عربي21:
2025-03-06@14:25:26 GMT

العالم العربي بين نموذج ديب سيك وشات جي بي تي

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

شكل ظهور تطبيق الذكاء الاصطناعي (ديب سيك) نهاية يناير 2025 هزة حقيقية في العالم، وتعددت المقالات المكتوبة بنوع من الانبهار، وإن كانت الأغلبية منها تردد الرواية الغربية حول «الغول الصيني المقبل» وهل ديب سيك قرص نماذج أمريكية، ولم يتم طرح التساؤل من وجهة نظر جيوبوليتيك من الجنوب، بما فيهم العالم العربي، ماذا يشكل لنا ديب سيك والتطبيقات المقبلة للذكاء الاصطناعي على منواله.



ومن أجل فهم أعمق لديب سيك هو ما قاله الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل إريك شميدت، إن صعود شركة ديب سيك «نقطة تحول» في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، لأن الشركة الصينية وظفت موارد محدودة للغاية مع تحقيق نتائج تضاهي أو تتفوق على برامج شات جبيتي وجيريمي، التي وظفت مئات المليارات من الدولارات. ونقلت جريدة «ديلي الصين» في نسختها الإنكليزية منذ أيام أن تكلفة ديب سيك بلغت فقط 3% من تكلفة شات جي بي تي، في زمن صعب العثور فيه على مقارنة في الاستثمار بالنتائج نفسها في تاريخ الصناعات.

وذهبت معظم التحاليل الإعلامية إلى إبراز الصراع الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، الأخيرة تريد الحفاظ على الريادة في الذكاء الاصطناعي، بينما الأولى تريد تهديد عرشها، ضمن صراع يشمل مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وما زالت المنافسة في طورها الأول، كما أن مجال الذكاء الاصطناعي ما زال في مرحلته الأولى الجنينية، على الرغم من الانبهار الذي يخلفه بسبب تقدمه السريع، ما يجعل الكثير من الناس لا يدركون أهمية هذه السرعة. غير أن المنطق يرجح كفة تفوق الصين على المستوى المتوسط مستقبلا لعاملين وهما، أولا، تحقيق الصين تقدما مذهلا في المجال الرقمي، إذ كانت سباقة إلى تعزيز شبكة الجيل الخامس من الإنترنت، والآن تعمل على الجيل السادس، وشركاتها تتطور بشكل سريع، إذ أن ديب سيك ظهرت سنة 2023.

وفي ظرف سنة ونصف السنة تجاوزت نظيراتها الأمريكية أو هي تنافسها الند للند. ويتمثل العامل الثاني في تخرج عشرات الآلاف من المهندسين والباحثين سنويا من الجامعات الصينية بشكل يتجاوز عددهم تقريبا ليس الولايات المتحدة بل الغرب برمته، وهذا يغذي البحث العلمي والشركات الصينية بأطر بشرية كثيرة، بمعنى توجد وفرة في الصين ونقص كبير في المهندسين في الغرب الذي يعمل على استقطاب أطر من دول الجنوب لسد العجز..

وكان الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود قد ركز في كتابه الأخير «هزيمة الغرب» على هذا العامل ضمن عوامل أخرى لشرح تفوق الصين. وارتباطا بانعكاسات الذكاء الاصطناعي، تحذر مختلف الدراسات من الفوارق بين الدول، التي ستترتب عن الذكاء الاصطناعي، فنحن أمام دول قادرة على تطوير نماذج خاصة بها، وبالتالي ستضمن التقدم والرقي، وأخرى لا تستطيع وستعاني كثيرا، وستبقى تابعة للدول الغنية ومرتبطة بها في مظهر جديد للاستعمار الاقتصادي، إذ أن الدور الحقيقي للذكاء الاصطناعي هو توظيفه في مختلف أنواع البحث العلمي والصناعة، وهذا ليس في متناول الجميع. ويبقى تساؤل الجنوب من زاوية جيوسياسية هو: ماذا يشكل ديب سبك للجنوب، بما فيه العالم العربي؟

وممن سيستفيد هذا الجنوب، هل من الصين أم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة؟ سيكون الجواب أن الجنوب سيربح مع النموذج الصيني، ذلك أن الغرب، خاصة الولايات المتحدة تتحفظ على تفويت هذه التكنولوجيا الى باقي العالم للحفاظ على التفوق. وهذه صفة سلبية من صفات الغرب دائما في تعامله مع باقي الثقافات والشعوب غير الغربية، وأحيانا التي ليست أنكلوسكسونية. وعلاقة بهذه النقطة، تعمد واشنطن، لكي تكون الاستفادة من التقدم العلمي والتطبيقات، مقتصرا على ما يعرف بـ»الأعين الخمس» وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

ويبقى الجوهري في نظام أو نموذج ديب سيك هو، أنه اعتمد على استثمار محدود للغاية لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، وحقق نتائج تتفوق على الشركات الأمريكية التي استثمرت مئات المليارات من الدولارات. وعليه، محدودية الاستثمار وتحقيق نتائج مبهرة سيكون حافزا للجنوب لتقليد النموذج الصيني. في الوقت نفسه، جعلت الصين ديب سيك مفتوحا للجميع وليس مغلقا، أي مفتوح المصدر بالكامل، ما يسمح للمطورين والمحترفين والجميع بالوصول السهل إلى الرموز التي استخدمها في تطوير النموذج.

بمعنى أن كل الدول، خاصة من الجنوب ستكون قادرة على إنتاج برنامج شبيه، وإن كان بدرجة أقل من الجودة. وعليه، كما وضعت الصين رهن العالم، خاصة الجنوب أدوات التنمية، خاصة الرقمية من هواتف وحواسيب بأسعار مناسبة للغاية، عكس الأسعار التي كان الغرب يفرضها، وما زال يفرضها في أدوات تنفرد بإنتاجها دون باقي العالم، تضع الآن نموذج ديب سيك.

وعالجنا في مقال سابق بعنوان «الصين ودمقرطة التنمية في العالم» في جريدة «القدس العربي» يوم 18 نوفمبر الماضي هذا الموضوع بين رؤية الصين وتصرفات الغرب، بشأن مصادر وأدوات التنمية في التعامل مع باقي الشعوب. ومن ضمن الأسباب التي تدفع الى التخوف من حرمان دول الجنوب من الذكاء الاصطناعي مستقبلا هو، هيمنة الولايات المتحدة على الرقائق الدقيقة التي تستعمل في معالجة المعلومات، مثل التي تنتجها شركة نفيديا، إذ أن حرمان الصين من النماذج المتقدمة لهذه الرقائق هو الذي دفع الصين إلى البحث أكثر والإبداع أكثر لتحقيق نتائج برقائق أقل تطورا.

والأخطر هو تلويح الغرب بإغلاق مصادر المعلومات والبيانات أمام باقي العالم، بمعنى أنه سيصبح الاطلاع على مصادر المعلومات لتوظيفها في تطوير الذكاء الاصطناعي شبه مستحيل، ذلك أن الحواسيب المخصصة للذكاء الاصطناعي مرتبطة بقاعدة بيانات عالمية مفتوحة وتغذيها باستمرار.

ونعيش حاليا حالة معبرة ودالة، كيف أن المعلومات بالعربية محدودة جدا، ولهذا تكون أجوبة الذكاء الاصطناعي ضعيفة مقارنة إذا ما تم طرح السؤال بالإنكليزية. ونلمس هذا في ويكيبيديا كيف أن النسخة الإنكليزية غنية بينما العربية فقيرة جدا. وقد بدأت معاهد عملية غربية تحجب الكثير من المعلومات والبيانات مخافة من استفادة الصين وروسيا منها، وسيكون المتضرر هو الجنوب ومن ضمنه العالم العربي.

وفي مقال بتاريخ 25 نوفمبر الماضي في «القدس العربي» أيضا بعنوان «حتى لا يكون الذكاء العربي غبيا»، عالجنا إشكالية ضعف المصادر والبيانات باللغة العربية. العالم سيعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، غير أن بعض الدول الغربية ستحاول أن تتعامل معه مثلما تصرفت مع الطاقة النووية، حيث سعت وتسعى وستسعى إلى حرمان معظم دول العالم من الاستفادة من الطاقة النووية السلمية، وبالتالي ستجعل الذكاء الاصطناعي ليس في متناول الجميع.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الذكاء الاصطناعي ديب سيك التكنولوجيا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ديب سيك أفكار سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة العالم العربی دیب سیک

إقرأ أيضاً:

كيف سيغير وكلاء الذكاء الاصطناعي هجمات سرقة بيانات الاعتماد

شهدت هجمات "تعبئة بيانات الاعتماد" تأثيرًا هائلًا في عام 2024، حيث أدت إلى دوامة مدمرة من عدوى برامج سرقة المعلومات وتسريبات البيانات.

 وفي ظل هذا المشهد الأمني المتوتر، قد تزداد الأمور سوءًا مع ظهور "الوكلاء الحاسوبيين" (Computer-Using Agents)، وهي فئة جديدة من وكلاء الذكاء الاصطناعي تُتيح أتمتة مهام الويب الشائعة بتكلفة وجهد منخفضين، بما في ذلك تلك التي يؤديها المهاجمون عادةً.

يدعم الذكاء الاصطناعي.. لينوفو تطلق لابتوب بإمكانات رائدة وسعر تنافسي%92 من الطلاب يستخدمونه.. الذكاء الاصطناعي يهدد جوهر التعليم الجامعيحجز المطاعم مجرد بداية.. هونر تكشف عن ذكاء اصطناعي لإدارة المهام اليوميةتأخير مرتقب في تطوير سيري الذكية .. تحديات تواجه الذكاء الاصطناعي في آبلالدماغ البشري يتفوّق على الذكاء الاصطناعي في حالات عدّةسرقات بيانات الاعتماد: السلاح الأساسي للمجرمين السيبرانيين

يُعد سرقة بيانات الاعتماد الإجراء الأول للمهاجمين في عام 2023/24، حيث شكلت هذه البيانات ثغرة استغلالية في 80% من هجمات تطبيقات الويب. 

ليس من المستغرب أن المليارات من بيانات الاعتماد المسروقة متداولة على الإنترنت، ويمكن للمهاجمين الحصول على آخر التسريبات مقابل مبلغ يبدأ من 10 دولارات على المنتديات الإجرامية.

وقد استفاد السوق الإجرامي من التسريبات الكبيرة التي شهدها عام 2024، مثل الهجمات التي استهدفت عملاء Snowflake، حيث تم استخدام بيانات الاعتماد المسربة من تفريغات التسريبات ومصادر بيانات مخترقة نتيجة حملات تصيد جماعي وعدوى ببرامج سرقة المعلومات، مما أدى إلى اختراق 165 مستأجرًا لعملاء الشركة وملايين السجلات المسربة.

أتمتة هجمات بيانات الاعتماد في عصر SaaS

لم تعد تقنيات التخمين العشوائي وتعبئة بيانات الاعتماد كما كانت في السابق؛ فقد تغيرت بنية تكنولوجيا المعلومات الحديثة لتصبح أكثر لامركزية مع ظهور مئات التطبيقات والخدمات عبر الإنترنت، وتوليد آلاف الهويات داخل كل مؤسسة. 

ولم تعد بيانات الاعتماد تُخزن حصريًا في أنظمة مثل Active Directory، بل باتت موزعة في أماكن متعددة على الإنترنت.

تواجه الأدوات التقليدية صعوبة في التعامل مع التعقيدات الجديدة لتطبيقات الويب الحديثة، التي تتميز بواجهات رسومية متطورة وحلول حماية مثل CAPTCHA والحد من معدلات الطلب، مما يستدعي تطوير أدوات مخصصة لكل تطبيق على حدة.

 وفي ظل وجود حوالي 15 مليار بيانات اعتماد مسربة متاحة، رغم أن الغالبية منها قديمة وغير صالحة، فإن هناك فرصة كبيرة للمهاجمين إذا تمكنوا من تحديد البيانات الفعّالة والاستفادة منها.

فرصة ضائعة للمهاجمين؟

رغم أن نسبة البيانات الاعتمادية الصالحة لا تتجاوز 1% في معظم مجموعات المعلومات، إلا أن ظاهرة إعادة استخدام كلمات المرور تتيح للمهاجمين استغلال بيانات اعتماد واحدة للوصول إلى حسابات متعددة في تطبيقات مختلفة. 

تخيل سيناريو يتم فيه استخدام بيانات اعتماد صالحة على نطاق واسع، مما يسمح للمهاجمين بتوسيع نطاق هجماتهم بشكل جماعي عبر تطبيقات متعددة دون الحاجة إلى تطوير أدوات جديدة لكل تطبيق.

دور "الوكلاء الحاسوبيين" في توسيع نطاق الهجمات

لقد كانت تأثيرات الذكاء الاصطناعي في الهجمات السابقة محصورة في استخدام النماذج اللغوية الكبيرة لإنشاء رسائل تصيد أو لتطوير برمجيات خبيثة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ولكن مع إطلاق "OpenAI Operator"، يظهر نوع جديد من "الوكلاء الحاسوبيين" قادر على أداء مهام الويب البسيطة بشكل مشابه للبشر دون الحاجة إلى تنفيذ برامج مخصصة.

تتيح هذه التقنية الجديدة للمهاجمين إمكانية تنفيذ هجمات تعبئة بيانات الاعتماد على نطاق واسع وبجهد أقل، مما يجعل عملية المسح الآلي للمعلومات واستغلالها أكثر سهولة حتى للمبتدئين.

 استغلال بيانات 

تشير التطورات الحالية إلى أن التحديات الأمنية المتعلقة بهجمات بيانات الاعتماد قد تصل إلى مستويات جديدة مع دخول تقنيات الأتمتة الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي إلى الساحة. 

إذ يمكن لهذه التكنولوجيا أن تمنح المهاجمين القدرة على استغلال بيانات الاعتماد المسروقة على نطاق أوسع، مما يحول الهجمات من عمليات محدودة النطاق إلى تهديدات منهجية واسعة النطاق.

 في هذا السياق، يصبح من الضروري على المؤسسات تكثيف جهودها لتعزيز دفاعاتها على سطح الهجمات الأمنية والتركيز على إصلاح الثغرات المتعلقة بالهوية قبل أن يستغلها المهاجمون.

مقالات مشابهة

  • ذبح الخنازير.. كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي الاحتيال المالي إلى كارثة عالمية؟
  • الذكاء الاصطناعي تكلفة عالية على البيئة
  • كيف سيغير وكلاء الذكاء الاصطناعي هجمات سرقة بيانات الاعتماد
  • علاء عابد: كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية نموذج للقيادة الحكيمة ودعوة للتضامن العربي
  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
  • الدماغ البشري يتفوّق على الذكاء الاصطناعي في حالات عدّة
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
  • الذكاء الاصطناعي نجم معرض برشلونة للأجهزة المحمولة