قرارات ترامب المُشتعلة تؤجج الصراعات في العالم
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
منذ تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية بتاريخ 20 يناير الماضي، احتل دونالد ترامب بؤرة الاهتمام العالمي والعربي، تزامنًا مع قراراته المشتعلة التي اتسمت بالصدامية المفرطة، تارةً مع المعسكر الغربي بسبب قراره الذي يفضي إلى فرض الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية بجانب مخططاته بانتزاع جرينلاند من الدنمارك، وتارةً مع محاولته العلنية بتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو مؤشر ربما يعكس الصورة العامة التي تبدو عليها ولاية ترامب الثانية رئيسًا لأمريكا.
مسعى لتصفية القضية الفلسطينية.. ورفض مصري أردني
وقدم ترامب في مستهل ولايته الثانية، مقترحًا مفاده تهجير الفلسطينيين من داخل قطاع غزة إلى دول أخرى، في مقدمتها مصر والأردن، وهو المقترح الذي قوبل برفضٍ قاطع.
وكان رد وزارة الخارجية المصرية واضحًا، من خلال تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مشددة على أنها تظل القضية المحورية بالشرق الأوسط، وأن التأخر في تسويتها وفي إنهاء الاحتلال وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، هو أساس عدم الاستقرار في المنطقة.
وقالت الوزارة، في بيان: «في هذا السياق تعرب الوزارة عن استمرار دعم مصر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».
وشددت الخارجية المصرية على رفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
ودعت وزارة الخارجية المجتمع الدولي في هذا السياق إلى العمل على بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وخطوط الرابع من يونيو لعام 1967.
بدوره، علق وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مشددًا على أن رفض الأردن لتهجير الفلسطينيين "ثابت لا يتغير" مضيفًا: "أولويتنا في الأردن تثبيت الفلسطينيين على أرضهم".
مطمع في نيل جرينلاند.. والدنمارك تُعقب: ليست للبيع
في وقتٍ سابق، أدلى ترامب بتصريحات قائلًا فيها إنه سيجعل جرينلاند جزءا من الولايات المتحدة بينما لم يستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لإقناع الدنمارك بتسليمها.
لتُعلق رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن، قائلةً أن جرينلاند ليست للبيع، بعد أن قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأسبوع الماضي إن اهتمام الرئيس دونالد ترامب بشراء الجزيرة "ليس مزحة".
وتابعت قائلة قبل اجتماع غير رسمي لزعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل: " جرينلاند اليوم جزء من مملكة الدنمارك، جزء من أراضينا وليست للبيع".
صدام مع كندا.. ومطالبة بإدراجها ولاية أمريكية
ودعا ترامب، إلى جعل كندا ولاية أمريكية، في تصريحات تفاقم التوتر أكثر مع أحد أبرز حلفاء بلاده، مبررًا ذلك بأن الولايات المتحدة تدفع "مئات مليارات الدولارات لدعم كندا"، في إشارة على ما يبدو إلى العجز التجاري مع الدولة الجارة، قال ترامب "من دون هذا الدعم الهائل لما كانت كندا موجودة كدولة قابلة للحياة". وأضاف "لذلك، على كندا أن تصبح ولايتنا الـ51 الغالية".
ليرد زعيم حزب المحافظين الكندي المعارض بيير بوليفر، مؤكدًا أنه سيمنع انضمام بلاده إلى الولايات المتحدة ويضمن أمن حدودها في حال وصوله لمنصب رئيس الوزراء مشددًا على أن كندا دولة عظيمة ومستقلة.
وكتب بوليفر في حسابه على منصة "إكس": "لن تصبح كندا أبدا الولاية رقم 51، نقطة على السطر.. نحن دولة عظيمة ومستقلة".
الرسوم الجمركية.. حرب تجارية مباشرة مع أوروبا والصين
بينما لم يخف ترامب نواياه منذ البداية في فرض الرسوم الجمركية على البضائع الأوروبية والصينية والقادمة من المكسيك، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيرد بشكل صارم على الولايات المتحدة في حال فرض الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية.
وقالت فون دير لاين: "إذا فرضت الرسوم الجمركية علينا بشكل غير عادل، فإن الاتحاد الأوروبي سيرد بشكل صارم".
وبعدها قالت وزارة المالية الصينية، إن بكين فرضت تعريفة بنسبة 15% على الفحم والغاز الطبيعي المسال الأميركي، وفرض تعريفة إضافية بنسبة 10% على النفط الخام والمعدات الزراعية وبعض السيارات.
وعلى أثر ذلك، شهدت الأسهم الأمريكية، انخفاضًا بعد التراجعات في الأسواق الآسيوية والأوروبية، وسط مخاوف من اندلاع حرب تجارية.
ترامب يتراجع.. تجميد الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك لمدة شهر
ولكن بالأمس، أعلنت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم بعد اتصال مع الرئيس الأمريكي، تجميد الرسوم الجمركية لمدة شهر، مقابل نشر 10 آلاف جندي مكسيكي على الحدود بين البلدين.
واليوم الثلاثاء، أعلن ترامب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، عقب اتصال هاتفي بينهما، إيقاف زيادة الرسوم الجمركية المتبادلة على البلدين لمدة شهر، بحثاً عن الوصول إلى اتفاق، وذلك بعد ساعات من إعلان مشابه بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وقال ترامب، عبر منصة Truth Social، إنه "سيتم تعليق التعريفات الجمركية التي تم الإعلان عنها لمدة 30 يوماً، لمعرفة ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق اقتصادي نهائي مع كندا".
انسحاب أمريكي من مجلس حقوق الإنسان ووقف تمويلات "الأونروا"
وكان من البارز أيضًا، توقيع الرئيس الأمريكي على أمر تنفيذي يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ووقف كل التمويل المستقبلي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأراضي الفلسطينية.
وقبلها أعلن ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وهو ما دفع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، لمطالبة قادة العالم بالضغط على واشنطن لإعادة النظر في قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من المنظمة الأممية، مؤكدا في اجتماع مغلق مع دبلوماسيين الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ستفقد معلومات مهمة حول تفشي الأمراض العالمية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دونالد ترامب الرسوم الجمركية السلع الأوروبية قضية الفلسطينية الفلسطينيين تهجير الفلسطينيين تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة غزة أمريكا الدنمارك جرينلاند كندا أوروبا الصين المكسيك كلوديا شينباوم الأونروا حقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان الرسوم الجمرکیة على الولایات المتحدة من خلال
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب.. الرسوم الجمركية.. ترامب يلقي قنبلة نووية على الاقتصاد العالمي
من البداية، كنت أعلم أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة ثانية إلى البيت الأبيض لن تمر بخير، فالرجل رجع لتصفية حسابات حزبية وشخصية، وشنّ حروب، وابتداع تقاليد تجارية غريبة على العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
تبدو أفكار ترامب في الحكم خليطًا من أوهام القوة والغباء، ولا يُعقل أن يكون زعيمًا في مثل مكانه لا يعرف بالفعل قوة أمريكا، ويتصرف وكأنه أخذ لتوّه بلدًا من "بلاد الموز"، وأنه يحارب من أجل أن تدبّ فيها التنمية أو ينتشلها من الفقر والضياع!
وهذه الأوهام هي التي تقوده إلى اتخاذ قرارات ليست فقط سيئة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، ولكنها كارثية، وستكون ضحيتها الأولى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.
وإذا كان الاقتصاد الأمريكي يمثل ربع الاقتصاد العالمي بالفعل، وإذا كان الدولار هو العملة الوحيدة المهيمنة على كافة اقتصادات العالم، وكافة احتياطات دول العالم النقدية، فإن الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب دون أي دراسة لها، ستكون القشة التي تقصم ظهر الإمبراطورية الأمريكية. وسيدخل ترامب التاريخ – حال اكتمال فترة ولايته – باعتباره أول رئيس أمريكي يدق المسمار الأول في نعش الإمبراطورية الأمريكية.
صحيح أن أكثر من 180 دولة أعلن ترامب عليها حربًا تجارية، وفرض عليها رسومًا جمركية تتراوح من 10% إلى 41%، منها الصين والاتحاد الأوروبي وكندا وكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. قد تتأثر في البداية بفرض هذه الرسوم، وسيهتز الاقتصاد العالمي بشدة، وقد يدخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ما سيكون له تداعيات كارثية على العالم، نظرًا لحجم أمريكا وتعاملاتها التجارية والاقتصادية. لكن يُعتقد أنه في خلال عام 2025 وحتى منتصف 2026، قد يفيق العالم من صدمة هذه الرسوم، بعد ثمن فادح تدفعه واشنطن وركود سيؤثر على الجميع.
يتوهم ترامب، أن فرض رسوم جمركية عالية على واردات الولايات المتحدة من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا وغيرهم، سينهض بالاقتصاد الأمريكي وبالصناعة الأمريكية – التي هي أصلًا في مقدمة صناعات العالم، والاقتصاد الأول في العالم – سواء كره هو بايدن أو احتقر فترة حكمه أو ساق ضلالات كثيرة ومعلومات مغلوطة عنه.
ولعل الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد كان محقًا حين قال: إنه مهما ردد ترامب من أكاذيب، فالواقع أن الاقتصاد الأمريكي اليوم، عقب نهاية حكم بايدن، يعيش انتعاشة حقيقية، وانخفض معدل البطالة في عهد بايدن إلى 3.4%، وهو الأدنى منذ 50 عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد خلق 16 مليون وظيفة ورفع الأجور. كما أن معدل التضخم ما بين 2.8% - 3%، وهي نسبة ضئيلة للغاية وسط اقتصاد عملاق يهيمن على العالم. لكن ترامب لا يفهم ذلك، ويبتدع رسومًا جمركية يتصور أنها ستكون رادعة لكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وتقلل من صادراتهم إلى واشنطن.
وجاءت أول القصيدة كفرًا كما يقولون، فقد أثار إعلان ترامب فرض رسوم جمركية ضخمة على العشرات من الدول، دون تدرج أو حتى اختبار آثارها بشكل مرحلي، حالة من الاضطراب والتوتر، وهي أشبه ما تكون بإلقاء قنبلة نووية أمريكية على الاقتصاد العالمي، واقتصاد واشنطن ذاتها. ولذلك، أسفرت عن خسائر فادحة للشركات الأمريكية، وقالت وكالة "أسوشيتد برس" إن جميع القطاعات عانت من تداعيات رسوم ترامب، وانخفاض حاد في الأسواق المالية الأمريكية، واختفت أكثر من 2 تريليون دولار من القيمة السوقية للشركات.
المثير أن الصين، العملاق الآسيوي الأصفر، لم تكتفِ بالمشاهدة كما هو حال الاتحاد الأوروبي الذي لم يرد بعد على رسوم ترامب، بل أعلنت فرض رسوم جمركية مضادة على بعض المنتجات الأمريكية كرد فعل مباشر على الرسوم التي فرضها ترامب، بنسبة 34%، ما يرفع من مستوى التوتر والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وما سيكون من أثر ذلك على مستوى العالم.
وإذا كانت الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب هي أكبر تصعيد في الرسوم الجمركية الأمريكية منذ قرن، فإنها لن تكون أبدًا بمثابة يوم التحرير أو الاستقلال الاقتصادي، بل ستكون، على العكس تمامًا، بداية إعلان الوفاة للاقتصاد الأمريكي، وتراجع الاستثمارات الضخمة داخله، وإحجام شركات أوروبية وفرنسية وصينية ضخمة عن الاستثمار فيه.
إن ترامب – ورغم أنه رجل أعمال وملك الصفقات قبل خوض مضمار السياسة – إلا أنه تصرّف كطالب إعدادية في مجال الرسوم الجمركية، ولم يُعطِ لإدارته، ولا لأعضاء حزبه، فرصة لاختبار أثر هذه الرسوم الجمركية على بلده نفسها وبشكل مرحلي ومتدرج.
الحقيقة أن ترامب، وبهذه الخطوة الاقتصادية الغبية وغير المدروسة، إنما يحارب الولايات المتحدة ذاتها. إنه يتصرف – كما قلت – سياسيًا واقتصاديًا كأنه يحكم إحدى دول أفريقيا التي تقبع في التخلف، ولا يعرف حقيقة أن الولايات المتحدة مهيمنة بالفعل عسكريًا واقتصاديًا على العالم، وهذا الوضع مستمر منذ الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي. لكنه، وبوسواسه أنه "المخلّص" والمنقذ، سيدفع بالإمبراطورية الأمريكية نحو الغروب.
كما أن تحفز كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي لهذه الحرب، والرد عليها غالبًا برسوم مضادة، سيشعل حربًا تجارية عالمية هائلة.
الاقتصادات الآسيوية الكبرى، مثل الهند واليابان، ستتأثر من رسوم ترامب الجمركية، وكذلك كل دول العالم. ويبدو أن الولايات المتحدة ستعاني من الفوضى السياسية والاقتصادية خلال ولاية ترامب هذه، لكن الاختبار والأثر الحقيقي لها – رغم خسارة مئات المليارات من الدولارات – سيكون خلال الشهور القليلة القادمة، بعد بدء التطبيق يومي 5 أبريل و9 أبريل الحالي.
الخلاصة: الاقتصاد العالمي على موعد مع الفوضى والحرب التجارية، وعلى العقلاء داخل إدارة ترامب أن يدفعوه لتجميدها أو سحبها.
إن أكاذيب ترامب الاقتصادية عن زيادة الاستثمارات بنحو 5 تريليونات دولار، ومثل هذه الأقوال، بحاجة لاختبار فعلي. وكما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول: ففي غضون عام، ستتلاشى حالة عدم اليقين، وسيرى الجميع أثر قرارات ترامب الجمركية الكارثية، لكن الواضح أنها تهدد النمو والوظائف وسترفع نسبة التضخم.