وجّهت 500 سيدة مصرية، وقّعت على التماس، نداء إلى زوجة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، انتصار السيسي، لـ"التدخل من أجل إنقاذ حياة الدكتورة ليلى سويف، المضربة عن الطعام، للمطالبة بالإفراج عن ابنها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح".

وبحسب بيان صادر عن مجموعة من الأمهات المصريات، فإنه على أمل تلقي استجابة إنسانية تضع حدّا لهذه المأساة، قد تم إرسال الالتماس، المصحوب بخطاب نداء، أطلق عليه اسم "عاطفة الأمومة".

 

وبغية التدخل العاجل من أجل الإفراج عن علاء عبد الفتاح، وإنقاذ والدته ليلى سويف، البالغة من العمر 68 عاما، وجّهت الأمهات المصريات في خطابهن نداء لزوجة السيسي، مع الإشارة لكون" ليلى سويف باتت في خطر صحي، إثر إضرابها المطول عن الطعام".

مطلب الإفراج عن علاء عبد الفتاح أصبح قضية رأي عام، حيث تطالب عائلته ومنظمات حقوق الإنسان بتطبيق حتى القوانين الظالمة التي حكم بها، وإطلاق سراحه بعد انتهاء عقوبته. استمرار احتجازه خارج إطار القانون يثير تساؤلات حول مدى احترام الدولة للعدالة والقانون pic.twitter.com/ZN2K8GuJwe — نزار المرشدي (@hadouchred71) February 3, 2025
وجاء في نص الالتماس: "نحن مجموعة من الأمهات المصريات نتوجه إليك بالتماس ومناشدة لكي تتوسطي لإنقاذ حياة أم مصرية هي الدكتورة ليلى سويف، التي تخوض إضرابا قاسيا عن الطعام منذ أكثر من 120 يوما، مكتفية بشرب الماء والمشروبات الدافئة بدون سكر، في محاولة للإفراج عن نجلها".

وأضاف الالتماس نفسه: "نرجو منك باسم عاطفة الأمومة أن تتوسطي للإفراج عنه وإنقاذ حياتها، التي باتت في خطر حقيقي"؛ فيما تواصل الأكاديمية ليلى سويف، إضرابها عن الطعام منذ يوم 27 أيلول/ سبتمبر الماضي للمطالبة بالإفراج عن ابنها. 

وقبل أيام خلال جلسة الاستعراض الدوري لملف مصر في حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قالت سويف إنّ "علاء لا يزال في السجن، رغم أن مدة حبسه انتهت في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي".


وفي السياق نفسه، أوضحت سبب إضرابها عن الطعام، مردفة بأنّ السلطات المصرية تقول إن مدة حبسه تبدأ من تاريخ التصديق على الحكم، ما يعني أن الإفراج عنه سوف يكون في 3 كانون الثاني/ يناير من عام 2027.

وفيما أكدت سويف استمرارها في الإضراب حتى الإفراج عن علاء أو موتها، فقد أفادت عبر رسالتها التي وجهتها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: "نحن عائلة علاء، منذ 2013 ونحن نذهب بين السجون والمحاكم، حياتنا توقفت تماما، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر للأبد، وأنا مقتنعة أنه إذا لم يفرج عن علاء الآن، فالوضع سيظل كما هو، لذلك بدأت الإضراب ومستمرة فيه".

تجدر الإشارة إلى أن عبد الفتاح، الذي قضى معظم سنوات العقد الماضي في السجن، حصل على الجنسية البريطانية في نيسان/ أبريل 2022، من خلال والدته المولودة في بريطانيا.

وطالب عدد من قيادات الحركة المدنية والشخصيات العامة والحقوقيين رئيس الجمهورية، في مؤتمر صحفي، بالافراج عن الناشط السياسي والمدون، علاء عبد الفتاح، حفاظًا على صحة والدته ليلى سويف المضربة عن الطعام منذ 127 يومًا، مشددين على أهمية إنهاء حبسه بعد انقضاء فترة عقوبته. pic.twitter.com/I0tUzWVtjE — Mada Masr مدى مصر (@MadaMasr) February 3, 2025
ويقضي علاء، الذي يُعدّ وجها بارزا في ثورة يناير، حكما بالسجن مدته 5 سنوات على خلفية اتّهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة.. إذ أُلقي عليه القبض في 28 أيلول/ سبتمبر 2019، من قسم الشرطة التابع له محل إقامته أثناء تنفيذه عقوبة المراقبة الشرطية لمدة 12 ساعة يوميا.

إثر ذلك، وجّهت له نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 1365 لسنة 2019 جملة اتهامات، بينها: الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، على خلفية منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يتناول وفاة معتقل داخل السجن.


وكانت نيابة أمن الدولة العليا، قد قررت بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إحالة عبد الفتاح إلى المحاكمة، في قضية جديدة برقم 1228 لسنة 2021 بتهمة نشر أخبار كاذبة. وضمت القضية نفسها المحامي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين.

بعد ذلك، صدر الحكم بالسجن لخمس سنوات على عبد الفتاح، وأربع سنوات لكل من الباقر وأكسجين. ولاحقا أصدر عفو رئاسي عن الباقر في 19 تموز/ يوليو 2023.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية حقوق وحريات مصرية انتصار السيسي علاء عبد الفتاح مصر علاء عبد الفتاح زوجة السيسي انتصار السيسي عاطفة الامومة المزيد في سياسة حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة علاء عبد الفتاح الإفراج عن علاء حقوق الإنسان عن الطعام

إقرأ أيضاً:

العمل الحقوقي في مواجهة أزمة التمويل: هل نشهد تراجعا لا رجعة فيه؟

لطالما شكلت منظمات حقوق الإنسان حجر الأساس في الدفاع عن الحريات الأساسية، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم للضحايا حول العالم. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات اليوم أزمة غير مسبوقة تهدد استمراريتها نتيجة تقليص أو قطع التمويل، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على أداء دورها الحيوي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إعلان الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) في 25 شباط/ فبراير 2025 في بيانه التاريخي تعليق عملياته بسبب عدم تمكنه من الوصول إلى الأموال المخصصة له من قبل الكونغرس الأمريكي، وهو ما أدى إلى وقف دعمه لحوالي 2000 منظمة شريكة تعمل في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون، الأمر الذي يشكل ضربة قاسية للعمل الحقوقي في مختلف أنحاء العالم.

ويُعد الصندوق واحدا من أبرز الجهات الدولية التي كرست جهودها على مدار عقود لدعم الحركات الديمقراطية حول العالم. فمنذ تأسيسه عام 1983، لعب دورا محوريا في مساندة نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين والمنظمات المدنية، حيث قدم دعما لا يقدر بثمن للجهود الرامية إلى محاربة الاستبداد، وتعزيز الحريات السياسية، وتمكين المجتمعات من مواجهة القمع والتسلط. ونتيجة لذلك، أصبح الصندوق الوطني للديمقراطية هدفا للأنظمة القمعية التي ترى في أنشطته تهديدا لنفوذها. كما أن قرار تعليق عملياته بسبب انقطاع التمويل يكشف مدى هشاشة الدعم المقدم لمنظمات حقوق الإنسان أمام التقلبات السياسية.

وفي هذا السياق، يُعد التمويل العصب الرئيس لعمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من تنفيذ مشاريعها، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا. إلا أن الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي جعل هذه المنظمات عرضة للضغوط السياسية، إذ تستخدم بعض الحكومات المانحة التمويل كأداة نفوذ لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. ومن هنا، أصبح دعم حقوق الإنسان في بعض المناطق مرتبطا بالمصالح الجيوسياسية أكثر من كونه التزاما مبدئيا، مما دفع العديد من المنظمات إلى مواجهة خطر الإغلاق أو تقليص عملياتها بشكل كبير.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الصراعات السياسية والعسكرية على تراجع الدعم لمنظمات حقوق الإنسان. فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تحولت أولويات العديد من الحكومات نحو دعم المجهودات العسكرية بدلا من تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أدى تصاعد التوجهات الاستبدادية لدى بعض الأنظمة الديمقراطية الداعمة في بعض الدول إلى فرض قيود إضافية على عمل المنظمات الحقوقية وجهات التمويل، مما زاد من تعقيد مهمتها. وفي ظل هذه المتغيرات، أصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة ضرورة ملحة لتجنب التراجع غير المسبوق في قدرة المنظمات على حماية الحقوق الأساسية ومنع تصاعد الانتهاكات دون رقيب.

وبالحديث عن ذلك، فقد شكل إعلان الصندوق عن تعليق عملياته صدمة كبرى للمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أدى إلى وقف دعم آلاف المنظمات حول العالم. ولم يكن هذا القرار مجرد إعلان إداري، بل جرس إنذار يُدشن مرحلة جديدة من المواجهة بين العمل الحقوقي والإجراءات التي تستخدم التمويل كأداة ضغط سياسي. فقد كشف هشاشة النظام الداعم للعمل الحقوقي ومدى تأثير القرارات السياسية على استمراريته، مما جعل الحاجة إلى حلول بديلة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

ومن هنا، وفي مواجهة هذه التحديات، أصبح من الضروري إعادة النظر في استراتيجيات التمويل، والبحث عن مصادر دعم أكثر استدامة بعيدا عن الهيمنة السياسية.كما أعاد هذا الحدث النقاش حول استقلالية العمل الحقوقي وضرورة بناء تحالفات وشبكات دعم جديدة تضمن استمرار منظمات المجتمع المدني دون الابتزاز المالي أو الضغوط السياسية. وعلى الرغم من صعوبة هذه المرحلة، فإنها قد تمثل فرصة لإعادة هيكلة القطاع الحقوقي وتعزيز استقلاليته، حيث بات من الواضح أن الاعتماد على التمويل الخارجي وحده لم يعد خيارا آمنا، وأن النضال الحقوقي بحاجة إلى إصلاحات جوهرية تضمن استمراريته وتحميه من التقلبات السياسية والإدارية التي تهدد وجوده.

التمويل كعصب رئيس لعمل المنظمات الحقوقية

يُعد التمويل عنصرا حاسما في عمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من القيام بأدوارها الأساسية في توثيق الانتهاكات، تقديم الدعم للضحايا، والمناصرة الدولية. تعتمد هذه المنظمات على الموارد المالية لتنفيذ مشاريعها، وتوفير المساعدات القانونية والنفسية والاجتماعية للمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى تنظيم الحملات والضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لاتخاذ إجراءات فعالة تجاه القضايا الحقوقية. بدون هذا التمويل، تصبح هذه الأنشطة مهددة بالتوقف، مما يترك الضحايا بلا دعم ويقلل من قدرة المجتمع المدني على محاسبة الجناة.

تستمد المنظمات الحقوقية تمويلها من عدة مصادر تقليدية، تشمل الحكومات الديمقراطية، والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والجهات المانحة الخاصة، مثل المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الربحية التي تخصص ميزانيات لدعم مشاريع حقوق الإنسان. ورغم أهمية هذه المصادر، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يجعل المنظمات عرضة للتأثر بالتحولات السياسية والاستراتيجيات الدولية التي قد تُستخدم للتأثير على عملها. في بعض الأحيان، تُستخدم آليات التمويل للضغط على المنظمات الحقوقية لتغيير أولوياتها أو الحد من انتقاداتها للجهات المانحة، مما قد يؤثر على استقلالية عملها.

عند قطع التمويل أو تقليصه، تواجه المنظمات الحقوقية تحديات فورية، مثل تسريح الموظفين وإغلاق المشاريع الحيوية، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على الاستمرار في العمل الميداني. كما تصبح عمليات التوثيق والمناصرة أكثر صعوبة، حيث تعجز هذه المنظمات عن تغطية التكاليف اللوجستية والقانونية، مما يحدّ من تأثيرها ويزيد من هشاشتها. في ظل هذه التحديات، يصبح البحث عن نماذج تمويل مستدامة أمرا ضروريا للحفاظ على استقلالية المنظمات وقدرتها على مواصلة الدفاع عن حقوق الإنسان.

التداعيات الفعلية على العمل الحقوقي

إن قطع التمويل أو تقليصه لا ينعكس فقط على الميزانيات التشغيلية للمنظمات الحقوقية، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على قدرتها على توثيق الانتهاكات وإعداد التقارير الدولية، حيث تعتمد هذه المنظمات على فرق متخصصة في جمع الأدلة، وإجراء التحقيقات الميدانية، وإعداد تقارير تفصيلية حول أوضاع حقوق الإنسان. ومع تراجع التمويل، تصبح هذه العمليات أكثر صعوبة، حيث يُجبر العديد من الباحثين والمحققين على ترك أعمالهم بسبب نقص الموارد، مما يؤدي إلى فراغ معلوماتي خطير يحد من قدرة المجتمع الدولي على محاسبة الجناة ووضع الضغوط اللازمة لوقف الانتهاكات.

إضافة إلى ذلك، يُؤدي خفض التمويل إلى إضعاف الحماية المقدمة للمدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة في البيئات القمعية حيث يواجه النشطاء مخاطر متزايدة من الملاحقة والاعتقال وحتى التهديد بالقتل. فعادة ما توفر المنظمات الحقوقية دعما قانونيا وأمنيا للمدافعين عن الحقوق، وتساعدهم في الحصول على ملاذ آمن أو مساعدات قانونية عند تعرضهم للخطر. ولكن مع تضاؤل الموارد المالية، تصبح هذه الحماية محدودة أو شبه معدومة، مما يعرض هؤلاء النشطاء لمزيد من القمع دون أي شبكة دعم أو آليات فعالة لحمايتهم.

علاوة على ذلك، فإن هذه الأزمة المالية تؤثر بشكل كبير على برامج التوعية والتدريب والمناصرة، والتي تُعد أدوات رئيسية في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي المجتمعي بالقضايا الحقوقية. فتقليص الميزانيات يعني إلغاء العديد من ورش العمل والدورات التدريبية والحملات الإعلامية التي تهدف إلى تثقيف الأفراد حول حقوقهم، وتقوية قدرات النشطاء على مواجهة التحديات القانونية والسياسية. ومع تراجع هذه الأنشطة، يصبح المجتمع المدني أكثر هشاشة، وتفقد الحركات الحقوقية تأثيرها على المستوى المحلي والدولي، مما يُمهّد الطريق أمام المزيد من التراجع في أوضاع الحريات والحقوق الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليص أو قطع التمويل سيؤدي إلى تأجيج التنافسية بين المنظمات الحقوقية، حيث ستصبح المؤسسات مضطرة إلى التنافس فيما بينها للحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل المتبقي، مما سيخلق ديناميكية غير صحية في قطاع حقوق الإنسان. ففي ظل معادلة البقاء للأقوى، ستكون الخاسر الأكبر هي المنظمات الصغيرة والمجموعات المجتمعية التي تعمل مع الفئات المهمشة، إذ إن هذه الجهات غالبا ما تعتمد على تمويلات محدودة وغير مستدامة، ما يجعلها أكثر عرضة للانهيار في أوقات الأزمات المالية. وفي المقابل، قد تتمكن المنظمات الكبرى التي تمتلك علاقات قوية مع الجهات المانحة من الاستمرار، لكنها قد تضطر إلى تعديل أولوياتها لتتماشى مع مصالح الممولين، مما قد يُضعف التركيز على القضايا الحقوقية الأكثر حساسية والتي تهم الفئات الأكثر ضعفا.

بدائل لاستدامة تمويل العمل الحقوقي

في ظل الأزمات المالية التي تهدد استمرارية منظمات حقوق الإنسان، يصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة أمرا بالغ الأهمية لضمان استمرار هذه المنظمات في أداء دورها دون الخضوع للضغوط السياسية التي قد تفرضها الجهات المانحة التقليدية. ومن هذا المنطلق، فإن تنويع مصادر التمويل يمثل استراتيجية ضرورية تتطلب إجراءات على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل لضمان استدامة العمل الحقوقي في مواجهة التحديات المتزايدة.

الإجراءات قصيرة الأمد: حلول عاجلة لمواجهة الأزمة

تتمثل الإجراءات قصيرة الأمد في الخطوات العاجلة التي يمكن للمنظمات الحقوقية اتخاذها لمواجهة الأزمة المالية وضمان استمرارية أنشطتها على المدى القريب. من بين هذه الإجراءات إطلاق حملات تمويل جماعي عبر الإنترنت، والتي تتيح الوصول إلى تبرعات مباشرة من الأفراد الداعمين لحقوق الإنسان، مما يوفر مصدرا سريعا للتمويل. كذلك، يُعد إعادة هيكلة الميزانيات عبر تقليل النفقات غير الضرورية والتركيز على الأولويات الأساسية خطوة حاسمة لضمان استمرار العمليات الأساسية للمنظمات.

إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون المؤقت بين المنظمات من خلال تبادل الموارد والخبرات بدلا من التنافس على التمويل المتاح، مما يساهم في تخفيف الضغوط المالية بشكل فوري. كما تُعد إعادة التفاوض مع الجهات المانحة أحد الحلول الفعالة، حيث يمكن للمنظمات العمل على تعديل شروط التمويل أو تمديد فترات الدعم لضمان استمرار المشروعات القائمة دون توقف مفاجئ قد يعيق عملها.

الإجراءات طويلة الأمد: نحو استدامة مالية حقيقية

أما الإجراءات طويلة الأمد، فتعتمد على بناء استراتيجية تمويل مستدامة تضمن للمنظمات الحقوقية استقلالية مالية أكبر على المدى البعيد، مما يقلل من تأثير الضغوط الخارجية عليها. ومن بين هذه الحلول، تنويع مصادر التمويل عبر إقامة شراكات مع القطاع الخاص، حيث يمكن للشركات الداعمة للمسؤولية الاجتماعية أن توفر تمويلا مستداما للمنظمات الحقوقية. كما يمكن إطلاق مشاريع مدرة للدخل، مثل تقديم الاستشارات القانونية والتدريب في مجالات حقوق الإنسان، مما يساعد على توفير دخل ذاتي يقلل من الاعتماد على المانحين التقليديين.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد إنشاء صناديق وقفية من بين الحلول الأكثر استدامة، حيث توفر هذه الصناديق مصدرا تمويليا طويل الأمد يمكن استثماره لدعم الأنشطة الحقوقية دون الحاجة إلى تمويل خارجي مستمر.كما أن تطوير شبكات وتحالفات حقوقية دولية يساهم في تعزيز قدرة المنظمات على مواجهة الضغوط المالية والسياسية، إذ توفر هذه الشبكات آلية لتبادل الدعم والخبرات، مما يسهم في تعزيز استدامة العمل الحقوقي رغم التحديات المتزايدة.

بهذه الطريقة، يمكن للمنظمات الحقوقية أن تتخطى الأزمة المالية عبر الجمع بين إجراءات قصيرة الأمد توفر استمرارية فورية، وإجراءات طويلة الأمد تضمن الاستقلالية والاستدامة، مما يمكنها من مواصلة دورها في حماية حقوق الإنسان دون قيود مالية أو سياسية.

التحديات الثقافية والمجتمعية أمام استدامة العمل الحقوقي

رغم أهمية البحث عن نماذج تمويل بديلة واستراتيجيات استدامة لمنظمات حقوق الإنسان، إلا أن التحدي الأساسي الذي يعيق مثل هذا التحرك في منطقتنا هو الثقافة السائدة حول العمل الحقوقي. إذ يرى قطاع واسع من المجتمع أن هذه المنظمات ليست نابعة من الداخل، بل هي امتداد لتدخلات خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، مما يجعل أي محاولة لتعزيز التمويل المحلي محفوفة بالمخاطر وسوء الفهم.

يعود هذا التصور إلى عقود من التشكيك في مصطلح "حقوق الإنسان"، حيث جرى الترويج لفكرة أن القيم الحقوقية ليست أصيلة في ثقافتنا، بل تم فرضها من الخارج كجزء من أجندة سياسية تهدف إلى إشاعة الاضطراب وتهديد الهوية الوطنية.وقد ساهمت بعض الحكومات والجهات الإعلامية في تأجيج هذا الانطباع عبر تصوير المنظمات الحقوقية على أنها أذرع لمصالح أجنبية، وهو ما جعل المواطن العادي في كثير من الأحيان ينظر إليها بارتياب أو عداء بدلا من اعتبارها مؤسسات تعمل لصالحه.

هذا التصور لا يؤثر فقط على قبول المجتمع لهذه المنظمات، بل يعرقل أيضا إمكانية تنويع مصادر تمويلها من الداخل. فحتى عندما تحاول هذه المنظمات الاعتماد على الدعم المحلي من القطاع الخاص والمجتمع المدني، تجد نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في إحجام الشركات والمواطنين عن تقديم الدعم خوفا من الارتباط بجهة تُعتبر "مشبوهة" أو "مستهدفة سياسيا". وهكذا، يصبح من الصعب بناء تمويل محلي مستقل، مما يُبقي هذه المنظمات في دائرة الاعتماد على الجهات المانحة الدولية، وهو ما يعيد إنتاج الأزمة ذاتها التي تحاول هذه المؤسسات تجاوزها.

كيفية تجاوز هذا التحدي؟

لمعالجة هذه الإشكالية، لا بد من إعادة تأطير العمل الحقوقي بحيث يتم تقديمه للمجتمع بوصفه جزءا أصيلا من نسيجه الثقافي، وليس كفكرة مستوردة. وهذا يتطلب جهودا توعوية مكثفة، تشمل إشراك شخصيات مجتمعية مؤثرة في الدفاع عن الحقوق الأساسية، وتوضيح أن حقوق الإنسان ليست مفاهيم غربية، بل هي قيم إنسانية عالمية تتقاطع مع المبادئ الدينية والثقافية التي نشأت عليها مجتمعاتنا.

كما أن هناك حاجة إلى تعزيز الشراكات مع المؤسسات المحلية، مثل النقابات، والجمعيات الأهلية، وحتى الهيئات الدينية، لخلق بيئة أكثر تقبلا للعمل الحقوقي، مما يسهل عليه كسب شرعية داخلية تساعد في التغلب على الصورة النمطية المرتبطة به.

في النهاية، لا يمكن الحديث عن استدامة حقيقية للعمل الحقوقي دون تغيير نظرة المجتمع تجاهه، وإقناع الناس بأنه ليس تهديدا أو مشروعا خارجيا، بل هو أداة لحماية كرامتهم وحقوقهم الأساسية. هذه المعركة تتطلب وقتا وجهدا، لكنها ضرورية لضمان أن يصبح الدفاع عن الحقوق جزءا من ثقافة المجتمع وليس فكرة دخيلة عليه.

الخاتمة

لا يمكن إغفال أن العمل الحقوقي هو جزء من الإطار الأخلاقي الذي يشكل عصب المجتمع، فهو ليس مجرد نشاط مؤسسي أو مشروعات تموّلها الجهات المانحة، بل هو التزام أخلاقي وإنساني يسعى إلى حماية الحقوق الأساسية وتعزيز العدالة والمساواة. هذا الدور يجعل منظمات حقوق الإنسان ركيزة أساسية في بناء مجتمعات أكثر عدلا وإنصافا، الأمر الذي يتطلب ضمان استدامتها واستقلاليتها بعيدا عن التقلبات السياسية والمالية.

وفي هذا السياق، لا ينبغي أن ننسى أن العاملين في مجال حقوق الإنسان لا يعتمدون فقط على التمويل أو الموارد المادية، بل إن جزءا كبيرا من عملهم يقوم على التضحية، حيث يكرّسون وقتهم وجهدهم وحتى أمنهم الشخصي في سبيل مساندة الضحايا والدفاع عن الفئات المهمشة، دون البحث عن مكاسب شخصية أو منافع مادية. إن التزام هؤلاء النشطاء بالقضية الحقوقية هو ما يجعل استمرار هذا العمل ممكنا، حتى في أحلك الظروف وأشد الأزمات.

لذلك، فإن أزمة التمويل الحالية ليست مجرد تحدٍ إداري، بل اختبار حقيقي لمستقبل العمل الحقوقي، ما يتطلب حلولا مبتكرة لضمان استمراريته رغم القيود المالية. ومن هنا، يجب العمل على تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الدعم المحلي، وتطوير نماذج استدامة جديدة، مع بناء شراكات وتحالفات قوية تضمن استمرار النضال الحقوقي بعيدا عن الضغوط السياسية.

وفي النهاية، حماية حقوق الإنسان ليست مسؤولية المنظمات فقط، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمعات المدنية، والإعلام، والأفراد الذين يدركون أن العدالة والكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون مرهونة بميزانيات أو سياسات دولية، بل هي قيمة يجب الدفاع عنها بغض النظر عن الظروف والتحديات.

مقالات مشابهة

  • مريض عقلي ينهي حياة والديه بالقليعة في انزكان
  • إشادات بدور الإمارات في حقوق الإنسان والرياضة
  • والدة علاء عبد الفتاح تخفف إضرابها عن الطعام
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان» تختتم المعرض الرياضي في «الأمم المتحدة»
  • وداعاً مشاعر عبدالله عمر
  • علاء عابد: كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية نموذج للقيادة الحكيمة ودعوة للتضامن العربي
  • سمية الخشاب: ماهيتاب في “أم 44” زوجة مصرية أصيلة.. وأدخل دراما الخليج لأول مرة وأميل للبطولة الجماعية.. | حوار
  • وزيرة العدل تستقبل «تيته».. بناء القدرات في مجال «حقوق الإنسان»
  • العمل الحقوقي في مواجهة أزمة التمويل: هل نشهد تراجعا لا رجعة فيه؟
  • والدة علاء عبد الفتاح تتخذ إجراء رغم الإضراب على أمل رؤية ابنها