حتي لا يصبح فك الإرتباط حُقنة كمال عبيد
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
نصت إتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحركة الشعبية بقيادة الوحدوي د.جون قرنق ونظام المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير ضمن نصوصها علي إلتزام الطرفين بجعل وحدة السودان وحدة جاذبة في مواجهة نص بحق تقرير المصير عبر إستفتاء ولما كانت النار دائماً هي من مستصغر الشرر فقد كانت هنالك شرارة صغيرة هي ( الجنوبيين حُقنَة ما حا نديها ليهم)، عبارة عن حروف قليلة تفوه بها كمال عبيد أحد قيادات المؤتمر الوطني آنذاك لكن بقي صداها لاهباً لست سنوات حتي أتي الإستفتاء في العام 2011 ليقر إستقلال جنوبنا الحبيب عن السودان الكبير وما زالت ذكري الحُقنَة قصة حية وستظل في ذاكرة كل المُجايلين لحدث التقسيم الأول للسودان.
ما دعاني للربط بين حُقنَة كمال عبيد وفك الإرتباط هو الصراع المُعلن بين طرفين داخل تنسيقية تَقدُم بوصفها تَجمُعاً لعدد مُقدر من القوي السياسية والمدنية والعسكرية حول قضية محورية هي وقف الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع وتجنيب البلاد لكل مألات يمكن أن تقود إليها وأخطرها هو تقسيم ثانٍ بدأت ملامحه بائنة ليس فقط في دعوات سودان البحر والنهر أو في تسويق النعرات العنصرية والقبلية وإنما في تنفيذ خطوات تقسيم عملياً يقوم بها نظام المؤتمر الوطني الحاكِم برئاسة أحمد هرون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية والذي ثبت فعلياً لكل من له عينين أنه النظام المُمسِك بكل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ومن قبيل التذكير فهذه الخطوات هي:
1. تغيير عملة البلاد الموحدة في مناطقه وإستثناء بقية البلاد وبالتالي نشوء نظام نقدي ومالي جديد وخاص به.
2. حصر خدمات الوثائق الثبوتية (أرقام وطنية، جوازات، شهادات الميلاد والوفاة .. إلخ) وحرمان البقية من المواطنين الموجودين خارج مناطق سيطرته.
3. إستمرار العملية التعليمية وإجراء الإمتحانات لشهادتي الأساس والثانوي داخل ولايات محددة خاضعة له.
4. منع إنسياب المساعدات الإنسانية كالغذاء والدواء من مناطقه إلي الولايات الٱخري.
5. إستخدام سلاح الطيران بكثافة في قصف المدنيين وفي مناطق معينة بإعتبارها حواضن مجتمعية للدعم السريع.
6. إستهداف ممنهج بأبشع صُنوف القتل وأحكام السجن لسَحْنات محددة في مناطقه بإعتبارهم وجوه غريبة.
لم يختلف كثير من المُتناولين من كُتاب ومُحللين ومن دُعاة تشكيل الحكومة والرافضين لها وعديد المتابعين في توصيف هذه الخطوات بأنها مشروع لتقسيم السودان يجري تنفيذه بدقة ولكنهم إختلفوا في إمكانية مقاومته من خلال الدعوة لتشكيل حكومة كما أن البعض قد ذهب إلي أن تشكيلها ربما يُكرّس تقسيم البلاد الذي تقوده سلطة بورتسودان.
في هذه المحطة توقف قطار تنسيقية تقدُم ما بين أطراف مُنادية بتشكيل حكومة في المناطق الغير خاضعة لسيطرة الجيش و أطراف أخري رافضة لها دون الوصول إلي معادلة مُرضية ومُلبية لأشواق السودانيين المتمثلة في وحدة قُواهُ السياسية والمدنية دون المساس بخيارات أي طرف طالما أن الجميع علي إتفاق تام في المباديء والأهداف الكلية التي إجتمعوا وتعاهدوا عليها منذ مايو 2024 بعد إنعقاد مؤتمرهم التأسيسي في أديس أبابا..
دون الخوض في تفاصيل الخلاف بين الطرفين وما تشعب عنه ومنه ومن ثَم خروجه إلي العَلَن والعامة، فبلا شك أن خروج هذا الخلاف لم يكن مُوفقاً لا من حيث التوقيت ولا من حيث الإخراج نفسه، فمن حيث التوقيت فقد جاء خروجه وتنسيقية تقدُم قد خطت خطوات مُقدرة في تحقيق أهم أهدافها وهو المُضي قُدماً نحو تأسيس جبهة مدنية موسعة بدت إرهاصات نجاحها بعد إجتماعات نيروبي في يناير الماضي.
أما من حيث الإخراج غير المُوفق أيضاً فهو مُحاولة ترسيخ مفردة إصطلاحية هي (فك الإرتباط) عبر تسريبها للإعلام وهي مُفردة تم الإتفاق علي إستبدالها (بإطار تنسيقي) تأسيساً علي أن ما يجمع بين الطرفين هو مباديء وأهداف متفقٌ عليها بما فيها من موضوعية مبررات لكل طرف وإن إختلفوا في أدوات ووسائل تحقيقها، إذ لا يخفي علي أحد أن مصطلح فك الارتباط هو مصطلح مفاهيمي له أبعاد سياسية تتعلق بتفكيك وحدة الهياكل والوظائف والمهام للمؤسسات المُوحدة ووضع حدود فاصلة بينها ولمصطلح فك الإرتباط أيضاً أبعاد أخري عندما يُستخدم بواسطة دولتين أو عدة دُول لقضايا خاصة بالحدود والجغرافيا ونظم الحكم.. إلخ ..
خلاصة الأمر وحفاظاً علي وحدة القوي السياسية والمدنية والعسكرية فإن سِيق مصطلح فك الإرتباط سهواً أو عمداً فإن التوفيق قد جانَبهُ تماماً ولكن لم يَفُت الوقت بعد من وجهة نظري، فأمام تنسيقية تَقدُم بكل ما تملكه من عُقول عركتها وعجمت أعوادها أهوال الحياة في مقاومة حِقَب الطغاة فُرَص وسوانِح يتوجب عليهم إغتنامها حتي لا يصبح فك الإرتباط مثل حُقنة كمال عبيد التي تذكرنا بتلك الحقبة الأليمة من تاريخ تقسيم البلاد ..
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فک الإرتباط من حیث
إقرأ أيضاً:
صحيفة عبرية: إسرائيل تقترح تقسيم النفوذ في سوريا لوقف أردوغان
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، سعي دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى التوصل لتفاهمات مع تركيا عبر وساطة أمريكية أو روسية، تقضي بتقاسم مناطق النفوذ داخل الأراضي السورية، في مسعى لاحتواء تمدد أنقرة ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن "ما تقترحه إسرائيل على تركيا عمليا هو تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ"، بحيث تكون روسيا في الساحل الغربي، وتركيا في الشمال، والولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق والجنوب، فيما يسيطر النظام السوري المؤقت على بقية المناطق، وذلك "إلى حين قيام حكومة مستقرة ومنتخبة في دمشق، وهو أمر قد يستغرق سنوات".
وقالت الصحيفة إن التوتر بين إسرائيل وتركيا، والذي تصاعد في أعقاب القصف الإسرائيلي لمطار "تي 4" العسكري في سوريا، تراجع جزئيا بعدما صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر الناتو في بروكسل، بأن بلاده "لا تريد أن ترى أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا. وعلى السوريين وحدهم أن يقرروا في الشؤون الأمنية لبلادهم".
وأوضحت أن هذا التصريح جاء بعد أسبوع حافل بالتوتر، شهد تهجما لاذعا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال: "آمل أن يدمر الله إسرائيل"، في حين شن جيش الاحتلال قصفا شاملا على مطار "تي 4" العسكري في حمص، وهو الموقع الذي كانت تركيا تنوي إرسال قوات أمنية إليه.
وأكدت الصحيفة أن الضربة الجوية الإسرائيلية جاءت كرسالة مباشرة لأنقرة، في ظل مخاوف متصاعدة لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل من أن يؤدي الفراغ السلطوي في سوريا، بعد ما وصفته الصحيفة بـ"تفكك نظام الأسد نهائيا في 8 ديسمبر 2024"، إلى تموضع تركي واسع النطاق يشكل تهديدا لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكان وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي يوآف كاتس شدد على أن العملية العسكرية الأخيرة تحمل طابعا ردعيا، قائلا "احذر حاكم سوريا الجولاني، إذا سمحت لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا وتعريض مصالح أمنية إسرائيلية للخطر، فإنك ستدفع ثمناً باهظاً للغاية".
وأضاف كاتس أن "عمل سلاح الجو في مطار تي 4 في حماة وفي منطقة دمشق هو رسالة واضحة وتحذير للمستقبل. لن نسمح بالمسّ بأمن دولة إسرائيل"، حسب تعبيره.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن إسرائيل امتنعت عن ذكر تركيا صراحة في التصريحات الرسمية، في محاولة لإبقاء الباب مفتوحا أمام التفاهم، لكنها أوضحت أن "قصف أربعة مطارات عسكرية كبيرة في سوريا في تلك الليلة كان رسالة للسلطان في أنقرة".
ولفتت الصحيفة إلى أن أنقرة تسعى إلى تعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في سوريا في إطار ما يسمى بـ"الاستراتيجية العثمانية الجديدة"، وهي سياسة توسعية تعتمد على ملء الفراغات في دول الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات داخلية، بما يشمل سوريا والعراق وليبيا والصومال وتشاد وشمال قبرص.
وبيّنت أن تركيا تحتفظ بالفعل بـ"حزام أمني" داخل الأراضي السورية لاحتواء النفوذ الكردي، لكنها تعمل الآن على توسيع هذا الوجود ليشمل عمق الأراضي السورية، مستغلة علاقتها الوثيقة مع فصائل المعارضة السنية المسلحة، لا سيما "هيئة تحرير الشام" التي يقودها أحمد الشرع، والذي وصفته الصحيفة بـ"زعيم القاعدة في سوريا" ونعتت باسمه الحركي السابق "أبو محمد الجولاني".
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل، التي "تعلمت درس 7 أكتوبر"، قامت بتحصين حدودها في الجولان من احتمال اقتراب جماعات مسلحة مدعومة من تركيا، وبادرت إلى استهداف مخازن أسلحة وبنية تحتية عسكرية سورية وأخرى تابعة لحزب الله، من أجل منع وقوع هذه الأسلحة بيد الفصائل السنية أو الميليشيات الموالية لطهران.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تنظر بقلق بالغ إلى إمكانية نشر أنقرة منظومات دفاع جوي ورادارات مركزية في العمق السوري، ما قد يقيّد حرية سلاح الجو الإسرائيلي ويضع قيودا على أي عملية مستقبلية، ليس فقط في سوريا، بل في عموم الإقليم، خاصة تجاه إيران.
وأوضحت أن المخاوف الأمنية الإسرائيلية تشمل أيضا سيناريو تمركز الجهاديين السُنة على الحدود مع الجولان، تحت غطاء تركي، على غرار ما حدث في غزة قبل 7 أكتوبر، الأمر الذي قد يضع بلدات شمال إسرائيل في مواجهة مباشرة مع "جيش إرهاب معادٍ"، حسب وصفها.
وأكدت الصحيفة أن "سلاح الجو الإسرائيلي نفّذ عمليات دقيقة دمرت مطار تي 4 كلياً لمنع تموضع تركي طويل الأمد"، مشيرة إلى أنه “يمكن للأتراك بالتأكيد أن يعيدوا بناء هذه المطارات، لكن إخراجها عن الاستخدام من قبل سلاح الجو الإسرائيلي استهدف أساسا نقل رسالة للأتراك بأن إسرائيل لن تسمح بهذا".
كما شددت "يديعوت أحرونوت" على أن المخاوف الإسرائيلية ليست آنية فقط، بل تتعلق أيضاً بإعادة تشكل جيوسياسي تقوده أنقرة على أسس أيديولوجية – دينية، وقالت إن "القلق الحقيقي بعيد المدى لإسرائيل هو نشوء محور إسلامي – سُني بروح الإخوان المسلمين، تقوده تركيا ويمر في سوريا، لدى الإخوان المسلمين في الأردن، عبر مؤيدي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة، وينتهي في غزة".
وأشارت إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي "تخشى من أن يحتل هذا المحور السني موقع محور الشر الشيعي بقيادة إيران، خاصة في ظل استمرار الدعم التركي العلني لحماس".
ورغم حدة المواجهة، أوضحت الصحيفة أن هناك قنوات حوار مفتوحة، مشيرة إلى أن "تركيا، بخلاف إيران، عضو في الناتو وحليف للولايات المتحدة، ما يُبقي المجال متاحا أمام الحوار والتأثير المتبادل".