وصية أبو حمزة الشاري لأهل غزة
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
سالم بن محمد العبري
بوركت غزة هاشم وأحمد يس وأحمد الشقاقي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار، لقد هزمت غزة حرب الإبادة، وأول الحشر وحولته غزة لحشر الصهاينة كما أفصح عنه قول الله – سبحانه وتعالى- في سورة الحشر: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ".
إنّ غزة ليست كما يتصورها ترامب وإخوته من الصهاينة عمائرها شاهقة المباني تعج بالحياة الفانية وقصورها فاخرة وملاهيها ماجنة ساهرة، يعيث بها المترفون ليل نهار وليست نموذجا كما تشتهيه الرأسمالية والماسونية والتجار المطففون.. في غزة (جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ) يبحث عن صور لصلاح الدين وناصر بن مرشد وعمر مكرم ومحمود البارودي وعرابي وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وأبو القاسم الشابيّ. وحسِبَ هؤلاء المناضلون أنّ المصورين والمثّالين لم يختلقوا لهم صورًا؛ بل كان نضالهم هو الرسام العبقري الذي رسم لهم صورا ذهنية في عقول الجماهير المؤمنة بأفكارهم والشاهدة على أفعالهم.. وحسبنا نموذج جمال عبدالناصر وشكري القواتلي وعبد المنعم رياض ومحمد فوزي وأحمد بن بله وهواري بومدين.
فعندما ذهب عبيد الله اليمنيّ إلى غزة المعزولة وجد كل ما يحلم به من أبطال ورجال، ثم عرج إلى مسجد البراق فيها، والتقى بالمرابطين، ولكن وجد عمارة هذا المسجد غير التي عهدها في مساجد سائر بلاد المسلمين اليوم مرصعة ومطلية آياتها وزخارفها بالذهب والفضة ومزودة بأدوات فاخرة؛ بل كأنك في فناء الصفا والمروة وعند مدخل الصحن ستجد حجالا للمياه (قلال) للشرب وكفى وستجد نفسك تقرأ: "وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا" (الإسراء: 80)
تقرفص عبيد الله اليمني في ركن قصيّ من مسجد البراق في غزة وأخذته سِنة من نوم فحلم أنه يطوف بالكعبة وسرعان ما استقيظ من سباته غير متكيء على أذان العصر وانتبه له المؤذن و رآه كأنه لم يره من قبل، وذهب إليه مرحبا: يا أخي كأنك لست من غزتنا، غزة العزة!! قال نعم جئت إليكم من اليمن لأحتفي معكم بوقف أول حرب فلسطينية عربية دامت 470 يومًا فربما تطول الحروب لم تبلغ شهرين وتقصر مثل ستة أيام كنكسة يونيو 1967 مع هذا الكيان الذي جاء أفراده من أقاصي الدنيا واستوطنوه ليقال لهم إنه وطنهم وقد اجمتع فيه من وصفهم الله بقوله: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" (المائدة: 82)
ما اسمك يا أخي؟ قال عبيدالله العمري. قال نصلي، ثم تأتي معي. وإذا بإمام الجماعة وكأنه يمني أو عماني أو من جنوب المغرب ثوبه أبيض وعمامة رأسه بيضاء طويلة كعمامة السودانيين المراغنة؛ فهي غطاء وكفن حين لقاء الله.. صلوا الفرض وأردفوا السنة ولم يطل الإمام؛ بل حاله كحال إمام بصحار أو نزوى أو بمسقط أو القابل أو في مسجد الحسين بالقاهرة وهو مالكي يمكن له أن (يكتف) أو (يُسبل) اتباعًا واحترامًا.
فلما فرغا من الصلاة في ذكرى ليلة الإسراء والمعراج وتلك من الصدف الطيبة التي عوضته عن المشاركة في الاحتفاء بالنصر في ميدان السبعين بصنعاء أو ميدان التحرير أو ساحة الأموين وغيرها من ساحات العروبة. وفي تلك الليلة تذكر القائد إبراهيم الحمدي الذي اغتالوه حين استشعروا فيه الجد والعمل وعقيدته الوطنية الساعية لإخراج اليمن من رقادة كما تنبأ له محمد حسنين هيكل وكما أراده عبدالناصر سيفا للعروبة ونتذكر الزعيم جمال عبد الناصر الذي قاتل الرجعية وأحيا القومية فتآمروا عليه غربا وشرقا وكسروا قرنه في يونيو 1967 التى لم ينهض بعدها حتى توفاه الله في 27 1970 وليؤذن رحيله بانكشاف الأمة لتعود حديقة خلفية للاستعمار الغربي وللرأسمالية المقيتة وكشر الباشوات عن انيابهم حتى باشوات الدين الذين أفتوا لحلف الناتو بدخل بغداد وطرابلس وغيرها من العواصم العربية المقاومة.
لكننا استبشرنا خيرًا حين نهض اليمنيون فحاصروا البحر الأحمر وصيروه بحرًا عربيًا حقًا وبحرًا للحرية والفداء؛ وصاروا شوكة في حنجرة الاستعمار ومازال التاريخ يذكر لكم جهادكم الذي أبدتم فيه الجيش التركي وأعجزتم بريطانيا عن استعمار اليمن الشمالي؛ لكن أيها اليمنيون حذار من الاختلاف ومن الخديعة فأخوتكم في العروبة هم أشد عدواة من أخوة يوسف عليه السلام، وإياكم أن يأتوكم من بوابة (الاستثمار من أجل النهضة) إنها خديعة كبرى للاستيلاء على كل شيء. وثلاثة لا تشاركوهم فيها: الماء والكلأ والسلاح).
وحينما نزل عبيد الله اليمنيّ ضيفًا على يحيى قائد مرابطي غزة ولج عتبة واحدة وإذا هي كَـ(صُفَّة أم سالمة) بـ(حلة الحمراء) المؤسسة عام 1060 هجرية، وتعيش بها عائلة كاملة، وهي لا تزيد عن مساحة تلك الحجيرة إلا بمساحة الدهريز الذى كان يفصله عنها جدار فقط ولا في براحة بيت (الفوق) الذى لا يبعد إلا أمتارا والذى بُنِيَ لأحد ولاة اليعاربة في (الغبي) بـ(الظاهرة) أما هذا المرقد فلا نعلم من بناه وكم نفرا مروا به وكم طفلا شهق شهقة الحياة الأولى فيه، وهل مزقت أصابع أحدهم الرحى الموضوعة بالركن الجنوبي الشرقي عند بويب الغريفة والتى كانت تحبس خطى المارين وهي تطحن غَرْفة من جريدة البُرّ المزروعة بقطيعة اللجل بمزارع الحمراء.
دخل عبيد الله اليمني الحرُّ بيت يحيى الغزاوي فإذا به يمرق لجلسة محاطة بستائر بالية تكاد لا تستر من خلفها ذكرتني بحجيرات شبرا الخيمة وقد سمع عبيدالله زوجة يحيي وقد فرغت من صلاتها قائلة: كيف تأتي لنا بضيوف في هذه الفترة التى حصرنا القريب والبعيد.. أنا أخذت وريقات من البصلة الخضراء التى زرعتها في فخار قديم ووضعتها مواجهة للشمس وكنت سأعطي الأولاد بعض العجوة التي أتت لنا من نخيلات غزة و(العريش) و(سيوا) دعني أشوف أم محمد جارتنا لعلها تحفظ بقايا خبز خرجت وما هي إلا لحظيات وعادت برغيف (فينو) كما يسمى بمصر! جاءها من نفق لم يهدم، هرَّب أحرار مصر منه ربطات خبز وكانت إحداها من حظ هذه الأسرة.. قدمت أم إبراهيم طبق به قارورة بها مزيقة ماء مع قطيعات بصل أخضر ونقيطة سمن أو زيت قديم أسود لطول عصره، استشعر عبيد الله الحرج ويحيي يردد: اسمح لنا. ما أبقى لنا الصهاينة فوهة نفق إلا وأقفلوها. فقال عبيدالله اليمني: لا عليك حالنا ليس بأفضل بكثير منكم فنحن أيضا في حصار من أغلب الجيران وفرقاطات بحرية الغرب الغاشم المدعي للإيمان والإسانية. نحن وأنتم نتقاسم البؤس والجهاد وننتظر وعد الآخرة (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)؛ بل أنتم أشبه برجال البعثة النبوية الأولى ورجال الفتوحات لم تفرق بينكم، هنا إسلام فطري وجهاديّ.
وما أشبه الليلة بالباحة حين دخل العُماني الأزديّ أبو حمزة الشاري المدينة المنورة، وعليه قميص خلق وكساء صوف معتم بعمامة بيضاء وعلى عاتقه حمالة سيفه من ليف النخل قائلا: «يا أهل المدينة، تعيرونني بأصحابي، تزعمون أنهم شبابٌ، وهل كان أصحاب رسول الله ـ إلا شبابا؟ نعم الشباب والله، مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الحرام أعينهم، بطيئة عن الشر أرجلهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، موصول كلالهم بكلالهم، وقيام ليلهم بصيام نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم من طول السجود، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من كثرة القيام وطول الصيام، لقد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، مستقلون ذلك في جنب الله، مستنجزون لوعد الله. حتى إذا رأوا سهام الموت قد فوِّقت، ورماحه قد أشرعت، وسيوفه قد انتضيت، وبرقت الكتيبة ورعدت بصواعق الموت، استهانوا وعيد الكتيبة لوعد الله. فلقوا شبا الأسنة، وشائك السهام، وحد السيوف بوجوههم، وصدورهم ونحورهم، ومضى الشاب هنالك قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، فخر صريعا في الثرى ورملت محاسن وجهه بالدماء، وأسرعت إليه سباع الأرض وانحط إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خشية الله، وكم من يد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده لله، وكم من خَدٍّ عتيق قد فلق بعمد الحديد، فرحم الله تلك الأبدان وأدخل أرواحهم الجنان».
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لا تهجير للفلسطينيين.. محافظ شمال سيناء: مدينة رفح الجديدة لأهل رفح في مصر
أكد اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء، أن مدينة رفح الجديدة لأهل رفح في مصر.
من أمام معبر رفح .. أحمد موسى: إحنا دفعنا تمن غالي حتى يتم تحرير سيناءأحمد موسى: هناك تنمية حقيقية تحدث في شمال سيناءوقال خالد مجاور في حواره مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج "على مسئوليتي" المذاع على قناة "صدى البلد"،: "مدينة رفح الجديدة ليست مدينة لاستقبال الفلسطينيين كما تم الترويج من شائعات".
وتابع خالد مجاور: "لا يوجد أي مكان في شمال سيناء يتم إعداده لتهجير الفلسطينيين له، وهذا الملف خط أحمر بالنسبة لمصر".
وأكمل خالد مجاور: "مصر تستقبل أكثر من 9 ملايين وافد، ولا تعتبر أي فرد فيهم كلاجئ، بل يحصلون على كل حقوق المواطن المصري".
ولفت خالد مجاور إلى أن: "مصر لا تقبل بتهجير الفلسطينيين كي لا يتم تصفية القضية الفلسطينية".