معركة الفاشر هل تكون فاصلة ؟
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
ليس من المبالغة في شيء القول إن عملية الانتحار الذاتي السودانية التي بدأت في 15- 4 - 2023 والتي يقودها -من منطلقات مختلفة ومتعارضة إلى حد كبير- قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الذي كان نائبا للبشير ومن بعده البرهان، ولم يستطيعا التوافق فيما بينهما لخلافات شخصية ولأسباب لا يستطيع أحد أن يصدق أن من بينها مصلحة السودان الشقيق الذي يتم تخريبه وتدمير موارده منذ اندلعت الحرب اللعينة من أجل السلطة بغض النظر عن المبررات التي يعلنها هذا الطرف أو ذاك.
وإذا كان من الخطر بالنسبة لحاضر ومستقبل السودان وتنميته والحفاظ على وحدته وأوضاعه الاجتماعية أن تتواصل أساليب الحرب الدخيلة على المجتمع السوداني المسالم بطبعه، فإن مواجهة أي تهديد للسودان ولتماسكه الوطني أيا كانت طبيعته يتطلب التصدي لإفرازات حرب الانتحار الذاتي التي يدفع السودان ثمنها غاليا.
وفي هذا الإطار، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب من أهمها: أولا، أنه من المهم والضروري العمل على وضع حد للحرب والعمل لوقف المواجهات وأعمال العداء في كل ولايات السودان التي تحتاج في الواقع إلى كل مواردها لتلبية احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وبالرغم من أن محادثات جدة التي بدأت بالتعاون بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ أكثر من عام، إلا أن المحادثات لم تسفر عن خطوات عملية يمكن أن تساعد في التقريب بين وجهات نظر البرهان وحميدتي . واقتصر الأمر حتى الآن على تصريحات ذات طابع مقبول دون اتخاذ خطوات عملية يمكن الإمساك بها والسير نحو تطبيقها. وبالتالي لم تتحرك جهود الحل عمليا، وإذا كان ذلك يعود في جانب منه إلى افتقاد الرغبة من جانب كل طرف في الحل أو على الأقل تفضيل التأجيل من منطلق ثقة كل طرف في إمكانية تحقيق النصر على الطرف الآخر من ناحية، يضاف إلى ذلك أن مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تتأثر بمصالحها حسب وجهة نظرها ومصالحها المنظورة وغير المنظورة، ويزيد من تعقيد الأمر أن طرفي الحرب لا يملكان الأموال التي تمكنهما من ممارسة ضغوط ما على أطراف قادرة على التأثير في سير الحرب أو توفير دعم بأسلحة قد تؤدي إلى قلب معادلات الحرب رأسا على عقب. صحيح حدث ذلك أحيانا خلال الفترة الماضية ولكن نفقات الحرب العالية تحول دون استمرار ذلك من جانب الدول الداعمة أو الراغبة في الدعم وفق الحسابات المحتملة. ومن هنا تتأثر مواقفها بشكل كبير بمواقف وحسابات المصالح وحسابات الحرب وسيرها ونتائجها التي انتقلت إلى يد أطراف إقليمية ودولية لها مصالحها الخاصة ولا تستطيع أطراف الحرب السيطرة عليه بشكل كبير أو التحكم فيها وهذا جزء من الثمن .
ثانيا، أنه في الوقت الذي يحسب فيه للاتحاد الإفريقي أخذه بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء وفرض عقوبات على من لا يلتزم بذلك، فإن السودان التزم ورفض بالفعل التدخل في شؤونه الداخلية وهناك في الواقع خيط رفيع ودقيق يميز بين أنماط وصور العلاقات بين الدول في حالات الحرب والسلم وتتداخل الأشكال والأبعاد إلى درجة تثير ارتباكات كثيرة أو تقاطعا كبيرا في أحيان كثيرة ونموذج الحرب في أوكرانيا يحمل الكثير من الدلالات في هذا المجال وهو ما أكدته جامعة الدول العربية بما في ذلك احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه.
ثالثا، أن من أكثر نتائج الحرب إضرارا بحاضر ومستقبل السودان أن الحرب واستمرارها إلى ما يزيد على العام وعشرة أشهر وهو ما سيتجاوز ذلك بالتأكيد، أدت إلى تآكل التقيد بقواعد ومبادئ الحرب وهو ما يقل بشكل متزايد خاصة وأن الميليشيات والجماعات المسلحة تتكاثر كالفطر في السودان من ناحية، كما أن الخارجية السودانية تضع شروطا للحل السياسي، وبالتالي زاد عدد الميليشيات في دارفور على سبيل المثال من 3 حركات مسلحة في عام 2003 لتصل إلى ما يزيد على 87 حركة بعد الحرب وفي عام 2020 وقعت الحركات الدارفورية اتفاق جوبا للدفاع عن المدنيين السودانيين ولكن انحازت 3 حركات فقط إلى الجيش وعملت الحركات الأخرى منفردة ثم تخلت فيما بينها عن حيادها واتخذت مواقف سياسية وعسكرية انحازت في إطارها لهذا الجانب تارة وذاك تارة أخرى حسب مصالحها وهو ما زاد من الخلافات والتشرذم والانقسام فيما بينها.
رابعا، أنه في حين يقوم حميدتي بحشد قواته استعدادا لمعركة «الفاشر» التي ستكون حاسمة في ضوء حجم التحشيد لها وما يمكن تحقيقه عمليا قد تحمل معها نهاية للحرب خاصة في ضوء ما يمكن جمعه من أسلحة لصالح كل طرف ناحية وفي ضوء مدى محافظة الجيش على زخم تقدمه على حساب الدعم السريع وزيادة ضغوطه عليها وهو ما لن يكون سهلا في ضوء علاقات القوة الراهنة.
ومن جانب آخر، لن يكون ذلك سهلا على الأرجح في ضوء علاقات القوة لكل طرف مع القوى الإقليمية والدولية التي سترفض هزيمتها خدمة لمصالحها الذاتية.
وفي النهاية ومع اقتراب شهر رمضان المبارك واحتمال تجدد الحديث عن هدنة في السودان والضغط الإقليمي والدولي من أجل الحل وفق مبادرة جدة كما حدث في العام الماضي، فإن ذلك سيتوقف إلى حد كبير على نتائج معركة «الفاشر» القادمة ومدى النجاح في حشد الأطراف الراغبة في وقف القتال عربيا وإفريقيا ودوليا. أما الفشل في ذلك فإنه سيعني وصول المأساة في السودان إلى غايتها بكل ما قد يترتب عليها من نتائج مفجعة فهل ننقذ السودان أم نتركه للتفكك والخطر الداهم؟
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی من جانب فی ضوء کل طرف وهو ما
إقرأ أيضاً:
54 قتيلا في قصف لقوات الدعم على سوق في أم درمان
السودان" أ ف ب":
قُتل 54شخصا اليوم جراء قصف نفّذته قوات الدعم السريع في السودان على سوق في أم درمان بضواحي الخرطوم ، حسبما أفاد مصدر طبي وكالة فرانس برس.
وقال المصدر في مستشفى النو طالبا عدم الكشف عن هويته، إنّ الجرحى "ما زالوا يصلون إلى المستشفى" بعد الهجوم الذي نسبه إلى قوات الدعم السريع.
ويشهد السودان منذ أبريل 2023 نزاعا داميا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب ولا سيما استهداف مدنيين، وشنّ قصف عشوائي على منازل وأسواق ومستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وأدّى النزاع في السودان إلى كارثة إنسانية هائلة مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص فيما الملايين على حافة المجاعة.وبعد مراوحة استمّرت أشهرا في الخرطوم، كسر الجيش في الأسبوع الماضي حصارا كانت قوات الدعم السريع تفرضه على مقر قيادته العام في العاصمة السودانية.
في اليوم نفسه، أعلن الجيش استعادة مقر سلاح الإشارة وطرد قوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي النفطية في شمال الخرطوم.
وقال شهود على الهجوم اليوم إنّ مصدر القصف كان غرب أم درمان، وهي منطقة لا تزال تحت سيطرة قوات الدعم السريع.وكان قائد هذه القوات توعد الجمعة بطرد الجيش من العاصمة، مقرا بصورة غير مباشرة ولأول مرة بانتكاسات قواته أمام الجيش السوداني في العاصمة.
في غضون ذلك دان مجلس الأمن الدولي "بشدة" اليوم تكثيف الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع السودانية على مدينة الفاشر في دارفور، ودعا إلى وقف "فوري" لإطلاق النار بين الطرفين المتحاربين في البلاد.
وأعرب أعضاء مجلس الأمن في بيان عن "قلقهم العميق إزاء تصعيد العنف، بما في ذلك في مدينة الفاشر ومحيطها".
وعبروا خصوصا عن "ادانتهم الشديدة للهجمات المستمرة والتي تتكثف ضد الفاشر في الأيام الأخيرة من جانب قوات الدعم السريع، وأيضا للمعلومات المتعلقة بهجوم على المستشفى السعودي بالفاشر في 24يناير والذي أدى إلى مقتل أكثر من 70 مريضا كانوا يتلقون رعاية".وكان هذا آخر مستشفى يعمل في أكبر مدن دارفور.كما دعا المجلس قوات الدعم السريع إلى "إنهاء حصار الفاشر"، وهو ما سبق أن دعا إليه دون جدوى في قرار اعتمده في 2024.
كذلك دعا المجلس مرة أخرى إلى "وقف فوري للأعمال العدائية" وطلب من جميع أطراف النزاع ضمان حماية المدنيين، معربا عن قلقه بشكل خاص إزاء الوضع الإنساني لسكان الفاشر ومخيم زمزم المجاور الذي يضم نازحين.ودعا بيان المجلس جميع الدول الأعضاء إلى "الامتناع عن أي تدخل خارجي يهدف إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار" والى احترام حظر الأسلحة المفروض على دارفور.