هل يجب أن نصدّق الإصرار الرسمي العربي على رفض اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترحيل سكان غزة (أو جزء منهم) إلى الأردن ومصر بزعم تسهيل إعادة إعمار القطاع؟
أيضا، هل يمتلك القادة العرب قوة وأدوات منع ترامب من تنفيذ خطته؟
من المفروض نعم، يجب أن نصدّق الموقف الرسمي العربي الرافض بالنظر إلى خطورة اقتراح ترامب وتبعاته على غزة والمنطقة وعلى القضية الفلسطينية.
عبر العقود الماضية عوَّد القادة العرب شعوبهم والعالم على وجهين متناقضين، الوجه الحقيقي الذي يُعبّرون عنه في الجلسات المغلقة، ووجه الاستهلاك الشعبي الذي تنقله وسائل الإعلام والتصريحات العلنية.
آخر فصول الثنائية في المواقف بين السر والعلن ما كشفه المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، دينس روس، بعد بدء إسرائيل حرب الإبادة على غزة. يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 كتب روس مقالة في صحيفة نيويورك تايمز ذكر فيها أنه تحدث إلى قادة عرب في المنطقة فاتفقوا جميعا على أن الفرصة مواتية لسحق حماس. قال إنهم أبلغوه أن أيّ انطباع بأن الحركة انتصرت سيكون بمثابة «انتصار لأيديولوجيتها الإقصائية» ويضعهم في موقع غير مريح. لكنهم جميعا ترجوا روس ألا يُفصح عن مواقفهم الحقيقية خوفا على صورتهم أمام العالم ومن ردود الفعل المحتملة من شعوبهم.
ردُ الرئيس ترامب يوم الخميس على سؤال حول رفض قادة مصر والأردن اقتراحه ترحيل سكان غزة، وتكراره بكل ثقة واقتضاب «إنهم سيقبلون.. سيقبلون» مثير للمخاوف والشكوك. كان لافتا أنه لم يكلف نفسه حتى عناء بذل الحد الأدنى من الجهد للشرح وإقناع من سأله، وفي ملامحه الواثقة ولغة جسده وكلامه القليل رسائل وإشارات كثيرة. تنبع المخاوف من احتمال أن ترامب سيفرض خطته المجنونة على الجميع بكل ما يعنيه ذلك من تبعات هو حتما لا يدركها. أما الشكوك فنابعة من فرضية أنه تلقى من القاهرة وعمان، وربما عواصم عربية أخرى، رسائل سرية إيجابية استمد منها ثقته تلك (مثلما تلقى دنيس روس في بداية الحرب تطمينات من قادة عرب أنهم متحمسون لسحق حماس مع احتفاظهم بحق الاحتجاج والتنديد لضرورات الاستهلاك الإعلامي).
وجاء اجتماع القاهرة الخماسي نهاية الأسبوع الماضي ليكرّس المُكرَّس، وينتهي مكررا أمنيات عربية مشابهة لتلك التي تصدر منذ سنين عن القمم العربية واجتماعات وزراء الخارجية العرب. يكفي أن القاهرة هي المستضيفة للاجتماع والجامعة العربية طرف في البيان الذي توّجه ليدرك المرء ألّا أمل يُرجى من ورائه.
عدا عن الحجج التي يبرر بها القادة العرب (حتى الآن) رفضهم خطة ترامب، ومنها أنها تعرقل إنشاء الدولة الفلسطينية المنشودة، يجب البحث عن المخاوف الرسمية العربية بعيدا عن التصريحات الإعلامية. يجب البحث عنها في سياق الذاكرة الرسمية العربية المعبأة بتجارب سلبية مع الشتات الفلسطيني.
في كثير من الأحيان تحوّل الشتات الفلسطيني في الدول العربية إلى صداع سياسي وعبء اقتصادي واجتماعي وجدت الحكومات العربية، خصوصا القريبة من فلسطين، صعوبة في التعاطي معه، ووظفته بعضها لحساباتها الإقليمية والداخلية.
في الحالات التي امتلك الشتات الفلسطيني السلاح، أصبحت علاقته بالأنظمة العربية التي استقبلته عنيفة ودامية كما في الأردن خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي. وفي لبنان كان السلاح الفلسطيني طرفا في حرب أهلية كادت تقضي على وجود الدولة اللبنانية. وفي سوريا استغل نظام البعث الوجود الفلسطيني في تصفية حساباته مع معارضيه الداخليين وخصومه الإقليميين.
في بداية النصف الثاني من القرن الماضي كانت معضلة الشتات الفلسطيني تحت رعاية جامعة الدول العربية وبعض الدول العربية الكبرى، لكنها شيئا فشيئا تحوّلت إلى ظاهرة خارج التأطير الرسمي ومثيرة لمشاعر متناقضة بين مؤيد لهذا الشتات ومتعاطف معه، ورافض له يعتبره قنبلة موقوتة.
وزاد القرار الرسمي العربي عدم تجنيس الفلسطينيين بذريعة أن التجنيس يصفي القضية الفلسطينية، في إبقاء الفلسطينيين في عدد من الدول العربية كتلة منفصلة منبوذة في بعض الأحيان محشورة في مخيمات تفتقر لأدنى شروط العيش الكريم. كما فاقم موضوع التجنيس مشاعر الفلسطينيين السلبية إزاء «إخوانهم» الذين يرفضون تجنيسهم بينما لا تتردد الحكومات الغربية في استقبالهم ومنحهم جنسياتها وتسهيلات أخرى.
خطة ترامب تجارية بحتة، سواء فكر في غزة كصفقة من صفقاته الكثيرة، أو أرادها للإسرائيليين كمشروع يوسع مساحة بلادهم الجغرافية ويعزز أمنها القومي وقدراتها الاقتصادية. الخطة إذن خالية من أي عواطف أو حمولة نفسية وتاريخية وإنسانية كالتي يختزنها الفلسطينيون والمتعاطفون معهم من عرب ومسلمين.
ترامب يرى في غزة مجرد قطعة أرض تتميز بموقع جغرافي ساحر وتمتلك مقومات نجاح أيّ مشاريع عقارية وتجارية. هنا تنتهي نظرته لأنه لا يعرف غير هذا ولا يريد أن يعرف تفاصيل أكثر ستكون متعبة لذهنه الذي سيعجز عن استيعابها (قال عنه مساعدوه وأحدهم مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون في مذكراته إنه يكره التفاصيل لأنها تزعجه ولا يستطيع الإمساك بها).
هل يستطيعون فرض رفضهم على ترامب؟
أما للفلسطينيين، فغزة حكاية أخرى مختلفة جدا بحمولتها غير المرئية، فهل يستطيع القادة العرب إقناع ترامب بهذه الحمولة؟ وهل يستطيعون إجباره على تحمل تفاصيلها المملة بالنسبة له؟
من السهل والجميل أن يرفض القادة العرب موضوع ترحيل الفلسطينيين من غزة. لكن هل يستطيعون فرض رفضهم على ترامب؟ هناك سابقة حديثة ستليها أخرى: اتفاق كندا والمكسيك على التصدي لتعريفات ترامب الجمركية. هل يستطيع العرب تقليد كندا والمكسيك؟ نعم. هل سيفعلونها؟ أشك. وهنا مربط الفرس.
يمتلك القادة العرب أوراقا لرفض ما يطرحه ترامب إحداها الرأي العام العربي الرافض. لكن المعضلة أن الهوان العربي بلغ درجة اللارجوع، فلو تحركت مظاهرات شعبية كبرى في عواصم عربية رافضة لخطة ترامب سيقمعها القادة ويحشدون أخرى مصطنعة يوظفونها وفق مصالحهم.
ترامب ألقى قنبلة في حضن القادة العرب والمجتمع الدولي، ولم تكن مجرد فكرة. لن تكون هذه القنبلة اختبارا له وحده ولجرأته، بل للقادة العرب أيضا الذين أحرجهم وسيواصل إحراجهم كل يوم من الألف وأربعمئة وخمسين يوما المتبقية من رئاسته.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب غزة غزة الاحتلال ترامب خطة التهجير مقالات مقالات مقالات أفكار سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشتات الفلسطینی الدول العربیة القادة العرب
إقرأ أيضاً:
تسارع الوفود.. القادة العرب يتوافدون على القاهرة لحضور «القمة العربية الطارئة»
بدأ قادة العرب التوافد على القاهرة، للمشاركة في أعمال القمة العربية الطارئة، غداً الثلاثاء، لـ بحث التطورات الخطيرة في فلسطين،
وصول الوفود العربيةوأفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية بوصول رئيس البلاد عبد اللطيف رشيد إلى القاهرة، للمشاركة بالقمة العربية لمناقشة التطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية.
ووصل أيضا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القاهرة، مساء اليوم للمشاركة في القمة غدا، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية.
وقالت الوكالة إن عباس سيلقي كلمة أمام القمة الثلاثاء حول تطورات الأوضاع في فلسطين، كما سيلتقي على هامش القمة بعدد من القادة والزعماء العرب.
وقبل ذلك، وصل إلى القاهرة صباح الاثنين الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني للمشاركة في القمة العربية الطارئة.
وفي البحرين، أعلن الديوان الملكي أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، سيغادر المملكة الاثنين متوجها إلى مصر.
وأضاف أن الملك سيرأس وفد البحرين المشارك في القمة، لبحث تطورات القضية الفلسطينية، كما سيرأس أعمال القمة، حسب وكالة الأنباء البحرينية الرسمية مساء الأحد.
وذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن ولي العهد صباح خالد الحمد الصباح يغادر أرض الوطن الثلاثاء متوجها إلى مصر العربية الشقيقة لترؤس وفد الكويت في القمة العربية غير العادية.
وكشفت الخارجية التونسية في بيان الاثنين، أن الرئيس قيس سعيد كلف وزير الخارجية محمد النفطي بترؤس وفد بلاده في القمة.
وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عن مصدر وصفته بالمطلع، أن الرئيس عبد المجيد تبون قرر عدم المشاركة شخصيا في القمة وكلف وزير الخارجية، أحمد عطاف، لتمثيل الجزائر في أعمالها.
وتبحث القمة الوصول لقرار وموقف عربي موحد يرفض التهجير، ويؤكد على الإجماع العربي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودولية لوقف محاولات إخراج الفلسطينيين من أراضيهم، وخطط إعادة إعمار غزة دون إخراج الفلسطينيين من أراضيهم. كما ستدعم استكمال اتفاق وقف النار ومنع خروقاته.
مخطط التهجيرومنذ 25 يناير الماضي، يروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمخطط تهجير فلسطينيي إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.
وبلورت مصر خطة عربية شاملة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، خشية تصفية القضية الفلسطينية، وتعتزم عرضها على قمة غداً الثلاثاء.
وارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
اقرأ أيضاًتهديدات باستئناف القتال.. إسرائيل تدق طبول الحرب قبل القمة العربية الطارئة
عاجل.. الخارجية المصرية: القاهرة تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 4 مارس
رافضًا تصفية القضية الفلسطينية.. عمرو موسى يشيد بقرارات القمة العربية الطارئة