في عام 1917، كانت التجريدة الثالثة بقيادة الجنرال البريطاني إدموند اللنبي هي المفتاح الذي فتح أبواب فلسطين للاحتلال الإنجليزي، والمسمار الأخير في نعش أُدخلت فيه المنطقة برمتها، نصارع كي نخرج من ذلك النعش كي نعود للحياة ونعود للسيطرة على مقدراتنا فنقود ذاك العالم الهمجي الذي تآمر علينا منذ قرون ليسرقنا ويئدنا.
التجريدة الثالثة تلك الحملة العسكرية، التي بدت وكأنها تحرير من الاستعمار العثماني، الذي ما زال العملاء والخونة يتحدثون عليه، كانت في حقيقتها بداية لفصل جديد من المأساة الفلسطينية والعربية.
فالجنود الذين سقطوا في تلك المعارك، من العرب والمسلمين، لم يكونوا يعلمون أن دماءهم ستكون وقودا لاحتلال أرض الاقصى وتحويلها إلى ساحة لصراع استعماري صهيوني.
واليوم، وبعد أكثر من قرن، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة بوجوه جديدة وأدوات مختلفة. فهل ستكون مصر وجنودها هذه المرة أيضا الوسيلة التي تُستخدم لإنهاء القضية الفلسطينية تحت مسمى "صفقة القرن"؟
ففي ظل التصريحات الحنجورية المتكررة لعبد الفتاح السيسي حول رفضه القاطع لتهجير أهالي غزة إلى سيناء، يظهر على الساحة دخان أسود لمؤامرة أكثر سوادا تشير إلى أن المعلن عكس ما يُخفى ويدبر، فنجد تصريحات أمريكية وعبرية عن تحركات للجيش المصري في سيناء، وهي بالمناسبة تصريحات حقيقية وليست ادعاءات كاذبة، وهو ما يخالف أي منطق لأن أمريكا لن تسمح بنشوب حرب حقيقية بين مخلبيها في المنطقة (جيش الاحتلال طفلها المدلل وجيش مصر الذي اشترت قياداته وليس الجيش بأكمله).
لذا تبرز التساؤلات حول ما يحدث خلف الكواليس. فبينما يُعلن ويصرح السيسي وإعلامه أمام العالم أن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين، بالرغم من أنه هو أول من تحدث عن صفقة القرن معلنا لترامب في رئاسته الأولى أنه داعم لها، ورغم تكرار رفضه، يظهر ترامب مؤكدا أن السيسي وملك الأردن سيوافقان حتما على الصفقة لأنه كما قال "يقدم لهما المساعدات"، بل وقدم ترامب دعوة للبيت الأبيض مفتوحه للسيسي.
نجد أن كل تلك الوقائع تشير إلى شيء واحد مؤكد، وهو أن السيسي جزء من لعبة كبرى تُحاك بين واشنطن وتل أبيب.
خطة تبدو وكأنها مأخوذة من سيناريو قديم تم تنفيذه سابقا في نشرين الأول/ أكتوبر 1973 حرب مُفتعلة بين مصر وإسرائيل، ولكن هذه المرة لن تكون مصر هي المنتصرة، يجب وضع بعض التوابل المختلفة حتى ينطلي على الشعب المصري أنه يتناول وجبة طازجة، معتقدا أنها قد تعيد لجسده الذي أنهكه الفقر والجوع والذل قوته وقليل من كرامته المهدرة على يد السيسي.
ففي السيناريو الجديد تظهر مصر كدولة تدافع عن القضية الفلسطينية، وعن سيناء التي يسعى ترامب لإهدائها للصهاينة كمكافأة على خسارتهم الحرب أمام حماس، وتشجيعا وتكريما لهم على ما ارتكبوه من إبادة بحق العرب من أهل غزة.
وبالطبع ستنتهي تلك المسرحية الحربية بهزيمة مصرية مُدبرة، وقصف إسرائيلي مكثف وعنيف لغزة، يدفع أهاليها إلى النزوح القسري نحو سيناء.
هذه الحرب، إذا ما حدثت، ستكون بمثابة الذريعة المثالية لتحقيق أهداف "صفقة القرن"، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من أرضهم قسرا بشكل طوعي.
وفي الوقت نفسه، ستُستخدم هذه الحرب لتحويل غضب الشعب المصري من الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية والتي تنذر بانفجار شعبي إلى تأييد للسيسي، الذي سيُظهر نفسه كقائد وطني يدافع عن القضية الفلسطينية وعن سيناء والأمن القومي المصري.
ولكن الحقيقة ستكون مريرة: فالجنود المصريون، هؤلاء البيادق الذين قد يُرسلون إلى جبهة وهمية، سيكونون وقودا لخدعة كبرى تُحاك على حساب شعبين..
الشعب المصري الذي سيُجبر على تحمل المزيد من القمع والفقر، والشعب الفلسطيني الذي سيُجبر على ترك أرضه تحت قصف من آلاف القنابل الامريكية.
سيناء: الفصل القديم الجديد من المأساة
سيناء، التي شهدت على مر التاريخ معارك وحروبا لا تُحصى، ستكون هذه المرة أيضا مسرحا لفصل جديد من المأساة. تحت وطأة القصف الإسرائيلي وربما الرد المصري سيسحق كثيرا من الفلسطينيين فأمام نيران المتحاربين سيموت من يموت، وسيُجبر آلاف آخرون من الفلسطينيين على عبور معبر رفح إلى سيناء، حيث سيتم إيواؤهم في مخيمات مؤقتة ثم تذويبهم في محافظات مصر وذلك وفقا لمخطط نشره معهد "ميسجاف" الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي، والذي ذكر بدقة عدد الشقق الخالية بمحافظات مختلفة في مصر ومساحتها وإمكانية دفع ثمنها وبصورة أعلى من سعرها الحقيقي، مستغلين الديون التي أسقط السيسي فيها مصر ونهمه للأموال وذلك لتسكين أهل غزة بأماكن متفرقة لإمكانية تذويبهم في المجتمع المصري. وبالطبع إن نجحوا في ذلك ستكون هذه الخطوة بمثابة الضربة القاضية للقضية الفلسطينية، مما يسهل على إسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة.
فهل ستكون رمال سيناء هي مقبرة أحلام الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال الصهيوني، أم أنها ستكون المقبرة لأحلام الغزاة والخونة الجُدد وبداية لفصل جديد من المقاومة؟
ففي الوقت الذي تتوالى فيه الأسئلة والسيناريوهات، وخطط العمالة والخيانة، يكون الشعب المصري الغارق بهمومه ووهم القائد "الدكر" الوطني؛ هو الضحية الأكبر لهذه الخدعة. فبعد سنوات من المعاناة الاقتصادية والسياسية، ستتفاقم الأوضاع بشكل كبير.
الحرب المفتعلة ستؤدي إلى زيادة الديون وتدهور الاقتصاد، مما سيزيد من معاناة المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، ستُستخدم الهزيمة العسكرية كذريعة لتشديد القبضة الأمنية وقمع أي محاولات للثورة أو الاحتجاج. وهكذا، سيظل الشعب المصري مرغما على تحمل السيسي والأوضاع الاقتصادية المتردية، تحت ستار "الحفاظ على الأمن القومي".
هل سيُستخدم الجنود المصريون، كما استُخدموا في التجريدة الثالثة، كأدوات لتحقيق أهداف القوى الكبرى السياسية، فقديما كان نفس الجنود وسيلة لاحتلال فلسطين واليوم وسيلة لاحتلال سيناء باسم صفقة القرن، أم ستكون هذه المرة مختلفة؟ هل الشعب المصري سيستيقظ على الحقيقة قبل فوات الأوان؟
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل سنسمح للتاريخ أن يتكرر بدماء جديدة، أم أننا سنتعلم من دروس الماضي ونرفض أن نكون وقودا لخدع السياسيين والخونة؟
الجواب لن يكون في الكلمات، بل في الأفعال، فإما أن نستيقظ الآن، أو نستسلم لمصير مظلم يُحاك أمام أعيننا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات فلسطين مصر غزة سيناء الاحتلال مصر احتلال فلسطين غزة سيناء مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الشعب المصری صفقة القرن هذه المرة
إقرأ أيضاً:
عضو بـ«الشيوخ»: الحوار الوطني يؤكد وحدة الصف المصري لمجابهة تحديات الأمن القومي
أكد النائب محمد البدري، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، أن اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني الذي عقد بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب، يعد خطوة هامة في تأكيد وحدة الصف المصري في مواجهة التحديات الراهنة، خاصة في مجال الأمن القومي، موضحًا أن مناقشة قضايا الأمن القومي في هذا السياق تؤكد على الدعم الكبير الذي تقدمه القوى السياسية للقيادة المصرية في خطواتها لحماية أمن واستقرار البلاد.
الحوار الوطني منصة واسعة تضم جميع أطياف الشعبوأوضح «البدري»، في بيان، اليوم الثلاثاء، أن الحوار الوطني يمثل منصة حوارية واسعة تضم جميع أطياف الشعب المصري، ما يعكس تزايد التفاعل السياسي مع قضايا الوطن الجوهرية، مثل الأمن القومي والسياسة الخارجية، التي تكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة، مؤكدًا أن هذه الاجتماعات تعد خطوة نوعية نحو تعزيز التنسيق بين مختلف القوى السياسية والتأكيد على أهمية الاستقرار السياسي والاقتصادي في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن إشادة الحوار الوطني بصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وتأكيده على رفض التهجير القسري، يتماشى مع الموقف المصري الثابت في دعم القضية الفلسطينية، ودحض أي محاولات لتصفية هذا الملف التاريخي، لافتًا إلى أن هذا الموقف يعكس التزام مصر بالمبادئ الإنسانية والحقوق الدولية، ويسهم في تعزيز موقفها على الساحة الدولية.
وشدد على أهمية الاصطفاف الوطني خلف القيادة السياسية في هذه المرحلة الصعبة، مشيرًا إلى أن التلاحم بين جميع الأطياف السياسية في مصر سيكون هو العنصر الأساسي لتحقيق الاستقرار والحفاظ على سيادة الوطن، كما أن دعم الحوار الوطني في هذه الفترة هو رسالة قوية للجميع بأن مصر قوية بوحدتها وتلاحم شعبها.