سودانيون في ليبيا: الهروب من الموت إلى «القسوة»
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
في إحدى ليالي أبريل عام 2023، وبينما كان صوت القذائف يمزّق سكون مدينة الفاشر، شمال دارفور، احتضنت تماضر النور البكر، أطفالها، لديها ثلاثة أطفال، احتضنتهم سوية، في محاولة لتهدئة رعشة الخوف في قلبها.
التغيير ــ وكالات
“الحرب لا ترحم، والجوع بات يهدد حياتهم”، قالت البكر لموقع “الحرة”، حاول زوجها، الذي ظل معها طوال فترة النزوح، البحث عن أي وسيلة للخروج من السودان، بعدما ضاق بهم الحال وأصبحت الفاشر ساحة معركة، لا تصلح للعيش.
لم يكن أمامهما خيار سوى الهرب.
جمعا ما تبقى لديهما من أموال قليلة، واستعدا لرحلة محفوفة بالمخاطر نحو ليبيا، حيث قيل لهما: هناك فرصة لحياة أكثر أمانا.
بدأت الحرب في السودان منتصف أبريل عام 2023، نتيجة صراع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.
يعود أصل الخلاف إلى تنافس قديم بين المؤسستين حول السلطة والنفوذ، وتفاقم الخلاف بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
خلفت الحرب آثارا إنسانية تصفها تقارير دولية بـ”الكارثية”، إذ سقط آلاف الضحايا المدنيين وأجبر الملايين على النزوح داخليا وخارجيا.
رحلة الهروب إلى الكفرةفي شاحنة قديمة مكتظة بالهاربين، انطلقت البكر وزوجها وأطفالهما عبر الصحراء الكبرى في أغسطس من نفس العام.
كان الحرّ لا يُطاق، والماء شحيحا، والخوف من قطاع الطرق والميليشيات، ينهش القلوب.
كلما شعرت البكر باليأس، نظرت إلى عيون أطفالها واستمدّت منهم القوة، فيما كان زوجها يمسك بيدها ليطمئنها بأن “هذه المحنة ستمر”.
بعد أيام من المعاناة، وصلوا إلى مدينة الكفرة الليبية، نقطة الدخول الرئيسية من السودان، وتبعد نحو 350 كيلومترا عن أقرب نقطة حدودية سودانية.
خلال عام 2024، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الباحثين عن الأمان في ليبيا، مع وصول ما يقدر بنحو 400 لاجئ إلى البلاد يوميا، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
سرعان ما اكتشفت أسرة البكر أن الكفرة تعج بالمُهربين والمسلحين، وأن اللاجئين السودانيين يُعاملون بقسوة.
بالكاد تمكنوا من العثور على مكان يؤويهم. ناموا في مخزن صغير مشترك مع مجموعة عائلات، هربت أيضا من أماكن أخرى.
في الصباح، بدأوا مع آخرين بمساعدة مهرب، التحرك نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث أوقفهم مسلحون على حواجز عدة.
قالت البكر: “كانوا ينزلوننا ويهينوننا، خاصة في بوابة إجدابيا شرق ليبيا، ويطلبون أموالا إضافية حتى نمر”.
دفعوا ما يعادل الـ 100 دولار أميركي لهذه الحواجز، حتى وصلوا إلى طرابلس في الغرب.
احتجاز أولوصلت الأسرة والقافلة إلى مقر مفوضية اللاجئين. بالكاد استطاعوا تسجيل أسمائهم، ثم حصلت كل أسرة على مبلغ 500 دينار (حوالي 101 دولار أميركي)، بحسب البكر.
قالت البكر: “هذا المبلغ لا يكفي إيجار بيت لشهر واحد، لذا خصصناه للأكل والشراب”.
لم يكن هناك مكان يأوي أسرتها، فباتوا أمام المفوضية مع عشرات من السودانيين الآخرين.
لم يمضِ وقت طويل حتى داهمت قوات الأمن الليبية المنطقة بعد اكتظاظها بالمهاجرين.
اعتُقل عشرات اللاجئين، من بينهم البكر وزوجها وأطفالهما الذين يبلغون من العمر سبعة وثمانية و12 عاما.
اقتيدت الأسرة مع عشرات من الأسر الأخرى إلى سجن أبو سليم.
“أجبرونا على خلع كل ملابسنا أنا وزوجي تماما حتى الأطفال الصغار، بدعوى التفتيش، وعندما جادلناهم ضربونا. لدي علامات على جسمي بسبب ضربهم” قالت البكر.
كانت الليالي في السجن تمر بطيئة ومليئة بالخوف.
شاهدت البكر رجال الأمن يضربون بعض المحتجزين، وسمعت صرخات نساء تم استجوابهن بطرق مهينة.
حاولت أن تبقى قوية من أجل أطفالها الذين كانوا يبكون من الجوع والبرد.
في السجن، رافقتهم امرأة سودانية مع أطفالها السبعة، أكبرهم فتاة تبلغ من العمر 18 عاما.
كانت السيدة تعاني من مرض السكري، ولم تكن قادرة على تناول الطعام الذي يقدم لهم، وهو عبارة عن خبز أو أرز.
تعيش هذه السيدة الآن مع البكر وعائلتها. تعاني من مرض شديد بسبب ما حدث معها في السجن.
بعد 30 يوما من الاحتجاز والمعاناة، تم إطلاق سراحهم بعد أن تدخلت مفوضية اللاجئين التي منحتهم 900 دينار (190 دولارا أميركيا تقريبا) للبحث عن مأوى.
وبالفعل، اشتركت الأسرة مع عائلات سودانية أخرى لتأجير منزل بثلاث غرف، حوت كل واحدة، سبعة أشخاص.
قالت البكر: “أفضل من أن نبيت في الشارع ويتم اعتقالنا من جديد”.
حاول زوجها البحث عن عمل دائم، لكنه لم يفلح. السبب في ذلك، عدم وجود جوازات سفر معهم.
لم يطل بقاؤهم في المنزل المستأجر أكثر من شهر، حتى جاءت قوات الأمن واعتقلتهم من جديد.
تم الاعتقال بناء على شكوى من الجيران الذين قالوا إن “المنزل فيه عدد كبير من السودانيين”.
كانت هذه المرة أسوأ من الأولى، حيث أجبرتها قوات الأمن على خلع ملابسها رغم أنها كانت في فترة الحيض.
لم تفلح محاولات التوسل إليهم لإثنائهم عن هذه الإجراءات المهينة، التي تصاحبها تحرشات جنسية، على حد قولها.
داخل الحجز، لم يكن هناك طعام تقريبا. كان الأطفال يمرضون دون أي رعاية طبية.
بعد ستة أيام اتصلت السفارة السودانية وتوسطت لإخراجهم من السجن.
لا تستطيع البكر وأسرتها العودة إلى الفاشر التي تستمر فيها الحرب، حتى أن والدها قتل هناك بقصف قوات الدعم السريع قبل أربعة أشهر.
صعوبات هائلةوبينما تشير التقديرات إلى وصول أكثر من 210 ألف سوداني إلى ليبيا منذ بداية الحرب، تتوقع مفوضية اللاجئين أن يصل العدد إلى نحو 450 ألفا مع نهاية العام الجاري.
في أواخر ديسمبر الماضي، قالت عسير المضاعين، رئيسة بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا: “لقد تحمل اللاجئون في ليبيا صعوبات هائلة في رحلتهم إلى هنا. ومع دخولنا عاما جديدا، يجب أن نتحرك بسرعة لمنع المزيد من المعاناة وحماية الأرواح”.
أصدرت هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا الشهر الماضي، إنذارا نهائيا للشركات في جميع أنحاء البلاد، وطالبتها بتسوية الوضع الوظيفي لعمالها المغتربين.
“استغلال”طارق لملوم، وهو باحث في الهجرة غير الشرعية، قال خلال مقابلة مع موقع “الحرة” إن ” ليبيا تعيش حالة من الفوضى في ما يتعلق بمعاملة المهاجرين غير النظاميين”.
“هناك إعلانات كثيرة عن ضرورة تسوية أوضاعهم، لكن على أرض الواقع، يتورط الكثير من المسؤولين في استغلالهم بشكل غير قانوني”، قال لملوم.
قال أيضا إن “كل من يقوم بأعمال الصيانة والنظافة، حتى في السجون، هم مهاجرون غير نظاميين. حتى في الوزارات، هؤلاء العمال هم من يشغلون الوظائف، لكنهم ليسوا مسجلين بشكل قانوني”.
وأشار لملوم إلى أن “هؤلاء المهاجرين، غالبا ما يجدون أنفسهم ضحايا للمتاجرة بالبشر، ويعيشون في ظروف قاسية داخل مراكز الاحتجاز، حيث يتم استغلالهم ماليا من قبل السلطات والمجموعات المسلحة”.
في السجون، يتعرض المهاجرون للاحتجاز التعسفي، مع تهديدات مستمرة بأنهم سيظلون رهن الاعتقال إلى أن يدفعوا مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، بحسب لملوم.
بعضهم لا يتمكن من الخروج إلا بعد دفع مبالغ تصل إلى 1500 دولار أميركي، وهو ما يزيد من معاناتهم، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا.
تضاف إلى هذه المأساة، قلة الخيارات الإنسانية المتاحة لتخفيف معاناتهم، ما يعكس بشكل واضح ضعف الدولة الليبية في معالجة أزمة الهجرة بشكل قانوني وإنساني.
وبينما تخشى البكر مغادرة المنزل الذي يبيتون فيه خوفا مما يمكن أن يحدث، جاءت حملة أمنية السبت (2 فبراير) واعتقلت زوجها ومجموعة سودانيين كانوا يقفون في ساحة يتجمع فيها العمال بحثا عن عمل.
لم تعد ترى أي مخرج من هذا الكابوس الذي يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، خاصة، أنها ترى أطفالها يكبرون أمامها دون أن يلتحقوا بالمدارس.
أصبحت البكر تحلم باليوم الذي تنتهي فيه هذه الرحلة القاسية، والعودة إلى وطن آمن، حيث لا تُعامل كالغريبة، وحيث يستطيع أطفالها أن يناموا دون خوف.
الوسومغير شرعيين قسوة ليبيا مهاجرينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: غير شرعيين قسوة ليبيا مهاجرين
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية تدين قرار الكنيست بحظر "الأونروا" وتحذر من تداعيات كارثية على اللاجئين الفلسطينيين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، دورة غير عادية اليوم ، برئاسة الجمهورية اليمنية (رئاسة المجلس الوزاري)، وبناءً على طلب من المملكة الأردنية الهاشمية وبالتنسيق مع جمهورية مصر العربية ودولة فلسطين، وبمشاركة السفراء المندوبين الدائمين للدول الأعضاء، والسفير سعيد أبو علي، الأمين العام المساعد لقطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة، والسفير حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة. وقد خُصص الاجتماع لبحث تداعيات تطبيق القرارات غير الشرعية للكنيست الإسرائيلي بحظر عمل وكالة الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
خلص المجلس إلى ما يلي:
إدانة تجاهل إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) دعوات ومطالبات المجتمع الدولي بوقف تطبيق القوانين الباطلة التي أقرها كنيست الاحتلال الإسرائيلي لحظر عمل وكالة الأونروا، والتأكيد على أن إصرار سلطات الاحتلال على تنفيذ هذه القوانين سيعيق عمل الأونروا الحيوي في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة، مما سيؤدي إلى تبعات كارثية على اللاجئين الفلسطينيين.
التأكيد على بطلان الإجراءات الإسرائيلية التي تستند إلى تعريف غير قانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة باعتبارها "سيادة إسرائيلية"، والتشديد على أن إسرائيل لا تملك أي سيادة على القدس الشرقية أو أي جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، وفقًا للقانون الدولي.
اعتبار كافة الإجراءات الإسرائيلية بحق مقرات وموجودات الأونروا في القدس الشرقية باطلة، والتأكيد على أن إسرائيل لا تمتلك شرعية أو سلطة لمصادرة الممتلكات الخاصة أو العامة التابعة للدولة المحتلة، وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ولوائح لاهاي لعام 1970.
التأكيد على أن الأونروا وكالة أممية أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 302 لعام 1949 لتقديم الدعم الإنساني والتنمية للاجئين الفلسطينيين، وأن أي محاولات لمنعها من أداء دورها تعد انتهاكًا جسيمًا لقرار دولي يعكس التزام المجتمع الدولي بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
إدانة التشريعات الإسرائيلية بحق الأونروا باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، وميثاق الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن رقم 2730 (24 مايو 2024) الذي يلزم إسرائيل باحترام المؤسسات الأممية وسلامة العاملين في المجال الإنساني.
التأكيد على أن محاولات إسرائيل تقويض شرعية الأونروا تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقويض أسس حل الدولتين المتفق عليه دوليًا.
التحذير من أن حظر عمل الأونروا في غزة يؤدي إلى إخضاع الفلسطينيين المستفيدين من خدماتها لأوضاع معيشية قد تصل إلى الإبادة الجماعية وفقًا للمادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نظرًا لأن الأونروا هي الجهة الأساسية لتقديم الخدمات لهم.
رفض الادعاءات الإسرائيلية المشككة في حياد الأونروا، والتذكير بأن تقرير المراجعة المستقلة الصادر في 5 أبريل 2024 أكد أن الأونروا عززت سياسات الحياد منذ 2017، وأنها تحظى بالحوكمة والشفافية من المجتمع الدولي.
دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها وفقًا للقانون الدولي، وعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (A_RES_ES-10_24).
التأكيد على أن التشريعات الإسرائيلية ضد الأونروا تشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946، والتي تسري على الأونروا باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الأمم المتحدة.
التحذير من الآثار الكارثية المترتبة على حظر الأونروا، خاصة في غزة، حيث تُعد الأونروا الجهة الوحيدة القادرة على إيصال المساعدات الإنسانية بكفاءة، في ظل حاجة 1.9 مليون شخص للغذاء، وأكثر من 200 ألف طفل للقاحات، و15 ألف شخص للرعاية الصحية.
الإشارة إلى محاولات إسرائيل تقويض الأونروا من خلال تدمير مقراتها وقتل موظفيها، حيث تم تدمير 205 مبانٍ وقتل 272 موظفًا منذ بداية العدوان على غزة، وهو ما يُعد جرائم حرب مكتملة الأركان.
التحذير من أن انهيار الأونروا سيؤدي إلى تحميل الدول المضيفة في مناطق عملياتها أعباء إضافية، مما يعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويضعف الثقة في المؤسسات الدولية.
التأكيد على دعم الشعب الفلسطيني في تمسكه بحقوقه المشروعة وفقًا للقانون الدولي، ورفض المساس بهذه الحقوق عبر الاستيطان أو التهجير القسري أو مصادرة الأراضي، لما لذلك من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة.
دعوة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى تعميم البيان على كافة البعثات ومجالس السفراء العرب، وحث المجموعة العربية في نيويورك على التحرك لاستصدار قرار من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة يتماشى مع مضمون هذا البيان.