أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق تقديم المساعدات الخارجية الأمريكية "لأغراض التقييم" تفاعلات واسعة ومخاوف لدى فئات عربية تعتمد على المنح التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، خاصة في مجال التعليم.

ووصف الرئيس الأمريكي الاثنين٬ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها "تُدار من قبل مجموعة من المجانين المتطرفين"، وذلك في أعقاب التقارير التي أفادت بوصول ممثلي وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE) إلى المقر الرئيسي للوكالة في العاصمة واشنطن، والاطلاع على بيانات المواطنين الأمريكيين والمساحات السرية.


President Trump on USAID: "It has been run by a bunch of RADICAL LUNATICS and we're getting them out ... and then we'll make a decision" pic.twitter.com/PUkToccYca — Rapid Response 47 (@RapidResponse47) February 3, 2025
وردًا على هذه التقارير، وجه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، مطالبين بإجابات واضحة حول هذه التطورات.
"We are in a dire, dire place."

Former USAID staffer @JeremyKonyndyk warns that the potential shutdown of the agency will have deadly impacts around the world. pic.twitter.com/MKREtQV2Vu — Democracy Now! (@democracynow) February 3, 2025
وعندما سُئل ترامب عن تعليقه على الأمر، قال للصحفيين: "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تُدار من قبل مجموعة من المجانين المتطرفين، ونحن نقوم بإخراجهم... إنها تُدار من قبل مجانين متطرفين، ونحن نعمل على إخراجهم، وبعد ذلك سنتخذ قرارًا بشأن مستقبلها."


وبعد توليه منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، أصدر ترامب قرارا بتجميد المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا "لإجراء تقييم شامل".

وفي خطوة متصلة، قرر وزير الخارجية الأمريكي، الاثنين الماضي، وقف جميع المساعدات الخارجية الممولة من قبل وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أو التي يتم تنسيقها عبرهما، وذلك لإجراء مراجعة شاملة.

ويذكر أن إدارة ترامب السابقة (2018-2021) كانت قد خفضت إنفاق المساعدات الخارجية، وعلّقت المدفوعات المخصصة لعدد من وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالإضافة إلى التمويل الموجه للسلطة الفلسطينية.

واقيات ذكرية
بررت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، وقف المساعدات الأمريكية الخارجية بادعاء أن الإدارة السابقة خصصت 50 مليون دولار لشراء واقيات ذكرية لقطاع غزة.

وقالت ليفيت في إحاطتها الصحفية الأولى، الثلاثاء الماضي، إن وزارة كفاءة الحكومة ومكتب الإدارة والميزانية وجدا "أن هناك ما يقرب من 50 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب تم تخصيصها لتمويل الواقيات الذكرية في غزة". وأضافت: "هذا إهدار مثير للسخرية لأموال دافعي الضرائب".


لم تظهر مراجعة أحدث البيانات المتاحة للعموم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) حول شحنات الواقيات الذكرية لعام 2023 أي دليل على وجود شحنة إلى غزة.

واتضح أن الشحنة الوحيدة إلى الشرق الأوسط في ذلك العام كانت بقيمة 45680 دولاراً إلى الأردن، وتم الإشارة إليها على أنها أول شحنة واقيات ذكرية إلى المنطقة منذ عام 2019.

ويظهر تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2023 أن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 60 مليون دولار من وسائل منع الحمل والواقيات الذكرية على مستوى العالم، مع توجيه 89% من الأموال إلى إفريقيا، و9% إلى آسيا، و2% إلى أمريكا اللاتينية.

غوتيريش يطالب "استثناءات إضافية"
وفي رده على هذه الخطوة٬ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه إزاء قرار الحكومة الأمريكية تعليق المساعدات الخارجية.

وقال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، إن الأمين العام يطلب تقديم "استثناءات إضافية" لتوفير المساعدة للمجتمعات المحتاجة في جميع أنحاء العالم.

وأكد دوجاريك أن حياة هذه المجتمعات تعتمد على الدعم الإنساني، قائلاً: "غوتيريش قلق حيال القرار الأمريكي بتعليق المساعدات الخارجية".

وأشار إلى أن الأمين العام مستعد للمضي قدماً مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مبيناً أن الولايات المتحدة هي واحدة من الدول التي تقدم أكبر قدر من المساعدات، وشدد على أهمية العمل معاً بشكل بناء.

ما هي الوكالة الأمريكية؟
والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) هي وكالة حكومية تعمل على تقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية لدول العالم بهدف دعم التنمية وتعزيز الاستقرار والأمن العالمي. وتأسست الوكالة عام 1961 بأمر من الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وتتبع مباشرة لوزارة الخارجية الأمريكية.

أهداف الوكالة:
1.تعزيز التنمية الاقتصادية: من خلال دعم مشاريع البنية التحتية، وتمويل برامج التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وزيادة فرص العمل.

2.تقديم المساعدات الإنسانية: في حالات الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة، حيث توفر الغذاء، والمأوى، والرعاية الطبية الطارئة.

3. دعم الديمقراطية والحوكمة: عبر تعزيز المؤسسات الديمقراطية، ودعم الانتخابات الحرة، ومكافحة الفساد.

4. تحسين الصحة العامة: من خلال مكافحة الأمراض المعدية مثل الإيدز والملاريا، ودعم برامج التطعيم، وتحسين خدمات الرعاية الصحية.

5. تعزيز الأمن الغذائي: عبر دعم الزراعة المستدامة، وتحسين إدارة الموارد المائية، ومكافحة الجوع وسوء التغذية.

6. دعم التعليم: من خلال بناء المدارس، وتدريب المعلمين، وتوفير المواد التعليمية، خاصة في المناطق الفقيرة.

مجالات عمل الوكالة:
- الصحة: مكافحة الأمراض، تحسين خدمات الرعاية الصحية، ودعم برامج الصحة العامة.

- التعليم: تحسين جودة التعليم، ودعم برامج محو الأمية، وتمويل المنح الدراسية.

- البيئة: دعم مشاريع الطاقة المتجددة، وحماية البيئة، ومكافحة تغير المناخ.

- الاقتصاد: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحسين البنية التحتية، وزيادة فرص العمل.


- المساعدات الإنسانية: تقديم المساعدات العاجلة في حالات الكوارث والنزاعات.

آلية عمل الوكالة:
تعمل الوكالة من خلال شراكات مع الحكومات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية لتنفيذ برامجها. كما تقوم بتمويل مشاريع تنموية طويلة الأمد، بالإضافة إلى تقديم مساعدات طارئة في أوقات الأزمات.

تأثير التعليق على الدول العربية
وحول تأثير هذه الخوة على الدول العربية٬ وأوضح متخصصون في الشؤون الأمريكية أن قرار ترامب قد يزيد من الأعباء الاقتصادية على شرائح عديدة في المنطقة العربية، التي تعاني أصلاً من تحديات اقتصادية، خاصة مع توقعات بخفض كبير في حجم تلك المساعدات.

الأردن
كشفت مصادر أردنية مطلعة أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أبلغت الجهات التي تتعامل معها بأنها أوقفت التمويل مؤقتًا، وذلك في انتظار مراجعة كل تمويل جديد أو تمديده والموافقة عليه بما يتماشى مع أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كما كشفت المصادر عن وقف عمل موظفي المشاريع الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الأردن، وذلك فور إعلان تعليق المساعدات الأمريكية الخارجية التي شملت المملكة. وأشارت إلى أن العاملين في هذه المشاريع يوقعون عقودهم مباشرة مع الوكالة الأمريكية، وهي المسؤولة عن دفع رواتبهم الشهرية، حيث تنتهي أعمالهم مع انتهاء المشاريع أو قرار تجميد تمويلها.

وفي أيلول/سبتمبر 2022 ٬ أعلنت الحكومة الأمريكية دعمها الأساسي للأردن من خلال توقيع مذكرة تفاهم تُلزم بتقديم مساعدات مالية سنوية للمملكة بقيمة 1.45 مليار دولار للفترة من 2023 إلى 2029.

كما وُقّعت في كانون الأول/ديسمبر الماضي اتفاقية منحة مالية إجمالية قدرها 845.1 مليون دولار، لدعم ميزانية الأردن للسنة الحالية، وذلك بتوقيع وزيرة التخطيط، زينة طوقان، ومديرة بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ليزلي ريد.

وتأتي هذه الاتفاقية ضمن إطار برنامج المساعدات الاقتصادية الأميركية السنوية للحكومة الأردنية.

وفي تصريحات صحفية، أوضح نائب رئيس الوزراء الأسبق، جواد العناني، أن قرار تعليق المساعدات لا يستهدف الأردن بشكل مباشر، مشيراً إلى أن المملكة قد حصلت على دفعتها الأخيرة من المساعدات، وأن الدفعة التالية ستُصرف بعد انتهاء فترة التعليق.

وأضاف العناني، الذي يُعد من أبرز المتعاملين بملف العلاقات الأردنية–الأمريكية، أن الأردن يجب أن يأخذ هذا القرار في حساباته وأن يستعد لأي تطورات مستقبلية قد تطرأ على الملف.

مصر..استثناء التسليح
ارتابَت الحكومة المصرية عقب صدور قرار ترامب بتعليق تمويل المؤسسات المحلية والدولية. وجاء هذا القرار رغم استثناء المساعدات العسكرية لمصر، ما أحدث فوضى داخل الدوائر الأميركية، وأثار مخاوف مصرية من صعوبة تمويل مشروعات مكافحة الفقر والمبادرات التعليمية والصحية التي كان يستفيد منها أعداد كبيرة من المواطنين محدودي الدخل.


وتتضمن أنشطة المعونة الأميركية، وفقاً لمصدر من مؤسسة حقوقية، تمويل برامج لاستيراد السلع للفقراء، والتمويل النقدي، وأنشطة الدعم الفني التي تشمل توفير خبراء مهارات التنمية والتقدم المؤسسي.

كما يشمل ذلك إدارة الموارد البيئية، وتعزيز الحكم الرشيد، وإجراء الحوار المجتمعي، وتنمية المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى تدريب القضاة والصحفيين والعاملين في وزارتي الصحة والسكان والتعليم الأساسي.

وفي تصريحات صحفية، أعلن وزير الخارجية الأميركي عن استثناء التمويل العسكري الأجنبي للاحتلال الإسرائيلي ومصر، إضافة إلى النفقات الإدارية والرواتب اللازمة لإدارة التمويل العسكري.

كما تم استثناء المساعدات الإنسانية الطارئة التي تُدخَل إلى غزة لتنفيذ وقف إطلاق النار، والمناطق التي تواجه أزمات جوع في السودان وغيرها من الجهات المستهدفة بموجب القرار التنفيذي، الذي يهدف إلى مراجعة جميع النفقات الأميركية في الخارج، من أجل تحقيق هدف "أميركا أكثر أماناً وأكثر ازدهاراً."

كما نقلت وسائل إعلام محلية شكاوى طلاب مصريين مستفيدين من منح الوكالة الأمريكية، حيث تصدرت مقاطع فيديو ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي تعبيرات عن تضررهم من تجميد المنح، وذلك تحت وسمي "أنقذوا مستقبلنا" و "أزمة طلاب المنحة".
"مستقبلي ضاع وحياتي راحت".. طالب بالدراسة التمهيدية بالجامعة الأمريكية يبكي على الهواء بعد قرار وقف المنح الدراسية#كلمة_أخيرة#لميس_الحديدي #ON pic.twitter.com/rLPLSWY9f2 — ON (@ONTVEgy) February 2, 2025

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ترامب المساعدات مصر مصر الاردن مساعدات ترامب الوكالة الامريكية للتنمية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة المساعدات الخارجیة الخارجیة الأمریکی الرئیس الأمریکی تقدیم المساعدات تعلیق المساعدات الأمین العام ملیون دولار من خلال قرار ا من قبل التی ت

إقرأ أيضاً:

المساعدات .. طُعم لدس السم في العسل

يذهب التعريف بالعالم الاجتماعي على أنه يقوم على «ﻣﺒﺎدئ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء»بمعنى أن يقوم على الندية، والتكافؤ، وهذا لا يلغي مسألة التكافل التي تقوم عليها المسألة الاجتماعية برمتها، وهذا المعنى ليس مقصورا على المجتمعات التقليدية البسيطة، فكل المجتمعات بتركيباتها المعقدة؛ من حيث الحمولة السكانية، وتعقد أنشطة حياتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستغني عن مبدأ التكافل، ولذلك نرى هذا التلاحم في الأحداث الكبيرة حيث يشمر عن ساعد الجد الجميع بلا استثناء، حيث تتجاوز هذه الصورة الهويات المتباينة والمشار إليها بهويات الدين، والعرق، واللون، والنوع، والمذاهب، والإنتماءات السياسية، والثقافية، وغيرها مما يندرج تحت عنوان الهويات.

ينظر إلى المساعدات على أنها عطاء باليد اليمنى، والأخذ باليد اليسرى، ليس أكثر، وأن كل ما يروج له في شأن المساعدات لا يخرج عن هذه القاعدة المتكافئة، وغير المتكافئة، المتكافئة من حيث الأخذ والرد في آن واحد، وغير متكافئة من حيث تضرر الفئة المحتاجة للمساعدات، وهي التي تتخذ فخا لجلب الأموال من الأفراد، ومن المؤسسات، ومن الدول؛ في أحيان أخرى، سواء أكان ذلك في حالة الأزمات الإنسانية/ أو الأزمات الطبيعية، أو أزمات الحروب، ومناخات الفقر، والفساد الذي تعاني منه الكثير من دول العالم، فحتى برامج منظمات الأمم المتحدة لم تسلم من هذا الاسترزاق الذي يمارسه موظفوا هذه المنظمات تحت غطاء الأمم المتحدة، من خلال تسلطهم على الفقراء والمحتاجين؛ واستغلال حاجتهم، وضعفهم، وقلة حيلتهم، حتى وصل الأمر إلى انتهاك حقوق الإنسان من خلال الاستغلال الجنسي والمنة والتفضل، وإراقة ماء الوجه، وهتك الأعراض، خاصة في الدول المصنفة تحت قائمة الحروب وعدم الاستقرار، أو المصنفة تحت قائمة الأنظمة الفاسدة التي لا تراعي مصالح مواطنيها، وإنما تستأثر بالمساعدات الأممية وغيرها فتوظفها لمصالحها الخاصة، وللحاشية القريبة منها، ولا يحصل من هم حقا؛ محتاجون إلا على الفتات، وهذا لا يخرج عن مفهوم المن، والتشهير بهؤلاء المحتاجين، حيث تمارس عليهم شتى أنواع الممارسات غير الإنسانية، وهم في حالة ضعف شديد، حيث لا مدافع عنهم ولا رقيب على الآخر.

تتحول المساعدات؛ وفق ما جاء أعلاه إلى أدوات ضغط وتلاعب، وإذا كان الفرد العادي ليس من ورائه مصلحة؛ إلا ما يمكن استغلال ضعفه سواء في امتهان كرامته، والنيل من حقوقه الإنسانية، فإن الأمر يختلف كثيرا على مستوى الانظمة السياسية في مسألة الضغط والتلاعب، حيث تخضع هذه الأنظمة – فقط لأنها تتلقى معونات ومساعدات – إلى تهديد مباشر، وممارسات للي الأذرع لأن تنفذ أجندات الدول المتسلطة سواء بصورة تهديد مباشر، أو غير مباشر، فوق أنها تعيش كل سنوات عمرها تحت تبعية متواصلة غير ممهورة بسنة انتهاء، وهذا مما يعمق من مأساة هذه الدول التي تتلقى المساعدات؛ حيث تظل ضحية دائمة للمتسلط، من ناحية، ومن ناحية أخرى تفقد مبادرة الإعتماد على نفسها من خلال تطوير برامجها الإنمائية التي تنقلها من حالة العسر إلى حالة اليسر، وتهبها استقلالها، وتحررها من ربقة المستعمر، والمتنفذ عليها ولو بالفتات مما يطلق عليه مساعدات إنسانية، زورا وبهتانا، والسؤال هنا؛ هل حقا لا تستطيع هذه الدول التي تقع تحت هذه الإشكالية أن تتحرر من ربقة هذا الاستعمار غير المباشر؟

تقول الحكمة: «والنفس راغبة إذا رغبتها؛ وإذا ترد إلى قليل تقنع» فالنفس مجبولة على الكسل، والإعتماد على الغير في ظروف ما، ولكنها قادرة على العطاء والاستقلال والتحرر في ظروف أخرى، وعند مقاربة صغيرة للصورتين فإن الانظمة السياسية التي تعود نفسها على الفتات من المساعدات التي توهبها لها الدول الكبيرة، وتعمل على ترويضها مقابل تنفيذ أجنداتها الكبرى، فإنها بإمكانها أن تتحرر من هذه الربقة، وتبدأ في استقلال نفسها من أية تبعية كانت، وذلك من خلال استغلال مواردها الطبيعية والبشرية، ولو كانت متواضعة في بداية الأمر، فإنها وبقوة التخطيط الاستراتيجي، وفاعلية البرامج التنموية الموضوعة؛ فإنها لن تلبث طويلا حتى تتحرر من مختلف التبعيات التي تفرضها عليها الدول التي تعطي باليمنى وتأخذ باليسرى، نعم؛ قد تواجه من بداية الأمر الكثير من المعضلات، وأقربها مجموعة المثبطين من ذوي المصالح الخاصة، خوفا على مصالحهم الذاتية الخاصة، ولكن بحكمة من يدير النظام، ورؤيته المستقبلية ستتحرر الأنفس من أية تبعية، وتستغني عن أية مساعدة، واليوم نقرأ ونسمع عن كثير من الدول كانت واقعة تحت مظلة هذه المساعدات، استطاعت أن تحرر نفسها من أية تبعية، وأن تعلن عن نفسها على أنها مستقلة استقلالا تاما، وذلك من خلال استغلال ثرواتها الطبيعية، وتوظيفها لصالح برامجها التنموية، مسندة ذلك بالقوة البشرية العاملة من أبناء الوطن، خاصة أن اليوم أغلب شعوب العالم على قدر كبير من الاستحواذ على المعرفة التي توفرها التقنية الحديثة، حيث أصبحت المعلومة اليوم أقرب من أي زمان كان، وبالتالي فنقل ثقافة الفرد من الاستهلاك إلى الإنتاج قد يحتاج إلى شيء من الجهد في بداية النشئة، ولكن هذا الجهد لن يطول عمره، حتى يأتي بثماره، وربما في فترة زمنية غير بعيدة، فقط المهم تحديد نقطة الصفر للإنطلاق نحو نقل ثقافة الرغبة إلى ثقافة الحاجة، وتحول العطاء من وسيلة لترويض الأنفس للقبول بالفتات، إلى عطاء مبادر بتقديمه إلى الآخر، ووسيلة للسمو والاستقلال، «واليد الأعلى أفضل من اليد السفلى» فما بين الإنفاق والاسترزاق ثمة فاصل دقيق، قد يكون هذا الفاصل خير للأمة، يعفيها من مذلة السؤال والاعتماد على الغير، وقد يكون محنة إنسانية؛ الله أعلم متى تنتهي، حيث التبعية البغيضة المتواصلة إلى ما لا نهاية، وهذا أمر خطير، ليس فقط على الواقع الراهن الذي تعيشه دول من الدول، بل على حياة الأجيال المتتابعة التي تولد، وهي تستشعر منة الآخر عليها، وترى في ذلك هدوئها وسكونها، فلا تستطيع أن تحرر نفسها من تبعيته، في مقابل أنها لا تدرك أنها تدفع ثمنا من كرامتها وعزتها، واستقلال وجودها في الحياة كلها، وليس فقط في لحظتها الآنية القصيرة.

يقول أحدهم في وصف حقيقة المساعدات - ويعني به الدول المتنفذة على غيرها -:»إذا أرادوا الضغط يهددون بقطع المساعدات، وإذا أرادوا إشعال الحرب يفتحون صنبور الدعم؛ وربما يسكبونه في الطرفين في آن واحد» - انتهى النص - هذه هي حقيقة كل المساعدات، ولا يستثنى منها أي شيء، والواقع اليوم كما كان بالأمس يؤكد هذه الحقيقة، ويوثقها في كل الأمكنة التي تجتاحها عواصف الحروب، والفقر، والجهل، والإستعلاء، والتنمر، والتحزب، وإستغلال حاجات الأنظمة وضعف بنيتها السياسية، والإقتصادية، والثقافية، ونستثني هنا بنيتها الإجتماعية، والتي تعتبر خط الدفاع الأخير عن مصالح الأمة، على اعتبار أن البنية الأساسية للمجتمع؛ ليست شرطا أن تكون حصيلة ممارسات الأنظمة السياسية؛ في أغلب الأحيان، بمعنى أن الدول الاستعمارية لن تستطيع أن تتعاطى مع المجتمع بصورة مباشرة من أول وهلة، حتى تجد لها مداخل؛ وهي ليست هينة؛ ولذلك تبقى حذرة في أول الأمر حتى تروض النظام السياسي، وتستحوذ على النظام الاقتصادي، وتهجن النظام الثقافي، ومن ثم تعمل على خلخلة النظام الاجتماعي، وهذا الأمر يتطلب زمنا ليس قصيرا، لذلك تحدث الثورات العارمة والصاخبة، والتي قد يصل بعضها إلى إزالة أنظمتها السياسية، عندما تستشعر القاعدة الاجتماعية الخطر المحدق بها، وتقويض أمنها واستقرارها، وتقليص حريتها وتحررها، ولذلك من الضرورة بمكان استشعار الأهمية الكبرى الذي تشكله القاعدة الاجتماعية، لأنها إن تنطلق، فإنها تنطلق من منطق وطني خالص، مستشعرة أهمية وجودها، وحقيقة قوتها وأثرها، وهذا ما يقلق المستعمر؛ غالبا؛ ويضع له الحسابات الدقيقة، لان خروجه عن السيطرة، معناه نهاية وجود المستعمر، وحتمية مغادرته.

تمثل حقيقة: «المساعدات عطاء باليمنى وأخذ باليسرى» كأهم مقياس لمدى حقيقة توجه الذين يسعون إلى أستجلاب المنافع من هذه المساعدات، وحقيقة نواياهم التي يعملون على توظيفها على أرض الواقع.

مقالات مشابهة

  • الدفاع المدني يتسلم مساعدات لوجستية من قطر
  • شاهد: حرائق هائلة بالقدس - إسرائيل تطلب مساعدات دولية لإخمادها
  • «الإمارات للمساعدات الدولية» تبحث تعزيز التعاون مع«الوكالة السويسرية للتنمية»
  • وكالة الإمارات للمساعدات الدولية تبحث تعزيز التعاون مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون
  • العراق تاسع أرخص الدول العربية بالبنزين
  • الخارجية الإيرانية: الهجمات الأمريكية على الأهداف المدنية باليمن تمثل جرائم حرب
  • الوزير الشيباني يلتقي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • إيران تستقبل فريقا فنيا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في طهران
  • رئيس اتحاد المصارف العربية: الشراكة بين القطاع العام والخاص تمثل رافعة للتنمية
  • المساعدات .. طُعم لدس السم في العسل