الحرب ليست قدرًا.. أوقفوا نزيف الوطن!
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
في زمن القيد والدم
يا رفيقي، وكيف نبكي جراحًا؟ كلُّ جرحٍ على المدى يستغيثُ
أين صوتُ الأحرار؟ هل ماتَ صوتٌ كان يومًا على الدُجى لا يخيفُ؟
في بلادي تُباعُ روحُ الرجالِ ثم يُرمَون في القيودِ صِغارًا
كلُّ حرٍّ متّهمٌ بالخيانةِ والمآسي تُقامُ فيها الديارا
هذه الأرضُ، هل تظلُّ رهينًا؟ بينَ نارٍ، بينَ سيفٍ يُذابُ؟
أيُّ دينٍ يُبَاعُ في سوقِ ظلمٍ؟ أيُّ عدلٍ إذا الرصاصُ يُجابُ؟
إنها فتنةٌ، ترى الناسَ فيها باسمِ ربٍّ يُقتلونَ طوائفْ
كم بريءٍ قد سُمّيَ اليومَ خائنًا؟ وهو في الحقِّ وحدَهُ قد يُنافحْ
يا رفيقي، متى نرى النيلَ يجري ليس يلطُخْ ضفَافَهُ دمُ قاتلْ؟
متى يولدُ النهارُ في أرضِ شمسي حيثُ لا يغربُ الضياءُ العادلْ؟
أيها القاتلونَ، كُفّوا يدَ الحقدِ دعوا النيلَ من دماءِ الذبيحِ
كلُّ جرحٍ سيورقُ الحقُّ فيهِ رغمَ سوطِ الطغاةِ رغمَ الجريحِ
يا بلادي، أما كفاكِ عذابًا؟ أنتِ أمٌّ لكلِّ قلبٍ شريفِ
فلنحيِ القِيَمْ، نعيدُ الضياءَ قبلَ أن يُطفئَ الخنوعُ الخريفَ
بينما تتساقط القذائف على البيوت، ويُدفن الأطفال تحت أنقاض المدن، ويجوع الشيوخ في أرضهم، لا بد أن نقف وقفة صدق مع أنفسنا: إلى متى ستظل الحرب تحكم مصيرنا؟ إلى متى ستبقى القوة الغاشمة هي لغة التعامل بين أبناء الوطن الواحد؟
لقد أدركت الشعوب الحية أن السلاح لا يبني الأوطان، وأن الدم لا يكون أبدًا مدادًا لمستقبلٍ مشرق.
أوقفوا الحرب من أجل أطفالنا!
كل يوم يموت أطفال أبرياء تحت القصف أو من الجوع والعطش والمرض، بينما العالم يكتفي ببيانات الشجب والإدانة. هؤلاء الأطفال ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، إنهم مستقبل السودان، فإن استمرت الحرب فلن يكون لنا وطن نعود إليه.
النساء في دائرة النار!
الحرب لا ترحم أحدًا، لكنها تكون أكثر قسوة على النساء اللواتي يُجبرن على الفرار، أو يُتركن لمصير مجهول وسط الفوضى. كم من أمٍّ فقدت أبناءها؟ كم من فتاةٍ أصبحت لاجئةً في وطنها؟ هذا الخراب لا يمثّل قيمنا، ولا يمتّ لأخلاق السودانيين بصلة.
شيوخنا الذين صنعوا هذا الوطن يموتون من الجوع والخذلان!
هل يعقل أن يتحول كبارنا – الذين أفنوا أعمارهم في بناء هذه البلاد – إلى متسولين على أبواب الإغاثة؟ أي شرف تبقى لنا إن كنا عاجزين عن توفير أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة؟ الحرب لا تحترم شيبة الحكيم، ولا تسأل عن تاريخ من ضحوا من أجل السودان، لكنها تصرُّ على إذلالهم في أواخر أيامهم.
السودان أرض القيم والكرامة، لا أرض العرقية والطائفية!
تاريخ السودان لم يُكتب بالسلاح، بل بعرق الرجال والنساء الذين آمنوا بوحدة ترابه وعدالة قضيته. اليوم يُراد لنا أن نتحول إلى قبائل متناحرة، وإثنيات متصارعة، وطوائف متقاتلة. يُراد لنا أن ننقسم على أساس العرق والدين والولاء السياسي، لكننا أبناء هذه الأرض قبل كل شيء، وعلينا أن نرفع راية الإنسانية فوق كل الرايات.
الحوار هو الحل الوحيد!
لا نحتاج إلى المزيد من الدماء لنصل إلى حقيقة واضحة: لا منتصر في هذه الحرب، الجميع خاسرون. الحلّ الوحيد هو طاولة المفاوضات، حيث يكون السلاح هو العقل، والرصاص هو الكلمة، والمعركة الوحيدة هي معركة البناء والتنمية والسلام.
نناشد الجميع، من قادة سياسيين وعسكريين ومثقفين ورجال دين وشباب، أن يقفوا وقفة وطنية تاريخية، أن يقولوا بصوت واحد: كفى للحرب، كفى للدمار، كفى لقتل السودان بأيدينا!
السودان ليس أرضًا للحرب، السودان وطن الشمس التي لا تغيب، والنيل الذي لا يتوقف عن العطاء. فلنجعل السلام خيارنا، قبل أن نصبح جميعًا مجرد ذكرى في صفحات الحروب المنسية.
مرثية في زمن الحرب#
يا رفيقي، وهل تُرى الليل يمضي؟ أم تُرى باتَ في الدُجى لا يغيبُ؟
كيف نشكو وجُرحُنا غير يُشفى؟ والمآسي كأنها لا تَطيبُ؟
قد سَلبنا العِدى بَريقَ الديارِ ثم ألقوا بنا هُنا نستغيثُ
كلما قلتُ سوف يأتي ربيعٌ **عَصفَ الظُلمُ وانحنى بي خريفُ
أنتَ في السجنِ والقيودُ قيودٌ ليس فيها سوى الأسى والدموعِ
وأنا في الضياعِ أنبشُ صمتًا **فوقَ رملٍ، فوقَ الدمارِ الفظيعِ
أين أضواءُ شارعٍ كان يسري فيه طيفُ الأحبة المستضامِ؟
أين خبزُ الفقير، ماءُ اليتامى؟ كل شيءٍ تطايرَ الآنَ حامِ
أيها الصحفيُّ كيف احتِمالُك؟ هل أتاك المماتُ من غيرِ سيفِ؟
حين جاعَ اليراعُ ماتَ المعاني **وأتى القهرُ بالسوادِ الكثيفِ
إن يكن قد دنا الرحيلُ فإني شاهدٌ أنكم رجالُ الندى
في دروبِ العذابِ كنتمْ ضياءً لم يغيرْ جوعٌ ضياكمْ صدى
يا رفيقي، وإن بَقينا كأشباحٍ ترامت على مفازِ الخرابِ
سوفَ يأتي النهارُ لا شكَّ فيهِ وسنمضي على طريقِ الصوابِ
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية
ينسب للدكتور فرنسيس دينق، المثقف والدبلوماسي السوداني - الجنوب سوداني المعروف، أنه مَن اقترح فكرة «دولة واحدة بنظامين»... حلاً لإنهاء النزاع في السودان قبل انفصال جنوب السودان. ينتمي فرنسيس دينق إلى منطقة آبيي الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين؛ ولأن أبناء هذه المنطقة نشأوا في أجواء التداخل بين البلدين، فقد كان حريصاً على بقاء السودان موحداً؛ لهذا طرح صيغة دولة واحدة كونفدرالية تُحكَم بنظامين لكل جزء من البلاد. وعندما انفصل جنوب السودان وصار دولة مستقلة تحمل كل أدواء الدولة السودانية القديمة من فساد ونزاعات وحرب أهلية، صار الشعار الجديد الذي يصف الأوضاع في البلدين... «دولتان بنظام واحد».
الآن، وبينما تمزّق الحرب الدولة السودانية، فإن دولة جنوب السودان تسير في الطريق نفسها، وتقف على شفا الحرب الأهلية بعد اعتقال الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه الدكتور رياك مشار ومعه عدد من قادة حركته، بعد تجدد النزاع المسلح في منطقة الناصر.
الحقيقة أنه ومنذ استقلال دولة جنوب السودان في عام 2011، لم تتوقف النزاعات بين الرجلين، فقد بدأت مبكراً في عام 2013 باتهام الرئيس سلفا كير نائبه مشار بتدبير محاولة انقلاب ضده، وخرج مشار ليكوّن انشقاقاً من التنظيم الذي كان يجمعهما، الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM)، وكوّن مشار تنظيم الحركة الشعبية في المعارضة (SPLM-IO).
وتكررت النزاعات أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من 2013 وحتى 2025، ودائماً ما تمر بمرحلة خروج رياك مشار أو عزله من جانب الرئيس، ثم تتوسط دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية ليوقّع الرجلان على اتفاقية سلام، سرعان ما يتم خرقها. تكرر هذا أكثر من مرة، وتم التوقيع على اتفاق سلام في 2018، وتم تفعيله في عام 2020 وتشكيل الحكومة.
ولأن العامل القبلي هو الأكثر تأثيراً؛ فإن سلفا كير يعتمد على تأييد ودعم الدينكا، أكبر المجموعات القبلية في جنوب السودان، بينما ينتمي مشار إلى قبيلة النوير، ثاني أكبر القبائل التي تملك مقاتلين أشداء.
وقد تفجَّرت الأزمة الأخيرة بصدام عسكري في منطقة الناصر بين وحدات من قوة دفاع شعب جنوب السودان، الجيش الرسمي، ومجموعات من الجيش الأبيض، وهي ميليشيا من قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وليست جزءاً من جيش مشار، لكنها تقاتل إلى جانبه في كل صدام مع الحكومة. وقد تصاعد القتال لدرجة اغتيال قائد حامية الناصر اللواء ماجور داك بإسقاط طائرة تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول نقله خارج المنطقة المحاصرة.
رأى سلفا كير أن نائبه الأول مشار مسؤول عن هذه الحادثة، وأخضعه لاعتقال منزلي بحراسة مشددة، وقرر تقديمه للمحاكمة. وقد تقاطر الوسطاء من «الإيغاد» والاتحاد الأفريقي على العاصمة جوبا للتوسط لحل النزاع، لكن لم يُسمح لهم بمقابلة نائب الرئيس المعتقل مشار.
تزامن ذلك مع تغييرات أجراها الرئيس سلفا كير في طاقم نوابه الخمسة، المعينين طبقاً لاتفاق تقاسم السلطة في عام 2020؛ إذ أقال النائب الممثل لحزبه الحركة الشعبية، جيمس واني أيقا، وعيَّن مكانه الرجل الغامض والقادم بقوة بنيامين بول ميل، كما أقال حسين عبد الباقي، ممثل أحد فصائل المعارضة وعيَّن مكانه جوزفين لاقو.
ومن الواضح أن هناك ارتباطاً كبيراً بين هذه التعيينات والأوضاع السياسية في البلاد. فالسيد بول ميل الذي تقدم ليشغل منصب نائب الرئيس ليس من القيادات التاريخية المعروفة للحركة الشعبية، ومعظم نشاطه لم يكن سياسياً، وإنما في مجال الاقتصاد والاستثمار، وهو من المقربين للرئيس سلفا كير وموضع ثقته. وهناك اعتقاد شائع في جنوب السودان أن سلفا كير يؤهّله ليخلفه في منصب الرئيس؛ ولهذا فإن قرار إقالة ومحاكمة رياك مشار الغرض منه إزاحته من أي سباق محتمل على الرئاسة. ومشار، رغم أنه يقف في المعارضة، ولا ينتمي إلى قبيلة الدينكا التي غالباً سيأتي الرئيس من صفوفها، فإنه في حال ترشحه للرئاسة قد يضعف حظوظ بول ميل بحكم أنه من القيادات التاريخية للحركة الشعبية وله خبرات طويلة في العمل السياسي والتنفيذي.
يقف الجنوب الآن على شفا حرب أهلية، يبدو ظاهرها الصراع السياسي على السلطة، لكن بحكم الجذر القبلي القوي للسياسة في جنوب السودان فستتحول صراعاً إثنياً دموياً يهدّد وحدة جنوب السودان. وهو صراع لن تتحمله بنية الدولة الوليدة المثقلة بالصراعات والفقر والفساد والمهدَّدة بالمجاعات، وستتقاطع مع الحرب الدائرة في السودان، فتشتعل كل المنطقة.
فيصل محمد صالح
نقلا عن القدس العربي