريئة عبر طرق تعذيب وحشية".

دفن بالخنادق

ويروي عادل عبد المعين جتّو ابن مدينة حماة (مواليد 1964) وهو يقف قرب أكبر المقابر الجماعية لضحايا المدينة المكلومة إثر مجازر 82 -في مقبرة سريحين جنوبي حماة- إثر مجزرة سريحين أو ما يعرف بمجزرة جنوب الملعب، حيث أتى أمر للجنود حينها من قيادات الوحدات الخاصة باعتقال جميع الشباب والرجال خلف مشفى حماة الوطني جنوب الملعب بحماة والذي كان حديثا حينها، وتم جمع عدد كبير من أهالي الحي وأخذهم إلى مقبرة سريحين، وقتلهم جميعا.

وتُقدر أعدادهم بـ5 آلاف ضحية حينها، وحُفرت خنادق ودفنوا فيها، وبعضهم دفن حيّا.

إن "أهالي حماة فقدوا آباءهم وأجدادهم في أحداث الثمانينيات" وذلك بعد مقتل والده وأعمامه وأعمام والده، كما يقول محمد ابن عائلة المراد (من مواليد 1970) وهو شاهد عيان على مجازر حماة.

وتحدّث الشاهد عن سبب مقتل والده وأعمامه وعمّ والده الشيخ بشير المراد الذي كان يشغل منصب مفتي حماة حين رفض المساومة وتهدئة الأوضاع في حماة -خلال مقابلته لحافظ الأسد يوم 27 رمضان في دمشق- رغم التهديد وعرض المناصب. لكنّه رفض، مما أدى إلى نقمة الأسد عليه وعلى علماء حماة.

ويروي ابن عائلة المراد أنه مع أحداث 1982، أشار أحد المسؤولين في حماة بمقابلة تلفزيونية إلى عدم تعاون الشيخ المراد مع الحكومة، وعندها تنبّهت أفرع الأمن إلى أفراد العائلة، أرسلوا اليوم التالي حملة عسكرية كبيرة مدججة بالسلاح جاءت إلى منزل الشيخ وكان يضم عائلته، وتم اقتيادهم إلى مطار حماة العسكري، وبحسب المعلومات التي وردتهم فإن المخابرات حينها نقلتهم إلى مكان مجهول لم يعرف حتى الآن.

إعلان

ويحكي محمد إحدى هذه الروايات، وهي قصص من بين أكثر من 140 ألف قصة، لكل ضحية ومفقود قُتلوا على أيدي قوات "الأسد حافظ".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات عناصر الأسد أهالی حماة قوات الأسد للجزیرة نت الأسد فی فی حماة عام 1981 عام 1982

إقرأ أيضاً:

«ليالي النبوية» للكاتب محمد زيان.. رحلة في حارات ودروب الحي الشعبي

صدر للكاتب الصحفي محمد زيان نائب رئيس التحرير بمؤسسة أخبار اليوم، رواية جديدة بعنوان «ليالي النبويَّة»، تُسافر في أعماق الحي الشعبي بمنطقة الدرب الأحمر ومساجده الضاربة في أعماق التاريخ، وتنوعات الحياة اليومية هناك، والعلاقات الاجتماعية بين السكان بعضهم البعض، وطبيعة البشر واختلاف القيم والأخلاقيات بين الأجيال الجديدة، عن سِيرة الراحلين الباقية وفضائلهم، وعَالَم الدراويش المنتشر في هذه البقعة من أرض مصر، والتي تزخر بالمساجد التاريخيَّة ومقامات آل البيت.

ترصد الرواية عَالَم الدراويش ومُحبى آل البيت وأهلّ المدد، الذين ينتشرون حول مسجد السيدة فاطمة النبويَّة ابنة الإمام الحسين، رضى الله عنهما وأرضاهما، وطبيعة علاقتهم بالمجتمع المحيط بهم، وكيف يلتقون مع البشر؟ وتفاهماتهم مع المحيط حولهم، وحالهم عندما يزورون المسجد والمقام، حيث تحكى الرواية عن عائلة درجلي، وهو فران قرَّر الانتقال من صعوبة العمل في درجة الحرارة المرتفعة داخل الفرن ومشقة اليوم الطويل لفتح مقهى بجوار مسجد السيدة فاطمة النبويَّة يتجمَّع حوله الدراويش ومُحبو السيدة فاطمة النبويَّة، وتنشأ علاقة الحُب بين هؤلاء الوافدين من كل شبرٍ في بر مصر، وخلف كل واحدٍ منهم حكاية قادته إلى هذا المكان، وكيف كان عطوفًا على هؤلاء الذين ليس لهم بيت، فيُطعمهم ويقوم على طلباتهم ورعايتهم والاهتمام بهم، وكسوتهم، كما يبيتون إلى جواره، بل إن الذين ليس لديهم أُسر كان هو من يمد لهم يد العون، وقد احتضن الدراويش في منطقة النبويَّة هو وأولاده حتى صار له من أبنائه من يحكى بلسانهم ويهيم في الحياة مثلهم.

تحكى الرواية سِيرة خالدة من رجالات الدرب الأحمر أمثال محى أبو رانيا، وهو رجل يشتهر بحب الناس والوقوف إلى جانبهم في السراء والضراء، حتى إنه وقف مع مدير الأمن عقب اندلاع أحداث الفوضى في مصر وحصار مديرية أمن القاهرة ومنع مدير الأمن من الخروج، وشهامته مع أهالي الدرب الأحمر، ومثله الحاج عبده أبو كرش، الذى كان يُشتهر بحب أهل المنطقة وهو تاجر مخدرات كبير.

تُحاول الرواية إلقاء الضوء على القدوة والشخصيات البارزة في منطقة الدرب الأحمر والنبويَّة، مثل شخصية العميد حسن درويش، المحب لآل البيت، ورئيس المباحث محمد بيه فرح، اللذين تعاونا على إصلاح حال المجتمع وتحويل الحرامية إلى مُبلطين وإرسالهم إلى السعودية ليعودوا أصحاب أعمال وعمارات وتوديعهم طريق السرقة والحرام، وهم معروفون حتى اليوم في دائرة الخليفة والدرب الأحمر والسيدة عائشة، لكى يقتدى بهما الشباب الذين يعملون في قطاعات الشرطة.

كما تُلقي الرواية الضوء على عَالَم الجريمة وتجارة المخدرات في هذه المنطقة، وحكاية البرج الزفر، الذى كان دولاب مخدرات، وتحوَّل صاحبه وهو جعظري جواظ إلى خادم في مسجد السيدة فاطمة النبويَّة، وحكاية حوارى وحديدة وجريمة الاتجار وترويج البودرة في أوساط الشباب الجامعي وقتلهما الشباب.

كما ترصد الرواية حركة صعود وانحدار العائلات وأولاد الذوات، أمثال نزيه القص وغيره كثيرون ممن جار عليهم الزمن.

ترصد الرواية أيضًا التغيُّرات التي طرأت على المنطقة وسط حركة المجتمع وظاهرة الأثرياء الجُدد أو أصحاب الفلوس الجديدة كما يُطلق عليهم، الذين حقَّقوا ثروات وبنوا عمارات من التنقيب عن الآثار، وهو ما تشتهر به منطقة الدرب الأحمر، حيث تتناول الرواية شخصية حموكشة وسنتريسى، فالأول كان يعمل ميكانيكي موتوسيكلات وأصبح بين عشية وضحاها من أثرياء المجتمع، حيث العمارات والمطاعم والسيارات الفارهة، والثاني الذى يحلم أن يُصبح مثله ويُنقِّب عن الآثار في بيته.

تُحاول الرواية إلقاء الضوء على التغيُّرات التي طرأت على قيم وأخلاقيات أهالي منطقة من المناطق التي دائمًا ما تشتهر بالكرم والرجولة وحُب الغريب وتقديم يد العون له، واحتضان الدراويش مُحبى آل البيت، وظهور جيل جديد من الناس تُغاير أخلاقه وأفعاله تمامًا مَن سبقه من آباء وأجداد.

يختم زيان روايته برسالة عن الأخلاق، وهى البطل الحقيقي الذى يبحث عنه الكاتب على لسان جلاليبو، وهو درويش جاء من أقصى الصعيد يلبس ست عشرة جلابية فوق جسده، يبعث بكلماتٍ تُلخِّص واقع التراجع في القيم والأخلاق حين يقول: "الحاج محى أبو رانيا مات، المعلم عبده أبو كرش مات، مات الكبار الذين كانوا يعطفون علينا وما تبقَّى إلا الصبية في الطرقات يرموننا بالعبارات والألفاظ القبيحة والشتائم التي ما كنا نسمعها من قبل، فقد كنا نسمع عبارات العطف والحنان علينا، الكل كانوا يُحبوننا، والآن لا أحد يقول لنا كلمة طيبة، كل الشوارع والحارات التي نسلكها إلى المقام مليئة بالأطفال والصبية الذين يتجاوزون معنا بالفعل والقول، يقذفوننا بالطوب، ومنهم مَنْ يسحب جلاليبنا مُحاولًا سرقة نفحات أهل البِر التي يُعطونا إياها ونحن في طريقنا إلى النبويَّة، يا له من زمنٍ غير الزمن وأخلاقٍ غير الأخلاق، ما كنا نتمنى أن نعيش هذه الأيام بعدما رحل الكبار أهل الحِكمة والأخلاق، لم يعد أحد يفتح أحضانه غير السيدة فاطمة النبويَّة أم الحنان والأيتام أمثالنا، الذين فقدوا أهاليهم وذويهم وساروا في حب آل البيت، ربما يأتي يوم ولا نستطيع الوصول إلى هنا من نُدرة الأخلاق والصبيان الذين غيَّروا طبيعة أهل الدرب الأحمر، وغيَّروا كل شيء، فهم يتجمعون على رأس كل حارة ودرب وعطفة وزقاق يتعاطون المخدرات التي غيَّبت عقولهم، يشتمون المحاسيب الذين لا طاقة لهم بالدنيا غير الذِّكر وحُب الأولياء وآل البيت، لم تعد هنالك من نفحات ولا كلمات طيبة، فقد مات الخير مع هؤلاء، حتى الدراويش ما عادوا يقصدون المنطقة كسابق عهدهم، لقد تغيَّر كل شيء، لم يعد هناك مستقر لنا ولا مكان لراحة قلوبنا، فقد ذهبت الأخلاق مع الذين ذهبوا، نأتي يوم مولد النبويَّة ونتفرَّق بقية العام عند آل البيت في ربوع مصر، كنا نسكن وننام ونحيا هنا بين المسجد والمقام في أحضان ستنا وعطف أهل الخير والبِر".

اقرأ أيضاًربع قرن على أفضل (100) رواية عربية

«ابن صفية».. رواية تجمع بين التاريخ والمجتمع في معرض القاهرة للكتاب

مقالات مشابهة

  • وزير الإسكان يتفقد الحي اللاتيني والمدينة التراثية بالعلمين الجديدة
  • سرايا الدفاع ذراع أوصلت حافظ الأسد للسلطة وارتكبت مجزرتين بتدمر وحماة
  • التنظيم والإدارة: بدء معرض مستلزمات رمضان لموظفي الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية
  • مجزرة حماة.. شهادات ناجين عن فصل دموي لنظام الأسد
  • خدع سكان الحي الراقي.. القبض على نصاب البطاقات الإئتمانية في العجوزة
  • «ليالي النبوية» للكاتب محمد زيان.. رحلة في حارات ودروب الحي الشعبي
  • حماة تتحدث علنا عن جرائم عائلة الأسد
  • إصابة فلسطيني بالرصاص الحي خلال اقتحام الاحتلال مدينة الخليل
  • لأول مرة.. أبناء حماة يحيون ذكرى مجزرة 1982