جريدة الوطن:
2025-02-04@00:40:47 GMT

اتجاهات مستقبلية

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

اتجاهات مستقبلية

اتجاهات مستقبلية
الصين وقطاع الذكاء الاصطناعي

 

هزة في أوساط سوق التكنولوجيا والبورصات الدولية أحدثها تطبيق “ديب سيك” الصيني للذكاء الاصطناعي، مع خشية أمريكية من تراجع الريادة التكنولوجية، وقلق في “سيليكون فالي” من تكلفة التطبيق المنخفضة، وإتاحته للجمهور مجانًا، وانتشاره السريع، وتأثيره المباشر على سوق الأسهم لشركات التكنولوجيا الكبرى، وفي المقدمة عملاق التكنولوجيا والرقائق “إنفيديا”، التي فقدت نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد.


وقد أدى إطلاق شركة “ديب سيك” الصينية الناشئة، التي تأسست عام 2023، تطبيق ذكاء اصطناعي ينافس تطبيقات أمريكية رائدة مثل “تشات جي بي تي”، إلى طرح تساؤلات عن قدرات الشركات الصينية ودعم الحكومة في بكين للتقنيات الوطنية، وما لذلك من بزوغ المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة، التي تستثمر شركاتها مليارات الدولارات لتطوير التطبيقات، لا سيما أن “ديب سيك” تميز عن برامج الدردشة الآلية الأخرى المستندة إلى الذكاء الاصطناعي بأنه مفتوح المصدر ويمكن للمطورين البناء عليه، ويتفوق على المنافسين في المهام الحسابية، والمعرفة العامة، وأداء الأسئلة والأجوبة.
وبالرغم من أثر “ديب سيك” في الأوساط التكنولوجية والمالية الدولية، فإن هذه ليست التجربة الصينية الأولى، إذْ بعد إطلاق “تشات جي بي تي” عام 2022، تسابقت شركات صينية إلى تطوير تطبيقات مشابهة لكن أملها خاب مع تطبيق لشركة “بايدو” الصينية، ومع تواصل المحاولات الصينية نجح نموذجا “ديب سيك-في3” و”ديب سيك-آر1″، اللذان يعدان من أفضل النماذج المتقدمة، بمستوى تقني مماثل لشركتي “أوبن.إيه.آي” و”ميتا” الأمريكيتين، وبتكلفة أقل بـ20 إلى 50 مرة، إذ كلف تدريب “ديب سيك-في3” باستخدام رقائق إنفيديا “إتش-800” أقل من ستة ملايين دولار.
وبعد “ديب سيك” دخلت مجموعة “علي بابا” الصينية في سباق الذكاء الاصطناعي بنموذجها “كوين 2.5-ماكس”، باعتباره نموذجًا متقدمًا ينافس “تشات جي بي تي 4” من “أوبن إيه آي” و”كلود 3.5 سونيت” من “أنثروبيك”، إذ دُرب على أكثر من 20 ألف مليار بيان، ويبدو أن المنافسة العالمية في الذكاء الاصطناعي تتصاعد، وقد تنتج عنها تطورات تقنية تعيد رسم ملامح السوق وحياة البشر.
وترجع أهمية الذكاء الاصطناعي الصيني في تحقيق أهداف الحكومة باعتباره “أولوية وطنية”، لما يوفره من فرص في المنافسة العالمية، خصوصًا في مواجهة القيود الأمريكية على تصدير التكنولوجيا بهدف وقف التقدم الصيني عبر فرض قيود صارمة على تصدير الشرائح الإلكترونية، مع سعي بكين إلى الاكتفاء الذاتي في القطاعات الاستراتيجية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، وتقليل تأثير الحد من تصدير الشرائح على الشركات، وتبني استراتيجية تعتمد على كفاءة البرمجيات بدلًا من القوة الحوسبية، وذلك ما يضع الشركات الأمريكية في وضع صعب، مع اكتساب الصين لقدرة تنافسية جديدة، على نحو مماثل للمنافسة العالمية في قطاعي الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.
ومنذ 2016 أُدرج الذكاء الاصطناعي في الخطة الاستراتيجية الوطنية للصين، مع حزمة سياسات لدعم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، لحماية رأس المال والملكية الفكرية وتنمية الموارد البشرية والتعاون الدولي، وقد وصل البحث في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الجامعات الصينية إلى مستوى أفضل الجامعات في العالم. وفي سبيل الذكاء الاصطناعي، تخطت الاستثمارات الصينية 50 مليار دولار خلال عام 2023، ويتوقع وصولها إلى 120 مليار دولار بحلول عام 2027، وفق مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي العالمي.
ويُتوقع أن يغيّر الذكاء الاصطناعي الصيني المعادلة في مجال الذكاء الاصطناعي، وبينما تتعدد النماذج والتطبيقات الصينية، قد يبدو أن حركة الاستثمار الدولية تتجه إلى الصين مع تطوير نماذج ذكاء اصطناعي تنافس بقوة، لا سيما أن التكلفة عامل جذب كبير، إذا ما قورنت الشركات الصينية بالشركات الأمريكية وإنفاق مليارات الدولارات لابتكار نماذج قائمة على الذكاء الاصطناعي. وما يزيد المنافسة أن الشركات الصينية تحاكي أحدث ما توصلت إليه التقنيات، وتطور تقنيات جديدة دون الحاجة إلى بنية تحتية ضخمة وكميات هائلة من الطاقة، غير أن الريادة ما تزال أمريكية، في حين أن التقدم السريع للصين قد يؤدي إلى فقدان الشركات الأمريكية تفوقها التكنولوجي، وإعادة توزيع القوى التكنولوجية العالمية، وفي الوقت ذاتِه ستخلق المنافسة الصينية حالة من الابتكار العالمية والتسابق على تقديم تقنيات في كل جوانب الحياة، غير أن المعضلة هي مدى توافق هذه الابتكارات من القوى المتنافسة مع القيم والأخلاقيات الإنسانية.
وستكون للمنافسة الصينية الشرسة في قطاع الذكاء الاصطناعي انعكاساتها على التنافس الاستراتيجي المحتدم بين الصين والولايات المتحدة، ويبدو أن الصراع في هذا القطاع ما زال في بداياته ويتوقع أن تكون له مآلات وتأثيرات كبرى على رسم الخارطة الجيوسياسية للعالم خلال القرن الحادي والعشرين.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی دیب سیک

إقرأ أيضاً:

كيف تتأثر الأديان بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دخل العالم مرحلة جديدة مع الوصول لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، مرحلة مثيرة ومغرية ومخيفة في نفس الوقت، فالمغامرات العلمية والاكتشافية التي يصل إليها العلماء والبحث العملي تزيد من فرص الرفاهية وراحة الإنسان، وتعزز المخاوف بشأن المخاطر المهولة التي يتعرض لها الكوكب، وهي مخاطر أشبه بوصول الإنسان للقنبلة النووية.
ورغم تعدد المجالات التي يؤثر فيها الذكاء الاضطناعي، فإن مجال الأديان بشكل خاص من المتوقع أن يتأثر كثيرًا بهذا التطور المذهل التي وصلات إليه البشرية، لدرجة أنه من الممكن أن يحل الـ AI مكان رجل الدين في جميع الأديان فيكون قادرا على تقديم العظات والخطب المنبرية، وشرح وإعادة تفسير النصوص الدينية، ومراجعة الأحكام الفقهية وتقييمها، بل واستخراج المزيد من الأحكام والتشريعات.
أمام القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي، يتوقع البعض أنه سيكون في مراحله القريبة جدا قادرا على إنتاج سردية كاملة ويزعم أنه يقدم نصوصًا ويصفها بالدينية والمقدسة، وهي مرحلة لا يمكن فيها السيطرة على ما يطرحه أو يقدمه، وهي مرحلة عبرت عن مخاوف منها بعض الدول الكبرى بأنها تخشى أن يقوم بتسريب بعض الأسرار الحساسة المتعلقة بالأسلحة السرية.
ومع أن الدول الكبرى المنتجة لنماذج AI تعبر عن قلقها ومخاوفها من قدراته المهولة، فإن الكثير من العرب المتابعين لمثل هذه الأخبار يتعاملون باستهانة واستخفاف بل وسخرية من بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي المجانية التي تقدم معلومات مغلوطة ومصابة في كثير من الأوقات بالهلوسة، فيظنون أن هذه هي المقدرة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي ويتخوف منها العالم، 
وحذر بعض المفكرين من تنامي دور الآلة، وخاصة عندما يساعدها الذكاء الالصطناعي في أن تمتلك عقلا يشبه في طريقة تفكيره العقل البشري تمامًا، فهو ما يجعل الآلة تكتسح الوجود الإنساني، وتعمل على إزاحته، لتصبح هي المسيطرة، وتكون قادرة على امتلاك السلطة بدلا من الإنسان، وهو ما عبر عنه منذ زمن طويل الأديب المصري الكبير توفيق الحكيم، الذي رحل في عام 1987م، من أنه يتخوف من أن يتوقف الإنسان عن استخدام نشاطه البدني والعضلي وتحتل مكانه الآلة للقيام بمثل هذه الأنشطة لتصل لمرحلة تتوحش وتسلبه سلطته وقوته.
بعض الآراء أكدت ذهاب الذكاء الاصطناعي للتأثير على مجال الأديان، لكنه لن يكون فعالا بشكل كافي في مجال اللغات التي لا تمتلك حظها من تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل اللغة العربية مثلا، فمن الممكن أن يتعطل عن فهم التراكيب اللغوية والدقائق اللغوية التي تختص بها اللغة العربية.
وبحسب سليم شوشة مؤلف كتاب "فخ الحضارة: ثورة الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على الثقافة واللغة العربية"، فإن تعامل AI مع اللغة العربية، إما أنه سيحقق وعيا بها يتفوق على العرب أنفسهم، وأنه سيفسر النصوص الدينية وسيغير في القصص والسرديات والتراث، وإما أنه لن يتطور في فهمه ومعالجته العميقة للغة العربية بما يجعلها تخرج تمامًا من التكنولوجيا، ويتحول المستخدمون بشكل كامل إلى الإنجليزية أو غيرها، والسبب في هذا يعود بشكل مباشر إلى ضعف دراسات اللغة العربية التي تساعد التقنيين على تعليم اللغة لنماذج الذكاء الاصطناعي.
ركز مؤلف "فخ الحضارة" على ضرورة فهمنا للغة على نحو فائق النصاعة، بهدف التمكن من تعليمها للآلة، لذا يتوقف فهم الذكاء الاصطناعي التوليدي للغة على فهم أصحابها لها، أي أن أصحابها تمكنوا من دراستها مع إدراك كل أنماط الاستخدام، واستخلصوها في قواعد وأنماط وقوانين منطقية أولا ورياضية ثانيا، مشددا على ضرورة بحث اللغة في ضوء الإدراكيات والمنطق والرياضيات للوصول إلى دالة منطقية رياضية تغذي الذكاء الاصطناعي، ليصبح كل حرف وكل كلمة وكل جملة وكل عنصر سياقي يمكن أن يوجه المعنى يجب أن يؤخذ في الحسبان، ويمكننا من هذا هو أهمية الذهاب إلى نظرة نحوية جديدة، ونظرة معجمية، ونظرة في بحث ودراسة تاريخ الكلمات والاشتقاق أو ما يعرف بعلم الإيتمولوجي بطريقة غير تقليدية.
وتكثر الكتابة في العلاقة بين اللغة والذكاء الاصطناعي، إلا أن بعض الباحثين يكتبون وهو يمتلكون تصورات منقوصة أو غير حقيقة عن قدرات الذكاء الاصطناعي، وهو ما فعله باحث بريطاني يدعى حمزة تزورتزس في مقال له بعنوان "هل يقوض الذكاء الاصطناعي الدين؟" وصل فيه إلى نتيجة مضللة وهي أن AI لا يستطيع الربط بين المعنى والرموز، وأنه لن يتمكن من الفهم العميق للنصوص، وعليه فإن احتمالية تقويض الدين من هذه الناحية لن يحدث. وهذه النتيجة جاءت مضللة لأنها يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يتعامل مع اللغة بنفس الطريقة التقليدية للحاسوب وهي أنها رموز رياضية.
هذه المغالطة تتجاهل أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  الفائق تعتمد على مبدأ محاكاة العقل البشري عبر نموذج عمل الشبكات العصبية في المخ، وجعل النموذج التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي الكبير يعمل وفق هذه المنظومة المشابهة لما يتم من عمليات في المخ البشري، بحسب ما شرحه كتاب "فخ الحضارة".

وعرضت إحدى القنوات المتخصصة في التكنولوجيا على منصة اليوتيوب مقطعا مرئيا بعنوان "المراحل العشرة للذكاء الاصطناعي"، شرحت فيه مراحل تطور AI ووصله للتوحش في المرحلة العاشرة، وأطلقت على هذه المرحلة "مرحلة الشبيه بالإله" وفيها يتجاوز AI قدرات الإنسان على تقديم معطيات وتفسيرات يعجز الإنسان عن فهمها أصلا، ومن الممكن أن يقدم أديانا بكاملها بدلا من أن يقدم تفسيرات بديلة للنصوص الدينية. 

وحول هذا التدخل الكبير القائم والمحتمل، ترى الكاتبة أمينة خيري في مقال لها بعنوان "الذكاء الاصطناعي والدين عندما يدخل الإيمان المحراب الرقمي" أن “احتمالات ضلوع الذكاء الاصطناعي في الدين وحياة المتدينين كثيرة، وكذلك جهود مقاومة والاستعداد والتعايش واتقاء شرور هذا الضلوع كثيرة”.
ومع قدراته الهائلة، فإن هناك بعض السلبيات التي تتسبب في كوارث وأزمات منها قدرته الفائقة على "التزييف العميق" فهو قادر على أنتاج محتوى يصعب التشكيل فيه، ويصعب التفريق بينه وبين المحتوى الحقيقي. ومن سلبياته وقوعه في ما يعرف بـ"التحيز الاستقرائي".
وشرح كتاب "فخ الحضارة" كيف يقع AI في التحيز الاستقرائي؟ بأنه لو قضية معينة لها مصادر مكونة من كتب ومقالات ومنشورات وتعليقات القراءـ فربما يميل إلى المقالات بدرجة أكثر من الكتب، إما بتأثير من عمليات الفهم وسهولة اللغة، أو بتأثير الكم والتكرار، وربما يتحيز إلى بعض المصادر والمواد التي فيها مشاكل أو تحمل قدرا من الأخطاء والتناقضات أو الكذب أو التزييف.
ضاربا المثل بطلب مساعدة حول طريقة علاج مرض معين، فإذا كانت المعلومات الدقيقة حول مرض معين أو ظاهرة ما مكتوبة بلغة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهمها بسهولة على نحو ما يفهم المرويات الشعبية الخرافية فإنه سيميل إلى استقراء واستقصاء معلوماته من المصدر الأسهل، أي أنه سيقدم لك نتائج كارثية. بما يعني أنه يميل إلى فهم اللغة العادية التي تخلو من المجازات أو الصور البلاغية والاستعارات.
وهكذا فإن الذكاء الاصطناعي سيفكر في كل ما هو متاح له من معطيات، سيفكر بالمقدمات الي نمنحها له، وهكذا يمكن أنه سيضاعف من معارف وعلوم الأمم المتقدمة بقدر ما يضاعف التخلف والضعف العلمي والمعرفي والثقافي لدى الأمم المتأخرة، وكلها أمور راجعة لدرجة كل أمة في دراسة وفهم لغتها.

مقالات مشابهة

  • محافظ بورسعيد يبحث سبل التعاون في المجال الصناعي مع إحدى الشركات الصينية
  • وكلاء الذكاء الاصطناعي - مستقبل التعلم
  • رؤية مستقبلية عن تأثير الذكاء الاصطناعي على وسائل الإعلام
  • تنظيم الاتصالات: أكبر الشركات العالمية في تصنيع الهواتف المحمولة تعمل في مصر
  • كيف تتأثر الأديان بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؟
  • «ديب سيك» دليل على أنّ الغرب يخسر سباق الذكاء الاصطناعي
  • أبو الغيط: الاحتلال وظف تطبيقات الذكاء الاصطناعي الشريرة في حربه على غزة
  • DeepSeek الصينية تتحدى هيمنة الذكاء الاصطناعي الأمريكي وسط جدل حول رقائق نفيديا
  • إيطاليا تحظر DeepSeek الصينية وسط مخاوف من ثغرات الذكاء الاصطناعي