الأب بيتر مدروس يكتب.. قول يجب مراجعته: المسيحية ليست دينًا
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
مقولة يسمعها المرء، في الشرق والغرب، حتى في العالم الكاثوليكيّ عن حسن نيّة وسوء اطلاع، كما سنرى، مع الاحترام. وبعض الجماعات التي نشأ أولها بعد سنة 1520 والرافضة لتعميد الأطفال تنفي أن تكون المسيحيّة ديانة "بل هي تقبّل للمسيح كمخلّص شخصيّ للمرء".
وجوابنا أن المسيحيّة كانت دومًا وما زالت قبولًا ليسوع الناصري ابن مريم البتول سيّدًا ومخلّصًا ليس فقط شخصيًّا لي أو لك بل مخلّصًا للكلّ، فاديًا للكنيسة وعروسًا لها (أفسس 5)، وليس فقط للأفراد ولا المجموعات الصغيرة، إذ هو "مخلّص الجسد" وأتى إلى "العالم ليخلّص العالم" خصوصًا من يؤمن به (يوحنا 3: 16).
ولا تناقض بين قبول إمرىء للمسيح وطاعته للوصايا العشر والتطويبات، والعيش تحت جناح الكنيسة "عمود الحق وركنه، بيت الله الحي"، والتقيّد بوصايا الكنيسة وتقليدها، وأول تقليد حافظت عليه الكنيسة هي الكتاب المقدس نفسه. وفعلًا، وصايا الكنيسة توضح الوصايا العشر في طريقة الصلاة ووقتها والصدقة والحياة الكنسية والأخلاقيات، خصوصًا في الزواج والإنجاب والحكم وسواها. وهكذا يبدو للمحلل اللبيب أنّ الإعلان أن "المسيحية ليست دينًا ذا أحكام ووصايا وأوامر وترتيبات" وما هو إلاّ وسيلة غير مباشرة لرفض الكنيسة وقوانينها وتقاليدها، ورفض الكتاب الكتب المقدس نفسه لأنه أغلى ما ورد في تقليد الكنيسة التي حافظت عليه.
لا إيمان مسيحي من غير الكنيسة التي تعود جذورها إلى عشرين قرنًا من الزمان
ليس الموضوع بينك وبين ربّك فقط، بل المسيح أسس الكنيسة بحلول روح القدس على العذراء والرسل والتلاميذ يوم الخمسين (أعمال الرسل 2: 1 وتابع). والسيد المخلّص واضح في شأن الكنيسة كل الوضوح: إنها "كنيسته" لا كنيستك أنت ولا أنت بمفردك، "وهو يبنيها وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18) "وإن لم يسمع أخوك من الكنيسة فليكن عندك كوثني وجابي ضرائب" (متّى 18: 17)".
يقطع القديس يعقوب أيضًا "قول كل خطيب" في شأن الدين (المسيحي)
وأيضًا لأن هؤلاء الأفراد لا يستطيعون أن يغيّروا الكتاب المقدس لا يقدرون أن يحذفوا رسالة مار يعقوب (كما فعل أحد الغربيين يومًا ووصفها بأنها "رسالة من قشّ" - حاشى) ومهما جهلوها أو تغافلوا عنها. فالقديس يعقوب أول رسول أسقف للمدينة المقدسة كتب بلا لف ولا دوران عن "الديانة الحقيقية" (في اليونانية "ثريسكيا" حتى اليوم): "من ظنّ أنّه ديّن (أي صاحب ديانة) ولم يلجم لسانه، بل خدع قلبه، كان تديّنه باطلًا" (وليس الدين ككل). "انّ الديانة الطاهرة الزكيّة عند الله هي افتقاد اليتامى والأيامى في شدّتهم، وصيانة الإنسان نفسه من دنس هذا العالم" (يعقوب 1: 26-27).
علاقة شخصية وعلاقة فرديّة
هنالك انزلاق خطير عندما يردد كثيرون، وخصوصًا في أمريكا، أن المسيح "مخلّص شخصي له" بحيث أن العلاقة معه "شخصيّة" ولكن بمعنى فرديّة، أي في النهاية أنانية مركّزة على الذات تنغلق على النفس. وعلى هذا المعدّل، يصوم "المؤمن" عندما يريد أو لا يصوم، يتصدق أو لا يتصدّق، يذهب إلى المعبد أو لا يذهب، يرفض تعميد أطفاله (بخلاف يوحنا 3: 2 وتابع) أو الاعتراف بخطاياه أو مسحة المرضى من يد الكاهن (بخلاف يعقوب 5: 14 وتابع)... ويرفض الأعياد السيدية أحيانًا (حتى عيد الميلاد المجيد) وأعياد العذراء والقديسين جملة وتفصيلا... فالعلاقة فقط بين المسيح وبينه!
نظرية "المسيحيّة ليست ديانة" عند بعض الكاثوليك أكيدة سلامة نيّتهم وعدم اطلاعهم على رسالة القديس يعقوب خصوصًا في اليونانيّة الأصليّة. وهي مع كلمات السيد المسيح حول الكنيسة الجواب لهم الشافي الوافي. ويجدر إيضاح موقفهم لدحضه بعد تفهّم لا لرفضه اعتباطًا.
يقصدون أن "الإيمان والعقيدة" ممتازان (بونهوفر) ولكنهم أختاروا وأرادوا وقرّروا أنّ "الدين" أو "الديانة" مجموعة شرائع وقوانين وترتيبات وطقوس أحيانًا تشلّ الإيمان وتبعده عن العلاقة بالمسيح. ولكن جوابنا هذا: كل هذه الطقوس والترتيبات والشرائع والقوانين مأخوذة من الكتاب المقدس أو التقليد الشريف أو العقل السليم وليست منها تقاليد شريرة او معيبة.
فالتقاليد مثلًا حول عماد الأطفال تستنتد إلى القول السيدي: "دعوا الأطفال يأتون إليّ إن لم يولد أحد من جديد (أو: من عَلُ) من الماء والروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله".
والإشبين (وهي كلمة كنعانية تعني "عرّاب") يساعد الوالدين في التربية المسيحية للطفل أو للمسيحي الناضج الجديد. وإكرام السيدة العذراء وتهنئتها (لوقا 1: 48-49) نتيجة عفوية منطقية لكبير قدرها بما أن "القدير أتاها فضلا عظيما"بعد "أن نظر إلى تواضع أمته".
من الأصول المتعددة لكلمة "دين"
إذا أخذنا لفظة "دين" من الأصل الكنعاني وجدنا أنها تعني "حكم"، كقولك "دينو كدين"، أي "حكمه كحكم. المرتدّ أو فاعل الشر أو"، ولكن "الديانة ليست فقط أحكامًا، والأحكام آتية من الوصايا العشر وحدودها والترتيبات لتسهيل الصلاة والصوم والصدقة والحج وتنسيقها، وبلا إيمان لا تقوم أي منها كما أنها ليست الديانة كلها بل من مقوماتها الداخلية والخارجية الفردية والجمهورية. ويرى آخرون أن "دين" تأتي من الفعل اللاتيني "داريه" أي "أعطى، عطيّة". وما أجل الديانة عطيّة.
سخريّة القدر: القوم لا يعرفون اللاتينية!
لغويًّا، هذه حجة نترك للقارىء تقويمها. تقريبًا في كل اللغات الأجنبية من لاتينية وسكسونية يصفون "الدين، الديانة"، بأنه "رليجون". واللغة آتية من اللاتينية، من فعل "رليجاره" أي ربط، فالـ"دين- رليجيو" يربط بين الخالق والخليقة وبين العبد وأخيه، وفي المسيحية نرى هذا الرباط "في الكلمة الذي صار جسدًا وحلّ (أي نصب خيمته) بيننا" (يوحنا 1: 14).
موجز القول ليست الديانة المسيحية الكاملة فقط طقوسًا ولا قوانين ولا شرائع ولا ترتيبات خارجية بلا روح وبلا تقوى وإذعان، بل هي كل هذه وغيرها، في إطار العقيدة والورع وطاعة الإيمان والتقيد بالإنجيل، في إطار "الإيمان والرجاء والمحبة، وأعظمهنّ المحبة".
والمسيحيّون "أهل كتاب" ومن "أهل الكتاب"، عندهم الإنجيل "فيه نور وهدى" وليسوا فقط أتباع "الكلمة" المتجسد بل عندهم أيضًا الكلمة المكتوبة. وكان القديس أفرام الشماس قد قال لمناهضي العذراء: "لا تناقض بين السيدة البتول والكتب المقدسة، إذ فيما نجد في الكتاب المقدس كلمة الله المكتوبة، نجد في السيدة مريم كلية القداسة كلمة الله المتجسد" (لوقا 1: 26 وتابع).
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط الکتاب المقدس ة لیست
إقرأ أيضاً:
رئيس الكنيسة الأسقفية: الخدمة ربما تتغير لكنها لن تنتهي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ترأس رئيس الأساقفة الدكتور سامي فوزي رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية، صلوات القداس الإلهي بكنيسة يسوع نور العالم الأسقفية، بحضور القس إميل نبيه راعي الكنيسة، حيث قام بخدمة تثبيت تسع أعضاء جُدد بالكنيسة.
تحدث رئيس الأساقفة في عظته عن أن الخدمة الحقيقية تتطلب تلاميذ مكرسين ومخلصين لله، ويدركون أن هدفهم هو العمل من أجل الرب وليس لإظهار الذات أو إرضاء العالم.
واستكمل: أن أعظم مكافأة للخادم هي أن يكون خدامًا للمسيح، إذ يعطينا الرب حسب أمانته هو، رغم عدم استحقاقنا لوعود الله، فكل شيء نأخذه منه بالنعمة، حتى إذا كانت الخدمة مليئة بالتحديات والصعاب، فإنها تستحق كل جهد.
وأضاف: تعلمنا الحياة مع المسيح أن نخدمه دون انتظار أي كرامة أو مجد، فنحن عبيده في كل أيام حياتنا، ولا تنتهي خدمتنا إلا في مكان الراحة. ما دمنا على الأرض، فنحن في زمن الجهاد، نعمل ونُعّلم ونعظ لتصل رسالة المسيح للمحتاجين، وأن نضع السيد أولًا ونختار أن نخدمه من كل القلب. فالمسيح يعلّمنا أن ننكر ذواتنا ونخدمه بكل تواضع، إذ كلما عرفنا المسيح أكثر، زاد تواضعنا وابتعدنا عن أفكار الكبرياء.
واختتم رئيس الأساقفة عظته مصليًا للأعضاء الجُدد: نسألك الحكمة والمعونة أيها القدير، أعطينا أن نثبت في الأيمان والمحبة لنكون خُدام صالحين في كنيستك، ونحقق مشيئتك في كل حين.
الجدير بالذكر أن خدمة التثبيت هي إعلان انضمام الفرد لعضوية الكنيسة الأسقفية، إذ يتعهد العضو الجديد أمام الأسقف والراعي والحضور جميعا، بالتعمق في دراسة كلمة الله، وعيش حياة الصلاة المنتظمة.