عازف «الست» فاروق سلامة يحكى كواليس حفلاتها50 عامًا على الميلاد الجديد لكوكب الشرقمحمد سلطان يكشف سر أغنية «دارت الأيام»العندليب يعتذر للست لهذه الأسبابمحفوظ عبدالرحمن ورحلة البحث عن مسلسل «أم كلثوم»سمير صبرى يكشف القصة الحقيقية لمنع أغانى أم كلثوم فى عهد الساداتالتجديد والفلسفة والشعبية فى مدرسة الست«عبده داغر» يحكى سره مع الستصوت عابر الحدود.
لا صوت يعلو فوق صوت الاحتفاء بمرور 50 عامًا على رحيل أم كلثوم، فهى سيدة الغناء عابرة الحدود، العالم أجمع يحتفى بذكراها، مسارح العالم فتحت أبوابها تصدح برحيق زهرة الفن المصرى، وزارة الثقافة المصرية أعتمدت 2025 عام الاحتفاء بتراث أيقونة الغناء ببرنامج حافل بالفعاليات الفنية والثقافية يقام خارج مصر وداخلها لإحياء إرثها الفنى والثقافى.
«غيابها حضور».. على مدار شهر كامل احتفت جريدة الوفد، بكوكب الشرق، حاورت عازفيها ومريديها، حيث حكى فاروق سلامة كواليس حفلاتها، وكشف سمير صبرى قصة منع أغانيها فى عهد السادات، ورصد عبده داغر حكاياته مع الست، وكشف حسن شرارة عن سر تدخلها لخروج والده عطية شرارة من الجيش، وكذلك حكى محمد سلطان عن خلافه معها بسبب أغنية «دارت الأيام»، وكواليس اعتذار العندليب لها، كل ذلك وأكثر كان فى إطار الاحتفالية التى احتفت بها "الوفد" ضمن احتفالات العالم بأيقونة الغناء على مر العصور.
الاحتفاء لم يتوقف فقط عند المسارح، ووسائل الإعلام، لكنه انتقل إلى المقاهى وشوارع العالم، لا يخلو بلد عربى من وجود شارع، أو ميدان أو مقهى باسمها، إلا واحتفى به، ففى مصر احتفى شارع أم كلثوم الجبلاية سابقًا، وهو الشارع الذى يبدأ من حى أبو الفدا ومع امتداد فيلتها القديمة التى هى فندق يحمل اسمها حاليًا.
وكذا مقهى «أم كلثوم» الموجود بوسط البلد ومتحفها فى حى المنيل، وقاعاتها فى الأوبرا، أقاموا الليالى احتفالًا بنجمة الغناء.
أما فى الدول العربية فتعتبر تونس من أهم الدول التى احتفت بأم كلثوم، وبذكراها ونشروا فيديوهات من شارع أم كلثوم بالعاصمة التونسية، الموازى لشارع الحبيب بورقيبة والمتقاطع مع شارع قرطاج، والذى لا تفصله إلاّ مسافة قصيرة عن شارع جمال عبدالناصر، وفى العاصمة العراقية بغداد، فى شارع الرشيد تحظى هذه المنطقة بأجمل مقهى يحمل اسم أم كلثوم منذ زيارتها للعراق، وهومفتوح منذ جولتها لجمع تبرعات المجهود الحربى، وفى هذه المقهى احتفى صاحبها بمرور 50 عامًا.
أيضًا، دول أجنبية كثيرة احتفت بأم كلثوم، فى مدينة مالمو بالسويد فى مقهى أم كلثوم غنى مطربون عرب، وفى باريس وحدها أكثر من 60 مقهى حسب إحصائية أوردتها مجلة فوربيس، مؤكدة أن منها مقاهى كثيرة تحمل اسم ام كلثوم منها مقهى لسمير خومارو يحمل اسم «أم كلثوم» فى حى «موفتار» الشهير فى الدائرة الخامسة من باريس، وكان مجرد مقهى عاد وتحول إلى ملتقى لرجال الأعمال العرب، أصبح على مدار الشهر احتفال بـ«الست».
صوت عابر للحدود، هى حقًا، صوت مصر بل والعرب، عندما تحتفى أى دولة أجنبية بعلاقاتها الثقافية المصرية، يكون صوت كوكب الشرق هو الراعى الرسمى لهذه المناسبة وفى كل احتفالية، آخرها الاحتفال بمرور 100 عام على العلاقات الثقافية الفرنسية كان الاحتفال على مسرح «جافوه- La salle Gaveau» وتجلت أغنيات أم كلثوم بصوت المصريات مروة ناجى وريهام عبدالحكيم وأميرة سليم.
كل ذلك وأكثر يؤكد أن «الست» هى معجزة القرن، التى يصعب تكرارها، ويكفى أن شركات الإنتاج السعودية عندما قررت أن تقدم عملًا فنيًا يجمع العالم حوله، عن سيرة ذاتية لشخصية مؤثرة عالميًا، قررت أن يكون فيلمًا عن «الست»، ورصدت له أعلى ميزانية فيلم حتى الآن فى العالم العربى، وصلت الـ350 مليون جنيه.
بمشهد جرىء تظهر منى زكى، والتى تُجسد شخصية أم كلثوم، فى بداية الفيلم، وهى تصعد إلى المسرح، لتقف أمام جمهورها، الذى جاء من مختلف دول العالم، بينما هى شاردة الذهن نوعًا ما، بسبب مخاوفها وقلقها من مرضها المناعى النادر، لتتذكر تفاصيل رحلتها، بالتزامن مع صعودها المسرح، وحماس الجمهور لاستقبالها وسماع صوتها، وذلك فى إطار درامى مثير.
الفيلم يتناول أبرز محطات أم كلثوم، سواء من بداية رحلتها فى عالم الغناء، وحتى من رحلة الصعود، حيث يستعرض قصة معاناتها مع مرض مناعى نادر، وهو فرط نشاط فى وظائف الغدة الدرقية، والتى أصيبت به بشكلٍ مفاجئ، ليُعكر صفوها ويُهدد مستقبلها الغنائى، لا سيما وأنه بات يؤثر عليها آنذاك، من «جحوظ العينين»، بينما علاجه الوحيد وقتها، مُقتصر على الجراحة، الأمر الذى قد يؤثر على الأحبال الصوتية.
انشغل مروان وحيد حامد بالتعامل مع فيلم «الست» كونه مشروع عمر، واختار فريق ماكياج عالمى، استطاع أن يصل بمنى زكى إلى صورة قريبة من أم كلثوم، رغم اختلافهما شكليًا، فهى تجلس يوميًا على كرسى المكياج لمدة ست ساعات كل يوم قبل أن تبدأ الكاميرات. إنه دور يتطلب الكثير من الجهد لأنه لا يركز فقط على فترة واحدة من حياة أم كلثوم، بل يتنقل ذهابًا وإيابًا بين الكثير من اللحظات المختلفة».
خضعت منى زكى لمدة عام كامل لدروس فى الغناء والحركة ولتدريبات على اللهجة وللعديد من بروفات المكياج.
وقال «حامد» إن «أكثر ما يثير الاهتمام» فى الفيلم الذى يدور حول كوكب الشرق، هو «كيف تحوّلت هذه الفتاة الصغيرة التى كانت ترتدى (زى الصبى) فى قرية فقيرة للغاية إلى هذه الأيقونة؟»، حيث يكشف تحولها وصراعها مع المجتمع وكيف غيرت الطريقة التى يُنظر بها إليها، حتى ارتقت، وأصبح لقبها فى العالم العربى (الست)، والذى يعنى السيدة.
كانت وستظل أم كلثوم هى معجزة العصر، التى يحتفى بها العالم، فى كل لحظة وفى كل عام، هى صوت الفن المصرى، المتجدد، هى السحر الذى يحمل أسرارًا كثيرة فى معنى البقاء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أم كلثوم عهد السادات سمير صبري محفوظ عبدالرحمن دارت الأيام وزارة الثقافة 50 عام ا على رحيل أم كلثوم أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
لم تكن أم كلثوم، كوكب الشرق وأيقونة الطرب العربي، مجرد مطربة استثنائية، بل ظاهرة صوتية فريدة استحوذت على اهتمام الباحثين والموسيقيين حول العالم. ذلك الصوت الذي وصف بأحد أقوى الأصوات في التاريخ، تميز بخصائص علمية وفنية استثنائية جعلته مادة للدراسة، ليس فقط من حيث تأثيره العاطفي والثقافي والفني، بل أيضا من حيث سماته التقنية مثل المدى الصوتي، والرنين، والتحكم في التنفس، والقوة التعبيرية.
المدى الصوتي والرنينأحد الجوانب التي لفتت النظر لصوت أم كلثوم هو مداه الصوتي الواسع، الذي يمتد إلى ثلاثة أوكتافات على الأقل. وفقًا لكتاب فيرجينيا دانيلسون "صوت مصر" (1997)، أظهرت أم كلثوم قدرة استثنائية على الانتقال بسلاسة بين الطبقات المنخفضة والمتوسطة والعالية من دون فقدان الوضوح أو الرنين. يضعها هذا ضمن فئة نادرة من المطربين الكلاسيكيين والمعاصرين.
وتشير دانيلسون أيضًا إلى تقدير أم كلثوم العميق للشعر الراقي، إذ "كانت لديها قدرة على ربط الارتجال الموسيقي بمعاني الكلمات التي تغنيها، مما يجعل المعنى محسوسًا بشدة لدى المستمعين. وكما يقال، الشعر هو فن العرب، والغناء الجيد للشعر يجذب تقديرًا هائلا لدى المستمعين الناطقين بالعربية".
إعلانبالإضافة إلى ذلك، أظهر صوت أم كلثوم رنينا قويا في الفورمانت، وهي خاصية عادة ما ترتبط بمغنيي الأوبرا. تشير دراسات من جامعة هارفارد ومعهد الصوتيات في فيينا إلى أنها استخدمت تقنية الفورمانت الغنائي، مما سمح لصوتها بأن يُسمع بوضوح فوق الأوركسترا دون الحاجة إلى تضخيم إلكتروني، وهي ظاهرة صوتية مماثلة لما يوجد في تقاليد الأوبرا الغربية.
التحكم في التنفسأحد العوامل الأساسية التي تسهم في قوة صوت أم كلثوم هو تحكمها الاستثنائي في التنفس. تُظهر الأبحاث في مجال علم الصوتيات أن قدرتها على الحفاظ على الجمل الموسيقية الطويلة دون أخذ نفس مسموع كانت نتيجة لاستخدامها تقنيات متقدمة في التنفس الحجابي. ويتجلى ذلك بشكل خاص في أدائها الحي، حيث كانت قادرة على مدّ النغمات لفترات طويلة مع الحفاظ على التحكم الديناميكي.
أعرب لوتشيانو بافاروتي، أحد أعظم مغنيي الأوبرا، عن إعجابه بدعم أم كلثوم التنفسي وقدرتها على التحمل، مشيرا إلى أن تحكمها في تدفق الهواء سمح لها بتقديم أداء عاطفي وتقني صعب للغاية. في الموسيقى العربية التقليدية، التي تركز على العبارات اللحنية الطويلة والتزيينات المعقدة، يكون هذا النوع من التحكم أمرا حاسمًا، وقد أتقنته أم كلثوم بدرجة غير مسبوقة.
الأنغام التوافقيةكشف التحليل الطيفي لتسجيلات أم كلثوم، الذي أجراه باحثون في جامعة أكسفورد، أن صوتها يحتوي على توافقيات غنيّة، مما يعزز من دفئه وعمقه. تسهم هذه التوافقيات في إدراك المستمعين لثراء الصوت وشدته العاطفية. كما أن وجود هارمونيكس قوية يفسر سبب بقاء صوتها واضحًا ومتميزا حتى في التسجيلات القديمة من القرن العشرين، التي لم تكن تعتمد على تقنيات هندسة صوتية متطورة.
كانت لديها القدرة على توليد ترددات عالية الطاقة في نطاق 3 آلاف هرتز، المعروف باسم "فورمانت الغناء"، والذي سمح لصوتها بالبروز بوضوح فوق الموسيقى المصاحبة. تُعد هذه الخاصية ميزة حاسمة في قوة صوت المطربين، حيث تضمن بقاء صوتهم مسموعا حتى في التوزيعات الموسيقية المعقدة.
إعلان التعبير العاطفي والطابع الصوتيإلى جانب براعتها التقنية، يُشاد بصوت أم كلثوم لقدرته على التعبير العاطفي العميق وطابعه الفريد. كما تم تفصيله في الفيلم الوثائقي لـبي بي سي "أم كلثوم: صوت مثل مصر"، امتلك صوتها طيفا ديناميكيا يمكنه التعبير عن الحزن العميق، والفرح الشديد، والشوق العاطفي، غالبًا داخل الأغنية نفسها. يجادل علماء الموسيقى بأن هذه القدرة ترجع إلى تحكمها الدقيق في طيف الصوت، مما سمح لها بتعديل الفروق الدقيقة في اللون الصوتي لمواءمة محتوى الكلمات والتعبير الموسيقي.
أكد الناقد الأدبي وعالم الموسيقى إدوارد سعيد على قدرة أم كلثوم على الحفاظ على التوتر العاطفي من خلال صوتها. وأشار إلى أن استخدامها للتغييرات الدقيقة في النغمات والزخارف اللحنية مكّنها من تشكيل العبارات الموسيقية بطريقة أثرت بشدة على الجمهور العربي، مع الحفاظ على هياكل المقامات التقليدية وإدخال نوع من الارتجال البارع.
المقارنة بالغناء الكلاسيكي الغربيغالبًا ما تتم مقارنة صوت أم كلثوم بمغنيي الأوبرا الغربيين بسبب قوته وتحمله وتقنياته الإسقاطية. سلطت دراسة مقارنة أجريت في قسم الموسيقى بجامعة ستانفورد الضوء على استخدام أم كلثوم للهجوم الحلقي والفيبراتو والبورتامنتو المنضبط، مما يتشابه مع أسلوب الغناء "بيل كانتو" الموجود في الأوبرا الأوروبية. ولكن على عكس المغنين الغربيين، فقد دمجت الارتجال اللحني العربي (التقسيم)، مما أضاف طبقة فريدة من التعبير جعلتها متميزة عن المطربين الكلاسيكيين.
علاوة على ذلك، تم تشبيه براعتها في الزخرفة والتشكيل اللحني بتقنيات ماريا كالاس، وهي مغنية أخرى مشهورة بكثافة تعبيرها ودقتها التقنية. أظهرت كلتا المغنيتين القدرة على الحفاظ على نقاء الصوت أثناء تشكيل العبارات ديناميكيًا، وهي مهارة تتطلب تحكمًا هائلًا في الرنين والنطق.
يعد صوت أم كلثوم مثالًا رائعا على القوة الصوتية والإتقان التقني والتعبير العاطفي. إن قدرتها على إسقاط الصوت دون تضخيم، واستدامة الجمل الطويلة بتحكم مذهل في التنفس، وإثراء صوتها بالتوافقيات تجعلها واحدة من أعظم المطربين في التاريخ.
إعلان