عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، ملتقاه الفقهي تحت عنوان "رؤية معاصرة"، حيث ناقش الملتقى اليوم موضوع “الغضب بين الشرع والطب”. 

وشارك في اللقاء، الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، والدكتور محمود عبد الرحمن حمودة، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر، والدكتور أحمد كامل العوضي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب كلية الطب جامعة الأزهر، وأدار الملتقى الدكتور هاني عودة ، مدير عام الجامع الأزهر.

في بداية الملتقى قال الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري: لقد وصف العلماء الغضب بأنه جمرة في جوف الإنسان، كما أن النبي أثنى على الصبر والحلم، لما لهما من أثر عظيم في كل شيء في الحياة،  فقال النبيُّ ﷺ لأشجِّ عبد القيس: إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله الحلم، والأناة"، كما قال ﷺ  لمعاوية إياك والغضب فإنه يفسد الإيمان، كما يفسد الصب العسل، وهو تحذير من النبي ﷺ  للمسلم بأن يتجنب الغضب في كل شيء، مبينا أن الغضب لا يكون محمودا إلا إذا انتهكت حرمات الله سبحانه وتعالى، فساعتها يكون الغضب محمودا لأنه التزام لأمر الله ورسوله، "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".


وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أنه يجب على الإنسان عندما يشعر بأن هناك شيئا يغضبه فعليه وقتها أن يتمسك بالطمأنينة "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، لهذا أوصى النبي  ﷺ  الصحابة بأن يغير كل واحد هيئته عند الغضب حتى يذهب عنه ما يغضبه، ويتروى قبل أن يصدر عنه ما يصيبه بالندم بعد ذلك، كما أوصاهم ﷺ بالوضوء عند الشعور بالغضب فقال ﷺ: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"، كما أوصاهم بالصلاة لأنه لا سعادة للعبد ولا فلاح له في الدنيا والآخرة إلا بطاعة الله تعالى  لذلك  كان رسولنا الكريم ﷺ  يقول لبلال أرحنا بها يا بلال.


وبين نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الغضب بين الناس في المعاملات، هو أمر منهي عنه، لذلك أوصي النبي ﷺ  بالتروي في البيع فقال ﷺ"البيعان بالخيار مالم يتفرقا"، حتى لا تدخل بينهم الضغينة"، كما أن النبي ﷺ "سَمِعَ  صَوْتَ خُصُومٍ بالبَابِ، عَالِيَة أَصْوَاتُهُمَا، وإذَا أَحَدُهُما يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ في شيءٍ، وَهو يقولُ: وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ، فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عليهمَا، فَقالَ: أَيْنَ المُتَأَلي علَى اللهِ لا يَفْعَلُ المَعْرُوفَ؟ قالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، فَلَهُ أَيُّ ذلكَ أَحَبَّ"  وهو دليل على التروي والحلم، مضيفا أن الغضب بين الأزواج هو السبب في ضياع الكثير من الأسر وحدوث الشقاق بينهم.

من جانبه ، قال الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: إن الغضب هو انفعال أساسي لدى البشر، لكنه انفعال خطير، يسبب الكثر من المشاكل للإنسان، والغضب رد فعل انفعالي سريع نتيجة تفاعل العقل مع السلوكيات، وكلما كان العقل متحكما وفي منطقة الاستجابة كلما كان الانسان متحكما في سلوكه ومنضبطا، أما عندما يتحول الانفعال إلى منطقة ردة الفعل فإنه يتحول إلى سلوك خطير، لذا فإن تعريف الغضب هو: أنه " حالة من الانفعال تتراوح في الحالات الخفيفة من حالات الاستثارة، إلى الاشتعال في الحالات الشديدة"، كما أن هناك فرقا بين الغضب والعدوان، والذي يعد سلوكا حادا ينتج عنه خسائر، وهو ما يمكن فهمه من قول الفلاسفة مثل أرسطو الذي قال: "من المقبول أن يغضب الإنسان ولكن في الوقت الصواب ومع الشخص الصواب وبالطريقة الصواب".

وبين أستاذ الطب النفسي ، أن هناك أنواعا من الغضب، فهناك الغضب المزمن، وهو الشخص دائم الاستياء من كل شيء حوله، وهناك غضب متطاير والذي يصدر فجأة نتيجة موقف أو مثير ثم يختفي، وهناك الغضب المكتوم الذي يصدر في جمل نقدية أو حديث التوبيخ وهناك الغضب السلبي الذي يعبر عنه بالاستياء، وهناك الغضب الغامر، والذي نلاحظه في سخرية الناس من الأمور الصعبة التي تمر في  حياتهم، وهناك الغضب الانتقامي تجاه  الآخرين، وهو ما يعبر عنه بالسلوكيات العدوانية، وهناك الغضب الذاتي والذي يظهر في صورة عدم رضا عن النفس، وهناك الغضب البناء الذي يدفع صاحبه إلى التغير نحو الأفضل، وزيادة النشاط النفسي والحركي والاهتمام بالتخلص من المشاكل، وهو ما يمكن أن نطلق عليها النتائج الإيجابية للغضب.

من جانبه ، أوضح  الدكتور أحمد كامل العوضي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أنه يجب على الإنسان أن يمنح نفسه فرصة للمراجعة عند الغضب، لكي لا يتحول هذا الشعور إلى سلوك عدواني يضر به نفسه ومن حوله، وأن يتجنب الإنسان المثيرات التي تتسبب في الغضب، فإن كان لابد من التعامل معها فلابد أن يكون التعامل بتفكير عميق حول الطريقة المثلى في التعامل مع هذا المثير، وهذه الوقفة هي التي حدث عنها الرسول الكريم بأن الشخص  إذا غضب فعليه أنه يغير الحالة التي عليها لأن هذا يمنحه فترة للتفكير بعمق وهدوء.


وأكد الدكتور هاني عودة مدير عام الجامعة الأزهر، على أهمية الحلم وسعة الصدر في التعامل مع كل الأمور، ولذلك كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب الوصية من رسولنا الكريم فقال له "لا تغضب"، وهو تأكيد أن الغضب مفسدة للحياة، وإلا لما كررها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا عندما طلب الرجل المزيد من الوصية، وكثير من المشاكل في المجتمع يكون السبب وراءها الغضب، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ أَهْلُ الْفَضْلِ، فَيَقُومُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ، فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْنَ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالُوا: قَبْلَ الْحِسَابِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أَهْلُ الْفَضْلِ ، قَالُوا: وَمَا كَانَ فَضْلَكُمْ ؟ قَالُوا: كُنَّا إِذَا جُهِلَ عَلَيْنَا حَلُمْنَا، وَإِذَا ظُلِمْنَا صَبَرْنَا، وَإِذَا أُسِيَ عَلَيْنَا غَفَرْنَا، قَالُوا: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين.

وذكر مدير الجامع الأزهر ، الوصاية النبوية من القرآن الكريم والسنة النبوية للتعامل مع الغضب كي تستقيم الحياة، حيث راعى الإسلام فيها الجانب المادي والجانب المعنوي، والوصية الأولى هي:  ما قاله  رسول اللهﷺ إذا غضب الرجل فاستعاذ بالله سكن غضبه"، الوصية الثانية: ما علمه النبي ﷺ لأصحابه من تغيير الهيئة التي عليها الإنسان حالة الغضب"  "إذا غضب أحدكم وهو واقف فليجلس"، الوصية الثالثة: ما أمر به النبي ﷺ وهو الوضوء فإن الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، لذا علينا أن نقابل الغضب بالصمت وعدم الاسترسال في الحديث الذي يسبب الغضب، مع الالتزام بوصايا النبي ﷺ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الغضب المشاكل الأزهر الشريف الجامع الأزهر الأزواج المزيد نائب رئیس جامعة الأزهر أستاذ الطب النفسی الغضب بین أن الغضب النبی ﷺ ى الله

إقرأ أيضاً:

«التواصل الاجتماعي مخاطر وضوابط وأحكام» ندوة لخريجي الأزهر بالغربية

شاركت المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف فرع الغربية، في فعاليات المحاضرة الثانية من سلسلة المحاضرات التثقيفية التي يتم تنفيذها بالتعاون مع الجمعية الشرعية بالمحلة، بإشراف فضيلة الدكتور سيف رجب قزامل رئيس فرع المنظمة بالغربية والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بطنطا وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وفضيلة الدكتور محمود عثمان نائب رئيس فرع المنظمة بالغربية، والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بطنطا، والدكتور حاتم عبدالرحمن رئيس الجمعية الشريعة والأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، وذلك بالقاعة الرئيسية بمركز القدس الطبي بالمحلة.

وقدم اللقاء الدكتور أحمد العطفي أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، وحاضر بالندوة الأستاذ الدكتور ياسر الفقي أستاذ الفقه بكلية التربية بجامعة الأزهر الشريف

وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال بين البشر، ووفّرت فرص التعليم والعمل عن بعد، لكنها أيضًا سيطرت على البشر وهزت كيان الأسر ، وساعدت على تصدّر التفهات، وغياب الهوية وانحراف الفكر والعقيدة، وانتشار الأمراض النفسية والعصبية، فبات من واجب أرباب الأسر أن يستعيدوا دورهم التربوي، ويعيدوا الدفء والمودة إلى البيوت فالأسرة هي البنيان الأساسي للمجتمع، وتحظى بالمكانة العالية في الإسلام، وحرص الإسلام على تعزيز العلاقة الزوجية وتوفير المودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: ﴿‌وَمِنْ ‌آيَاتِهِ ‌أَنْ ‌خَلَقَ ‌لَكُمْ ‌مِنْ ‌أَنْفُسِكُمْ ‌أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾

وأضاف أن التواصل بين البشر غاية منشودة، لتحقيق إعمار الأرض وتعزيز التعارف بين البشر، واكتساب المعرفة، وتبادل الخبرات والمعلومات: ﴿يَا أَيُّهَا ‌النَّاسُ ‌إِنَّا ‌خَلَقْنَاكُمْ ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌وَأُنْثَى ‌وَجَعَلْنَاكُمْ ‌شُعُوبًا ‌وَقَبَائِلَ ‌لِتَعَارَفُوا﴾ وتوسعت آفاق الاتصال بين البشر، وظهرت مواقع للتواصل الاجتماعي مع بداية القرن الحادي والعشرين، و عجزت عن التوحد حول هدف يجمعهم إلا أن استخدام هذه الشبكات والتفاعل عليها كان شيئًا توحدوا حوله من الشرق إلى الغرب، وكان له أثرٌ كبير على البشريةِ، وجزءًا من حياتنا،

واستطاع البعض الصمود دون أن تنالَ من عقيدته وثوابته، لكن آخرين جرفتهم الرياح في طريقها وبدلت أحوالهم، ولا يمكن إنكار أن بعضًا من آثار وسائل التواصل كانت بمثابة خير ومنافع وتحقيق التواصل الثقافي والفكري والسياسي بين الأفراد من شتى البقاع، وتوجيه الرأي العام العالمي تجاه الكثير من القضايا الدولية التي كانت غائبة أو مُغيبة قسرًا عن الإعلام لعقود وأبرزها القضية الفلسطينية.

وشبكات التواصل الاجتماعي تهدد بنيان الأسرة  وتستهلك الجزء الأكبر من وقت كل فرد في الأسرة، وتؤدى الي ارتفاع نسب الطلاق والإدمان وتفكك الأسر والشعور بعدم الاكتفاء الزوجي الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشاكل الزوجية ويرفع من احتمالات الطلاق بالاضافة الى تحوله أحياناً الي هدم القيم الإجتماعية والهوية وو سيلة للإبتزاز والإنحرفات السلوكية في ظل صمت أسري كارثي وغياب الحوار بين أفراد الأسرة، والعنف وغياب الوازع الديني والأخلاقي لدى الأبناء، وفقدان الهوية الثقافية والدينية، وهذا يؤدي إلى ضعف الهوية الثقافية والاندماج الضعيف في المجتمع و تشويش الرؤية والتفكير النقدي، ما يجعل من الصعب على الأشخاص التمييز بين الحقائق والأكاذيب، وهذا يؤثر على فهمهم الصحيح للعقيدة والهوية، وتسلل ظواهر سلبية إلى المجتمع كالإلحاد والعلمانية والمثلية والتحول الجنسي 
والسلوكيات المضطربة والعدوانية والتنمر  والتطرف السلوكي والتشيع العزله الاجتماعية والأكتئاب والقلق واليأس وانعدام الثقة وضعف الهمةوخطوات العلاج هو خفض ساعات استخدام تلك المواقع تدريجيًا، وكذا ينصح الخبراء بغلق إشعارات التطبيقات للتخلص من القلق الاضطراب وخلق جو أسري دافئ والدين والأخلاق  هي السياج الواقي الذي يحافظ على بنيان الأسرة المسلمة من التفكك، لذا فإن من الأولويات المحافظة عليها وعدم تخطيها بأي حال من الأحوال.

مقالات مشابهة

  • لماذا أوصى النبي بقراءة آية الكرسي 3 مرات بعد صلاة العشاء؟
  • مفتي الجمهورية وقيادات جامعة الأزهر يكرمون المشاركين في دورة مواجهة الشبهات الإلحادية
  • ماذا أقول بعد الأذان؟.. بـ16 كلمة تحل لك شفاعة النبي
  • نائب رئيس جامعة الأزهر يحث الأطباء الجدد على تقوى الله في السر والعلن
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يناقش غدًا "الغضب بين الشرع والطب"
  • سعاد صالح: تعريب الطب بالأزهر مطبق في دول عربية
  • شبيه النبي الذي رآه ليلة الإسراء والمعراج وأوصاه بـ 5 كلمات
  • لماذا قال سيدنا النبي عن شعبان شهر يغفل فيه الناس ؟
  • «التواصل الاجتماعي مخاطر وضوابط وأحكام» ندوة لخريجي الأزهر بالغربية