لماذا يتراجع الاقتصاد الصيني بصورة مثيرة للقلق؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
على عكس التوقعات، جاءت نتائج الاقتصاد الصيني الأخيرة مخيبة للآمال، فمعظم المؤشرات المالية حذرت من تدهور كبير في قيمة اليوان، ومن تراجع كبير في سوق العقارات، مع إعلان شركات عقارية صينية في داخل البلاد وخارجها إفلاسها.
ولطالما كانت الصين محرك النمو العالمي، لكن في الأسابيع الأخيرة، أثار التباطؤ الاقتصادي قلق القادة والمستثمرين الدوليين، الذين لم يعودوا يعتمدون عليها لتكون الرافعة الأساسية للاقتصاد العالمي ككل، بعد تراجع مؤشر "هانغ سنغ" في هونغ كونغ إلى أكثر من 20٪ الأسبوع الماضي، وانخفاض اليوان إلى أدنى مستوى له في 16 عاماً، وفقاً لما ذكره موقع "سي إن إن".
تراجع اليوان الصيني نتيجة بيانات اقتصادية ضعيفة، كان آخرها تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين#صحيفة_الشرق_الأوسط #صحيفة_العرب_الأولي https://t.co/78iufXhB9r
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) August 20, 2023 كابوسمنذ أن بدأت الصين تخفيف القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا، واقتصادها يسجل نمواً مطرداً، في طفرة فريدة، سرعان ما تحولت لاحقاً إلى كابوس حقيقي، ما دفع قادة البلاد والمسؤولين التنفيذين إلى منع نشر أي أرقام رسمية عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
فجأة، وبعد فترة ليست بطويلة من تخفيف قيود كورونا، توقف النمو الاقتصادي في الصين، وبدأت أسعار المستهلكين في تسجيل انخفاضات حادة، وطغت أزمة العقارات على السطح، وأصبحت الصادرات في حالة ركود شبه تام، كما ارتفعت نسب البطالة بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة.
ومما زاد الطين بلة، إعلان عملاق العقارات الصينية "إيفرغراند" تخلفها عن سداد مدفوعات مستثمريها في الأسابيع الأخيرة، ما تسبب بحالة ذعر ومخاوف كبيرة من اتساع حالة عدم الاستقرار المالي في البلاد.
وتعمقت الأزمة أكثر مع تبدد الآمال بوقف تدهور مستويات النمو، في ظل الافتقار إلى إجراءات حازمة لتحفيز الطلب المحلي، وبسبب المخاوف من انتشار متحور جديد من فيروس كورونا، ما دفع العديد من البنوك الاستثمارية الكبرى إلى خفض توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد الصيني إلى أقل من 5٪.
بتلك الانخفاضات، تتجه الصين نحو تسجيل إخفاق كبير عن هدف النمو الرسمي المحدد عند 5.5٪، وهو ما سيكون مصدر إحراج للقيادة الصينية في عهد الرئيس شي جين بينغ.
"إيفرغراند" الصينية في طريقها للإفلاس https://t.co/1fsgKunPle
— 24.ae (@20fourMedia) August 18, 2023حالة الركود الاقتصادية في الصين بدأت فعلياً في أبريل (نيسان) الماضي، لكن المخاوف تعززت في أغسطس (آب) الجاري، بعد تخلف شركتين كبيرتين، هما "كانتري غاردن" العقارية، و"وزونغ رونغ ترست" الائتمانية عن سداد مدفوعات المستثمرين.
ولكبح المخاوف، أطلقت بكين مجموعة من الإجراءات الداعمة لإنعاش سوق العقارات، لكن مع ذلك، ظلت شركات العقارات الكبرى في الصين، على شفا التخلف عن السداد، ما يبرز التحديات التي تواجهها بكين لاحتواء الأزمة.
في غضون ذلك، يبدو أن التخلف عن سداد الديون لدى مطوري العقارات قد امتد إلى صناعة الثقة الاستثمارية البالغة 2.9 تريليون دولار في البلاد، وأخفقت "زونغ رونغ ترست"، التي أدارت أموالًا بقيمة 87 مليار دولار لعملاء من الشركات والأثرياء، في سداد سلسلة من المنتجات الاستثمارية لأربع شركات على الأقل، تبلغ قيمتها حوالي 19 مليون دولار، وفقاً لبيانات الشركة في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال رئيس اقتصاديات الصين في "كابيتال إيكونوميكس" جوليان إيفانز بريتشارد، إن "المزيد من الخسائر في قطاع العقارات قد يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي على نطاق أوسع".
وأضاف، "مع تزايد هروب الأموال المحلية إلى السندات الحكومية والودائع المصرفية الآمنة، قد تواجه المزيد من المؤسسات المالية غير المصرفية مشكلات في السيولة".
مصدر قلق رئيسي آخر للاقتصاد الصيني، هو ديون الحكومات المحلية، التي ارتفعت إلى حد كبير بسبب الانخفاض الحاد في عائدات بيع الأراضي جرّاء تراجع العقارات، فضلاً عن التأثير المستمر لاحتمالات فرض إغلاق جديد.
وتقول التقارير، إن الضغوط المالية الشديدة التي نراها على المستويات المحلية لا تشكل مخاطر كبيرة على البنوك الصينية فحسب، بل إنها تقلل أيضاً من قدرة الحكومة على تحفيز النمو وتوسيع الخدمات العامة.
وكشفت بكين حتى الآن عن إجراءات جديدة لتعزيز الاقتصاد، بينها تخفيضات أسعار الفائدة وغيرها من التحركات لمساعدة سوق العقارات والشركات الاستهلاكية، لكنها امتنعت عن اتخاذ أي خطوات كبيرة. وقال خبراء اقتصاديون، إن السبب في ذلك هو أن الصين أصبحت مثقلة بالديون، لدرجة أنها لم تتمكن من ضخ أموال لدعم الاقتصاد، كما فعلت قبل 15 عاماً، خلال الأزمة المالية العالمية.
وخلال الأزمة المالية العالمية في 2008، طرح القادة الصينيون حزمة مالية بقيمة 4 تريليونات يوان (586 مليار دولار) لتقليل تأثير الأزمة على الاقتصاد، لكن الإجراءات، التي ركزت على مشاريع البنية التحتية التي تقودها الحكومة، أدت أيضاً إلى توسع ائتماني غير مسبوق، وزيادة هائلة في ديون الحكومة المحلية، والتي لا يزال الاقتصاد يكافح للتعافي منها.
ويوم الأحد، أعاد صانعو السياسة في بكين التأكيد على أن إحدى أولوياتهم القصوى هي احتواء مخاطر الديون النظامية في الحكومات المحلية. وتعهد بنك الشعب الصيني، بالعمل لمواجهة هذا التحدي، وفقاً لبيان صادر عن البنك المركزي.
علاوة على ذلك، تواجه الصين بعض التحديات طويلة المدى، مثل الأزمة السكانية، والعلاقات المتوترة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وتأثر الاقتصاد الصيني كذلك، بانخفاض معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد، وهو متوسط عدد الأطفال الذين ستنجبهم المرأة على مدار حياتها، إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 1.09 العام الماضي من 1.30 قبل عامين فقط، وهذا يعني أن معدل الخصوبة في الصين الآن أقل من معدل الخصوبة في اليابان، المعروفة بشيخوختها.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت الصين بيانات أظهرت أن عدد سكانها بدأ يتقلص العام الماضي لأول مرة منذ 6 عقود.
وقال محللون من وكالة "موديز" في تقرير بحثي الأسبوع الماضي، "تمثل التركيبة السكانية المتقادمة في الصين تحديات كبيرة لإمكانيات نموها الاقتصادي". ويمكن أن يؤدي التراجع في القوة العاملة وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية إلى اتساع نطاق العجز المالي، وزيادة عبء الديون. كما يمكن أن تؤدي قوة العمل الأصغر أيضاً إلى تآكل المدخرات المحلية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة وانخفاض الاستثمار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني إيفرغراند الصينية اقتصاد الصين الاقتصاد الصيني الاقتصاد الصینی فی البلاد فی الصین
إقرأ أيضاً:
أسباب تراجع الاقتصاد التركي وتحليل تأثيرات الفائدة على التضخم
أكد الاقتصادي السابق في البنك المركزي التركي وعضو هيئة التدريس بجامعة بلكينت، هاكان قره، في مقابلة حديثة أن السياسة النقدية بمفردها لا تكفي للحد من التضخم المرتفع في تركيا، مشيرًا إلى ضرورة مراعاة عوامل أخرى تؤثر على الاقتصاد التركي. وأضاف قره أن تركيا تواجه تحديات أكبر مقارنة بالدول الغربية، حيث أن القدرة على إدارة التوقعات الاقتصادية قد تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بالتحسن البسيط في التضخم، أشار قره إلى أنه على الرغم من التحسن الطفيف إلا أن البلاد لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار الكامل، مؤكدًا أن الاقتصاد التركي يشهد تراجعًا في القطاع الصناعي مقابل قطاع الخدمات، بسبب عدة عوامل مثل ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الطلب الخارجي وارتفاع قيمة الليرة.
وأوضح قره أنه في هذه الفترة، يجب أن تكون السياسة النقدية أكثر بساطة، حيث ينبغي أن تظل أسعار الفائدة أعلى من معدل التضخم بمقدار 4-5 نقاط في المرحلة الأولى. واعتبر أن تغيرات كبيرة في السياسة النقدية منذ عام 2018 وفشل الحكومة في تحقيق أهداف التضخم خلال العقد الماضي ساهمت في ضعف التوقعات الاقتصادية.
وأضاف أنه لا يمكن الاعتماد على استطلاعات الأفراد أو الأسر للتنبؤ بالتضخم، لأن هذه الاستطلاعات غالبًا ما تعكس ردود فعل سريعة على التغيرات اليومية في أسعار بعض المواد، مما يؤدي إلى توقعات غير دقيقة.