أعرف أن شهادتي مجروحة في الزميل والصديق أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، لأسباب كثيرة لعل أولها الصداقة الممتدة لأكثر من 15 عامًا، والثقة بيننا طوال هذه الفترة، وترشيحه لي للعمل في عدة أماكن شرفت بالعمل داخلها منذ سنوات، والعلاقات الأسرية بيننا، وأخيرًا أنني أعتبره أحد أهم أساتذتي الذين تعلمت منهم كثيرًا في الصحافة والإعلام والسياسة وأشياء أخرى.
وقد ترددت كثيرًا في كتابة هذا المقال وهو الأول فيما يخص الزميل أحمد المسلماني للأسباب السابقة، إلا أن حسمت موقفي بسؤال واحد لنفسي وهو "وما المانع في ذلك إذا كان المضمون حقيقة على أرض الواقع، وهل الصداقة والعلاقة الوثيقة تمنع ذكر المحاسن والجهود لمجرد وجود صداقة بين كاتب السطور والمكتوب عنه؟" ،ومن هنا جاءت هذه السطور التي لا تكفي ما أريد التعبير عنه.
إن القرارات التي اتخذها الزميل المسلماني في الإذاعة المصرية، وخاصة إذاعة القرآن الكريم حملت الكثير من الإيجابيات وحالة الرضا الشعبى لمستمعى الإذاعة في كل مكان، ليواصل مهمته الثقيلة الآن في التليفزيون المصري بمختلف قنواته وهو التليفزيون الذي غاب كثيرًا عن دوره على مدار عقود مضت، حتى جاء المسلماني لينفذ ما كتبه وحلم به في كتبه منذ سنوات وعقود وهو لم يكن يعرف يومًا أنه سيتولى مسئولية ذلك.
وقد شرفت بدعوته لحضور حفل مرور 50 عامًا على رحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم ومناسبة 25 عامًا على إنتاج مسلسل أم كلثوم، وذلك بمسرح التليفزيون بحضور لفيف من الشخصيات العامة وتكريم أبطال المسلسل وأسرة أم كلثوم، لنجد عودة رونق مسرح التيلفزيون، والعدد المجاني الخاص لمجلة الإذاعة والتلفزيون عن أم كلثوم وروعة الموضوعات به تحت عنوان "أم كلثوم..الست تتحدث عن نفسها"، وحالة الأمل والتفاؤل التي تسيطر على جميع العاملين في ماسبيرو الآن من أجل العودة للريادة الإعلامية.
والذي يدعو للتفاؤل هو أن المسلماني ورفاقه يعترفون ببواطن الخلل، ولا يكابرون في ذكر ذلك على الملأ، ولعل هذه أولى خطوات الإصلاح الحقيقي الذي نريده ونرضاه، وأتذكر منذ سنوات أنني حضرت لقاء مع الزميل المسلماني بصحبة آخرين وعلماء في مختلف المجالات وقلت وقتها أنه من غير المقبول أن يكون عدد العاملين في ماسبيرو أكبر من عدد المشاهدين.
والمؤكد أن أحمد المسلماني الذي تولى مهام صعبة في فترة زمنية حاسمة في تاريخ مصر وأهمها العمل مستشارًا للرئيس السابق عدلي منصور عقب ثورة 30يونيو 2013، والعالم المصري الكبير الراحل أحمد زويل، وسنوات العمل لبرنامجه المميز "الطبعة الأولى"، ومحاضراته في كل أنحاء ومؤسسات مصر، وصولاً إلى محاضراته في قرى مصر وريفها، ومهام أخرى كثيرة ،سيكون قادرًا على العبور بماسبيرو إلى بر الأمان، إلا أن الأمر يتطلب وجود إرادة حقيقية من كافة مؤسسات الدولة لاستكمال الطريق الذي بدأه المسلماني ويريد أن يحقق ما يريده دون أي حسابات أخرى.
قال المسلماني في الحفل واصفًا ما يحدث بأنه "عودة ماسبيرو"، وأنا أرى أن ما يحدث يمثل عودة الروح للإعلام المصري بشكل عام والذي لن يكون إلا بعودة ماسبيرو كبوابة الإعلام العربي في المنطقة كما كان، وقد ظهر ذلك في نجاح المسلماني بإعادة بعض قنوات التليفزيون المصري للإدارة المباشرة له بعد أن كانت تابعة للشركة المتحدة.
خلاصة القول أن ما يفعله المسلماني ورفاقه في الهيئة الوطنية للإعلام يدعو للأمل والتفاؤل وعودة قاطرة الإعلام الرسمي للدولة للدور الحقيقي له، وعلى المستوى الشخصي أشارك في الكثير من الاستضافات الإعلامية في مختلف قنواته على مدار سنوات مضت، وأقدر حجم اليأس والاحباط واختيار بعض الموظفين العمل والانتداب لجهات أخرى هروبًا من الواقع الذي يعيشونه خلال السنوات الماضية، إلا أن ما نراه اليوم يمثل نقلة نوعية تاريخية في تاريخ ماسبيرو نتمنى أن تسير في طريقها وتتوافر الإرادة والدعم اللازم لتحقيق ما يحلم به المسلماني وهو ما يحلم به الملايين في أنحاء المحروسة..حفظ الله مصر وشعبها وجيشها من كل سوء وللحديث بقية إن شاء الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المسلماني عودة الروح الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني الإذاعة المصرية أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
البيت الرمضاني
عندما يطل علينا هلال رمضان، كنجمة تضيء سماء الروح، مؤذنًا بتحول مبارك في دروب حياتنا، ودخول شهر تتصفد فيه الشياطين، وتهفو فيه القلوب إلى خالقها بصفاء ونقاء ،عندما يحل شهر الغفران والعتق من النيران، تطمئن النفوس، وتستبشر القلوب، لعلمها أنها سترتوي من لذة العبادة، وتغترف من معين الطاعة.
إن الأجواء الرمضانية هي أبهى مواسم العام، لما يجده العبد من أنس في رحاب الله، وقربًا يغسل أدران الروح من الذنوب ،يبدأ يومه بصيام يزكي النفس، ثم قراءة قرآن تنير البصيرة، ثم إفطار يجمع الأحبة، ويختم يومه بصلاة تراويح ترفع الروح إلى عنان السماء، فهو طيلة اليوم يسبح في فلك العبادة، ويغدو قلبه معلقًا بخالقه، عندما يظمأ البطن، تنشط الروح للذكر والعبادة وعمل الخير، ولذلك يزداد الخير وأهله في هذا الشهر الفضيل، وكأنهم جنود مجندة لنصرة الحق والفضيلة.
إن البيت الرمضاني تتغير معالمه وبرامجه اليومية، ففي كل زاوية منه تجد قارئًا لكتاب الله، يتلو آياته بتدبر وخشوع، فتسمع دوي القرآن يتردد في جنبات البيت، حتى غير المسلمين يشعرون بتغير في نمط الحياة في هذا الشهر الفضيل، ببركة معاشرتهم للمسلمين، ويظلهم الخير والبركة ينطبق عليهم هم القوم لايشقى بهم جليسهم ، فتنالهم النفحات والأرزاق ،إن البيوت الرمضانية في هذا الشهر تتجسد فيها أسمى معاني الإيمان والاستسلام لله الواحد القهار، وتفوح منها رائحة الإخاء والتكافل.
إن من رحمة الله بعباده أن أوجد مواسم للخير، ومناسبات للطاعة، نقترب فيها منه سبحانه، ونعيش لذة العبودية الخالصة ،فإذا كانت هذه هي حلاوة الدنيا، فكيف ستكون عيشة الآخرة في جنات الخلد والنعيم المقيم؟ ولذلك وردت الأحاديث النبوية التي تلوم من دخل عليه رمضان ولم يغفر له، وذلك لأن هذا الشهر تُعتق فيه الرقاب من النيران، ويتقرب فيه البشر من الله، يدعونه خوفًا وطمعًا، ورجاءً وإنابة، ورد في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي” (سنن الترمذي).
إن مقاصد شهر رمضان هي أسمى وأجل من مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، فجوهره تقوى الله، كما ورد في قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. ولذلك أجزل الله للصائمين الأجر، وجعل حسابه عنده من العطايا والأجور العظيمة، فالعبادات الأصل فيها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، فإنه لله، وهو يجزي به، وكل بما قدمت يداه من عمل صالح، روى أبوهريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي” (صحيح مسلم)، قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفا.
إذًا، رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتقرب إلى الله، فلنجعل من هذا الشهر بداية جديدة لحياة تفيض بالإيمان والعمل الصالح، ولنسع جاهدين لاستغلال كل لحظة فيه، بالتوبة والاستغفار، وبالدعاء والقيام، وبالإحسان إلى الناس ،عسى أن نكون من الفائزين برضا الله وعفوه، وأن نبلغ رحمته ومغفرته وعتقًا من النيران.